صنعاء هي عاصمة الجمهورية اليمنية و أكبر مدنها. تقع في وسط البلاد قي منطقة جبلية عالية على جبال السراة وليس لها منفذ على البحر. يتفرع منها طرق صنعاء صعدة المتجه شمالا وصنعاء الحديدة الذي يتجه إلى جنوب غرب البلاد وصنعاء ذمار عدن الذي ينتهي في مدينة عدن الساحلية.و صنعاء تمتاز بجو في غاية الروعة فدرجة الحرارة لاتزيد عن ثلاثين درجة مئوية صيفا ولاتنقص عن درجتين شتاءا وهي ممطرة شتاءا وصيفا ولكن بنسب متفاوته وهي أكثر في الصيف منها في الشتاء والجو تتلبده الغيوم طول السنة .
فهرس |
كانت حتى العام 1990 عاصمة الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) إلى تم إعلان قيام الجمهورية اليمنية بين شطري اليمن في 22 أيار/مايو 1990 و إتخاذ صنعاء عاصمة للإتحاد الجديد. مدينة صنعاء القديمة يحيط بها سور قديم ما زال قائماً حتى الآن وتتميز بالنمط المعماري اليمني الفريد الموضح في الصورة وكانت تدعى قديماً مدينة سام نسبة إلى سام بن نوح علية السلام.وإسم صنعاء هو نسبة إلى إحدى حفيدات سام ابن نوح عليه السلام على الارجح والله أعلم وقيل لفن أهلها بالصناعات اليدوية والحرف سميت بهذا الأسم.
إلى صنعاء ينسب خلق كثير من أهل العلم منهم: عبد الرازق بن همام بن نافع أبو بكر الحميرى الصنعانى، أحد الثقات المشهورين، روى عنه سيفان بن عينية ومعتمر بن سليمان وأبو أسامة حماد ابن أسامة وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأحمد بن منصور الرمادى ومات سنة (211هـ).
(( لا بد من صنعاء ... وإن طال السفر )) الخميس, 04-أكتوبر-2007 د. أحمد الصاوي - هي مقصد العرب على مر العصور، لابد منها وإن طال السفر، صنعاء قاعدة اليمن الأولى على مر العصور وأهم مدنها وأشهرها وأكثرها أيضاً استقطاباً للزوار والرحالة منذ القدم.
صنعاء مدينة قديمة، وحسبما يذكر المؤرخون، كان اسمها أولاً «أزال» فلما نزل بها الأحباش ونظروا إلى مبانيها المشيدة بالحجارة قالوا هذه صنعة ومعناها بلسانهم حصينة فسميت لذلك باسم «صنعا» أو صنعاء كما تعرف اليوم.
وبعيداً عن أقوال المؤرخين والجغرافيين العرب فإن الاسم الذي اتخذته المدينة بعد اسمها الأقدم هو عربي المبنى والمعنى وإن كان ذلك لا يحول دون تصديق رواياتهم ذلك أن لغة أهل الحبشة هي أيضاً واحدة من لهجات اليمن القديمة. فالمهاجرون من اليمن كان لهم النصيب الأوفى من بناء حضارة الحبشة القديمة.
ومهما يكن من أمر فقد استحقت صنعاء أن توصف بالحصانة وحسن البناء، إذ شيدت منازلها باستخدام الأحجار التي كانت تقطع من جبل «نقم» خاصة النوع الأبيض، كما استخدم في بنائها أيضاً حجر الحبش الأسود من جبل الجراف فضلاً عن استخدام الأحجار البركانية. وزيادة على ذلك كانت تستخدم مواد أخرى في البناء كالطابوق وهو الآجر أو الطوب الأحمر المحروق والزابو وهو الطوب اللبن «النيئ» وكانت قوالبه كبيرة الحجم واستعمل الخشب بين مداميك البناء وفي السقوف والأرضيات.
وقد تمتعت صنعاء بموقعها المحوري في تاريخ اليمن مذ كان سعيداً، بفضل العبقرية البشرية التي دفعت أهل اليمن القدماء إلى اختيار موقعها.
فالمدينة كانت تقع على نهر صغير يأتي إليها من جبل في شمالها فيمر بها نازلاً إلى مدينة ذمار ويصب أخيراً في البحر، ونظراً لارتفاعها الكبير عن سطح البحر فإن مناخها يتميز بالاعتدال طوال أيام السنة وهي حسب الجغرافيين العرب «لا تمطر إلا في حزيران وفي تموز وآب وبعض أيلول ولا تمطر إلا بعد الزوال في أغلب الأمر يلقى الرجل الرجل نصف النهار والسماء صافية ليس فيها طخرية فيقول: عجل قبل أن تصب السماء لأنهم علموا أنه لابد من المطر في ذلك الوقت».
ولذا ظلت المدينة عبر تاريخها كثيرة الخيرات متصلة العمارات معتدلة الهواء طيبة الثري.
هذا الاختيار العبقري لموقع صنعاء دفع البعض إلى الترويج لروايات أسطورية حول نشأتها ومنها أن مشيدها هو سام بن نوح «لأنه سار يطلب حُر البلاد (أعلاها) وموضع اعتدال الحر والبرد فلم يجده إلا في جزيرة العرب. فنظر الحجاز فوجده مفرط الحر لمقام الشمس شهرين في مثل ثلاث درجات وكسر على سمته فسار في الإقليم الأول حتى صار إلى حقل صنعاء فوجده أطيب باعتداله وصحة هوائه ورآه أرجح إلى البرد منه إلى الحر ورأى ميله وسطاً لا مثل ميل الحمل المتقارب تسير الشمس فيه طولاً درجة وعرضاً قريباً من نصفه،والا مثل ميل الجوزاء الذي هو تسع طوله ورأس الشمس تسامته في السنة كرتين في ثماني درجات من الثور وثلاث وعشرين من الأسد فإذا كانت الشمس فيها ترى الشمس في أيار/مايو صنعاء انتصاف النهار».
