الرئيسيةبحث

فاضل خليل


الفنان فاضل خليل فنان مسرحي من العراق ، اسمه فاضل خليل رشيد إسماعيل البياتي ، ولد في مدينة العمارة عام 1946 ، ولديه العديد من الاعمال الفنية من المسرح والسينما والتلفزيون ، وابرز اعماله السينمائية نذكر منها افلام : ( الرأس 1975) و(التجربة 1977) و(الاسوار 1979) و(البيت 1988) ، و(زمن الحب 1991) وغيرها من الاعمال السينمائية ، وابرز المسرحيات التي مثلها مسرحية ( النخلة والجيران) عام 1969م ، والتي اخرجها الفنان القدير قاسم محمد ومثلها عدد كبير من النخبة العراقيين ، ومسرحيات اخرى نذكر ابرزها مسرحيات ( الخان - بغداد الازل - تموز يقرع الناقوس - القربان - الطريق - العادلون - بير وشناشيل - وغيرها من المسرحيات التي مثلها درس المسرح في اكاديمية الفنون الجميلة ببغداد وتخرج منها عام 1970 م وكان ترتيبه الاول ، و لهذا عين معيدا في الاكاديمية ، وسافر إلى بلغاريا عام 1980م ودرس الدكتوراه في المعهد العالي للعلوم المسرحية في مدينة صوفيا عاصمة بلغاريا وحصل على شهادة الدكتوراه فلسفة عام 1985م.

السيرة الذاتية

اوبريت (بغداد أم الدنيا) تاليف : فالح حسون الدراجي ، وهو عمل غنائي كبير شارك فيه أكثر من الف شاب وشابة . لحن اغانيه ضياء الدين ، اخراج: فاضل خليل .

نشر في مجلة ( المسرح / شانو) العدد الاول/ بالسليمانية ، موضوع (المشاكل المعاصرة في المسرح العربي) .

أنا والمسرح والتجربة

أنا ابن الجيل الثالث أو كما شاعت تسميته بالرعيل الثالث الذي تلى الجيلين الريادين المهمين في المسرح العراقي . الجيلين الذين ارتقيا بالمسرح فأصبح الظاهرة بين التجارب العربية التي يشار إليها . أنا ابن الجيل الذي تلى جيل حقي الشبلي ، إبراهيم جلال ، جاسم العبودي ، جعفر السعدي ، أسعد عبد الرزاق ومن رافقهم . والرعيل الثاني الذي يؤرخه تألق أسماءه التي لمعت في سماء المسرح العراقي من أمثال : سامي عبد الحميد ، بدري حسون فريد ، قاسم محمد ، محسن العزاوي ، سعدون العبيدي ، سليم الجزائري .. والقائمة تطول من بين من ترك أ ثرا مهما ، وأقل أهمية ، وممن لم يترك . هذين الجيلين عاشا زمن الحربين العالميتين حيث ظهر تأثيرها على نتاجهم بشكل أو بآخر . جيلنا ، جيل القدر الذي جبلته الحروب المتتالية بلا انقطاع عليه ، والتي رافقته مع بداية عطاءه . جيل يؤرخ له أنه يقع ما بين عقدي [ الثورات والانقلابات] الستيني والسبعيني . وعقود الحروب منذ ثمانينات العراق وحتى الاحتلال الامريكي ، ولم تزل . لم تكن حروبا مرت من العراق أو عليه إلى بلدان أخرى كما هو حال الحربين العالميتين ، ولكن هي حروب ساحتها العراق ، أتونها وموقدها نحن العراقيين الذين صهرتنا فجعلت من تجاربنا جحيما اقرب إلى النار منها إلى الإبداع الثقافي .أما نحن فمنا من قتلته الحرب فجاملوه بالشهادة ، ومنا من تم إعدامه بسبب تفضيله الإبداع في الحياة على الموت ، ومنا من نفذ لنفسه رغبة النفي طوعا أو قسرا فابتعد عن الوطن ونشط حيث حل حين رحل . الناجون منا - هذا الجيل - أسماء تركت بصماتها على التجربة المسرحية بقوة ، بسبب أنها صبت جام غضبها من الواقع الدامي في التجربة . وصرخت من خلالها بوجه من اعتقدته سببا في ذلك الدمار الذي كان سببا في حجبها وتدميرها . من الأسماء حسب تسلسلهم التاريخي والعمري : صلاح القصب ، عوني كرومي ، فاضل خليل ، فاضل سوداني ، جواد الاسدي ، عزيز خيون .. وآخرون بينهم المهم والأقل أهمية ، وهناك من لم يترك له بصمة بين أقرانه المبدعين . كان جيلا له صلابة الفولاذ المقاوم الذي صهرته نيران الحروب والحصار والدمار فعززت معدنه ولابسته بمعادن أخرى ساعدته على البقاء . ورغم استمرار الحروب التي لا نعلم متى ستنتهي .. نحيا .. نعمل .. نبدع .. ولانبالي بالموت طالما لم يصل بعد . جيلنا قاوم بأسلحته التي يحسن القتال بها ومنها المسرح ومنها ما هو جسدي أحيانا . دخل الحروب وعانى أكثر مما يعاني الآخرون لحرصه على أن يكون الأهم فكان جيلا مبادرا خلاقا جرب الكثير ، ولم يتهادن مع المتفرج بل شاكسه وكان ندا له ساعيا لتطويره بكسر المألوف السهل في استقباله ، ابتعد عن التقليدي من التجارب السهلة اعتز بإرث الأجيال التي سبقته وكان بتواضعه الجم امتدادا لها ، محاولا أن يكون استمرارا لها بالارتقاء بما تبناه منها . ومثلما اعتبر التفكيكيون الشعر العربي قصيدة واحدة ، كان هم هذا الجيل باعتباره التجربة المسرحية امتداد لعرض واحد يستمر باستمرار عطاء اجياله مع النهوض بالتجربة ومغايرتها من جيل إلى آخر . جيل جرب على كافة أنواع المسرحيات الكلاسيكية ، والتاريخية ، والشعبية ، المحلية والأجنبية ، ألف حين شعر بالمتوفر من النصوص لا يلبي حاجاته ، لأنه لا يجيب عن تساؤلات مجتمعه ولا يحاول تخليصه من المخاوف المتسلطة ، توغل في فهم الأسطورة التي عبر من خلالها عن واقعة المر . جيل قدم بمقدار فقدانه ، محاولا تعويض ذلك الفقدان بالمسرح . وأجزم انه نجح ، ويشهد على ذلك حضوره وإنجازاته في كل الأوساط المسرحية العربية والعالمية التي ساهم بها في المهرجانات التي شارك بها وكان منها دائما في المقدمة . يحدوه أمل الحضور فيها بقوة من خلال محليته . وشعاره دائما كان [ أنك لايمكن أن تكون عالميا مالم تكن محليا أولا ] . أنا ، إذن ، ابن ذلك الجيل – الضحية ، الذي جبلته الحروب بأوجاعها المتنوعة ، ذاتية وموضوعية ، جيل ما يبرح أن يخرج من حرب حتى يدخل أخرى ، لا أمل في نهاياتها . بطل حين ينجو من حرب دخلها دون إرادته كما الأبطال الارسطيين النبلاء الذين يدخلون مآسيهم بلا إرادتهم . يحدوهم أمل التغير في بنية العالم الذي يخضع لقوانين التطور الاجتماعية حين يصيبها التغير متى يريد لا كما يريدها الإنسان . وهذا هو الحال في وطني – العراق - الذي أصابه الكثير من تلك الفواجع فجابهها بالكثير من الإبداع . الأسلوب : وفق مفهومي تحدده ، الواقعية السحرية ، أو ، الواقعية الخيالية ، وينطلق وفقا لما يلي : أولا : من تأثيرات التعددية المنهجية لوحدات الإبداع التي تتكامل عندي بذاتها حين تنهل معطياتها من ذاتي لتبدأ تفاعلها في تحقيق التكوين في التصور والصورة والصيرورة . أما المنهجية : وهي ما اعتمده من انتقاء الخيارات ذات التعددية وفق انساق خاصة اتفق عليها فيما تحمله من مخزون الخبرة التي امتلكها . وفي ما تفرضه اللحظة المعاشة . الأمر الذي يجعل اغلبها يحاكي الواقع الذي أعيشه . ومنها اقتنص اللحظات المنتقاة التي أريد ، لحظات التأمل المهموم المتراكمة في مخزوني المعرفي وفق تسلسل منطقي هادف يتحول بعدها إلى بحث استقرائي لتلك اللحظة المنتقاة المقتنصة التي انتقيتها من ذلك الكم المغموس بالأهوال المحيطة . بدأ من توظيف الموروث الشعبي المحلي كما في مسرحيات [ الباب القديم ، الشريعة ، خيط البريسم ، الباب القديم ، مواويل باب الاغا ] . والأسطوري كما في مسرحية [ سيدرا ] والعربي كما في المسرحيات [ الملك هو الملك ، الشياح ، حلاق بغداد ] والعالمي كما في مسرحيات [ فويسك ، عطيل ، أوديب ، الرهان ، سالومي ، في انتظار كودو ، اللعبة ، انسوا هيروسترات ] . تحكمني حاجة اللحظة الاجتماعية إلى المعاني الكبيرة التي تحملها تلك النصوص دون غيرها في تراتبيه اختيارية تنطلق من الحاجة الآنية لها رغم لولبيتها الحركية التي تتحد في مسارات تقادمية مع مسيرة الوجود الذي يلفني ضمن الوضع الاجتماعي الذي أعيشه . ثانيا : يتشكل الاختيار عندي من الإثارة بفعل المحيط واستجابتها المتمثلة من ثنائية [ النص و الواقع ] كقراءة تبدأ من الصفر لتقترب في النهاية من خطاب العرض وفق مقاييس معرفية يحكمها الغضب الناتج عن الاستلاب للحظة الاغتراب المعاشة أملا في تحرير الداخل من ادرانه كمقاربة أخرى في الالتقاء مع البنية الكلاسيكية في سعيها إلى [التطهير ] الأرسطي وما يصاحبه من التجريب عليها ، كما في [ سيدرا و انسوا هيروسترات ] واضعا في حسابي أنها لعبة ربما تكون خاسرة وغير مضمونة النتائج ، بفعل الاستمرار القسري للمعنى الذي يحكمني ويحكم مجتمعي والمحيط . وقد لا يرغمني إلى اتباع السلوك المباشر – الذي اكرهه ولا أميل إليه - في التعليمية و الوعظية ، لا طوعا ولا بالقسرية المقننة ، لا في القراءة ولا في الخطاب الإبداعي . بل ولا حتى في التصورات المألوفة ، لأنها هي الأخرى – من وجهة نظري - غير محكومة بالمباشرة التي ابغضها ، فلا تتابع فيها إذن يحدد دقة السمات التي تمتع بها . أنا ابن القلق المؤرق المتوارث عبر عصور العراق ، أعيشه مثل باقي الناس من الذين كتب عليه ان يعيش فيه رغم كل التناقضات مثل ما كتبت علينا محبته رغم كل المحن بمتغيراته العديدة المستمرة ، التي افرزت ابداعا كان من المفروض ان يظل مستحيلا او نوع من المستحيل وما حمله لنا من القسوة والعذاب .

