يوجد إستراتيجية شرعت في تنفيذها شركات الأزياء العالمية وذلك بالعمل على ربط الملابس وتصميمها كمؤشر على الحالة الاجتماعية أو التميز بين قطاعات المجتمع لتظهر فروق رمزية بين شرائح المجتمع ، و بذلوا جهود كبيرة فكرية وإبداعية لتحقيق هذه الأهداف, ولصناعة ثقافة تتبنى هذه الإستراتيجية لدى المستهدفين, وقد توصلوا ونجحوا في ذلك حتى أصبحت الملابس من وسائل (الاتصال) الحديثة التي يراهن عليها لتوصيل رسالة, وكان المستهدف الأبرز هنا لتحقيق الاتصال هو العين.
وفي هذا السياق كانت شركات أخرى تتحرك نحو الأنف وتسعى لتحقيق نفس الدور ولكن مع فارق أن (الأنف ) هو المستهدف. وكانت رائدة هذا الاتجاه شركة شانيل للعطور, التي تتحرك دائما لتكريس (الرائحة العطرة) كوسيلة اتصال تعرف وتوصل لصاحبها ما يريد أن يقوله عن نفسه من (تميز – وذوق – وما يحمله من قيم جمالية – أو حول أمكانته المادية) عندما يريد أن يقوله لمجتمعه, ولا يستطيع أن( يكتبه على ظهره ) فيكون الخيار الوحيد كما تريد شانيل (حاسة الشم).
وهذا ما يفسر سلوكها مع عملائها الأثرياء عندما قالت لهم ( لا يضركم مع شانيل أن لبستم مثل خدمكم ) لأن الاتصال القوى والأقرب إلى ثقافة الناس(كما تقول شانيل) هو بالشم وليس العين . حتى تتمكن من سحب البساط من تحت أقدام المراهنين على (الملابس). هذا صراع الشركات المبتكرة وماذا عن الشركات عندنا .
ان ميل الشخص للانسجام مع ما يتمناه أمر طبيعي فالعيش في عالم معزول يشعرنا بالأمان والرضا ،ولكن المشكلة ميلنا إلى بناء أسوار تحاصرنا في صوامع وقد تكون هذه الصوامع دافئة ومريحة وتشعرنا بالاستقرار, ولكنها خادع لأنها تحول دون معرفتنا لما يحصل في الخارج ( العالم الحقيقي – والسوق الحقيقي) ،لأن حاجات وقوانين الخارج تسير وفق شروطها وليس أمانينا .
لهذا توجه كل الطاقات حراس السور لأحداث الرضا لمن في داخل السور, بدلا من توجيهها لمعرفة ماذا يدور في الخارج وكيف يجب أن نتعامل معها بحلوها ومرها....وتحقيق الرضا عن طريق التغلب وتجاوز مشكلات الخارج . وهذا ما يفسر عدم رغبة الشركات العتيقة لسماع أي صوت يعرفها بوضعها ويذكرها بالتحديات التسويقية التي تحاصرها ، فتضع حاجز حتى لا تصادف من يعرض عليها مشاكلها . والنتيجة نرى كثير من البرامج التسويقية والإعلانات الترويجية في بلادنا بمستوى ضعيف وغير مقنع لأن القائمين عليها يعرفون أن الإدارة العليا للشركات محاطة ومعزولة عن ما يدور, وتحبذ سماع الانجازات العظيمة (الجزء العلوي من جبل الثلج) ، ولا تبحث عن نتائج للبرامج التي تنفذ, فمجرد وجود ضجة إعلانية تعتبر (الأمور جيدة) .
فهناك كثير من الرسائل الإعلانية التي لا تحقق لأصحابها أدنى فائدة لأنها لا أهملت شروط تصميم الإعلان الناجح الذي يدور حول أهداف الشركة من الإعلان وحاجة العميل والوسيلة التي يفترض تحقق الوصول إلى صاحب قرار الشراء ....الخ ، غالبا تطمئن الشركات لأداء إدارة التسويق بمجرد نشر الإعلان وصرف فاتورة الوسيلة الإعلانية بغض النظر عن النتائج ، رغم المخاطر الكبيرة للإعلان الفاشل لانعكاسه السلبي على الشركة ، وكثير ما تردد الشركات العالمية أن 50% من الإعلان فاشل والمشكلة عدم معرفتنا أي الـ 50% هي الفاشلة .
مثلا لاحظ معي إعلانات(الموبيز) الثابتة في الجزر وسط الشوارع الرئيسية, يفترض أنها تستهدف المتحركين بالسيارة الذين يلمحون الإعلان للحظات في أحسن الأحوال ومع هذا الرسالة الإعلانية تعرض تفاصيل المنتج وبخط صغير كأنها مقالة صحفية, كأنهم يتوقعون أن السائق يوقف (على جنب) وينزل لقراءة الإعلان, فإذا كانت الشركة تحتاج لذكر تفاصيل فتكون الصحف والمجلات هي الوسيلة المناسبة ، وتكمن المشكلة بأنهم يصمموا الإعلانات لكل الوسائل بنفس الطريقة ، (رغم أهمية أن يكون التصميم العام للإعلانات بكل الوسائل متحد ) بحيث يربط الجمهور وتسجل في وعيهم تكرار الإعلان في حالة مشاهدته في أكثر من وسيلة . بالوقت الذي وصلت الشركات المبتكرة إلى صراع على أجزاء وحواس في جسم الإنسان (صرع الأنف والأذن) وقفت كثير من الشركات في بلادنا إلى (إهمال عقل الإنسان) .