يمكن تعريف العمل بأنه المجهود الإرادي الواعي الذي يستهدف منه الإنسان إنتاج السلع والخدمات لإشباع حاجاته, ومن هذا التعريف يتضح لنا أن مجهود الحيوانات أو مجهود الإنسان بغير هدف لا يعتبر عملا
العمل: هو الطاقة أو الجهد الحركي الذي يبذله الإنسان من أجل تحصيل أو إنتاج ما يؤدي إلى إشباع حاجة معينة محلّلة.
الانتاج: هو السلع والخدمات التي يساهم الجهد البشري في إيجادها من أجل إشباع حاجة ما.
وهذا الانتاج قد يكون سلعة، كما قد يكون خدمة. فتكييف الطاقة يتجسّد في إنتاج السلع والخدمات، فالطبيب والنّجار والعامل والحمّال، كل منهم يكيّف طاقته الإنسانية من أجل إشباع حاجة معينة، لأن العمل هو الجهد، أو القوة البشرية التي تتفاعل مع مختلف العناصر الأولية من أجل توفير سلعة مادية، أو إشباع حاجة فكرية أو نفسية، كالكرسي والقميص والكتاب، والعلاج الطبّي، والقصيدة الشعرية والبرنامج الإذاعي والتلفزيوني.
وقد حدّد الإسلام مفهوم الحاجة والعمل والانتاج وبين عناصره في جملة من النصوص والمفاهيم، وأوضح أن الطاقة الإنسانية بالتفاعل مع عناصر الطبيعة هي التي تنتج السلع التي يشبع بها الإنسان حاجاته المادية المختلفة، ويسدّ بها نواقص حياته، كالطعام واللباس والدواء.
وان مفهوم الاسلام عن الطاقة البشرية هو ان الانسان وحدة حياتية قائمة بذاتها لها حاجاتها من الخدمات والسلع والمنافع تقوم هي ذاتياً بتوفيرها وصيانة نفسها باستعمال الطاقة المخزونة فيها، بالتفاعل مع العناصر الاولية والاساسية للانتاج. والانسان الذي صرف هذه الطاقة من كيانه، هو صاحب الحق في امتلاك الفائض منها عن حاجته وليس من حق أحد ان يستولي عليها. إلا ان الانسان يملك حق التصرف وحرية التعاقد لتأجير هذه الطاقة لغيره لقاء اجر معين، وبذا يتنازل الاجير عن قدر من نتاجه وجده الذي يبذله لغيره بمقتضى هذا التعاقد والرضى وهذا التعاقد هو المبرر الشرعي لامتلاك المؤجر الفائض من جهد الاجير على اجرته مقابل توفير فرص العمل له.
وفي كيان الانسان قوى حركية وفنية وعقلية ضخمة بامكانها أن تتفاعل مع عناصر الطبيعة، فتوفر الحاجة للجميع، وأن تبعد الفقر والجوع والحرمان عن كل إنسان يعيش على هذه الأرض لأن الله سبحانه قد جعل في كل إنسان من القدرة والطاقة مايمكنه من توفير لوازم الحياة ومستلزمات العيش، لو فسح لها الانتاج من جهة، ورفع الظلم والسيطرة والاستغلال من جهة اخرى.
الحاجة والاشباع: تعتبر الحاجة إلى الشئ هي السبب الأعمق في إنتاجه وإيجاده، ولولا الحاجة إليه لكان وجوده عبثاً لامبرر له، والسعي من أجله تضييعاً للجهد والمال والوقت الانساني الثمين، وقد حرم الاسلام العبث.
ولم يكن الإسلام إلا رسالة الضبط والتنظيم والقانون، لذلك عمد إلى تحريم الانتاج والتداول والاستهلاك والانتفاع بكل سلعة تشيع شذوذاً أو تستجيب لحالات الانحراف المرضي، كالخمر والقمار والرقص والاحتكار والربا..الخ، فمنع إنتاج الآلات والأدوات والخدمات أو بذل الجهود وإنشاء المؤسسات التي توفر الظروف المشجعة على إيجاد وبقاء هذه الظواهر الشاذة، لأن الإنسان بتكوينه الطبيعي السليم لا يحتاج إلى الخمر ولا إلى الرقص. والإنسان في حالته الطبيعية يجب أن يعمل ويكسب لا أن يتّخذ القمار والاحتكار وسيلة لاقتناص جهود الآخرين، ليعيش في خمول وترهّل على الكسب الشاذ المدمّر لنظام الحياة المعاشي..الخ.
راح الإسلام يحثّ على العمل ويحارب الكسل والاتكالية ويدعو إلى الجد وبذل الجهد من أجل تحصيل الرزق والانتفاع بطيّبات الحياة وإعمار الأرض وإصلاحها. وقد ضرب الرسول(ص) وخلفاؤه أروع الأمثلة في الجد وممارسة العمل والنزول إلى ميدان الحياة، فلم يستخفوا بالعمل ولم يحتقروا العاملين، بل كرّموا العمل والعاملين واستنكروا الخمول والاتكالية والكسل، لأن العمل في عرف الإسلام هو بذل الجهد من أجل إشباع حاجة إنسانية محلّلة، وهو ضرب من ضروب العبادة وتحقيق لارادة الله وحكمته في الأرض والسعي لبناء الحياة وفق مشيئته تبارك وتعالى. ولكي يحقق الإسلام فكرته هذه جعل إشباع الحاجات الشخصية واجبة من حيث الأساس على الإنسان نفسه، لكي لا يتوانى عن الكسب ومباشرة العمل بنفسه، فان هو عجز عن توفير حاجاته كاملة انتقلت مسؤولية إشباع هذه الحاجات إلى الداخلين معه في علاقات النفقة والتكافل، كالآباء والأبناء، فاذا تعذّر النهوض بمسؤولية الكفالة هذه وإشباع الحاجات الضرورية انتقلت المسؤولية إلى المجتمع والدولة الإسلامية.
والإنسان في حالته الطبيعية يجب أن يعمل ويكسب لا أن يتّخذ القمار والاحتكار وسيلة لاقتناص جهود الآخرين، ليعيش في خمول وترهّل على الكسب الشاذ المدمّر لنظام الحياة المعاشي..الخ. ان صحة العامل تتأثر تبعاً لما يبذله من جهد خلال عمله، فكلما طالت ساعات العمل، كان لذلك أثره السيئ على صحة العامل بالاضافة إلى أنها تؤدي إلى ضعف الانتاج كماً ونوعاً. وقد حدّدت منظمة العمل الدولية ساعات العمل بثماني ساعات يومياً.