محمد عبد الغني الجمسي (1921 - 7 يونيو 2003) ثاني رئيس أركان للجيش المصري في حرب 6 أكتوبر 1973 (بعد إقالة سعد الدين الشاذلي)، وآخر وزير حربية. تولى المشير الجمسى إدارة المدرعات عام 1944 و في عام 1951 التحق بكلية اركان الحرب تولى قيادة الآلاى الخامس مدرعات بمنطقة القناة في معركة السويس 1956 و بعدها تولى رئاسة أركان حرب المدرعات 1957 ثم قائد اللواء الثانى مدرعات 1958 التحق ببعثة مدرعات في أكاديمية فرونز بالاتحاد السوفيتى 1960 (اشهر الأكادميات العسكرية في ذلك الوقت) رقى إلى رتبة اللواء في يوليو 1965 رئيس عمليات القوات البرية 1966 رئيس أركان الجيش الثانى 1967 نائب مدير المخابرات الحربية 1968 رئيس هيئة عمليات القوات الاتحادية 1970 رئيس هيئة التدريب 1971 ولد محمد عبد الغني الجمسي لأسرة ريفية كبيرة العدد فقيرة الحال يعمل عائلها في زراعة الأرض في قرية البتانون بمحافظة المنوفية. كان الوحيد من بين أخوته الذي تعلم في المدرسة. التحق بالكلية العسكرية وهو ابن 17 عاما وتخرج منها عام 1939 في سلاح المدرعات، ومع اشتعال الحرب العالمية الثانية ألقت به الأقدار في صحراء مصر الغربية؛ حيث دارت أعنف معارك المدرعات بين قوات الحلفاء بقيادة مونتجمري والمحور بقيادة روميل، وكانت تجربة مهمة ودرسا مفيدا استوعبه الجمسي واختزنه لأكثر من ثلاثين عاما حين أتيح له الاستفادة منه في حرب رمضان.
تلقى عددا من الدورات التدريبية العسكرية في كثير من دول العالم، ثم عمل ضابطا بالمخابرات الحربية، فمدرسا بمدرسة المخابرات. كان يدرس التاريخ العسكري لإسرائيل الذي كان يضم كل ما يتعلق بها عسكريا من التسليح إلى الإستراتيجية إلى المواجهة كان قائد القوات المصرية في حرب العاشر من رمضان. اختاره السادات قائدا للمفاوضات مع الإسرائيليين بعد الحرب. بعد الحرب مباشرة رُقي الفريق الجمسي إلى رتبة الفريق أول مع توليه منصب وزير الحربية عام 1974 وقائد عام للجبهات العربية الثلاث عام 1975
المشير محمد عبد الغني الجمسي هو أحد القادة العظام الذين صنعوا نصر أكتوبر, وهو أحد القيادات التي يعترف بقدراتها الفذة الأعداء قبل الأصدقاء, ففي إسرائيل وصفوه بالجنرال النحيف المخيف, وبعض المحللين قالوا انه إذا كان روميل ثعلب الصحراء فإن الجمسي هو الأمكر والأدهي فالأول حارب في ميدان مفتوح في ملعب يتسع لكل المناورات وللكر والفر, أما الجمسي ورفاقه فقد طلب منهم أن يضربوا في حائط أعد لمقاومة قنبلة ذرية( خط بارليف) الذي أجمع العسكريون قبل الحرب علي أنه لا يمكن اختراقه بأي حال من الأحوال.
ليس أدل علي دهاء الجمسي أكثر من احتفاظه بالخطة العسكرية لحرب أكتوبر في كراسة عادية من كراريس المدارس مكتوبة بقلم الرصاص حتي لا يلفت الأنظار. كان مطلوبا من هذا الضابط العبقري أن يحدد أفضل توقيت للحرب وأنسب الأيام وحدد الرجل شهر أكتوبر بالذات لأن إسرائيل كانت فيه أقل استعدادا للحرب حيث يشهد ثلاثة أعياد هي يوم كيبور وعيد المظلات وعيد التوراة أما اختيار يوم6 أكتوبر فلأنه اليوم الوحيد الذي تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون كجزء من تقاليد يوم كيبور أو عيد الغفران وبالتالي فإن علي الإسرائيليين ـ في حال نشوب الحرب في هذا اليوم ـ أن يستخدموا وسائل أخري غير الإذاعة لاستدعاء الاحتياطي الأمر الذي يتطلب وقتا أطول يتيح للقوات المصرية تحقيق المفاجأة واقتحام قناة السويس.
