تقع مدينة شهارة إلى الشمال من محافظة عمران في الجمهورية اليمنية، وتبعد عنها نحو (90 كيلو متراً) ، ويمكن الوصول إليها من مدينة حوث وشهارة طبيعياً تشمل سلسلة جبلية يطلق عليها اسم سلسلة جبال الأهنوم نسبة إلى قبائل الأهنوم التي تسكنها ، وتشتمل هذه السلسلة على جبل " شهارة الفيش " وجبل " شهارة الأمير " . ومدينة شهارة هي المركز الإداري لمديرية شهارة ، يرتفع هذا الجبل حوالي ( 3000 متر ) عن مستوى سطح البحر ، كما تشتمل على جبل سيران الغربي والشرقي وجبل ذري ، وجبل المدان ، وجبال القفلة وعيشان ثم جبال ظليمة وبني سوط ، وهي بالجنوب من السلسلة ، ثم جبال الجميمة وبني جديلة ، يحد هذه السلسلة الجبلية من الشمال وادي الفقم النازل من العشية إلى مور ، وجنوباً وغرباً وادي مور النازل من أخرف والبطنة ، و شرقاً سهل العصيمات وعذر ، وقد قسمت شهارة إدارياً إلى مديريتين ( مديرية شهارة ، ومديرية المدان ) .
أول ما يلفت النظر في التسميات السابقة لجبال شهارة هو اسم ( شهارة الفيش ) ، والفيش نسبة إلى قبيلة " فيشان " القبيلة اليمنية القديمة التي ظهرت في نهاية ( الألف الثاني قبل الميلاد ) ، وقد لعبت هذه القبيلة دوراً بارزاً في تكوين مملكة سبأ ، فعندما بدأت الدولة السبئية في الظهور في نهاية ( الألف الثاني قبل الميلاد ) كان تكوينها ناتجاً عن اتحادات قبلية بدأت باتحاد قبيلة سبأ وقبيلة فيشان وتكونت بعدها المملكة السبئية لنجدها في الفترة التي أعقبت حروب المكرب السبئي " كرب إل وتر " مكرب سبأ في ( القرن السابع قبل الميلاد ) ؛ تتجه إلى البحث عن مواقع استيطانية كان هدفها السيطرة على قيعان الهضبة الجبلية منها قاع البون وقاع الرحبة وصنعاء ، وقاع جهران ، وقاع سهمان إلاَّ أن قبيلة فيشان وجهت عشائرها إلى استيطان قاع البون وقراه ومدنه الشمالية ، أبرزها مدن عمران ، وخمر ، وريدة ، ويعتقد أن هناك بعض العائلات انتقلت إلى سلسلة جبال الأهنوم واستقرت فيها ، ويؤكد أن المنطقة كانت معمورة في عصور ما قبل الإسلام . وقد ذكر بعض الإخباريين أن الملك المشهور " أب كرب أسعد " المشهور " بأسعد الكامل " قد سكن في شهارة في ( القرن الخامس الميلادي ) . في حين تورد بعض المصادر التاريخية أن شهارة بدأت بالظهور في الفترة الإسلامية خاصة في منتصف ( القرن الخامس الهجري ) عندما اتخذها الأمير ذو الشرفين " محمد بن جعفر بن القاسم بن علي العياني " المتوفى في سنة ( 478 هجرية ) حصناً منيعاً خاصاً به ، بعد تعقب الصليحيين له فاتخذها كحصن منيع وفرته طبيعتها الجبلية المرتفعة ذات الانحدارات الشديدة ؛ لذلك عندما وجه المكرم " أحمد بن علي الصليحي " قواته إلى مهاجمة الأمير " ذي الشرفين " ، عادت تلك القوات خائبة إلى ثكناتها ، واستمر الأمير " ذو الشرفين " في شهارة حتى وفاته بها في سنة ( 478 هجرية ) ، وقد نسبت مدينة شهارة إليه ، فسميت ( شهارة الأمير ) .
وفي الفترة الأولى لحكم العثمانيين اليمن ، استطاع العثمانيين اقتحام واحتلال مدينة شهارة في سنة ( 955 هجرية ) ، واستمر احتلالها إلى العقد الثاني من ( القرن الحادي عشر الهجري ) وقد بنو فيها عدة منشآت إلى جانب رصف الطرق المؤدية إلى المدينة ، ومن أهم منشأتهم فيها ( دار الناصرة ) ـ حصن الناصرة ـ ، و ( دار سعدان )
وقد اتخذها الإمام " القاسم بن محمد " عاصمة لدولته وجعلها منبراً لتدريس ونشر المذهب الزيدي ، وبعد وفاته في سنة ( 1029 هجرية ) ، خلفه ابنه الإمام " محمد بن القاسم " الذي اشتهر ببناء جوامع العبادة ومدارس العلم التي تولت نشر المذهب الزيدي ، وقد جرت بينه وبين العثمانيين حرب ضروس إلى أن رحل العثمانيين عن اليمن في سنة ( 1045 هجرية ) ، وقد توفي هذا الإمام في سنة ( 1045 هجرية ) .
