الرئيسيةبحث

فرنسيس سكات فيتزجيرالد

فرنسيس سكات فيتزجيرالد
فرنسيس سكات فيتزجيرالد

فرنسيس سكات فيتزجيرالد كاتب أمريكي ولد في 24 أيلول / سبتمبر 1896 في مدينة سانت بول، إحدى مدن ولاية مينسوتا في الغرب الأوسط من الولايات المتحدة. وقد صادف شهر مولده الشهر الذي نُظم فيه النشيد الوطني للولايات المتحدة، وهكذا أطلقت العائلة على وليدها اسم فرنسيس سكات تيمناً باسم ناظم كلمات النشيد فرنسيس سكات كي (1779_1843) Francis Scott Key الذي لم يكن سوى أحد أسلاف فيتزجيرالد، وذلك قبل مولد هذا الخَلف باثنين وثمانين عاماً.

أما والده إدوارد فيتزجيرالد الذي كان على قدر من التهذيب والجاذبية والأناقة، فلم يصب كثيراً من النجاح المادي من إدارة متجر لبيع الأثاث، وحمله كساد تجارته عام 1897 على الانتقال والعائلة إلى مدينة نيويورك حيث عمل بائعاً، لكنه عاد إلى سانت بول بعد أن سُرّح من العمل عام 1908، وهو العام نفسه الذي التحق فيه هذا الابن الوحيد بأكاديمية سانت بول وهو في سن الثانية عشرة، لتتولى عائلة والدته التي كانت من العائلات الموسرة معظم مصاريف دراسته، فكان لكرم أخواله الفضل في أن تعيش عائلة فيتزجيرالد على قيد أنملة من الفقر، فلم تعان بؤس الفقر، لكنها لم تتذوق طعم الثراء.

في سن الثالثة عشرة (عام 1909( نُشرت له أول قصة بعنوان لغز رهن ريموند The Mystery of the Raymond Mortgage في مجلة أكاديمية سانت بول الآن وبعدئذٍ Now & Then، وهي قصة متواضع مستواها حاكى فيها أسلوب قصص شارلوك هومز. ثم نشر عقب ذلك ثلاث قصص أخر خلال العامين اللاحقين، ليأخذ بعد ذلك بتأليف مسرحيات وهو ما يزال طالباً في تلك الأكاديمية.

وعلى ما كان يتمتع به هذا الأديب من مخايل الذكاء في سني طفولته، لم يكن تلميذاً مبرزاً، فلم يتفوق سوى في حلقات النقاش والمناظرة، كما بزّ أقرانه في الألعاب الرياضية، الأمر الذي حدا بوالده لإرساله عام 1911 إلى مدرسة نيومان Newman، إحدى أفضل المدارس الداخلية التابعة لكنيسة الروم الكاثوليك في مدينة هاكنساك Hackensackفي ولاية نيوجيرسي التي كان يُرسل إليها أبناء الطبقة المترفة.

تعرّف فيتزجيرالد في نيومان على الأب سيغورني فيهSigourney Fay، أحد رجال الدين الكاثوليك المنشغلين بأمور الناس والمجتمع أكثر من انشغالهم بالأمور الروحية والدينية. وأصبح سيغورني من فيتزجيرالد بمثابة الأب والناصح والمرشد، مشجعاً إياه على تطوير ملكاته الإبداعية وعلى مواصلة تحقيق أحلامه في الإنجازات الشخصية والتميز، آخذاً بيد هذا الشاب القادم من مينسوتا، ومقدّما إياه إلى شخصيات وازنة في المجتمع من أمثال هنري آدمز.

بلغ إعجاب فيتزجيرالد بسيغورني إلى حد أنه شبهه بالكاردينال ورجل الدولة الفرنسي ريشليو Cardinal Richelieu (1585 _ 1642(، فقد كان سيغورني يتمتع بقدرات يستطيع بها أن يبهر النجوم أنفسها، لكن سيغورني، كما يقول فيتزجيرالد، كان يعيش في المكان والزمان غير المناسبين. وفي رواية هذا الجانب من الفردوس This Side of Paradise، التي تقترب كثيراً من السيرة الذاتية لطالب وسيم، مدلل، لكنه مثالي، وفي مقتبل العمر، يدرس في جامعة برنستون، خلَّد فيتزجيرالد سيغورني فيه في شخصية المنسنيور ثير دارسي Thayer Darcy .

