العدمية Nihilism موقف فلسفي يقول إن العالم كله بما في ذلك وجود الإنسان ، عديم القيمة و خال من اي مضمون أو معنى حقيقي .وحسب هذا المذهب ينحصر الأديب العدمي في تذكير الإنسان بحدوده حتى يستغل حياته استغلالاً عدمياً، وبذلك ينضج فكر الإنسان نضجاً يرفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم إلى مرتبة الأديب المدرك له، والذي يلغي الفواصل المصطنعة بين العلم والفن، فالأديب العدمي هو الذي ينفذ من خلال الموت والبشاعة والعنف والقبح إلى معنى الحياة العدمية، فالعدم هو الوجه الآخر للوجود.
العدمية هي مذهب أدبي فلسفي ملحد ، اهتم بالعدم باعتباره الوجه الآخر للوجود بل هو نهاية الوجود ، وبه نعرف حقيقة الحياة بعيداً عن النظرة المثالية والنظرة الواقعية السطحية.
التأسيس وأبرز الشخصيات
- من أهو الشخصيات العدمية في مجال الأدب ديستوفسكي الروائي الروسي وفي مجال الفلسفة نيتشه صاحب مقولة ( موت الإله ) والعدمية ترى أن الوجود الإلهي وعدمه سواء ولا يحسن أن يجهد الناس أنفسهم في هذا الموضوع . والمؤرخون يفرقون بين الإلحاد والعدمية من حيث أن الملحد يختار جانب الإلحاد الصريح ( سارتر مثلاً )أما العدمي فيرى أن المسألة سواء (يستوي الوجود الإلهي وعدمه) وديستوفسكي يرى أنه إذا كان الإله غير موجود فكل شيء مباح ولا معنى للأخلاق .
- وهذا المذهب مرفوض إسلامياً لأننا مطالبون أولاً بتقرير الوجود الإلهي والتوحيد الخالص ، وثانياً تقرير ارتباط قيام الأخلاق على التشريع الإسلامي في مصدريه الأساسيين ، فالأديب والفيلسوف العدمي يناقضان الإسلام .
- برزت العدمية في روايات الواقعية النقدية لجوستاف فلوبير1821-1880م وأنوريه دي بلزاك 1799-1850م وفي أعمال الطبيعة الانطباعية لأميل زولا 1840-1902م في القرن التاسع عشر إلا أن الأديب الفرنسي جوستاف فلوبير هو المعبر الأول عن العدمية في رواياته ، ثم أصبحت مذهباً لعدد كبير من الأدباء في القرن التاسع عشر .
- ويعد الشاعر والناقد جوتفريد بن 1886-1956م من أبرز العدميين الذين وضحوا معنى العدمية كمذهب أدبي ،إذ قال بأن العدمية ليست مجرد بث اليأس والخضوع في نفوس الناس ، بل مواجهة شجاعة وصريحة لحقائق الوجود.
- وقد رحب هذا الشاعر بالحكومة النازية عندما قامت في الثلاثينيات من هذا القرن على أساس أنها مواجهة حاسمة للوجود الراكد ،إلا أنه عُدَّ عدواً للنازية لأنه قال بأن البشر متساوون أمام العدم والفناء وليس هناك جنس مفضل غيره وقد صودرت جميع أعماله الأدبية عام 1937م.
الأفكار والمعتقدات
- إن الإنسان خلق وله إمكانات محدودة وعليه لكي يثبت وجوده ، أن يتصرف في حدود هذه الإمكانات ، بحيث لا يتحول إلى يائس متقاعس أو حالم مجنون .
- إن البشر يتصارعون ، وهم يدركون جيداً أن العدم في انتظارهم وهذا الصراع فوق طاقتهم البشرية ، لذلك يتحول صراعهم إلى عبث لا معنى له .
- ينحصر التزام الأديب العدمي في تذكرة الإنسان بحدوده، حتى يتمكن من استغلال حياته على أحسن وجه.
- العمل الأدبي يثبت أن لكل شيء نهاية ، ومعناه يتركز في نهايته التي تمنح الدلالة للوجود ،ولا يوجد عمل أدبي عظيم بدون نهاية وإلا فقد معناه ، وكذلك الحياة تفقد معناها إذا لم تكن لها نهاية .
- الرومانسيةالمثالية في نظر الأديب العدمي مجرد هروب مؤقت ، لا يلبث أن يصدم الإنسان بقسوة الواقع وبالعدم الذي ينتظره ، وقد يكون في هذا الاصطدام انهياره أو انحرافه .
- يهدف الالتزام الأدبي للعدمية إلى النضوج الفكري للإنسان ورفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم .
- تهدف العدمية إلى إلغاء الفواصل المصطنعة بين العلم والفن ، لأن المعرفة الإنسانية لا تتجزأ في مواجهة قدر الإنسان ،وإذا اختلف طريق العلم عن طريق الفن فإن الهدف يبقى واحداً وهو : المزيد من المعرفة عن الإنسان وعلاقته بالعالم .
- إن اتهام العدمية بالسلبية وإشاعة روح اليأس ، يرجع إلى الخوف من لفظ العدم ذاته وهذه نظرة قاصرة ، لأن تجاهل العدم لا يلغي وجوده من حياتنا.
- العدمية ليست مجرد إبراز الموت والبشاعة والعنف والقبح ، ولكن الأديب العدمي هو الذي ينفذ من خلال ذلك إلى معنى الحياة ، وبذلك يوضح بأن العدم هو الوجه الآخر للوجود ، ولا يمكن الفصل بينهما ، لأن معنى كل منهما يكمن في الآخر .
الجذور الفكرية والعقائدية
ترجع العدمية في أفكارها إلى مسرحيات الإغريق القدامى التي تصور الإنسان وصراعه مع الأقدار وكأنه صراع ضد فكرة العدم . وكذلك العقائد النصرانية وما تتضمنه من معاني الموت ، وموت العالم واليوم الآخر والحساب...إلخ. إلا أن العدمية لم تبلور العقيدة الدينية في الحياة والموت ..في الإيمان الذي يبعث على عمل الخيروالجد والاجتهاد لإعمار الأرض لتكون الحياة عليها سعيدة مطمئنة وإنما اقتصرت على تصوير معاني العدم والجانب السلبي في الحياة على نحو يوحي بأن العدم هو الوجود الخالد وطالما كان الأمر كذلك فإن الإلحاد يحيط بالعدمية من كل جانب .
انتشرت العدمية في فرنسا وإنكلترا بشكل خاص والعالم الغربي عامة .
مراجع للتوسع
ـ المدخل إلى النقد المقارن ،د. محمد غنيمي هلال_ط2 _القاهرة 1962م. ـ الأدب المقارن ،د.محمد غنيمي_ ط2 _القاهرة 1962م. ـ المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية. د.نبيل راغب_مكتبة مصر_ القاهرة. ـ المذاهب الأدبية الكبرى ، فليب فان تيغيم _ (سلسلة زدني علماً)
المصدر
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة- دار الندوة العالمية للطباعة والنشروالتوزيع