أنا ومذ أدركت بأن سعي اغلب المتخصصين ممن ارادوا ان يضعوا للمسرح العربي بدايات قسرية !! أقول قسرية 1- لأنها ليست بدايات مسرحية ، وانما كانت شبيهة بالمسرح . 2- لم تتواصل كما هو حال المسرح اليوناني والإغريقي ومعظم التجارب في المارح الشرقية والغربية .لكنها كانت أشكالا شبيهة بالفعاليات القريبة من شكل المسرح . لم أجد في الإصرار حالة تليق بالعرب ليجيروها لهم ، وانما كان عليهم أن ينطلقوا من أن الجهد الإنساني مشترك ، يكمل بعضه البعض الآخر . كي يصبح ممكنا ان تبدأ من حين انتهى الآخرون . فنبدأ مع التجربة سعيا للخصوصية التي نريد والتي بإمكانها أن تحقق لنا الهوية الخاصة بالمسرح العربي . لاسيما وان التراث العربي غني بما يحمله من مضامين وأشكال . ولذلك كانت رسالة الماجستير التي قدمتها في العام 1979 هي [ التراث والمسرح العربي – دراسة تحليلية - ] ومنها انطلقت في العمل على المسرحيات [ الملك هو الملك – سعد الله ونوس ، و مسرحية حلاق بغداد – الفريد فرج ] لاسيما وان النصين ينطلقان من فكر وقاد لكاتبين مهمين تناولا التراث ممزوج بالفلسفة . فالكاتب سعد الله ونوس انطلق من الفكرة الفلسفية [ أن الملوك بلا سحنة ] الذي معه لا يشعر الآخرون بأي تغير في النظام لطالما الذي يحكم هو الكرسي ، وان التشابه كبير بين من يتولون زمام القيادة والحكم .النص من إحدى حكايات [ ألف ليلة وليلة ] وكذلك [ حلاق بغداد ] الذي أخذت من نفس المنبع وانطلقت فلسفيا بما يعزز مسير المسرح و الواقع العربي معا . وعليه فأن الاستغلال المعاصر والذكي للتراث الممزوج بالتفكير الفلسفي مع الاستفادة من التطور التكنولوجي الحاصل في المسرح العالمي يجعلنا نقترب من ذلك التطور الحاصل الذي يبعدنا عن شوفينية التمسك بما نعتقده موجود جزافا متمسكين بالأصول العربية الخالية من الاستمرارية والغير متطورة مما يشاع في كون العرب عرفوا المسرح منذ القدم ، الأمر الذي يحتم علينا التمسك به وترك التطور العلمي الحاصل في المسرح العالمي رغم إن من أرخ لتلك الفعاليات وتحمس لها مثقفون مهمون في مسيرة الفكر العربي أمثال : د. محمد يوسف نجم ، وعلي عقلة عرسان ، و د . محمد المديوني ، و د. عبد الرحمن بن زيدان .. واخرين . مما تقدم انطلقت إلى دراسة النتائج التي سببها التفكير في ان للعرب مسرحهم العريق الذي يشار له . هذا التفكير والانحياز عند البعض من المخرجين جعلهم يعتزون بكل ما هو متخلف من طرح ويتبنون الرجعي البعيد عن الحداثويه في الأشكال والمضامين اعتقادا من انهم ينطلقون إلى خلق مسرح عربي خال من التأثيرات الإنسانية في المسرح العالمي ، فأوقعوا المسرح وانفسهم في إشكاليتي : التخلف دون قصد . والانقطاع عن الفكر العالمي وما توصل إليه من حقائق مهمة في مسيرة المسرح بشكل عام . حيث اسفر ت دراستي عن العديد من الإشكاليات أهمها : 1-غياب التخطيط العلمي . 2- نقص الكفاءات . 3- تدني الثقافة المسرحية . 4- ضعف الكوادر . 5- غياب الريبورتوار. 6- غياب المتفرج المساهم . 7- غياب الناقد المتخصص . 8- غياب التكنولوجيا . 9-عدم تفرغ الفنان المسرحي . 10- قلة قاعات العرض ذات المواصفات الفنية العالية . هذه وغيرها جميعا كانت نتيجة التمسك بتبني الظواهر التي تعد متخلفة حاليا ونحن في السنوات الأولى من الألفية الثالثة . والتي مهما حاولت في موضع تطويرها ستسقط بالتخلف وستكون سببا أكيدا في تخلف الفريق المسرحي الذي يعمل معك ليصبح بسببها لاتخطيط ولا كوادر قادرة على النهوض بالمسيرة وما إلى ذلك من الإشكاليات التي مررنا على تعدادها والتي يقف في مقدمتها غياب الحضارة والتكنولوجيا التي تنهض بالعروض المسرحية . ومنها ومن تجاوزها كمشاكل انطلق إلى التجريب الذي اعتبره قائما من التجارب الأولى في المسرح منذ الإغريق والرومان وما قبلهم وحتى يومنا هذا : انطلاقا من أن أية محاولة في تقديم عرض مسرحي لم يلتق الناس هو قيد التجربة .لا تتحقق أهدافه إلا بعد خروج المتفرجين من القاعة ليقولوا رأيهم في ما شاهدوا . والى اليوم أنا اعتبر أية تجربة تدخل ضمن الطرح التقليدي وغير التقليدي الخارج عن المألوف – هو عرض تجريبي لحين التقاءه بالقاعة وحضورها لتتحقق المشاهدة وعندها يجرب اعرض بوصوله . فالتجريب عندي : لا يعني امتحان الغامض والخارج عن الصيغ المسرحية ، لأن كل ما يخرج عن الصيغ المسرحية من غير علمية لا أحسبه على المسرح . إن ثقتي بالتأليف العربي عموما تكاد تكون سيئة أو معدومة . بسبب أن من كتب المسرحية العربية [ النص ] جاء لها من فنون أدبية مغايرة ، مستسهلا الكتابة فيها ، و لم يعتبرها أكثر من محاورة بين اثنين ليس غير . متناسيا بأن الكتابة للمسرح هي من أصعب أنواع الكتابة ومن أصعب أنواع الثقافات . لذلك فأن اختيار النص عندي من أصعب أنواع العمل في المسرح ( يمكن العودة إلى اللقاء معي على موقعي بهذا الخصوص ، وكذلك لي بحث عنوانه [ في التأليف .. الأدب احتياطي المسرح ] يمكنكم العودة إليه كذلك ) . ليس النص هو ما يكتب لكي ينشر أو يقرأ بل هو الذي يكتب لكي يجسد على الخشبة ( الركح ) . إن غياب هذا النوع من النصوص جعل المخرجين يبحثون عن البدائل لغياب النص الذي يطمحون إليه . فلجأ اغلبهم إلى الإعداد والاقتباس ، والترجمة عن النص الأجنبي . منطلقين من إيمانهم من أن الكاتب المسرحي ليس هو خالق الكلمة وحسب ، وانما هو من يمتلك الرؤية والتصور التشكيلي والمعايشة للأفكار التي يقترح لها المعالجة لأنها بالأساس ، عملية إبداعية ذات معمار تركيبي متصاعد . عكس ما تعارفنا عليه في النصوص العربية التي لا تعتمد الصيغ المطلوبة التي نطمح إليها ذاتها . بل عندهم تتداخل فيها الكتابة وتتشابه مع بقية التأليف في الفنون الأدبية الأخرى ، كالقصة والمقالة والرواية والشعر والعمل الصحفي . فهم حين قلدوا التجربة الغربية في التأليف استعاروا منها حتى المضامين والأشكال بل وحتى في أسلوب الكتابة ، لذلك جاءت كتاباتهم هجينه عن واقعها بعيدة عن هموم الحياة العربية التي يطمح لها المخرج . و " يذهب أدونيس إلى أنه ليس هناك أي شئ عربي يمكن القول عنه من الناحية الفنية انه ذو أصل مسرحي ، بل يذهب إلى أبعد من ذلك ، فيقول : على مستوى المشكلة الدرامية ، يظل أر سطو أقرب إلينا من الحريري ( الذي يراه بعضهم أصلا مسرحيا ) ، ويظل بريخت أقرب إلينا من عاشوراء ( أصل مسرحي آخر ) " . قد نستثني مما تقدم بعض المحاولات التي استفاد كتابها من دراستهم للمسرح أومن عملهم فيه فكانت لهم عاملا مساعدا لنجاح مساعيهم في الكتابة إليه وفي إثارة الدهشة عند الجمهور، لأن النقطة الحاسمة في التجارب المسرحية هي من أجل تطوير موقف المتفرج كما يفترض أملا في تطوير ذلك الموقف من التلقي السلبي إلى المساهمة الإيجابية التي تسعى إلى تطوير موقف المتفرج العربي عموما في المسرح . نحن لا نستطيع أن نطلب من الجمهور أن يلقي نفسه في القصة ليحمله التيار هنا وهناك دون أن يعرف أين يقف بل علينا حين نضعه في المكان نكون دليله في المكان وفي الزمان وفي الموقف الذي يعود لنا وله موقفه الخاص الذي يختاره فيما بعد بكامل حريته . وعليه فإن التأليف المسرحي إما أن يكون عملا سهلا ، كما في التجارب المتخصصة ، واما أن يكون مستحيلا كما في تجارب الكتاب الطارئين الذين كتبوا إليه . وقد ينفع الدأب والثبات والاجتهاد في نجاح الكتابة إليه . وإذا لم يصب المبتدئ نجاحا فوريا دون متاعب فأولى به أن يعدل عن التأليف . ورغم قسوة هذا الرأي ، إلا أنه يدعو إلى ضرورة انغماس الكاتب في المسرح ميدانيا لمعرفة أسراره لامتفرجا فيه بعيدا عن همه ليصبح موقفه مشابها لموقف المؤلف الذي يجهل الأسباب في ضعف نصه ، الأمر الذي يدفع بالمخرج إلى التدخل من اجل الارتقاء به . تلك الصورة أكدت دائما أن لولا المخرجين وتدخلاتهم في النص الذي يحتاج إلى التدخل بالتعديل والحذف والإضافة انطلاقا من الحرص على تقديم النص و المؤلف على أحسن صورهم . ورغم شفافية هذا التدخل لكن البعض اعتبره تدخلا فيه الكثير من عدم الاحترام لجهود المؤلفين . على العكس من البعض الآخر الذي اعتبره تدخلا في مكانه ومن صميم عمل المخرج في تأليف العرض ، حتى أن الكثير من المؤلفين يعمدون إلى طبع نصوصهم عندما تأخذ استقرارها عند عرضها على المسرح . أي بعد أن يضع المخرج بصماته عليها ، لأن " كتابة حوار لمسرحية مثل هاملت عملية خلق ممتعة ، أما اشغال الفكر حول من أين يدخل الشبح ، من يمين المسرح أو يساره ، فهو أمر مقرف يحسن بالمؤلف أن يتركه للمخرج " . هذا الرأي فيه الكثير من الإيجابية في امتزاج العملين من خلال الفصل بينهما . لاسيما وهو رأي لكاتب خبر المسرح والكتابة إليه مثل برناردشو . أما مع من استسهلوا العمل في المسرح واعتبروه اقل صعوبة ولا يعدو أكثر من الحوار القريب من الحديث اليومي فيكون الأمر عسيرا في إقناعهم بأنهم أقل دراية بصنعة الكتابة من المخرج وأن في تدخل المخرجين أمر طبيعي ليس فيه أي سلبية . ولاني اعتبر الحكاية مهمة أساسية في العرض المسرحي يهمني النص جدا ، الأمر الذي يجعلني في الكثير من الأحيان اهرب إلى النص العالمي ، أو إلى النص المحلي الذي أثق بكاتبه مع بعض التعديلات التي اطلبها منه ، أو اطلب منه أن يسمح لي بإجرائها . أنا اطلب من النص ابسط المتطلبات . أحيانا تستهويني الفكرة ، أحيانا أخرى جملة أو كلمة أو معالجة لقضية ابحث عنها لحل إشكالية عندي أو إجابة عن سؤال أو حل لفرضية . احتاجه تماما كما هو حال البحث وكتابة الرسالة [ الأطروحة ] عندي ، وليست اقل من ذلك . اترك النص لابحث عن شئ آخر أن لم يكن يلبي عندي ذلك الطموح . وحتى في النص العالمي ابحث عن الأفكار الكبيرة والخالدة ، والتي تحوي أفكارا يصعب حلها . تستهويني دائما المداخل العكسية للأشياء ، المشاكسة للمتلقي . تحمل معانيها العالية ومعاناتها الكبيرة في الإجابة عن ما يؤرق الآخر .. فردا كان أو مجتمعا . أجدها أحيانا في النصوص غير العربية ، فألجأ إليها . في المسرحية العربية كذلك ابحث عن ما ذكرته في أعلاه [ الجواب3] . تبقى مهمة أساسية في النص العالمي : أنا أطوعه للمفاهيم العربية وما يحاجه المجتمع العربي منع . أزيل عنه غربته ورطانته وابحث فيه عن الأفكار الإنسانية التي تحاكي الإنسان بغض النظر عن مكانه وأصوله وجذوره وأعراقه وقوميته . ان خلود الأفكار وعموميتها يعنيني في إيصال خطابي وقراءتي . ولأنني اعتبر المسرح ساميا ، فيجب أن يسمو في كل شئ . ومنها يجب أن تكون لغته شعرا سهلا يفهمه الجميع . حتى [الأمي] يجب أن يفهم لغة المسرح الشعرية التي يجب ان تكون ليكون ما نقدمه مسرحا بالمعاني الكبيرة والسامية ، وبهذا اتفق مع اتباع اللغة الشعرية العظيمة التي دعى إليها الكلاسيون . يضاف إلى ذلك : حين تحتاج إلى لغة تليق بملحمة مثل مأساة مجزرة [ ملجأ العامرية ] .. ألا تحتاج إلى الشعر ومن كبار شعراءه كالبياتي والصائغ والماجدي ؟ والى تأليف موسيقي لتلك المأساة الملحمة وأغانيها لموسيقار كبير كنصير شمه ..؟ أنا أقول نعم تحتاج . وليست وحدها تحتاج ، بل إن أي عرض مهما كان يحتاج إلى احترام مفرداته جميعا والى عدم الاستسهال مع أية مفردة فيه مهما كانت . ليأتي من بعدها امتحانك للتجريب الذي خضته بعظامية المفردات جميعا دون استثناء . ج6/ : كما وصفتم عملي في المسرح كونه يحتوي على الشعرية في الإخراج ، كونه وكما نوهنا قبلا يعتمد الواقعية السحرية أو الواقعية الخيالية . انطلاقا من هذا الجيل لم يشبع من الواقعية التي لازال يطالب بها . لأنها قطعت عنه دون إرادته ودون رغبة منه ، كما الذي يفطم من غذاء يحبه . وبناء عليه وانطلاقا منه أنا لازالت أخوض في الواقعية : واعتبر أن كل الأساليب واقعية لطالما كل ما حولنا واقعي . حتى السريالية واقعية .. لأن سلفادور دالي يرى الواقع هكذا .. انه يراه حلما . وكذلك يرى الدادائيون والعبثيون وانصار اللامعقول ، والخلاصة فالواقعية لاتعني التقليدية المتحفية بل الشعرية المسندة بالتفكير الفلسفي المتطور والمتشظي عن كل ما يطمح به الانسان المعاصر . كما في المسرحية الشعبية إذا ما تعاملنا معها بنفس الصيغ وليس بالصيغ الايقونية المتحفية الممجوجة التي تبعدنا عن الإبداع ، ولكن بالصيغ التجريبية المعتمدة على مشاكسة المألوف من الواقع المتعارف عليه كما في التغريب الذي اعتمده برخت بمشاكساته للواقع حين اقترح الابن لمن يحسن تربيته أو الأرض لمن يزرعها . فهو لم يتفق مع ثباتات الواقع الذي يقضي أن يكون الابن لامه والأرض لصاحبها . من هنا انطلق التجريب مع الواقع وبمنطقية عالية وتبرير واهداف لاتقبل الشك . بغداد …… لم تسقط . لقد سقط نظام حكم . هذا الأمر استفز فينا العراقي الذي لم يبرح العراق – المكان ، ولا العراق - الانتماء .. الذي سيستفز فينا الإبداع و سيفرز فنا بحجم الفقدان . وبحجم توقنا للحرية . سيجعلنا نعيد النظر بكل التاريخ . الذي يخصنا والذي لا . واثق انه سيفرز فينا أخلاقا بحجم الصدمة .. بحجم الخذلان .. بحجم الفقدان لكل الأشياء الجميلة .. وربما سيعوض المسرح عن ذلك .. لكنه لن يكون الوطن ..

سيرة الفنان بقلمه

تموز 1946 مدينة العمارة – ميسان فيما بعد – التي تغرق بالشمس .. السجينة بالمياه من كل اركانها . كانت الولادة بدائية وسهلة ، على نهر دجلة الذي يبعد بضع عشرات الأمتار عن منزلنا في [ محلة السرية ] . لامرأة – مهرة من قطعان النساء العاملات فيها – كانت تمتهن خياطة العباءآت النسائية – عونا لأبي عن مشقة سعيه وحيدا وحرصا منها لأن يكون لنا رزق آخر أحتياطي إذا ما تعرض أبى [الحلاقة] إلى أي عارض بسبب تقادم الزمن ومخاطر الأفكار . والدي كان من أهم المثقفين في المدينة ومن ثم في العراق لطموحاته التي اعطاها شرعية وهي في اقاصي البلاد وصعوبة كل الاشياء ، حتى التنفس – كان محله ملتقى لكل الطامحين في الثقافة والأدب والفن والسياسة والدين . كان مثقف المدينة الذي يقصده كل الطامحين لها . قرأ الكثير وكتب ونشر الكثير في المجلات والصحف التي وصل اليها في العراق وخارجه ، ترجمت بعض آثاره إلى لغات قريبة جغرافيا . نزح ابوه إلى البصرة ومن ثم أقاموا في العمارة ، لكن انحداره كان بغداديا ومن أصول تركية . أسس مكتبة خاصة به في بيته كانت كبيرة بمقاسات الاخرين في المدن الصغيرة ، ربما لأن الكتاب كان نادرا في مدينته وأسباب شحته صعوبة وصوله اليها – كانت الصحف احيانا تصل مرة أو مرتين في السبوع – فكيف الحال مع الكتاب الذي يحتاج تسويقا ومقتنيا ؟ مع ذلك ذكروا رقما لعدد الكتب عنده ناهز الثلاثة الآلاف كتاب متنوع . رضي بالرزق القليل – المهم عنده أن لا ننام جياعا – عشت لوعته أيام كان يضيق به الرزق فيبخل عليه وعلينا بقوت يومنا القادم . لكنه كان أكثر قناعة بالكثير من الثقافة التي ان شحت برزقها لاتتسبب في موتنا نحن عائلته الكبيرة – جدتي أمه ، هو ، عمي صادق رشيد – أكمل دراسة القانون في كلية الحقوق – جامعة بغداد ، وتدرج بعده في وظائف متدرجة مهمة في الدولة العراقية بدأ من : محامي ، مدير ناحية ، قائمقام ، معاون متصرف ، معاونا لمدير عام الداخلية في حكومة عبد الكريم قاسم . هو الآخر كان تقدميا ميالا إلى القراءة بأنواعها . كانت له أختان – عمتاي – الكبيرة تزوجت في العمارة من رجل يعمل في صناعة الحلوى . والصغرى تزوجت من ابن خالها وقطنت فعه في مدينة – الصويرة – تبعد عن بغداد خمسون كليو مترا . يضاف إلى هذا الكم أنا وأخواتي ، أقول أنا لأنني لم يكن لي أخا ذكرا وانما أربعة أخوات فقط . المهم أن عائلتنا ورزق أبي غير متفقين . لم يتأكد بالضبط يوم ميلادي ولا سنة ذلك ، المهم أنهم – عائلتي والمقربين – اتفقوا على أن يكون العام 1946م هو عام مولدي ، وفي اليوم الذي شيع فيه العراقيون كما شيعت العمارة اية الله السيد أبو الحسن . و حين استفسرت عن تاريخ ذلك و متى كانت الوفاة فمنهم من قال كان ذلك في شتاء العام 1946م أي في الأشهر الأخيرة منه ، تأكد ذلك حين تعرفت على البرج الذي انتمي إليه وهو [ الجدي ] تأكد انه في الشهر كانون الأول [ ديسمبر ] أو في الشهر كانون الثاني [ يناير ] . ومنهم من قال كان صباحا باكراً ساعة الولادة وامي تجزم انه كان ليلا ، ربما لأنها كانت تلد في بيتنا وفي غرفة شبه مظلمة أضاعت عليها أن يكون الوقت نهارا أم ليلا . المهم كل الذي اعرفه فيما بعد ، أن والدي وعمي اصطحبانا أنا وأختي الكبيرة (فضيلة) إلى مركز للشرطة لكي يستخرجا لنا شهادتي الجنسية التي تثبت أني اصغر من شقيقتي بسنة وهي الحقيقة ، ولكن لم يكن العام 1945 بل كان في العام 1946 أو في العام الذي يليه . أما لماذا أو ما هي الأسباب ؟ فلا زلت اجهل ذلك . لكني اعرف بعض أسباب التلاعب بالأعمار من قبل ذوى الأمر منا ، انه لكي يبعد شبح الانخراط في العسكرية عاما ، لكن إجراء أبي وعمي كان قد قربه مني ، وأختي لم يشملها ذلك التصرف فهي أنثى لا تشملها العسكرية . وهكذا ثبت العام 1945م في الأول من تموز تاريخ ميلادي ككل العراقيين من مواليد تلك الحقبة . وفيما بعد و حين توالت الانقلابات والحروب وكان اغلبها يقوم في هذا الشهر ، أدركت هازلاً إنها نكتة الولادة لشعب بأكمله كتب عليه أن تؤرخ ولادته في هذا الشهر الساخن فمنذ 14 تموز عام 1958م وليس انتهاء في 17 / تموز / 1968م . وما تبعها من حروب لانهاية لها مضافا إليها الحر الشديد ومنذ الولادة في تموز 1946م وحتى يومنا هذا . إذن في مدينة العمارة التي تغرق بالشمس والمياه كانت الولادة على دجلة في محلة السرية – إحدى أشهر المحلات التي يسكنها الصابئة في العراق – ولدت لامرأة [ مهرة ] من قطعان النساء العاملات في المدينة تنتمي إلى عشيرة [ بني لام ] . ولأب كان من أهم مثقفي المدينة وأعلامها كان يساريا تقدميا كادحاً يمتهن الحلاقة . والسؤال كيف وصل إلى مدينة العمارة وهو ابن بغداد ومن أصول تركية قيل إن أصول عائلته تعود إلى مدينة (وان) القريبة من الحدود العراقية – التركية ، والده من بقايا الجيش (العثماني) فضل البقاء في العراق أبان الحرب العالمية الأولى . لماذا ؟ أنا لم أعثر على جواب لذلك . امتهن الحلاقة عند الحلاق (أحمد ولي البياتي) جد أبي لأمه ، والذي أعطاه كل شيء ، زوجه (سالمية) – جدتي ، ابنته ، وعلمه مهنة الحلاقة ، ووهبه اللقب ( البياتي ) وأسكنه معه في بيته في محلة ( قنبر علي ) ببغداد . وعندما اشتد عود المواطنة عنده انتقل مع زوجته إلى البصرة ليبحث له عن رزق آخر ربما يكون أفضل من الحلاقة ، لكنه لم يجد رزقا غير الحلاقة ايضا . فولد (خليل) والدي في البصرة ، وقبل أن يكمل عامه الثاني حتى انتقلوا إلى مدينة العمارة . ويعاد السؤال لماذا انتقل مجددا ولماذا العمارة ؟ هذا أيضا من الأسرار التي لم استطع معرفتها إلى اليوم . لاني اعرف أن من يبحث عن رزق أفضل يغير المدن الصغيرة إلى أكبر ، لا العكس : من بغداد ، إلى البصرة وحتى العمارة التي ولد فيها عمي (صادق) وعمتاي (قمرية) و(صديقة) . وما أن بلغ والدي الرابعة عشرة من عمره حتى توفي جدي (رشيد) الأمر الذي اضطر والدي إلى العمل في ذات المهنة التي امتهنها والده (الحلاقة) لكي يتمكن من إعالة أمه واخوته ، وكان فعلا رجلا عصاميا . تزوج ، وادخل أخاه كلية الحقوق وزوج أختيه . وانجب ولدا واحداً (أنا) وثمانية بنات ، توفي منهن أربعة . كان أبي مثقفاً قرأ الكثير من الكتب كيف اختار طريق الثقافة ربما استقرأ ذلك لقد كان وحيداً في مدينة غريبة أراد أن يكون مهما وذو شأن ، فدخل الكتاتيب ودرس النحو والبلاغة وعلوم الصرف واللغة ، فكتب الشعر والقصة وبحث في الأدب والأدب الشعبي ، كما اهتم بكتابة السير . ساعد الكثير من المثقفين والمتأدبين أن يسيروا في طريق الثقافة وسار في دروب التقدمية والماركسية إلى جانب الدين الذي كان فيها مرجعاً مهماً ، وكان صوفياً كذلك إلى جانب الدين الذي مبعثه كما ذهبت لأنه أراد أن يكون مشيناً ذا شأن . وقد يرضي بذلك الجميع بذلك الجميع ، وكان ، فكتب عنه الكثير وتراسل مع أهم الأدباء والمثقفين وكان صديقاً لهم من خلال الرسائل . وأهم أولئك من غير العراقيين كان طه حسين ونجيب محفوظ ، وأحمد حسن الزيات ، ومحمود تيمور ، وعباس محمود العقاد …وسهيل إدريس وآخرين غيرهم وكل المهمين في عصره من العراقيين . أسس مكتبة كبيرة بقياسات ذلك الزمن . رضي بالرزق الحلال على شحتهِ ، وأعتقد أن الأدب والثقافة قد عوضاه عن تلك الشحة . شعر بالندم فيما بعد عندما حملني وصيته : -وهكذا يا بني .. خسرتُ جداً ، وربحتُ جداً . عثرت على ما يشبه هذه الوصية في مسرحية جان بول سارتر ( سجناء التونا) التي كانت فكرتها الأساسية : أن الخسارة كالربح ، وهي تحكي عن الحرب الألمانية – الروسية . وكانت تقول أن موت جندي ألماني واحد يعني الخسارة رغم أنك ربما تكون قد ربحت الحرب . فالإنسان أثمن من الحرب وربحها – هذا رأي سارتر ، يختلف معه الكثير من الذين أحبوا الحروب وخصوصاً العرب . أثار انتباهي . أننا جميعاً كنا ننام في غرفة واحدة هي نفسها مكتب والدي ومخزن كتبه (مكتبته) وكان معتاداً حين يأتي خصوصاً في ليالي الشتاء محملاً بالفواكه والمكسرات (الجوز و التمر الأشرسي) كان يقضي ساعات طويلة في القراءة والبحث والكتابة ، كنت صغيراً وأنا الوحيد ذكراً بين أربعة أخوات بنات مدللاً . راق لي أن أمارس القراءة كما هو . وافق فقدم لي كتباً فائضة عن حاجته ، ومجلات جميعاً كانت تحوي صوراً تستهويني مشاهدتها – وكانت في ذلك حكمة – ربما كي يجعلني أحب الإطلاع .. وقد يربيني ذلك على (حب الحكمة) والإستمرار في الثقافة – وفعلاً كان ذلك . أذكر من بين تلك المجلات المصورة والأجندة . واحدة تحوي على صور وفراغات ، قمت بملأ تلك الفراغات بشرح الصور التي فيها .. كنت وقدمتها في الصف الأول الإبتدائي . فوالدي سبق الزمن حين علمني حروفاً وكلمات وكتابة أسمي قبل دخولي المدرسة . وأذكر أننا كنا حين نذهب إلى السينما سوية ، ونعود إلى البيت بعربة (حنطور) كنت اقرأ له كافة (اليافطات) التي تعلو واجهات محلات شارع الحرية . وشارع بغداد وصولاً إلى البيت في محلة السرية ، وكان و كان سائق (الحنطورة) يرفض الدخول إلى زقاقنا الضيق . وغالباً ما كان يحتدم معه والدي بحوار ساخن يعيد الرجل على فهم الحياة واحترام الكادحين منهم -كان يصر عليه أن يدخل بحنطورة إلى زقاقنا خوفاً عليّ من البرد حين أسير مسافة لا تزيد على خمسين متراً . نعم دللني كثيراً . وأدركت من خلاله أهمية الحياة ، وضرورة الثقافة فيها وضرورة التواصل معها كذلك . نعم .. دللني كثيراً .

-يليه يوم الجمعة حيث أنام دون أن يوقظني فيه أحد . -أسهر فيه دون أن يجبرني أحد على النوم مبكراً .

-اذهب فيه إلى السينما مع والدي وغيرها . في هذا اليوم كانت ( مكتبة الرحماني ) تستقبل وصول الصحف والمجلات إلى المدينة . ومن بين تلك المجلات ( مجلة سمير ) المصرية و(السندباد) المصرية ، كانت (سمير) تستهويني بألوانها وموضوعاتها ، فكنت أنتظرها بباب المكتبة ، ورغم أني كنت أقرأ في عين صاحب المكتبة ( عبد الرحيم الرحماني) انه متضايق مني حد الكره ، الا أنني كنت احتمل منه ذلك رغم أني لا أطيق ذلك – وحتى يومنا – أن أرى شخصاً يحمل الكراهية لي . وكنت أحياناً أود أن اسأل والدي بهدوء عن أسباب تلك الكراهية خوفاً من أن يمنعني من الذهاب إلى المكتبة لاقتناء (سمير) – المهم أن والدي كان يشتري المجلة بدلاً عن حلاقة السيد الرحماني مجاناً . الحلاقة المجانية لقاء المجلة مجاناً . صُدمت حين عرفت ذلك لأني كنت أقارن الجهد العضلي والفكري الذي يبذله والدي في الحلاقة لقاء مجلة لا يبذل الرحماني فيها جهداً غير أنه يجلبها مع البقية الباقية من الكتب والمجلات والصحف من بغداد إلى العمارة ويوماً طلبت من والدي بأني استغنيت عن المجلة لأني لم أجد فيها ما يعجبني قرأ في عيوني الأسباب لرفضها ، فرفض طلبي . التقيت بالثقافة قبل أن التقي بالمسرح عن طريق خليل رشيد (1909م – 1974م ) والدي ، القاص الخمسيني ، والذي من بين اهتماماته الذهاب إلى السينما ومشاهدة الأفلام .. ومتابعة الإذاعة ، والكتابة لها أحياناً (قصصاً أو أحاديث) . اصطحبني معه للسينما ، والإذاعة كنا نستمع إليها سوية مساء كل يوم في ذلك البيت الصغير والغرفة (المكتبة والمنام – وكذلك نتناول فيها الطعام ) . وكان يشرح لي (القاص) حين نشاهد أو نستمع معاً ، حتى همت إلى حدٍ بعيد بكل تلك الحشود من المبدعين ، ومن الأسماء الثقافية والفنية ، حتى أني لفرط حبي لها وشغفي بها تمنيت أن أكون أحدها . فصارت أخبارهم الفنية والثقافية تهمني قبل غيرها ، وصرت أنتظر الأفلام التي تستبدل مرة كل أسبوع وسعادتي تكون أكبر حين يكون الفيلم غير ملائم لجماهير بلدتي فيستبد له صاحب السينما بفيلم آخر لتتنوع مشاهداتي للأفلام ، وفي العمارة كانت ثلاثة دور للسينما ، وكنت مدمناً على مشاهدتها الا إذ عاقني مرضٌ أو وجوع أو عوز – مبلغ التذكرة كان يتناوبه أبي ، وجدتي لأبي ، وعمي كلما جاء لزيارة الأهل من ناحية أو قضاء كان يديره .