أثناء دراسته في نيومان نشر فيتزجيرالد ثلاث قصص في المجلة الأدبية للمدرسة، وساعده الصدى الذي خلقته هذه القصص على أن يعي أن بإمكانه أن يصيب حظاً أكبر من النجاح في الأدب منه في الرياضة.

عام 1913 تمكن فيتزجيرالد من التسجيل في جامعة برنستون Princeton University، لكنه أخفق في تحصيله لما حفلت به دراسته بمشكلات أكاديمية وعدم مبالاة، وربما كان من أسباب ذلك الإخفاق افتتانه أثناء تلك الفترة بصبية في السادسة عشرة من عمرها تدعى جنيفرا كنغ Ginevra King. لكن جنيفرا المنحدرة من أسرة موسرة ردته وذلك لتواضع حال أسرته المعيشي. (ويُعتقد أن المؤلف أشار إلى تلك الحادثة في إحدى جُمَل رواية غاتسبي العظيم:

"عالياُ في قصر أبيض تسكن الفتاة الذهبية ابنة الملك" باستخدامه الجناس بين كلمة King بمعنى "ملك"، و King في إشارة إلى اسم أسرة تلك الفتاة.)

بعد أن وضع تحت المراقبة الأكاديمية في الجامعة، أيقن فيتزجيرالد أنه لن يتخرج بشهادة جامعية، فجعل يدرس على نفسه ويتلقى ثقافته من كتاب ونقاد من أمثال البروفسور كرستان غاوس Christian Gauss، وجون بييل بيشوب John Peale Bishop، والشاعر الناقد إدموند ويلسون Edmund Wilson الذي توطدت بينه وبين فيتزجيرالد صداقة حميمة دامت سنين طويلة.

في تشرين أول/ أكتوبر عام 1917 التحق بسلاح المشاة برتبة ملازم ثان بينما كانت الحرب العالمية الأولى على وشك أن تضع أوزارها، فلم يقذف به إلى جبهات القتال في فرنسا، بل أفرز إلى معسكر فورت ليفنورث Fort Leavenworth في مدينة كانزاس Kansas City في ولاية ميسوري Missouri حيث عاود الكتابة في ما تيسر له من وقت الفراغ.

عام 1918 تم فرز فيتزجيرالد إلى معسكر شيريدن Sheridan قرب مدينة مونتغمري Montgomery في ولاية ألاباما Alabama ، وهنا فرغ في ذلك العام من وضع أولى رواياته الرومانسي الأناني The Romantic Egotist وهو ما يزال في المعسكر، لكن أحد الناشرين رفضها، وطلب من فيتزجيرالد مراجعتها وإعادة كتابة أجزاء منها.

وهنا أيضاً تغيرت حياة هذا الشاب البالغ من العمر اثنين وعشرين عاماً إلى الأبد بعد أن التقى وأحب وخطب زيلدا ساير Zelda Sayre، شابة في ربيعها الثامن عشر بارعة الجمال تملؤها الحيوية والنشاط، وتجسد الفلابرز Flappers في تلك الحقبة خير تجسيد. كانت زيلدا تنتمي إلى طبقة اجتماعية راقية، فهي الابنة الصغرى لقاضي المحكمة العليا لولاية ألاباما. لكن تحرقها الطاغي للثروة واللهو والترف حدا بها إلى تأجيل مراسم الزواج إلى أن يتمكن خطيبها من إثبات مقدرته على توفير أسباب العيش الرغيد لها.

بعد تسريحه من الخدمة العسكرية عام 1919 انتقل فيتزجيرالد للعيش في نيويورك (أرض الطموح والنجاح، كما دعاها في إحدى رواياته) ليعمل مع إحدى وكالات الإعلان ممنِّياً النفس بكسب ما يكفي لتأمين حياة كريمة لزيلدا، لكن مع نهاية شهر حزيران (يونيو) 1919 كانت زيلدا قد سئمت الانتظار، ففسخت الخطوبة.

عندها قرر ترك العمل في مجال الإعلانات صيف 1919 ليقفل عائداً إلى سانت بول ولينكب على إعادة كتابة روايته، الرومانسي الأناني، فأنجزها في شهر أيلول (سبتمبر) ليدفع بها إلى الناشر الذي قبلها بعنوانها الجديد هذا الجانب من الفردوس This Side of Paradise، ومع نشر الرواية عام 1920، أصبح فيتزجيرالد شخصية أدبية مرموقة فتيسر له دخل مادي كاف مكّنه، بعد لأي، من إقناع زيلدا باتمام مراسم الزواج في مدينة نيويورك، إذ أن نشر الرواية كان يعني النجاح الباهر والمال والشهرة، فعاشا حياة باذخة مترفة وكأنهما شخصيتين بعثتا للحياة من إحدى رواياته العديدة التي كتبها في ما بعد، لا سيما رواية غاتسبي العظيم. (ربما يستغرب القارئ العربي من الثروة التي قد يجنيها مؤلف كتاب ناجح في الولايات المتحدة). وفي عام 1921 رزقا بطفلة وحيدة (كطفلة ديزي وتوم بوكانن في رواية غاتسبي العظيم) أسمياها فرانسيس سكات فيتزجيرالد.

