الرئيسيةبحث

طه الصبان

طه محمد صالح محمد علي الصبان من رواد الفنانين التشكيليين في السعودية من مواليد مكة ، عضو جمعية الثقافة والفنون بجدة, وعضو مؤسس في بيت التشكيليين بجدة, اقام العديد من المعارض المحلية والدولية لاعماله الشخصية وله العديد من المقتنيات الخاصة والعامه مثل تلك الموجودة في مطار الملك عبدالعزيز الدولى بجدة و الغرفة التجارية الصناعية بجدة وعدد من الميادين والجداريات بمدينة جدة وقد حاز على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية والميداليات الفخرية [1]

كتاب يرصد مسيرته والمرحلة الحديثة ... الرسام السعودي طه الصبان سليل التجريد الغنائي

قراءة مختصرة في تاريخ الفنان طه الصبان

بيروت - مهى سلطان جريدة الحياة - 13/09/2007

«فن طه الصبّان» عنوان الكتاب الذي صدر أخيراً عن دار نسلن (في 192 صفحة من القطع الكبير مزوداً بالصور الملونة في طباعة أنيقة) للكاتب والرسام عمران القيسي، ترصد فيه نتاج الفنان السعودي طه الصبّان في دراسة استعرضت المؤثرات الذاتية والوجدانية والموضوعية للفنان، من المرحلة المبكرة إلى مرحلة النضج، فضلاً عن العوامل التي ساهمت في إغناء قماشة اللوحة، بالعناصر التراثية المتفردة في أصالتها وتلاوينها وعناصرها الزخرفية البصرية.

يشير القيسي إلى أهمية مكان ولادة الصبّان في مكة المكرمة بخصائصها الجوهرية، التي تطرح مسألة الانتماء على شخصية غير محايدة ذات حساسية فائقة وعلاقة صادقة مع المحيط. إذ أن مكة المكرمة أو مدينة بيت الله الحرام، ليست حضوراً يتأكد بالمكان فقط، بل يتأكد بالزمان، بالنسبة إلى طفل لطالما راقب من مكان مرتفع جموع الحجاج وهي تقوم بمناسك الطواف والسعي. فكان من شأن ذلك ان رسّخ منظر الفيض النوراني والإحساس بجغرافية المساحة، مما جعله يعيد رسم خرائط التكوين بما يتلاءم مع عمق إيمانه الذي شكل المخزون الأول للطفولة.

حين انتقل طه الصبّان إلى جدة، عايش هواجس كبار الفنانين السعوديين والعرب. شارك الفنان المؤسس عبدالحليم الرضوي في تنفيذ بعض الأعمال النحتية، كما شارك الفنان المصري عبدالسلام عيد، تنفيذ جدارية بيت الفنانين التشكيليين في جدة. فقد بدأ منذ السبعينات من القرن الماضي احتكاكه بالحركة الفنية السعودية من خلال إشرافه على «أتيليه جدة» ساعياً للتمايز في أسلوبه الفني الذي أخذ يتبلور وفق انتقائية ذكية قائمة على الاختبار للمواد والتقنيات والتقميش لتضاريس السطح التصويري الذي تكتنفه المفردات الشكلانية والعلاقات اللونية.

يقول القيسي: «نجد مفردات لوحة الصبّان خلال المراحل الأولى من مسيرته محصورة ما بين رد الفعل على التغريب الذي شعر به وأدرك انه ليس منه، وبين السعي للانتماء حيث سيجد في الرموز المحلية معيناً ثرياً يعبّ منه ويروي حقول أعماله الفنية. ربما يؤرخ البعض بداية الانعطاف والتحول ما بين عامي 1976 و1977، حين أقام معرضين في مدينتي كولشستر وغلاسكو البريطانيتين، لأن الأعمال التي علّقها هناك كانت تنتمي للحداثة الغربية. فيما كان يجيش بداخله موضوع الهوية الخاصة باللوحة السعودية المعاصرة. فقد واكب الصبّان بذاكرته التحليلية وعينه اللاقطة، في السبعينات نمو شخصية اللوحة السعودية على أيدي فنانين قلة من الرعيل الأول (عبدالحليم الرضوي ومحمد موسى السليم) في زمن لم تكن للسعودية ذاكرة تشكيلية معاصرة، لذا سعى لإيجاد شخصيته المتميزة. فقد فهم الموروث السعودي فهماً تحليلياً على ضوء تجربة بنائية مبتكرة».

