فترة هييآن (ياليابانية: 平安時代) مابين (794-1185 م.): من فترات التاريخ الياباني.
فهرس
|
حملت فترة هييآن (平安時代) معها عهداً من الرخاء دام حوالي 350 سنة. مع بداية القرن التاسع، استطاع البلاط الإمبراطوري أن يبسط هيمنته على كامل الجزر الرئيسية للأرخبيل الياباني، الاستثناء الوحيد كان جزيرة "هوكايدو" (北海道)، شمال "هنشو" إلا أن هذا لم يمنع من قيام حملات عسكرية منظمة للحد من سيطرة الأهالي المحليين أو مايعرف باسم الـ"آينو" (蝦夷)، السكان الأصليين للجزيرة.
ابتداءً من النصف الثاني من القرن التاسع،أخذت السلطة الحقيقة في الإفلات من العائلة الحاكمة وأصبحت بين أيدي الـ"فوجي-وارا" (藤原). ". تمكن أفراد هذه العائلة من وضع سياسة سمحت لهم بالسيطرة على اثنين من المناصب الحساسة في الدولة، منصب الوصي أو الـ"سيشو" (摂政) -كان يتولى أمر الإمبراطور قبل بلوغه سن الرشد- و منصب الحاجب (كبير المستشارين) أو الـ"كانباكو" (関白) -كان يتولى شؤون الإمبراطور بعد سن الرشد- . عندما توفى الإمبراطور "مونتوكو" (文徳天皇) سنة 858 م. تاركاً العرش للإمبراطور "سه-ئيوا" (清和天皇) الذي كان عمره ثمان سنوات، أصبح المجال أمام جده "فوجي-وارا نو يوشي-فوسا" مفتوحاً، ليستولى على مقاليد الحكم مع اتخاذه لقب "الوصي"، مرسخاً بذلك لعادة استمرت حتى نهاية القرن العاشر. منذ ذلك العهد سيطرت العائلة على كل المقاليد الرسمية في البلاط ثم امتدت السيطرة حتى شملت الإدارة. دأبت هذه العائلة جيلاً بعد جيل على تزويج إحدى بناتها من ابن الإمبراطور الحالي، فكانوا كلما ولد صبي جديد يقومون بعقد قرانه على بنت من بنات الـ"فوجي-وار". يقومون بعدها بإجبار الإمبراطور على التنازل لصالح ابنه و الذي غالباً ما يكون حديث السن، فيتم وضعه تحت وصاية كبير عائلة "فوجي وارا".
تميزت فترة الـ"فوجي-وارا" بتطور ثقافة وطنية يابانية متحررة من التأثيرات الكورية و الصينية. كان عهد "فوجي-وارا نو ميتشيناغا" (藤原道長) من أبرز الفترات التي عرفها اليابان أثناء حكم هذه العائلة. عاشت الثقافة الوطنية أزهى عصورها في بلاط "فترة هيي-آن". في الميدان الأدبي برزت نساء أديبات مثل "موراساكي شيكيبو" (紫 式部)، صاحبة "قصة جنجي" (源氏物語)، أو "شيئـي شوناغون" (清少納言) ح (965-؟؟؟؟ م.).
عرفت الفترة أيضاً ضعفاً للإدارة المركزية، فأثر ذلك على الجانب الاقتصادي. كانت اثنتان من أهم الطوائف البوذية آنذاك: "تندائي" و"شنغون" من أهم المستفيدين من هذا الضعف، فتمكنتا من الحصول على أراض شاسعة، ثم نحا رجال الطبقة الحاكمة هذا المنحى فاتخذوا لأنفسهم مناطق خاصة، قاموا بإدارتها بأنفسهم، و كانوا بالطبع معفيين من عبء الضرائب. ثم بلغ ضعف البلاط حداً جعل معه أحد رجال عشيرة الـ"تائيرا" يعلن نفسه إمبراطورا على البلاد، وقعت هذه الأحداث سنة 940 م. كان هذا منذرا لحوادث أخطر ستقع بعدها. أصبحت كل عشيرة تسيطر على منطقة، تقوم بتسيير الأمور بنفسها و باستقلالية عن الحكم المركزي. ثم تطورت الأمور فأصبحت بعض هذه العشائر تطمح إلى أن توسع من رقعة سيطرتها، فدخلت في حروب مع العشائر الأخرى.
انتهت مرحلة سيطرة الـ"فوجي-وارا" سنة 1028 م، مع موت "ميتشيناغا". ثم ومنذ منتصف القرن الحادي عشر، بدأت العائلة في فقدان سيطرتها على مقاليد الحكم. مع موت الإمبراطور "غو رِئي-زائي" أو "رِئي-زائي الثاني" (後冷泉天皇) سنة 1068 م.، لم يكن بين أفراد هذه العائلة شخص في سن تسمح له بلعب دور قيادي. عاد اللقب بعدها إلى الإمبراطور "غو سانجو" أو "سانجو الثاني" (後三条天皇). قام هذا الأخير بحركة جديدة ليعلن من خلالها استقلاله. بدأ العهد الجديد مع تولي ابنه الإمبراطور "شيراكاوا" (白河天皇) الذي حكم منذ 1072 م.، سمي العهد الجديد عهد "الأباطرة المنعزلين". قام الأخير بالتنحي لصالح ابنه الإمبراطور "هوريكاوا" (堀川天皇) سنة 1086 م. مع قيامه بدور الوصاية عليه.