في عام 1924 غادر فيتزجيرالد وزيلدا بيتهما في لونغ آيلند Long Island ليحطا الرحال على الريفيرا الفرنسية ولم يعودا إلى الولايات المتحدة ليستقرا تماماً حتى عام 1931، وأثناء إقامتهما في فرنسا أصبحا يمثلان الجيل الضائع Lost Generation للمغتربين الأمريكيين في باريس حيث أنجز فيتزجيرالد كتابة رواية غاتسبي العظيم 1925)) في غضون خمسة أشهر، ورغم أن هذه الرواية تعتبر أروع ما خطه يراع هذا الروائي، فإن جمهور القراء لم يحتف بها عند صدورها مما سرع في تدهور حياته الشخصية.

وكشهرته وزيلدا في نوادي المجتمع الراقي في نيويورك وباريس فقد اشتهرا أيضاً بإسرافهما في الشراب، ورغم أن فيتزجيرالد كان يكتب وهو صاح ٍ، فإنه كان يمعن في غيِّه أكثر فأكثر مع مرور الأيام، وهذا كان أحد أسباب نشوب الخلاف وتكرار الشجار بين الزوجين. وحسب أحد الباحثين فإن إسراف فيتزجيرالد في الشراب أكسبه سمعة سيئة حدت بالكثير من الصالونات الأدبية تجنب أخذ ما يؤلفه على محمل الجد. وأوقعه الإسراف في معاقرة الخمر في مشكلات مالية، زادها إخفاق أعماله الأدبية الأخرى.

وعندما كانت حقبة العشرينات الصاخبة Roaring Twenties، أو التي أطلق عليها فيتزجيرالد اسم عصر الجاز The Jazz Ageتنحدر تدريجياً إلى كآبة الكساد العظيم Great Depression أصيبت زيلدا بأول انهيار عقلي عام 1930 بينما كان فيتزجيرالد يصارع إدمانه على الكحول الذي أعاق قدرته على معاقرة الكتابة، وبغية الحفاظ على نمط حياته الباذخة، اضطر كاتبنا إلى قضاء معظم وقته في كتابة القصص القصيرة التي كانت موضع طلب من المجلات التي ازدهرت صناعتها في ذلك الحين.

أصيبت زيلدا بعدئذ بانهيارين اثنين. فرغم أنها كانت تعاني من بعض الإشكالات العقلية معظم سني زواجها، فإن حالتها تفاقمت إلى حد أنها أدخلت إلى أكثر من مصحة للأمراض العقلية في فرنسا وسويسرا بين شهر نيسان / إبريل عام 1930 وأيلول / سبتمبر عام 1931.

ورغم أن فيتزجيرالد بقي متزوجاً من زيلدا حتى النهاية، فإن مرضها العقلي قد أعاد صياغة زواجهما، فزيلدا كانت بحاجة إلى قدر من العناية أكبر بكثير مما كان بمقدوره تقديمه، وكان عليه أن يعمل ليل نهار لتوفير تكاليف العلاج لها.

أصابها الانهيار الثاني في شباط /فبراير 1932 أي بعد أقل من ستة أشهر من الانهيار الأول، الأمر الذي أدى بها إلى البقاء في إحدى مشافي الولايات المتحدة لمدة أربعة أشهر. وتعرضت إلى الانهيار الثالث والأخير في كانون ثاني / يناير من عام 1934 وأدخلت على إثره إلى مصحة وبقيت تخضع للعلاج حتى موتها في حريق عام 1948.

في عام 1934 نشر فيتزجيرالد روايته لطيف هو الليل Tender is the Night، ولكي يقوم بأود أسلوب حياته المسرف باع مجموعات من قصصه القصيرة إلى صحيفة ذا ساتردي إيفنينغ بوست The Saturday Evening Post.