ثم ارتبطت مدينة شهارة فيما بعد في عهد الإمام يحيى بن محمد حميد الدين وهو ابن الإمام المنصور محمد حميدالدين ( 1322 - 1367 هجرية ) بحادثة شهيرة تبدأ مجرياتها بوصول الإمام " يحيى " إليها هرباً من العثمانيين الذين وصلوا من تركيا خلال الفترة لثانية لقمع تمرد اليمنيين على الدولة العثمانية ـ التركية ـ ؛ خاصة بعد فرار ممثل السلطان العثماني من صنعاء إلى زبيد عقب دخول الإمام " يحيى " صنعاء تعاضده قبائل همدان وحاشد والأهنوم ، وقد وصلت القوات العثمانية بقيادة الباشا " أحمد فيضي " إلى صنعاء مزودة بأحدث المعدات من مدفعية ثقيلة وأسلحة نارية خفيفة ، ولم تلبث تلك القوات سوى بضعة أيام حتى تحركت قاصدةً شهارة بقوة تتألف من عشرة طوابير بكامل معداتها ، ولم تعترض تلك القوات أي مصاعب في الطريق من صنعاء إلى شهارة ، وعندما وصل إلى أسفل جبال شهارة فوجئ بتجمع القبائل التي توحدت تحت قيادة الإمام " يحيى " ، واندحرت القوات العثمانية وفر قائدها وبعض من قواته التي نجت بعد معركة ضارية ، وفي هذه المعركة استخدم اليمنيون طريقة دفاعية فريدة تمثلت في إسقاط وقذف الأحجار الضخمة من قمم جبال شهارة على القوات العثمانية الجاثمة في الوديان الضيقة ، ومن معالم شهارة حاضرتها مدينة شهارة .
تقع مدينة شهارة على الجبلين المتقاربين الشرقي والغربي والذي يطلق عليهما ( شهارة الفيش ) ، و ( شهارة الأمير ) ، ويربط بين الجبلين جسر أقيم على الأخدود الفاصل بينهما وكانا الجبلان قديماً يعرفان بجبل معتق . ومدينة شهارة مدينة جميلة كانت فيها برك للماء وعين ماء كان يطلق عليها ( المقل ) . ومباني المدينة قوامها الأحجار تتخللها المساجد والقباب ، وبعض الخرائب منها ما يعود إلى فترة إنشائها في منتصف ( القرن الخامس الهجري ) إنشاء مدينة " شهارة الأمير " ، وفيها ـ أيضاً ـ حصن الناصرة ودار سعدان اللذان أقامهما العثمانيين في الفترة الأولى لحكمهم اليمن في الفترة الممتدة من سنة ( 995هجرية ) إلى العقد الثاني من ( القرن الحادي عشر الهجري ) . وفيها جامع حسن ـ بناه ـ الإمام " القاسم بن محمد " المتوفى في سنة ( 1029 هجرية ) ، وقبره فيه مشهور ، وفيها ( سبعة مساجد ) غير الجامع .
ولشهارة طرق محكمة بين الجبال ، وأبواب لكل طريق ، منها باب النصر ، وباب النحر وباب السرو ، وعلى كل باب هناك حراس يقومون على حمايته .
1_ جسر شهارة :-
أقيم هذا الجسر للربط بين جبلي ( شهارة الفيش ) ، و ( شهارة الأمير ) ، وقد كانت الطريق بينهما تتطلب الكثير من الوقت والجهد حيث كان الأهالي يلجأون للنزول إلى أسفل الأخدود الفاصل بين الجبلين ثم الصعود إلى الجبل الآخر ، هذا هو الأمر الذي جعل نقل الماشية والبضائع بين الجبلين يعتبر شبه مستحيل لصعوبة الطرق والأخاديد الفاصلة بين الجبلين ذات الانحدار الشديد . أما بالنسبة لتاريخ بناء الجسر فقد بني في عام (( 1323 هجرية ) ـ ( 1905 ميلادية )) في عهد الإمام يحيى بن محمد حميد الدين . وتعتبر الهندسة المعمارية للجسر واحدة من أهم سماته ، فقد أقيم على أخدود شديد الانحدار يفصل بين جبلي شهارة الفيش وشهارة الأمير يبلغ ارتفاعه من أسفله إلى أعلى قمة الجبل حوالي ( 200 متر ) ، أقيم هذا الجسر على ارتفاع ( 50 متراً ) من أسفل الأخدود ، في منطقة يبلغ مسافتها ( 20 متراً ) ونتيجة للارتفاع البالغ ( 50 متراً ) من قاع الأخدود فقد بنيت في الأسفل عدة جسور ونوبة ـ برج ـ تم الاعتماد عليها في إقامة هذا الجسر إذ كانت تستخدم لنقل الأحجار ومواد البناء إلى أعلى المنطقة التي اختيرت لإقامة الجسر والتي مُهدت قبل البدء بالبناء عليها لأن صخورهـا ملساء ، بعد ذلك أقيم جسما الجسر على الجبل الشرقي وعلى الجبل الغربي بلغ ارتفاع كل منهما (10 أمتار) ، وبالاستناد على ذلكما الجسمين تم عمل عقد الجسر الذي ربط بين الجسمين ليصل بعدها طول الطريق بين الجبلين إلى ( 20 متراً ) وعرضها ( 3 أمتار ) ، ولازالت آثار الجسور التحتية التي استخدمت لنقل مواد البناء إلى الأعلى قائمة ، أما النوبة فقد تهدمت مبانيها .
هذا وقد أقيمت على جسم الجبل الغربي طريق حجرية مرصوفة تبدأ من بداية الجسر إلى الأعلى ؛ ونتيجة للانحدار الشديد للصخور فقد اضطر المعمار إلى بناء عقود لكي تقوم عليها عمارة الطريق المرصوفة وتعتبر الطريق المرصوفة والجسر تحفة معمارية رائعة وعملاً هندسياً عظيماً ، إلى جانب أهميته في تسهيل حركة التنقل بين الجبلين .
2_ حصن الناصرة :- حصن الناصرة أو دار الناصرة هو واحد من المباني التي أقامها العثمانيين في الفترة الأولى لحكمهم اليمن ، فقد بُني في أواخر ( القرن العاشر الهجري ) ، ويقع على ربوة مرتفعة في المدينة من جهة الغرب ، ويشرف على مدينة " شهارة الأمير " وعلى معظم جبال الأهنوم من جهة الجنوب ، يتكون الحصن من سور يحيط بمبنى مكون من أربعة أدوار ، ويتم الوصول إلى داخل الحصن من خلال بوابة أقيمت في الجهة الغربية وقد أقيم عليها غرف استخدمت للحراسة .
وبعد تجاوز البوابة ستجد هناك بركة ماء كبيرة ـ صهريج ـ يطلق عليها اسم ( الشحنة ) والتي كانت تستخدم للحامية العسكرية العثمانية ، كما يوجد مسجد صغير ، ومبانٍ ملحقة بالحصن مثل أبراج الحراسة 0
أما مبنى الحصن الرئيسي فهو مبنى كبير مكون من أربعة أدوار ، يتم الصعود إلى الأدوار العليا عبر سلمين داخليين ، ويحتوي كل دور على غرفة متسعة يطلق عليها ـ المفرج ـ إضافة إلى الكثير من الغرف الصغيرة .
3_أبواب المدينة وطرقها :- بالنسبة للطرق المؤدية إلى المدينة ـ مدينة شهارة الأمير ـ فهناك طريقان أحدهما من جهة الغرب والآخر من جهة الجنوب أقامهما في النصف الثاني من ( القرن الخامس الهجري ) الأمير " ذي الشرفين " لربط الطريق إلى " شهارة الأمير " ، كما أقام طريقاً آخر يصل بشهارة الفيش ، عندما اتخذ المدينة الإمام " القاسم بن محمد " عاصمة له ، فقد اتجه إلى إقامة العديد من التحصينات الدفاعية ، وإلى جانب ذلك قام برصف عدد من الطرق وأقام عدداً من الأبواب للمدينة ، وقد استكمل بناءها ابنه الإمام " محمد بن القاسم " ؛ وبذلك أسس شبكة طرق محكمة بين الجبال لكل طريق منها باب ، وتعرف هذه الأبواب بمسميات كالآتي :
- باب النصر : يقع في الجهة الغربية للمدينة ، تصل إليه طريق الجهة الغربية التي سبق أن أقامها الأمير " ذو الشرفين " في النصف الثاني من ( القرن الخامس الهجري ) وجددها الإمام " محمد بن القاسم " .
- باب النحر : يقع في الجهة الجنوبية للمدينة ، تصل إليه الطريق التي سبق للأمير " ذو الشرفين " إقامتها إلى جانب الطريق الغربية السالفة الذكر .