وقد اشتهرت صنعاء القديمة بمنازلها المتعددة الطبقات التي قد يصل عددها إلى سبع تبعاً للحالة الاقتصادية والمكانة الاجتماعية لصاحب المنزل.
ويستخدم الطابق الأول من منازل المدينة عادة كمخزن يتم فيه الاحتفاظ بالمواد الغذائية وسواها مما يحتاج إليه في الحياة المعيشية، بينما تخصص الطوابق الأخرى للسكن وفق نظام معين. ومن أهم العناصر في البيت اليمني ما يعرف باسم المفرج وهو عبارة عن قاعة فسيحة أشبه بالمنظرة يوجد في قمة المنزل من أعلى وفيه فتحات للتهوية والإضاءة ويستخدم المفرج كقاعة استقبال للزوار.
وتتشابه البيوت اليمنية ليس فقط في هيئاتها العامة وارتفاعها بل أيضاً في كسوتها من الخارج بمادة «النورة» وهي مادة جيرية بيضاء يتم حرقها لوقت أطول من ذلك الذي يستغرقه حرق الجص، بينما يستخدم الجص في تغشية الجدران الداخلية للمنازل ويتم الاعتماد على مادة القضاض الشبيهة بالأسمنت في صناعة اللحامات بين مداميك البناء.
والحقيقة أن المظهر المتواضع لمنازل صنعاء لا ينبئ بحال من الأحوال عن الثراء الزخرفي لداخلها، ذلك أن هذه المنازل كانت تزين من الداخل بأشرطة من الجص تزدان بالكتابات والزخارف المختلفة ويكثر بها وجود الشمسيات والقمريات وهي نوافذ مستديرة من الجص المعشق بالزجاج الملون، فضلاً عن المشربيات التي كانت تصنع من الخشب أو من الأحجار.
ومن اللافت للنظر أن واجهات المنازل اليمنية التي تزدان بالعقود حول الفتحات كانت تثبت بها أيضاً قرون الوعل، وقد توضع هذه القرون في أركان الدار وربما كان ذلك إشارة إلى أمنيات بالرخاء.
ومما يستحق الذكر هنا أن صنعاء منذ القدم وهي ترتبط ببناء المنازل أو القصور المتعددة الطوابق، إذ يذكر بعض الجغرافيين العرب أن قصر غمدان الشهير إنما هو من بناء سام بن نوح، بينما يشير آخر إلى أن ملوك اليمن قاطبة كانوا ينزلون بصنعاء وكان لملوكها فيها بناء كبير عظيم الذكر وهو قصر غمدان ولكنه هدم وصار كالتل العظيم.
وكان لمدينة صنعاء منذ عصورها القديمة سور يحيط بها وقد أعيد تجديده غير مرة خلال العهود الإسلامية المختلفة التي مر بها اليمن، ومازالت بقايا من سور صنعاء ماثلة للعيان وفيها بعض بقايا أبراج السور الدفاعية، والسور كان مشيداً من كتل كبيرة من قوالب الطوب اللبن فوق كتل من الأحجار غير المشذبة. وكان بسور صنعاء اثنا عشر مدخلاً، هي باب اليمن (الجنوب) والخندق وخزيمة والنزيلي والبلقة والقمع والعبيلة والروم والشهاري والشقاديف وشعوب وأخيراًً باب المستشفى، إضافة إلى أبواب داخلية منها باب القصر وباب السلام وباب شرارة.
ويعتبر باب اليمن كل ما تبقى من أبواب سور صنعاء وهو يشمل في داخله أكثر الأسواق التقليدية في العاصمة اليمنية وأكثرها ازدحاماً على مدار الساعة، وقد اشتهرت صنعاء عبر تاريخها بجودة منتجاتها النسيجية من الأقمشة والبرد التي يضرب بجمالها وجودتها المثل إضافة إلى صناعة السيوف والخناجر المرصعة بالجواهر هي وأغمدتها أيضاً، وصناعة الجلود.
وقد ارتبط تاريخ صنعاء في بداية العصر الإسلامي بظهور أمر الأسود العنسي الكذاب فيها، إذ ادعى النبوة ولكن فيروز الديلمي وداذويه قاما بقتل الأسود والقضاء على الفتنة.
ونظراً لكونها مركز الحكم في اليمن أغلب فترات العصور الوسطى فإن صنعاء تحتشد بالعديد من العمائر الدينية والمدنية التي حرص الأمراء والسلاطين على تزويد المدينة بها.
ومن أقدم هذه العمائر الجامع الكبير الذي تأسس في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين بعث بالصحابي «وبر بن يحنس» الأنصاري والياً على صنعاء في العام السادس للهجرة وأمره ببناء هذا المسجد وقد تجددت عمارته على مر العصور.
ومن أخريات المنشآت المعمارية التاريخية بصنعاء المدرسة البكيرية التي شيدها الوزير العثماني حسن باشا في عام 1005هـ وأنفق على عمارتها أموالاً طائلة وسماها بالبكيرية نسبة إلى بكيربك مولى الوزير حسن الذي وقع من فوق فرسه ومات على الفور، وكان بكير مقرباً من الوزير الذي حزن عليه وجزع لوفاته واختار أن يسمي المدرسة باسمه.
والمدرسة البكيرية لها قبة هائلة تغطي بيت الصلاة فيها على غرار المساجد العثمانية ذات القبة المركزية، ولاتزال عمارة وزخرفة هذه القبة في حالة جيدة من الحفظ لاسيما أنها أفادت من تجديدات أجريت بها في العصر العثماني في عام 1268هـ بأمر من السلطان عبدالحميد الثاني فرشت بعدها بالمفارش الفارسية وأحضر لها منبر من الرخام.
وقد سجل تاريخ هذا التجديد في أبيات من الشعر نقشت على لوحة تأسيسية بأعلى المدخل الغربي ونصها:
ذا الجامع تعميره جامع للفتح والنصر ولذاك النجيب
عبدالحميد الندب سلطاننا سيف رسول الله ذاك الحبيب
لذا أتى تاريخ إتمامه نصر من الله وفتح قريب
ووفقاً لحساب الجمل الذي يعطي لكل حرف من حروف العربية قيمة عددية (نظام أبجد هوز) فإن حروف الشطر الثاني من البيت الأخير يصل مجموعها إلى الرقم 1298 وهو تاريخ هذا التجديد.
إستطلاعات
صنعاء... وإن طال السفر الخميس, 04-أكتوبر-2007 د. أحمد الصاوي - هي مقصد العرب على مر العصور، لابد منها وإن طال السفر، صنعاء قاعدة اليمن الأولى على مر العصور وأهم مدنها وأشهرها وأكثرها أيضاً استقطاباً للزوار والرحالة منذ القدم.
صنعاء مدينة قديمة، وحسبما يذكر المؤرخون، كان اسمها أولاً «أزال» فلما نزل بها الأحباش ونظروا إلى مبانيها المشيدة بالحجارة قالوا هذه صنعة ومعناها بلسانهم حصينة فسميت لذلك باسم «صنعا» أو صنعاء كما تعرف اليوم.
وبعيداً عن أقوال المؤرخين والجغرافيين العرب فإن الاسم الذي اتخذته المدينة بعد اسمها الأقدم هو عربي المبنى والمعنى وإن كان ذلك لا يحول دون تصديق رواياتهم ذلك أن لغة أهل الحبشة هي أيضاً واحدة من لهجات اليمن القديمة. فالمهاجرون من اليمن كان لهم النصيب الأوفى من بناء حضارة الحبشة القديمة.
ومهما يكن من أمر فقد استحقت صنعاء أن توصف بالحصانة وحسن البناء، إذ شيدت منازلها باستخدام الأحجار التي كانت تقطع من جبل «نقم» خاصة النوع الأبيض، كما استخدم في بنائها أيضاً حجر الحبش الأسود من جبل الجراف فضلاً عن استخدام الأحجار البركانية. وزيادة على ذلك كانت تستخدم مواد أخرى في البناء كالطابوق وهو الآجر أو الطوب الأحمر المحروق والزابو وهو الطوب اللبن «النيئ» وكانت قوالبه كبيرة الحجم واستعمل الخشب بين مداميك البناء وفي السقوف والأرضيات.
وقد تمتعت صنعاء بموقعها المحوري في تاريخ اليمن مذ كان سعيداً، بفضل العبقرية البشرية التي دفعت أهل اليمن القدماء إلى اختيار موقعها.
فالمدينة كانت تقع على نهر صغير يأتي إليها من جبل في شمالها فيمر بها نازلاً إلى مدينة ذمار ويصب أخيراً في البحر، ونظراً لارتفاعها الكبير عن سطح البحر فإن مناخها يتميز بالاعتدال طوال أيام السنة وهي حسب الجغرافيين العرب «لا تمطر إلا في حزيران وفي تموز وآب وبعض أيلول ولا تمطر إلا بعد الزوال في أغلب الأمر يلقى الرجل الرجل نصف النهار والسماء صافية ليس فيها طخرية فيقول: عجل قبل أن تصب السماء لأنهم علموا أنه لابد من المطر في ذلك الوقت».
ولذا ظلت المدينة عبر تاريخها كثيرة الخيرات متصلة العمارات معتدلة الهواء طيبة الثري.
هذا الاختيار العبقري لموقع صنعاء دفع البعض إلى الترويج لروايات أسطورية حول نشأتها ومنها أن مشيدها هو سام بن نوح «لأنه سار يطلب حُر البلاد (أعلاها) وموضع اعتدال الحر والبرد فلم يجده إلا في جزيرة العرب. فنظر الحجاز فوجده مفرط الحر لمقام الشمس شهرين في مثل ثلاث درجات وكسر على سمته فسار في الإقليم الأول حتى صار إلى حقل صنعاء فوجده أطيب باعتداله وصحة هوائه ورآه أرجح إلى البرد منه إلى الحر ورأى ميله وسطاً لا مثل ميل الحمل المتقارب تسير الشمس فيه طولاً درجة وعرضاً قريباً من نصفه،والا مثل ميل الجوزاء الذي هو تسع طوله ورأس الشمس تسامته في السنة كرتين في ثماني درجات من الثور وثلاث وعشرين من الأسد فإذا كانت الشمس فيها ترى الشمس في أيار/مايو صنعاء انتصاف النهار».
وقد اشتهرت صنعاء القديمة بمنازلها المتعددة الطبقات التي قد يصل عددها إلى سبع تبعاً للحالة الاقتصادية والمكانة الاجتماعية لصاحب المنزل.