درس الجمسي حتي تيارات المياه في القناة وأوقات المد والجزر, حتي يسهل علي قواتنا العبور في زمن قياسي باستخدام أفضل لهذه الظاهرة الطبيعية, حدد الرجل موعد الضربة في عز الظهر وهو ما يخالف ما اعتادت عليه جيوش العالم من بدء الهجوم عند أول أو في آخر ضوء للنهار. هذه التفاصيل الصغيرة توضح مدي الدقة والوعي الذي كان يتمتع به الجمسي فما بالنا بكل تفصيلة أخري خاصة بالمعركة والتي تقع في المقام الأول علي مسئولية هيئة عمليات القوات المسلحة التي كان يرأسها في ذلك الوقت. لقد كان الجمسي دائما وخلال رحلته الطويلة والشاقة التي خاض خلالها كل الحروب المصرية الإسرائيلية مثالا للجدية والانضباط والحرفية العسكرية التي تعتمد علي العلم في الوصول إلي أقصي معدلات الكفاءة في أداء القوات المسلحة.
وحتي بعد انتهاء الحرب كان للرجل دوره في معركة السلام التي دافع خلالها عن حقوق مصر في كامل ترابها في المباحثات الشهيرة المعروفة باسم الكيلو101 وما تلاها.
وهكذا لا يمكن لأحد أن يستغرب أبدا تصدي الكتاب والمحللين عسكريين ومدنيين للحديث عن هذا المشير العبقري النحيف حين تسنح أي مناسبة لذلك والدافع لدي كل من يكتب ـ تقريبا ـ هو الحب والتقدير لهذا الرجل الفذ.
ومع ذلك قد يقع البعض في مصيدة الأخطاء التاريخية التي تعالج معلومات تتصل بمسيرة الرجال العظام نظرا لتعدد المصادر التي تتفاوت جديتها في التناول, أو تلك التي تري أنه ليس من الضروري بذل الكثير من المشقة في الحصول علي تفاصيل خاصة بهذه المسيرة مادام أن الحديث عن الرجل العظيم سيتناول أعماله في المقام الأول, وليس ما يخصه علي الصعيد الشخصي.
حدث ذلك في مقال قرأته أخيرا عن الجنرال النحيف المخيف والذي تضمن مجموعة من الأخطاء التي تستحق التصويب. وعلي سبيل المثال ذكر الكاتب أن المشير الجمسي نشأ طفلا في رعاية جدته وأن له(12) أخا وأختا والحقيقة أن الجمسي كان له(5) أشقاء فقط وأنه لم ير جدته تقريبا لوفاتها وهو صغير السن, وقد نشأ الرجل ـ في الحقيقة ـ في رعاية وكنف والده الذي توفي حيث كان الجمسي وقتها برتبة اللواء وعمره46 عاما في سنة1976
ذكر المقال أيضا أن الجمسي نشأ في أسرة فقيرة وعلي الرغم من أن الفقر ليس عيبا, إلا أن الأمانة تقتضي التأكيد أن أسرته كانت ميسورة الحال لأن والده كان من أعيان المنوفية وخلال حياته أوقف نحو30 فدانا للأعمال الخيرية. وثمة خطأ آخر وقع فيه الكاتب عندما أرجع سبب دخول الجمسي للكلية الحربية لحزب الوفد الذي فتح أبواب الكليات العسكرية أمام الطبقات الفقيرة وهو أمر لا يمت للحقيقة بصلة لأن الالتحاق بهذه الكليات كان مقصورا علي أبناء المصريين ميسوري الحال كما أن قرية البتانون التي ينتمي إليها الجمسي ليست ـ كما قال الكاتب ـ مشهورة بتجارة الذهب والخشب فذلك لم يعرف عنها في أي وقت.
هذه بعض الحقائق التي ينبغي الإشارة إليها ونحن نتحدث عن قائد عسكري عظيم وهذا حقه علينا علي الأقل في أن نبذل الكثير من الجهد للوقوف علي الحقيقة خاصة اننا لا نشك لحظة في أن الكاتب انطلق من قاعدة الحب والاحترام والتقدير لهذه الشخصية النادرة.
رحل المشير الجمسي في صمت بعد معاناة مع المرض، وصعدت روحه إلى ربه في 7-6-2003 عن عمر يناهز 82 عاما، عاش خلالها حياة حافلة .