أقيل فيتزجيرالد من عثرته إلى الحد الذي مكنه من الذهاب إلى هوليوود لكتابة سيناريوهات أفلام للسينما عام 1937 ، ليتعرف هناك إلى ناقدة سينمائية تدعى شيلا غراهام Sheilah Graham التي ساعدته على استئناف الانتاج الإبداعي والتي أمضى معها آخر سني حياته.

ألهمته هذه التجربة كتابة آخر رواياته وأكثرها نضوجاً: عشق آخر أباطرة المال The Love of the Last Tycoon، بيد أنه توفي قبل أن يتمها، ورغم ذلك فإن عبقريته في إبداع هذه الرواية حفزت النقاد لأن يعيدوا تقييم موهبة فيتزجيرالد والاعتراف به كواحد من أكثر الكتاب الأمريكيين إبداعاً في القرن العشرين.

توفي فيتزجيرالد عام 1940، قبل وفاة زيلدا بثماني سنوات، بعد أن أفل نجمه، فكان موته لا يختلف كثيراً عن موت غاتسبي. فقد كانت وفاته مناسبة للشفقة عليه ورثاء آخر أيامه البائسة وما آل إليه حاله وحال زوجته، وتنوسيت ملكاته الإبداعية وآثاره الأدبية الرائعة، حتى أنه لم يكن في المكتبات كتاب واحد من أعماله، مما يعني أنه لم تُعد طباعة أي منها قبل وفاته بزمن.

لكن الاهتمام بأعمال فيتزجيرالد عاد من جديد بعد الحرب العالمية الثانية بالغاً ذروته في عقد الستينات من القرن الماضي، حيث تم الاعتراف به كواحد من أهم أدباء القرن العشرين، وذلك لما تضمنه إرثه الأدبي من محاولات سبر أعماق النفس البشرية وتطرقه لمفاهيم الطموح والعدل والمساواة بوأته مكانة مرموقة في لائحة روائع الأدب الأمريكي. أما اهتمام العالم العربي بهذه الرواية، فيعود، حسب علمي المتواضع، إلى عام 1971 عندما نقلها إلى العربية الأستاذ محمد مستجير مصطفى، وقد صدرت آنذاك عن دار المعارف في مصر. ورغم الجهد البيّن المبذول في ترجمة الأستاذ مستجير فهي لا تخلو من هنات وأخطاء، وأنا لا أدعي الكمال في ترجمتنا هذه، على ما توفر لنا من مصادر معرفة واتصال وتقنيات لم تتهيأ لأستاذنا قبل ستة وثلاثين عاماً.

بعد صدور الترجمة بثماني سنين، أقبلت السينما المصرية على تقديم الرواية بمعالجة محلية، فتم إنتاجها فيلماً بعنوان "الرغبة" من بطولة نور الشريف ومديحة كامل وإخراج محمد خان، أما السيناريو فصاغه بشير الديك.

ثم صدرت ترجمة أخرى اجتهد في نقلها المرحوم نجيب المانع ويقول الباحثين إن ترجمة الأستاذ المانع للرواية جاءت "أجمل من الأصل" واستشهدوا بترجمة أول جملة من الرواية:

In my younger and more vulnerable years my father gave me some advice . . .

"في سني عمري الأكثر طواعية منحني أبي نصحاً . . . "

فإن عدنا إلى ترجمة الأستاذ مستجير لتلك الجملة فنجد أنه أختار أن ينقلها كما يلي:

"في سنوات صباي الغض أسدى لي أبي نصيحة . . . "

أما أنا وزميلي فنقلناها كما يلي:

في سنيّ عُمري اليافعة والأكثر غضاضة، أسدى إليَّ أبي نصيحةً . . . "

وإن كنا غير ميالين إلى إصدار الأحكام على مواضع القبح ومكامن الجمال في أي ترجمة صدرت أو تصدر في ما بعد، فإننا نرى أن ليس من واجب من يترجم أن يطمح لأن تكون الترجمة أفضل من الأصل، وهو أمر إن وقع، فلا بد أن يكون على حساب الإخلاص للأصل، كما فعل الشيخ مصطفى لطفي المنفلوطي الذي ترجم من الأدب الفرنسي إلى اللغة العربية بأسلوب فذ عز نظيره بين معشر المترجمين دون أن يعرف كلمة فرنسية واحدة. فحسب المترجم أن يكون دقيقاً في النقل، متمثلاً لروح النص، فلولا عائق اللغة لكان من البدهي، بل لزاماً، أن يُقرأ العمل الأدبي بلغته التي وضع بها أصلاً.