في نفس هذه الفترة بدأت طبقة جديدة من الرجال المحاربين في البروز. كان هذا في المقاطعات الأخرى من البلاد، و البعيدة عن الحكم المركزي، و حيث كانت أولويات حكام هذه المقاطعات مغايرة لما يراه رجال البلاط الإمبراطوري. أنشأ هؤلاء الحكام من حولهم طبقة خاصة من المحاربين عرفوا باسم "بوشي" (武士) (التسمية الشائعة هي "ساموراي" (侍)، إلا أن هذا خطأ تاريخي فالتسمية الثانية لم تعمم إلا في فترة "إيدو" اللاحقة) . كانت هذه الطبقة الجديدة في خدمة أصحاب الأراضي و حكام المقاطعات الذين بقوا في العاصمة الإمبراطورية. كانت مهامهم تنحصر في حماية و إدارة ممتلكات كبار الملاك. ثم بدءوا في تنظيم أنفسهم وتشكيل تجمعات أو عشائر. إحدى أهم هذه العشائر عرفت باسم الـ"تائيرا" (平)، كانت هذه الطائفة من المحاربين تتمتع بحماية الأباطرة المنعزلين. اكتسبت هذه الطائفة سمعة كبيرة في البلاد بعد إحكام سيطرتها على مناطق جنوب غرب البلاد حول البحر الداخلي. ثاني هذه الطوائف كانت الـ"ميناموتو" (源) و الذين تمتعوا بدورهم بحماية الـ"فوجي-وارا" ثم سيطروا بدورهم على مناطق السهول حول "كانتو".
في عام 1156 م. حصل الانشقاق بين الأخوين "فوجي-وارا": "تاداميشي" و"يوريناغا". بدأ الصراع على السلطة بعد وفاة الإمبراطور "توبا" (鳥羽天皇). كان الإمبراطور السابق "سوتوكو" (1119-1164 م.) من جهة وابن الإمبراطور "توبا"، والذي عرف باسم "غو شيراكاوا" (後白河天皇) من جهة أخرى، طرفي الصراع القائم على العرش. تحالف كل من "سوتوكو" مع "يوريناغا" من الـ"الفوجي-وارا" و"تامه- يوشي" من الـ"ميناموتو" ضد حلف مشكل من "غو شيراكاوا (ابن الإمبراطور)"، "تاداميشي" من الـ"فوجي-وارا"، ثم انضاف إليهم كل من عشيرة الـ"تائيرا" يقودها "كييوموري" وأخرى من عشيرة الـ"ميناموتو" يقودها "يوشي-تومو" (源 義朝) -هو نفسه ابن "تامه-يوشي" من الـ"ميناموتو" حليف "سوتوكو"-. انتهت الحروب الطاحنة بين الطائفتين أو ماعرف لاحقا بـ"اضطربات عهد هوجن" بانسحاب "سوتوكو" من الساحة و تنصيب "شيراكاوا" (أو "غو-شيراكاوا"). إلا أن الأخير و في غمرة النشوة بالنصر تناسى حلفاءه و بالأخص "يوشي-تومو" من الـ"ميناموتو". عواقب هذا الجفاء كانت سريعة. يقوم "يوشي-تومو" سنة 1159 م. بتدبير انقلاب ويخلع الإمبراطور. عرفت هذه الفترة باسم "اضطرابات عهد هه-ئيجي". إلا أنه سرعان ما عاد الوضع لينقلب من جديد مع تدخل "كييوموري" و تصفيته لقادة الانقلاب و بالأخص "يوشي-تومو" من الـ"ميناموتو" و أفراد عائلته. الناجيان الوحيدان من المذبحة كانا ابنا السابق، "ميناموتو نو يوريتومو" (源頼朝) و "ميناموتو نو يوشي-تسونه".
بسطت عشيرة الـ"تائيرا" هيمنتها على البلاد. أخذ أحد رجال هذه العشيرة ،هو "تائيرا نو كييوموري" يستحوذ على المناصب العليا في البلاط، ماشيا في ذالك على سيرة الـ"فوجي-وارا"، ثم بدأ بتوزيع المناصب على أفراد عائلته و زوج إحدى بناته من أحد الأمراء، و الذي أصبح أحد أبناءه، "أنتوكو" إمبراطورا سنة 1180م.
في نفس السنة كان "ميناموتو نو يوريتومو" (源頼朝) قد اتخذ من "كاماكورا" (鎌倉) في شرق البلاد مقرا رئيسا له، و بعدما استقرت به الأحوال أخذ هذا الأخير يبحث عن الذرائع للاستيلاء على العاصمة الإمبراطورية (كيوتو). فاستغل فرصة قيام أحد أقرباءه "يوشي-ناكا" بثورة، ليبدأ حملة جديدة من المناوشات. إلا أن الحملة لم تأتي بجديد. كان عليه الانتظار حتى سنة 1183 م. حينما هاجم "يوشي-ناكا" العاصمة من جديد، فجمع "يوريتومو" العدة و جهز حملة بقيادة أخيه "ميناموتو نو يوشي-تسونه". تمكن هذا الأخير من إنقاذ الإمبراطور "غو شيراكاوا" (後白河天皇). إلا أن المعارك لم تهدأ و بدأت حملات مطاردة ضد طائفة الـ"تائيرا" إلى الغرب من البلاد. كان معركة "دان نو أورا" فاصلة، تم بعدها القضاء نهائيا على هذه الطائفة. يعتبر المؤرخون هذا الحدث نهاية الحقبة القديمة من التاريخ الياباني و بداية حقبة العصور الوسطى.
مصادر: