الرئيسيةبحث

فاضل الجاف



فاضل الجاف وترميم المسرح الكردي

صحيفة " الحياة " اللندنية

الثلاثاء 28 مارس 2006

أربيل (العراق) - نزار آغري :

فاضل الجاف مخرج وناقد وباحث ومدرب مسرحي. أخرج الكثير من المسرحيات الشهيرة لموليير وشكسبير وسترندبرغ وبيكيت وإبسن على مسارح عالمية في السويد وبريطانيا وفنلندا وروسيا والمغرب والإمارات

أصدر كتباً نظرية عن المسرح والممثل والنظريات التمثيلية باللغتين العربية والكردية، كما ترجم إلى العربية مسرحية «البجعة واللعب بالنار» لسترندبرغ.

ولد عام 1951. درس المسرح في بغداد ونال الدكتوراه عام 1990 في بطرسبورغ عن إطروحته حول تأثير منهج فسيفولد مييرهولد في المسرح العالمي.

يعود المسرحي فاضل الجاف من السويد ليمد يد النجدة إلى المسرح الكردي الذي يحاول أن ينهض من جديد.

للنشاط المسرحي في كردستان العراق تاريخ حديث. فأول العروض المسرحية ظهر في النصف الثاني من عشرينات القرن المنصرم في مدينة السليمانية وعلى يد مجموعة من الهواة. كانت قاعات الدرس هي خشبة المسرح وكان الممثلون من الطلبة والمدرسين. ويمكن القول ان النشاط المسرحي انبثق من صفوف الدرس في المدارس.

ولم تظهر الفرق المسرحية الحرة في كردستان إلا في الخمسينات مع تأسيس أول فرقة مسرحية كردية في السليمانية. وبعد تأسيس المعهد المسرحي العراقي في بغداد تعلم عدد من المسرحيين الكرد هناك وعادوا ليعملوا كرواد مسرحيين في مجال التعليم والتدريب في آن واحد. ثم ازداد عدد الفرق المسرحية وتعاظم النشاط المسرحي الكردي أسوة ببقية مناطق العراق. وفي الثمانينات كان إنشاء المعهد الفني في السليمانية ثم في أربيل وشكل ذلك انطلاقة قوية للمسرح الكردي. ولكن خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ومع اشتداد قبضة القمع على يد حكومة البعث وطغيان الرقابة والملاحقة وكتم الأنفاس ومنع كل نشاط لا يتوافق مع منطق السلطة، تعرض المسرح الكردي، شأن المسرح العراقي عموماًً للإهمال والركود.

يحمل فاضل الجاف معه خبرته التي تراكمت خلال السنوات الكثيرة التي قضاها مخرجاً ومدرساً للمسرح. هو يحمل قبل كل شيء منهج مييرهولد الذي يتعلق به إلى حد كبير ليدخله إلى الفضاء المسرحي الكردي.

ومنهج مييرهولد، كما يرى فاضل الجاف، هو منهج متكامل ودقيق، قائم على الوعي لا على الانفعالات. ولكنه على النقيض من مدرسة ستانسلافسكي يتأسس على الحركة الفيزيقية لا على الشعور. لقد أعطى مييرهولد الأولولية للمسرحة والتفصيل الحركي، وهو وقف بالضد من النزعة الطبيعية الجامدة. فحركة الممثل واللغة التي يتكلم بها الجسد تحتلان حيزاً أساسياً من المشهد المسرحي.

يحاول فاضل الجاف زرع هذه المدرسة المسرحية في تربة المسرح الكردي التي لا تزال إلى حد كبير شبه عذراء من جهة تلقي التيارات والمدارس الحديثة.

وهو يقوم بهذا الفعل من طريق الدورات النظرية والورش التدريبية في المدارس والمعاهد والمسارح.


مزج الاساليب

صدر كتابه عن مدرسة مييرهولد من جانب وزارة الثقافة في الشارقة (الإمارات العربية) وله عدد من الدراسات والبحوث والمقالات في هذا الصدد. ويحلم الجاف أن يكون له مسرحه الخاص الذي يترجم فيه أفكاره وتصوراته وفهمه للنهج المييرهولدي.

وفاضل الجاف ينحدر من مدينة كركوك ذات الثقافات واللغات المتعددة (الكردية، العربية، التركمانية، الآشورية) التي ظهر منها الكثير من المواهب الأدبية في العراق. ربما لهذا ينتقل الجاف بين اللغات والأماكن والثقافات في نشاطه المسرحي (السويد، بريطانيا، فنلندا... الخ.).

قيل عنه في روسيا: هذا مخرج بقلب شرقي وعقل غربي. إنه يستمد مواده من التراث الشرقي الغني والمتعدد ومن الفضاء الغربي معاً. وهو يمزج الأساليب والرؤى الشرقية والغربية ويسعى إلى النفاذ إلى العمق الروحي للجانبين وصهرهما في بوتقة واحدة.

عن هذا النزوع يقول: «السحر الذي يشدني في التراث الشرقي ينبع من من كونه يتمتع بالسمة الشاعرية والروح الدرامية والرؤية الإنسانية. وفي اعتقادي أن جوهر المسرح يكمن في هذه المقومات الثلاثة. ويظهر كل هذا في أسفار جلجامش وحكايات «ألف ليلة وليلة» وشاهنامة الفردوسي وغيرها من الأعمال الغنية. ففي هذه الأسفار والمغامرات يبرز الجوهر الدرامي صارخاً حيث يمكن القيام بإعادة صوغه في شكل مستمر واستلهام الكثير من السياقات منه. ولكن للتراث الشرقي ميزة أخرى هي الشمولية، فهو لا ينتمي إلى جغرافية ضيقة أو وطن واحد أو شعب واحد».

ويشكو الجاف من عدم ارتقاء المسرح الشرقي إلى ثراء التراث الشرقي وخصوبته: نحن المسرحيين الشرقيين نجد أنفسنا أمام كم هائل من المنجزات التي تبهرنا وتغرينا وتداعب مخيلتنا، إلا أننا نقف مكتوفي الأيدي إزاءها. فهي لم تزل مادة شبه خام لم يتم صوغها في ادب مسرحي غني. إن أجمل الصياغات المسرحية للتراث الشرقي نجدها في الغرب. فعلى خشبة الكثير من المسارح البريطانية تُقدم ألف ليلة وليلة كل عام من خلال بنى درامية متينة وقوالب سردية مسبوكة بمهارة وحرفية.

إن حكايات مثل «علي بابا والأربعون حرامي» و «علاء الدين والمصباح السحري» وغيرها تحتل مكانة متميزة في ريبيرتوار المسرح الاوروبي. بعد عرض مسرحية «ألف ليلة وليلة» من جانب الكاتب والمخرج السويدي دومينيك كوك وجدت نفسي امام مسرحية رائعة الحبكة واللغة والحركة.

أعد كوك المسرحية كي تقدم في الفضاء الخالي، وهذا أمر ليس بيسير.

فكلما كان الفضاء خالياً والعناصر السينوغرافية شحيحة كان الأداء أصعب ومهمة المخرج أعقد. في هذا أسعفني منهج مييرهولد وعلى الأخص تمارينه في البيوميكانيك. ولكن ما هو البيوميكانيك؟ هو الطريقة المبتكرة من جانب مييرهولد للأخذ بالممثل نحو استغلال طاقته التمثيلية من خلال إطلاق العنان لاندفاعات الجسد. وميزة البيوميكانيك تكمن في كونه منهجاً متكاملاً في تدريب الممثل إلى جانب كونه منهجاً في الأداء. وقد طور مييرهولد هذا المنهج عبر تمارين تسمى «الإيتودات»، وهي تمارين دقيقة تضم كل ما تقتضيها حركة الممثل على المسرح من تنيسق وإيقاع وتوازن وحيوية. وقد صاغ مييرهولد تمارينه بعد دراسة عميقة للمدارس المسرحية العريقة في العالم بدءاً من المسرح الإغريقي ومسرح شكسبير والمسرح الإسباني وصولاً إلى المسارح اليابانية وتقاليد الكوميديا ديل آرتي وذلك من أجل تقوية مهارات الممثل الجسدية والإيقاعية.

استفاد فاضل الجاف من هذه التقنيات في نسخته الخاصة لإخراج «ألف ليلة وليلة» التي قدمها على مسرح مدينة استوكهولم في السويد وكذلك في بطرسبورغ. في هذا يقول: في كل عمل إخراجي أحاول أن أحدد لنفسي شيئاً جديداً على ألا يكون ذلك لهدف الدعاية. لقد مزجت الأسلبة في إطار حكاية شهريار وشهرزاد ومسرح الكابوكي في حكاية «علي بابا والأربعون حرامي» ومسرح النو في حكاية السندباد والكوميديا ديل آرتي في حكاية المتسول والطبيب والنصراني. ومع كل هذا هناك التشديد على البنائية في السينوغرافيا واستلهام الطاقة الشاعرية والإحاطة بالرمزية كما في حكاية الأختين الحاسدتين.

في ألف ليلة وليلة خاض الجاف تجربة الاستفادة من الرقص بصفته أداء تمثيلياً وذلك لإيمانه بأن الطاقة التي يختزنها الجسد يمكن أن تتحرر في شكل فاعل في تمازج الرقص والتمثيل. يضاف إلى هذا استنفاد الخصوبة البصرية التي تتضمنها الأزياء. لقد أتيحت لي رؤية عرضه المسرحي في قاعة معهد الفنون الجميلة في أربيل حيث عرض من خلال فيلم مصور أمام طلبة المعهد. في العرض يسعى الجاف إلى الإبهار والمشهدية والانتقال بين الألوان تبعاً للحكاية الممسرحة. فلجأ إلى البرتقالي الناري في السندباد البحري ثم طعّمه بالأبيض واستعمل الأخضر مع الكوميديا ديل آرتي وجر الألوان الأخرى في شكل ممنهج للدخول في تفاصيل الحكايات.

موقع المسرحي فاضل الجاف