- باب السرو ( الصلال): يقع في الجهة الجنوبية الشرقية للمدينة .
- باب شهارة الفيش : يقع في الجهة الشرقية للمدينة ويربط بين شهارة الفيش وشهارة الأمير طريق مرصوف بالحجارة هي طريق الجسر .
وجعل لكل باب من الأبواب السابقة مصراعين من الخشب السميك ، كانت تغلق على المدينة فلا يستطيع أحد الدخول إليها أو الخروج منها ، وفي بعض الأبواب أقيمت أبـراج دفاعـية ، كانت تقـيـم فيها الحراسة ، ولا تزال الأبواب قائمة وكذلك الأسوار التي أقيمت في الأماكن السهلة الاجتياز في منحدرات الجبل الذي أقيمت عليه مدينة شهارة الأمير ونستثني من الأبواب الأربعة باب النصر الذي أزيل بسبب مرور طريق السيارات في موقعه .
4_ جامع الإمام القاسم :- أقيم هذا الجامع في عهد الإمام " القاسم بن محمد " ، وكان الانتهاء من بنائه في سنة ( 1025 هجرية ) ، ثم زاد فيه الإمام المتوكل " إسماعيل بن القاسم " في الجهة الشمالية إذ بنى فيها رواق القبلة وانتهى منه في سنة ( 1074 هجرية ) .
- مكونات الجامع : يتكون الجامع من بيت الصلاة ( رواق القبلة ) ورواقين جانبين والرواق الجنوبي وصحن مكشوف في الوسط ، وهناك ـ أيضاً ـ في جنوب الجامع فناء مكشوف يطل على بركة كبيرة منحوتة في صخر الجبل ، وإلى الشرق من الجامع هناك عشرات من المنازل العامرة والتي كانت في السابق سكناً داخلياً للطلاب الوافدين إلى المدينة للدراسة في جامعها ، وكانت هذه المدينة واحدة من هِجَر العلم التي كانت تضاهي صعدة ، وذمار ، وزبيد ، كما تزعمت ـ أيضاً ـ وبشكل مميز نشر المذهب الزيدي خلال فترات الضعف في مراكز صعدة وإلى جانب تلك المساكن هناك ثلاث قباب مشهورة ، تقع ـ أيضاً ـ إلى شرق الجامع ، يوجد فيها أضرحة الأئمة " القاسم بن محمد " المتوفى في سنة ( 1029 هجرية ) ، وقبر " المؤيد بن القاسم بن محمد " المتوفى سنة ( 1054 هجرية ) ، وقبر الإمامين " الحسين " ، و " الحسن " ابني الإمام " القاسم بن المؤيد بن القاسم بن محمد " ، توفى الإمام " الحسين " في سنة ( 1129 هجرية ) ، وتوفي الإمــام " الحسن " في سنة ( 1156 هجرية ) .
وتعتبر هذه الثلاث القباب أحد معالم مدينة " شهارة الأمير " ، وذلك لجمال منظرها بين المساكن المبنية بالأحجار بينما طليت هذه القباب باللون الأبيض .
لا تزال مدينة شهارة التاريخية قائمة بكل مكوناتها المعمارية ( شهارة الأمير ، شهارة الفيش ) ، والجسر الهندسي المعماري الذي يصل بين الجبلين والشهارتين يعكس مدى قدرة إبداع المعمار اليمني ، أمَّا المرافق التابعة لها من حصون ، وأسوار ، وأبواب قديمة ، ومساجد ، ومدارس تاريخية ، وأحياء عتيقة وصهاريج المياه ، ومدافن الحبوب ، فجميعها بحالة جيدة ، ماعدا باب النصر الذي يقع في الجهة الغربية للمدينة تم إزالته أثناء شق طريق للسيارات إلى المدينة في حين كان الباب واسعاً وبالإمكان مرور السيارات من خلال البوابة التاريخية ، وجميع الأبواب مصنوعة من خشب الطنب القوية المقاومة لعوامل التقادم الزمني ، كما يوجد بعض الأبراج المحيطة بالأبواب مهدمة وأجزاء من السور ـ أيضاً ـ مهدمة ، توجد منشآت حفظ المياه وهي عبارة عن مآجل – أحواض ماء - منحوتة في الصخور. أنجبت شهارة للتاريخ المعاصر رجالا فاعلين منهم اللواء يحيى المتوكل ورزير الداحلية الأسبق وعبد الوهاب الآنسي أمين الإصلاح ونائب رئيس الوزراء الاسبق ومحمد عبد الملك المتوكل وعبدالله بن احمد الحظا وقاسم بن حسين الحظا