من بين الاستعادات غير المبررة أحياناً للحضارات القديمة والحديثة، حيث يختلط الشرق والغرب، ومن بين الاستشهادات الكثيرة للقيسي بأقوال مأثورة لنقاد وفنانين تشكيليين من كل حدب وصوب وفق غياب أي منهجية واضحة تندرج ضمنها مراحل الفنان بتواريخها ومحطاتها، يتحدث الكاتب عن تماس تجربة الصبّان وتجربة بول كلي، حيث التلاقح بين الهندسي والروحي، فيقول بأن طه الصبّان استطاع أن يشيد خريطة لذاكرة المكان الذي يُنظر إليه من مكان مرتفع، فجعل يلغي التفاصيل الهامشية ويعود ليوزع العناصر الأساسية، فيبني ويضيف ويعدّل وينمّق «حتى تحولت اللوحة مشروعاً ثنائي الكشف والنظرة». إذ أنها تتألف من فضاءات وخلجان ومفردات معمارية وتجمعات إنسانية، لهذا نجد حالات القص الاعتراضي على البناء العمودي بخطوط أفقية، وهو العملية الأكثر إلغاءً للتقريرية التعبيرية. وهنا يُدخل طه الصبّان روحاً مخضبة بالزمان التجريدي لكي تتلاقح مع المكان التعبيري الذي هو المدخل الأول للتأليف.

إن الحضور الشبحي للقامة الإنسانية في المرحلة الوسطى من مراحل الصبّان، هي أقرب للضرورة التأليفية، وذلك من أجل شخصنة العمل وربطه بالمحلي من جهة وبالرمزي من جهة أخرى. كائن ومكان هي اللوحة التي لا يلعب الزغل اللوني أي دور فيها، ذلك لأن الفنان حين يلوّن ينطلق للكشف عن حياة اللون ونبضه.

إن الأحجام الكبيرة هي الفضاء الأرحب بالنسبة إلى فنان نفذّ العديد من الجدرانيات، لكأن رؤيته البانورامية لعمائر الأمكنة وجموع الناس والمناظر البرية والبحرية تتلاءم مع اتساع الفضاء. فالتصاميم التي وضعها الفنان كانت دوماً تخاطب واجهات البيوت المتراصة التي تكتنفها الروشانات في استعادة حلمية لطبيعة المكان الذي نشأ عليه الصبّان في طفولته، كما تتراءى القوارب على شاطئ البحر، على حافة العمارات المترامية الآفاق بزخرفها الوهّاج على خلفية ترابية تذكّر بسراب الصحراء في رؤية تمتاز بالشمولية العامة والتخييل. في جدرانياته يوزع الفنان المداميك ونقاط الارتكاز، وبعد مرحلة التأسيس تقوم الفرشاة سريعاً بمهمة رسم الحدود العامة للمساحات اللونية معتمداً على الألوان الزيتية لما لها من خصائص اندماجية هائلة. فالصبّان يمتلك تقنية تلوينية بعيدة من التأثيرية الانطباعية ولكنها غنائية ذات طرب بصري تطرح جدلية العلاقة بين الظل والنور.

تتميز أعمال الصبّان بالكثافة اللونية والحركة المحورية التي تظهر فيها موتيفات وعناصر إنسانية تعبر عن الموضوع في فراغ محيط هو عبارة عن تجريد لوني. أما إحساسه التأليفي فهو يعكسه من خلال التشييد العمودي للأبنية والمفردات الزخرفية لا سيما المرحلة التي تتجلى فيها الرؤى المكّية لصحن الكعبة المشرّفة محاطة بالعمائر الشاهقة في رؤية جمالية معاصرة.

إن اللوحة عند طه الصبّان في دخولها نطاق المشاريع العمرانية الحديثة وتزيين الساحات الرسمية والعامة لمدن المملكة العربية السعودية، باتت جزءاً من ضمير هذه المدن التي تطورت ودخلت الحداثة العمرانية، إلا أنها بقيت محافظة على مفرداتها التقليدية القديمة. فقد سعى الصبان عبر استخدامه للتقنيات المختلفة لا سيما السيراميك، إلى توزيع المساحات بحراً وبراً وإنساناً في احتوائه للكائن الحي الذي يمكن أن نسميه الزمان المكاني.

فهو منذ أوائل التسعينات اعتمد التقطيع التكعيبي في «احتفاليات» المدن والعمارات والبشر في اتجاه يسعى للوصول إلى جوهر العلاقة الحميمة بين المدينة القديمة وإنسانها الملتحم بها، لكنه اختصر في أواسط التسعينات من الكثافة المعمارية، ليركّز على المساحة الكلية للأرض الساحلية المرتبطة بالبحر، في صوغ تجريدي يقوم على قوة التصادم اللوني.

إن طه الصبّان ليس مجرد فنان يرتبط برعيله بمعطى التجريد والبحث والاختبار، بل هو الأكثر مقدرة على إثراء اللوحة السعودية المعاصرة بكل الأفكار الجريئة والمفاجآت المثيرة.