ويستخدم الطابق الأول من منازل المدينة عادة كمخزن يتم فيه الاحتفاظ بالمواد الغذائية وسواها مما يحتاج إليه في الحياة المعيشية، بينما تخصص الطوابق الأخرى للسكن وفق نظام معين. ومن أهم العناصر في البيت اليمني ما يعرف باسم المفرج وهو عبارة عن قاعة فسيحة أشبه بالمنظرة يوجد في قمة المنزل من أعلى وفيه فتحات للتهوية والإضاءة ويستخدم المفرج كقاعة استقبال للزوار.
وتتشابه البيوت اليمنية ليس فقط في هيئاتها العامة وارتفاعها بل أيضاً في كسوتها من الخارج بمادة «النورة» وهي مادة جيرية بيضاء يتم حرقها لوقت أطول من ذلك الذي يستغرقه حرق الجص، بينما يستخدم الجص في تغشية الجدران الداخلية للمنازل ويتم الاعتماد على مادة القضاض الشبيهة بالأسمنت في صناعة اللحامات بين مداميك البناء.
والحقيقة أن المظهر المتواضع لمنازل صنعاء لا ينبئ بحال من الأحوال عن الثراء الزخرفي لداخلها، ذلك أن هذه المنازل كانت تزين من الداخل بأشرطة من الجص تزدان بالكتابات والزخارف المختلفة ويكثر بها وجود الشمسيات والقمريات وهي نوافذ مستديرة من الجص المعشق بالزجاج الملون، فضلاً عن المشربيات التي كانت تصنع من الخشب أو من الأحجار.
ومن اللافت للنظر أن واجهات المنازل اليمنية التي تزدان بالعقود حول الفتحات كانت تثبت بها أيضاً قرون الوعل، وقد توضع هذه القرون في أركان الدار وربما كان ذلك إشارة إلى أمنيات بالرخاء.
ومما يستحق الذكر هنا أن صنعاء منذ القدم وهي ترتبط ببناء المنازل أو القصور المتعددة الطوابق، إذ يذكر بعض الجغرافيين العرب أن قصر غمدان الشهير إنما هو من بناء سام بن نوح، بينما يشير آخر إلى أن ملوك اليمن قاطبة كانوا ينزلون بصنعاء وكان لملوكها فيها بناء كبير عظيم الذكر وهو قصر غمدان ولكنه هدم وصار كالتل العظيم.
وكان لمدينة صنعاء منذ عصورها القديمة سور يحيط بها وقد أعيد تجديده غير مرة خلال العهود الإسلامية المختلفة التي مر بها اليمن، ومازالت بقايا من سور صنعاء ماثلة للعيان وفيها بعض بقايا أبراج السور الدفاعية، والسور كان مشيداً من كتل كبيرة من قوالب الطوب اللبن فوق كتل من الأحجار غير المشذبة. وكان بسور صنعاء اثنا عشر مدخلاً، هي باب اليمن (الجنوب) والخندق وخزيمة والنزيلي والبلقة والقمع والعبيلة والروم والشهاري والشقاديف وشعوب وأخيراًً باب المستشفى، إضافة إلى أبواب داخلية منها باب القصر وباب السلام وباب شرارة.
ويعتبر باب اليمن كل ما تبقى من أبواب سور صنعاء وهو يشمل في داخله أكثر الأسواق التقليدية في العاصمة اليمنية وأكثرها ازدحاماً على مدار الساعة، وقد اشتهرت صنعاء عبر تاريخها بجودة منتجاتها النسيجية من الأقمشة والبرد التي يضرب بجمالها وجودتها المثل إضافة إلى صناعة السيوف والخناجر المرصعة بالجواهر هي وأغمدتها أيضاً، وصناعة الجلود.
وقد ارتبط تاريخ صنعاء في بداية العصر الإسلامي بظهور أمر الأسود العنسي الكذاب فيها، إذ ادعى النبوة ولكن فيروز الديلمي وداذويه قاما بقتل الأسود والقضاء على الفتنة.
ونظراً لكونها مركز الحكم في اليمن أغلب فترات العصور الوسطى فإن صنعاء تحتشد بالعديد من العمائر الدينية والمدنية التي حرص الأمراء والسلاطين على تزويد المدينة بها.
ومن أقدم هذه العمائر الجامع الكبير الذي تأسس في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين بعث بالصحابي «وبر بن يحنس» الأنصاري والياً على صنعاء في العام السادس للهجرة وأمره ببناء هذا المسجد وقد تجددت عمارته على مر العصور.
ومن أخريات المنشآت المعمارية التاريخية بصنعاء المدرسة البكيرية التي شيدها الوزير العثماني حسن باشا في عام 1005هـ وأنفق على عمارتها أموالاً طائلة وسماها بالبكيرية نسبة إلى بكيربك مولى الوزير حسن الذي وقع من فوق فرسه ومات على الفور، وكان بكير مقرباً من الوزير الذي حزن عليه وجزع لوفاته واختار أن يسمي المدرسة باسمه.
والمدرسة البكيرية لها قبة هائلة تغطي بيت الصلاة فيها على غرار المساجد العثمانية ذات القبة المركزية، ولاتزال عمارة وزخرفة هذه القبة في حالة جيدة من الحفظ لاسيما أنها أفادت من تجديدات أجريت بها في العصر العثماني في عام 1268هـ بأمر من السلطان عبدالحميد الثاني فرشت بعدها بالمفارش الفارسية وأحضر لها منبر من الرخام.
وقد سجل تاريخ هذا التجديد في أبيات من الشعر نقشت على لوحة تأسيسية بأعلى المدخل الغربي ونصها:
ذا الجامع تعميره جامع للفتح والنصر ولذاك النجيب
عبدالحميد الندب سلطاننا سيف رسول الله ذاك الحبيب
لذا أتى تاريخ إتمامه نصر من الله وفتح قريب
ووفقاً لحساب الجمل الذي يعطي لكل حرف من حروف العربية قيمة عددية (نظام أبجد هوز) فإن حروف الشطر الثاني من البيت الأخير يصل مجموعها إلى الرقم 1298 وهو تاريخ هذا التجديد.
وتحفل المدرسة البكيرية بزخارف مذهبة جاءت على طراز الباروك والركوكو الذي كان سائداً في أرجاء الخلافة العثمانية آنذاك.
قد يتساءل المرء وهو ينظر إلى سور صنعاء، وهو يتثنى محتضناً منازل المدينة القديمة بطرازها المعماري الفريد: هل هناك أجمل من هذا المكان؟ وتكتمل قدرة المشهد على الإدهاش عندما تنظر إليه من زاوية "السايلة" وهي مجرى السيول الأكبر في العاصمة اليمنية الذي يكتسي بكل أناقته عندما يمر تحت السور مرصوفا بالأحجار بطريقة تؤكد براعة اليمنيين المعروفة في فنون العمارة والبناء. وسور صنعاء احتفظ على مدى السنين بهذه القدرة على الإدهاش والإعجاب. فهو فرض وجوده على جميع كتابات المؤرخين ومدونات الرحالة ومشاهدات الزائرين. فليس هناك، تقريبا، من كتب عن مدينة صنعاء دون أن يتطرق إلى هذا السور كواحد من أهم معالم هذه المدينة التي يقال أنها أقدم مدن الأرض، ويُروى أن سام أبن نوح هو الذي بناها. إذا كان الحديث عن صنعاء يرتبط دائماًَ بعراقتها وبقدرتها الخارقة على الاحتفاظ حتى الآن بسمات الماضي القديم، وتزاوج المظاهر المحدثة فيها مع ما خلفته العصور الماضية من معالم وآثار، فان سور صنعاء يعتبر دائما واحداً من هذه المعالم وهو يقف شاهداً حيا على العراقة و القدم و التاريخ المزدهر وسمات الخصوصية والتفرد في مهد الإنسان وحضارته الأولى اليمن.
ظاهرة بناء الأسوار حول المدن تكاد أن تكون ظاهرة عامة في تاريخ العالم ومواطن الحضارات القديمة، إذ كانت الأسوار تبنى حول المدن و المراكز الهامة كحواجز دفاعية تحميها من الغزوات.. وقد وجدت الظاهرة في اليمن منذ وقت موغل في القدم.. وتحدثنا الآثار القديمة أن العديد من المدن اليمنية القديمة الهامة كانت ذات أسوار تحيط بها، مثل عدن وزبيد وصعدة ومأرب. ويلاحظ أن بناء أسوار المدن في اليمن ارتبط إلى حد كبير بالمدن المنبسطة المكشوفة، فيما اتخذت المدن القائمة على الجبال ومنحدراتها موقعها الجبلي المرتفع كحامٍ طبيعي لها.
عمر السور
تختلف الروايات حول تاريخ بناء سور صنعاء، ولكن العديد من المراجع والدراسات اعتمدت على قول للمؤرخ اليمني أبو محمد الحسن الهمداني (893- 947 ميلادية تقريباً) في مؤلفه "الإكليل" نسب فيه إلى "شعر أوتر" إحاطة صنعاء بحائط هو سور صنعاء. وهو نفس ما أكده الرازي (ت 1068م) في كتاب "تاريخ مدينة صنعاء". وشعر أوتر (أو شعران أوتر كما يسميه الرازي) هو ملك سبا وذي ريدان الذي حكم بقاعاً كبيرة من اليمن أواخر القرن الثاني بعد الميلاد.
وترى رواية أخرى أن السور بٌني في عهد لاحق وتقول أن من بناه هو السلطان طغتكين بن أيوب في القرن السادس.
والثابت أن سور صنعاء تعرض للهدم وإعادة البناء والترميم لعدة مرات في مراحل مختلفة. وإذا كانت مدينة صنعاء القديمة - ونقصد بها المدنية قبل امتداداتها الحديثة- محاطة تماماً بالسور حتى الستينات من القرن العشرين فان السور الذي قيل أن شعر أوتر هو الذي بناه، تعرض للخراب عدة مرات وكان ممن أصلحه وأداره بالحجر والجص الملك الصليحي على بن محمد علي في القرن الخامس الهجري. ولعل هذا هو ما دعا ابن المجاور إلى القول في مؤلفه (تاريخ المستبصر) إن هذا الملك هو الذي سوّر صنعاء. وركّب على سورها سبعة أبواب.
ويحكي أبو الحسن بن على الخزرمي في كتاب (المسجد المسبوك) كيف خرّب السلطان على بن حاتم الهمداني درب صنعاء عام 570 هجرية وكسر خنادقه واستأصل مآثره لدى سماعه بخبر قدوم (توران شاه الأيوبي) إلى صنعاء. وأعاد بعد ذلك طغتين الأيوبي بناء السور في أواخر القرن نفسه. وفي عـام 1036 ،وبعد أن أصاب الخراب السور مرة أخرى، قام الوالي محمد علي باشا بتكليف أفضل المعماريين بإصلاح شقوقه وصدوعه ومنعه من السقوط والتهدم. وتحسينه. (د. يوسف محمد عبد الله – مجلة الإكليل- العددان الثاني والثالث، السنة الثانية- 1983م).
أبواب السور
توجد في سور صنعاء عدة أبواب حسبها الهمداني في "الإكليل" تسعة. ولكن ابن المجاور يعدها سبعة هي: باب غمدان، وباب دمشق، وباب السبحة، وباب خندق الأعلى، وباب خندق الأسفل، وباب النصر، وباب شرعة.
وفي وصف حديث يقول القاضي محمد الحولي أنهم عرفوا بصنعاء أربعة أبواب هي: باب اليمن، وباب شعوب، وباب السبح، وباب القصر، المسمى أيضا باب ستران.
وعرف سكان صنعاء أبوابا أخرى بالسور هي: (خزيمة) و(الشقاريف) و(البلقة) و(الروم) و (القاع)، ولكن الحولي يقول إن هذه الأبواب محدثة ولعلها تعود إلى القرن الثاني عشر أو قبله. ويضيف بعض من عاصروا صنعاء عندما كانت محاطة بالسور تماماً إلى الأبواب المذكورة (باب شرارة) و(باب السبحة) الذي هدم سنة 1966 ميلادية.
باب اليمن هو الباب الرئيسي من هذه الأبواب وهو الآن أجملها وأتقنها صنعة. ويقف كواحدة من التحف المعمارية اليمنية. ويشكل المدخل الرئيسي لسوق صنعاء الذي يعتبر من أقدم الأسواق في العالم، ويتجسد في الحاضر كقطعة حية وفريدة من الماضي. وحتى مطلع الستينات من القرن العشرين كانت جميع هذه الأبواب تغلق عند مغيب الشمس مساء كل يوم فلا يسمح بعد ذلك بالدخول إلى المدينة أو الخروج منها.
وصف السور
سور صنعاء الآن جميل ومدهش .. انه حائط عالٍ يمتد متلويا حول مدينة صنعاء القديمة.. ينتفخ بعد كل مسافة ليشكل قلعة أو حصن دائري. وخلفه تشهق مباني صنعاء القديمة المزخرفة بالجس البيض ونوافذها الملونة.
بٌنى سور صنعاء من الطين أو اللبِن الذي تمت معالجته بطرق تقليدية معروفة في اليمن تجعله مقاوماُ لمياه الأمطار وتحفظه قائماً لمئات السنين. ولكن هذا السور بدأ في التهدم بعد أن فقد قيمته الوظيفية بانتهاء العهد الإمامي في 1962م، وترك نظام علق الأبواب واتساع العاصمة اليمنية لتصبح صنعاء التي كانت محاطة بالسور، جزيرة صغيرة وسط الامتدادات العمرانية الواسعة التي أحاطت بها من كل جانب، وليلحق الإهمالٌ بالسور أضرارا كبيرة جعلت المتبقي منه أجزاء صغيرة متفرقة، قبل أن تتدخل منظمة اليونسكو في السنوات الأخيرة لإعادة بناء السور.
إن الوصف الوارد في المصادر التاريخية وفي حكايات من عاصروا وشاهدوا السور وهو مكتملا تشبه الأساطير في سحرها وغرابتها..إذ يقول رحالة ايطالي، زار صنعاء في القرن التاسع الهجري: إن أعلى السور كانت تسير عليه ثمانية خيول مجتمعه. وتسجل الطبيبة الفرنسية كلودي فايان، التي عملت باليمن في خمسينات هذه القرن: "إن أسوار المدينة كانت ترتفع إلى عشرة أمتار وتعلوها طريق دائرية. أسوار من الطين كثيفة وعالية تزينها أبراج تحيط المدينة من كل جانب، أبواب تقفل في الليل. والباب الرئيسي هو باب اليمن والذي يجب أن يدخل منه الأجانب (...) فتلك قاعدة متبعة بدقة تفسرها خرافة قديمة.. فقد كان في عقد الباب طلسم، أو حجاب للحماية، فإذا اجتازه العدو أو ثعبان خر لتوه صعقا".
ويصف الدكتور أحمد فخري في كتابه (اليمن ماضيها وحاضرها)، الذي صدر في 1957م، هذا السور فيقول أن ارتفاعه لا يقل في أية نقطة عن ثمانية أمتار. وسمكه يختلف باختلاف الأحياء، فتارة لا يزيد عن مترين وتارة لا يقل عن أربعة أمتار. ويوجد في كل خمسين مترا تقريبا جزء منه مستدير بارز إلى الخارج يسمونه النوبة. ومجموع هذه الحصون الصغيرة 128 حصنا.
ويتحدث الباحث اليمني علي حمود الفقيه عن وصف السور ووظيفته الدفاعية فيقول: إن "بالسور أبعاد متناسقة، بروج (كركونات) خاصة، بالجنود الموكول إليهم حراسة البلد. وهذه البروج قائمة على مسافات متساوية من الأبواب، وفيها رمايات كرمايات المنجنيق و أماكن خاصة للمراقبين يقف فيها الحراس ليل نهار. ولهم في الليل نظام خاص يتأكدون بواسطته من تيقظهم وانتباههم بواسطة الصياح بعضهم على بعض, وترديد بعض العبارات المعروفة عندهم. ويبتدئ بالصياح عادة الحارس القريب من السراي (قصر الحاكم) فينادي بعبارته المعروفة فيرددها في الحال حارس المخفر القائم إلى جانبه، وهكذا دواليك إلى أن يردد جميع الحراس بالمخافر هذه العبارة ويصل الدور إلى حارس السراي فينادي بعبارة أخرى فيرددها الجميع. وأحيانا وزيادة في الحرص وفي ظروف خاصة يستعملون الأبواق في تبليغ الأوامر العسكرية وفي إبلاغ بعضهم إلى بعض وقت الصلاة أو الساعة، إلى غير ذلك من الأمور الهامة" (مجلة الإكليل العددان الثاني والثالث السنة الثانية- 1983م).
وغير السور الذي يحيط بمدينة صنعاء كانت هناك أسوار داخلها تقسمها إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي القسم الشرقي، والقسم الأوسط، الذي يسمى بير العزب، والقسم الذي كان يضم مدينة يهود اليمن التي يفصل بينها وبين بير العزب سور ترابي يتواصل مع السور العام للمدينة الذي كان يمتد حتى آخر عهده بطول خمسة أميال تحيط بالأحياء الثلاثة.
تجديد السور
أدرجت المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) مدينة صنعاء في 1980م ضمن التراث العالمي. وقررت حماية الآثار والمواقع التي بها وصونها وترميمها وإحيائها. ونظمت السلطات اليمنية بعد ذلك حملة وطنية ودولية لتحسين مدينة صنعاء القديمة وتشكيل لجنة للحفاظ عليها وتحسينها. وبدأت مع (اليونسكو) في صيانة وترميم المدينة . وكان لسور صنعاء، كواحد من أبرز معالم المدينة القديمة، نصيبا وافراً من الاهتمام تم ضمنه تجديد الأجزاء المتبقية من السور من خلال بناء سور جديد من الطين بأساس من الحجر ملاصق للسور القديم. والسوران القديم والجديد يمثلان الآن كواحد من أهم المعالم السياحية التي تستثير الزائرين إلى اليمن وتحظى بإعجابهم.
تعتبر اسواق صنعاء القديمة أهم المقاصد السياحية التي يحرص القادمون إلى اليمن على زيارته لما يوفره من فرصة للضيف للرجوع بالذاكرة إلى التاريخ لاسترجاع احلى حكايات الف ليلة وليلة والكتب العربية الاخرى بكل ما فيها من اجواء تاريخية واسطورية مفعمة بالمعاني والدلالات التي تحمل ملامح الحياة العربية الاصيلة. لا يشك الضيف لأسواق صنعاء القديمة مطلقا في انه على موعد مع أحد ابطال مقامات الحريري أو الهمذاني وحين يتفرس في وجوه وسحنات مرتادي هذه الاسواق والذين هم جزء من نسيج المكان بكل عبقه القديم يقف امام صورة نابضة بشكل من اشكال التماهى بين الانسان والمكان وربما الزمان ايضا، فالمتسوقون يجانسون بعفوية بين حركتهم وتزاحمهم وبين ايقاعات هذه الاسواق التي تختلط فيها روائح البخور والعطور والبهارات ونكهة البن اليمني ذائع الصيت مع طرقات اصحاب الحرف اليدوية التقليدية من صانعي الخناجر والسيوف والحلي الشعبية والادوات النحاسية والمشغولات الفضية والجلدية، انه مزيج فريد من الاصوات والروائح والالوان ومشاهد تعيد صياغة الماضي بروح متجددة الابعاد ومتعددة المذاقات.
الاسواق التقليدية في صنعاء القديمة قديمة قدم المدينة نفسها والتي تجمع المصادر التاريخية على انها واحدة من اقدم المدن العربية ويقدر عمرها بأكثر من ألفي عام وتعد اسواقها الشعبية ابرز ملامحها التقليدية والشواهد على ذلك كثيرة ومتعددة حيث ورد ذكر اسواق صنعاء في كتابات الرحالة الاوروبيين الاوائل من امثال جون جوردين وكارستن نيبور والذي وصفها خلال زيارته لها في القرن الثأمن عشر بأنها اسواق متميزة ومتعددة الاغراض ارتبط ازدهارها بازدهار الحرف التقليدية وعددها 49 سوقا متخصصة و29 سمسرة تستغل كمخازن للبضائع ومصارف للتبادل بالنقود فضلا عن كونها اي سوق السمسرة نزلا تقدم خدماتها للمسافرين ودوابهم وبها اماكن لحفظ امتعتهم ومقتنياتهم.
وما زالت اسواق صنعاء الشعبية تزاوج بإيقاع متوازن ومريح بين طابعها المعماري القديم وبين الانماط العمرانية الجديدة وحتى تسلل المحلات التجارية ذات الواجهات الزجاجية إلى هذه الاسواق لم ينل من أصالتها وجمالها العتيق فهي تاريخ وتراث متصل ومتواصل يرتبط فيه الحاضر بالماضي على نحو عضوي ووثيق يمنح الضيف فرصة لمعاينة وثيقة حية وهي شاهد تاريخي متجدد لنمط الحياة العربية القديمة ويعيد كمتحف حي توثيق الكثير من التقاليد والممارسات الشعبية التي اندثر الكثير منها في البلاد العربية الاخرى.
سوق الملح: يعد سوق الملح أشهر اسواق صنعاء القديمة واقدمها على الاطلاق ورغم عدم الاتفاق على سبب تسمية السوق بسوق الملح الا ان الشائع انها عرفت بهذا الاسم لاشتهارها كونها السوق الرئيسية للتوابل والبهارات، غير ان المؤرخ محمد أبو الحسن الهمداني اورد في كتابه «الإكليل» سببا آخر للتسمية فهو في الاصل سوق الملح (بضم الميم وفتح اللام) اي انه سوق كل ما هو جميل ومليح وحصفت التسمية لاحقا وصارت سوق الملح (بكسر الميم واللام).
وبالرغم من انتشار المحلات والمجمعات التجارية والاسواق الجديدة التي تروج لها القنوات التلفزيونية والمجلات والصحف الملونة الا ان لاسواق صنعاء زبائنها الدائمين والذين يربطهم بها ما هو أكثر واكبر من التسوق وقضاء الاحتياجات، إنها علاقة حميمة ونوع من الوفاء لمكان هو جزء حي من ذاكرة حية. تنقسم اسواق صنعاء الشعبية بدورها إلى مجموعة من الاسواق المتخصصة كسوق البز (القماش) وسوق البخور والعطور وسوق الزبيب وسوق البن وسوق الذهب والفضة وسوق النحاس وسوق الحرف اليدوية من حدادين ونجارين وبنائين وسوق القات وسوق الجلود وسوق الحبوب وسوق الحلي الشعبية المصنعة من العقيق والفضة وسوق المنسوجات وسوق الجنابي (الخناجر) والسيوف وغير ذلك من الاسواق المتخصصة إلى جانب عدد من الاسواق الحديثة نسبيا والخاصة ببيع الملابس الجاهزة والعطور المستوردة والاجهزة الكهربائية والسلع الاستهلاكية الاخرى وكما هو الحال في الماضي فإن لكل سوق من اسواق صنعاء الشعبية والى اليوم قوانينه وضوابطه وقيمه المتوارثة التي تحكم نسق وطبيعة المعاملات فيه وهي ذات الاحكام والضوابط الخاصة بالاسواق الوارد ذكرها في كتاب وصف صنعاء للرازي.
ومن التقاليد المتوارثة والمعروفة إلى اليوم شراء جهاز العروس من ملابس ومصوغات وحلي وعطور من اسواق صنعاء القديمة ولا تزال الاسواق الجديدة بكل ابهارها غير قادرة على كسر هذا التقليد الا في مستويات محدودة فالناس يأتون إلى هذه الاسواق من مختلف ارياف اليمن يتجولون فيها بـأريحية واسترخاء ويطوفون بأزقتها الضيقة وعيونهم مشدودة إلى حوانيتها الصغيرة المتراصة بألفة وحميمية، تبدأ الحياة دبيبها في هذه الاسواق مع بزوغ خيوط الشمس الاولى وتستمر إلى ساعة متأخرة من الليل، باعة متجولون يفترشون الارصفة الحجرية العتيقة سياح اجانب، يلتقطون صورا لهم وقد علت الدهشة والابتسامة وجوههم، متسولون يستخدمون مكبرات الصوت، نساء واطفال، أناس بمختلف الهيئات والاعمار والسحن والمطالع لما اورده جمال الدين الشهاري المتوفي سنة 1176 للهجرة عن اسواق صنعاء في كتابة المنشورات الجلية يدرك حقيقة وفاء هذه الاسواق لماضيها ومدى ارتباطها بجذورها يقول الشهاري، تضم صنعاء 76 سوقا بها جملة دكاكين مخصصة عليها الابواب الخشبية المنفتحة المعلقة على خطاطيف تنكسر على انصافها بمساحب حديدية عليها المغالق والاقفال وهي متقاربة لضيق مساحتها التي لا تزيد على ذراعين في العرض واربعة في الطول. كما اشتهرت اسواق صنعاء وما زالت بجميع انواع المشروبات والحلويات العربية والقديمة كالفالوذج واللوزنج والبالوصة والقديد وغيرها من الحلويات التي تقدم مع القهوة وما زالت صناعة هذه الحلويات تحافظ على طابعها القديم بالرغم مما ادخل عليها من مواد جديدة تشمل الالوان والاصباغ والروائح والنكهات المصنعة، بالاضافة إلى ذلك تشتهر اسواق صنعاء بتجارة الاعشاب والعقاقير الطبية التقليدية من مربات ومستقطرات ما زالت مستخدمة على نطاق واسع. لذا لم يكن مستغربا ان تكون اسواق صنعاء الشعبية قبلة السائح العربي والغربي على حد سواء ومقصدا لا غنى عن زيارته خاصة بالنسبة لأولئك السياح الباحثين عن روائح التاريخ وعن سحر ليالي الشرق القديم، هذا الاهتمام من قبل السياح حدا ببعض الاهالي إلى تحويل منازلهم القديمة إلى فنادق تنافس فنادق الخمسة النجوم وتحظى بإقبال كبير وتقدم فيها الوجبات اليمنية التقليدية وتعقد فيها جلسات شرب القهوة والاستماع إلى الموسيقى والغناء «الصنعانى» القديم كما تنظم للافواج السياحية زيارات إلى منازل الاسر الصنعانية للمشاركة في جلسات تعاطي القات ومعايشة الحياة التقليدية لسكان صنعاء القديمة.
ولعل الاسباب التي اشارت اليها نتائج المسح تتوافر في صنعاء القديمة واسواقها التقليدية على نحو خاص لذا نجدها مكتظة دوما بالسياح فهي بهية في عيونهم وفي عدسات كاميراتهم ومدهشة بمصنوعاتها اليدوية والاهم من ذلك كله انها توفر فرصة سانحة لمعاينة انماط حياتية وممارسات بشرية اندثر الكثير منها من على وجه المعمورة.