القرم بين الحاضر والماضي تاريخ النشر : 06-19-2004
تعريف: القرم أرض إسلامية، وهي شبة جزيرة في البحر الأسود، تتصل بجزء من الشمال بالجمهورية الأكرانية. فُتح القرم في عهد السلطان محمد الفاتح، وسكانه الأصليون هم المسلمون التتار، ويسمون "تتار القرم" نسبة إلى موطنهم وهم غير التتار الذين هاجموا الخلافة العباسية ودمروها. كان القرم ولاية من ولايات الدولة الأسلامية، وكانت عاصمة مدينة {بخش السرايا}، وحتى يومنا هذا ما زال بيت الوالي وديوانه ومسجده موجوداً فيها. يعيش في القرم الآن مليونا نسمة منهم: 13% مسلمون، 50% روس، 35% أوكران، و 2% قوميات أخرى. ففي أواخر عهد الدولة الإسلامية (الخلافة العثمانية)، انفصل القرم عنها في عهد قيصرة روسيا إيكترينا الثانية (1762-1796) وعندها بدأ المسلمون يعانون الأمرين بعد تسلط الكافر المستعمر عليها، وزاد الأمر بِلة سقوط الخلافة العثمانية في عشرينات القرن العشرين، وفُتحت جروح الأمة في القرم وغيره من أمصار وبلاد المسلمين. ونتيجة للضعف في فهم الإسلام في القرم ظهر دعاة الفكر القومي بجانب دعاة الفكر الإسلامي وبدأ القوميون بنشر أفكارهم وأهدافهم المتمثلة في بناء وطن قومي لهم في شبة جزيرة القرم ولكن الظروف لم تمهلهم.
بداية الحكاية: في عام 1917م قامت الثورة البلشفية المتمثلة بالمبدأ الشيوعي كطراز حياة ونظام عيش فقتلوا بقايا القياصرة الأقطاعيين، وعمدوا إلى نشر فكرهم ليشمل روسيا وأكرانيا وروسيا البيضاء والزحف التدريجي شرقاً وغرباً. فكان القرم قد وقع تحت سيطرتهم، وبدأ النظام الاشتراكي السيطرة عليهم وطبقت عليهم أفكاره ومفاهيمه ومقايسه. وعندها بدأت المعاناه والصراع والظلم والإستبداد، عندما طبق على الأمة نظام تلفظه عقيدتها.فبدأ عملية تصفية كل المعارضين من الإتجاهين الإسلامي والقومي. أما من الناحية الفكرية فقد اتبع الاشتراكيون سياسة إجرامية، تتلخص في محو الإسلام من نفوس المسلمين وبالتالي خلق جيل لا يعلم ما هو الإسلام، فبدأوا بعملية صهر المسلمين في الوسط الإشراكي الشيوعي الملحد، وركزوا على الأطفال والشباب والنساء فأغرقوهم بالشهوات، وحولوهم عن قبلتهم وعقيدتهم وجهّلوهم بدينهم فمنعوهم من تعلم أحكام الإسلام كقولة (سبحان الله)، فهدموا المساجد وألغوا حلقات الذكر. فأصبح الإسلام مُغيب بشكل كامل سواء في الحياة الخاصة أو العامة، وذلك بفعل الجواسيس أي الـ (KGB). ونتج عنه عند المسلمين إنحراف في التفكير وفساد في الذوقِ وزعزعة في الثفة وهدم في المقاييس.
الحرب العالمية الثانية بدأت الطائرات والجيوش الألمانية بقيادة هتلر بقصف غرب القارة الأوروبية معلناً حرباً عالمية ثانية، وبدأ السوفيت في شرق القارة يُعدون العدة لمواجهة الخطر الماثل أمامهم. فجندوا الملايين من الجنود وزجوا بالملايين في مصانع الأسلحة والذخيرة نساءً ورجالاً. وأصبح الدخل القومي السوفيتي للسلاح فقط، ولما كان القرم وأهله جزءاً من الإتحاد السوفيتي فقد كان حظهم كغيرهم فكان منهم الجنود والضباط والعمال، فجندوا منهم كل البالغين وزج بالباقي في مصانع التصنيع العسكري دون قبول أي عُذر مهما كان ومن يخالف يذهب خلف الشمس أو القتل المحقق دونما رحمة أو شفقة. فقد كان خمسون ضابطاً رفيعي المستوى من المسلمين التتار، وهؤلاء تم إقتيادهم إلى جهة بعيدة عن القرم وطُلب قادة آخرون إلى منطقة القرم فتركزت القوات في المواقع الإستراتيجية كمدينة {سيفاستوبل وماريوبل وأوديسا وسمفروبل ويالطا} وغيرها من المدن المهمة والتي تعتبر خط النار الأول في هذه المنطقة. وبدأت الحرب طاحنة قتل فيها من السوفييت ما يعادل عشرين مليون شخص (حسب الإحصائية السوفيتية الرسمية). وهَزم السوفيت الألمان بقيادة {المارشال جوكف} وكان ذلك في نهاية إبريل وبداية مايو عام 1945م. وبعد النصر المؤزر إتهم السوفييت التتار المسلمون بالخيانة ومساعدة الألمان، واستصدروا بحقهم أقصى العقوبات على وجه الأرض ، والحقيقة أن موقع القرم الإستراتيجي وكونه حلقة وصل بين الإتحاد ودول الشرق الأوسط ووجود الميناء العسكري العتيد فيه (مدينه سيفاستوبل) جعل الإتحاد لا يأمن جانب المسلمين التتار فيه فأبرموا أمرهم وكانت الفاجعة.
الترحيل القسري : في صبيحة الثامن عشر من مايو عام 1945م حاصرت قوات الجيش الأحمر السوفيتي كل مدينة وقرية وبلدة في القرم ودخلوه منزلاً منزلاً، وأخرجوا أهلة تحت تهديد السلاح وجمعوهم في مدينة {سمفروبل} العاصمة، ووضعوهم في عربات القطارات التي لا تصلح للأستعمال الحيواني وأنطلقت بهم القطارات إسبوعاً كاملاً لتقذف بهم بعيداً عن أرضهم، وحتى تكتمل الصورة دعوني أروي لكم قصة حبيب الله الذي عاش ذاك اليوم المشؤوم فقد رواها وعيونه تفيض بالدمع قال "كان عمري آنذاك اثني عشر عاماً في صبيحة ذاك اليوم أستيقظت انا وعائلتي صباحاً، وكانت أمي قد أعدت طعام الفطور فما أن بدأنا الإفطار حتى طرُق الباب ففتح أبي الباب فإذا الجنود السوفييت بكثرة ومدججين بالسلاح فقالوا :لأبي تعالوا معنا ، فقال أبي : إلى أين ، فقالوا : لا تسأل، واقتادونا جميعاً ولم يسمحوا لنا بأخذ أي شيء، فتركنا البيت والدواب والطعام والأرض والمال وخرجنا فقط بملابسنا التي على أبداننا، وزُج بنا في عربات القطار وسافر بنا القطار إلى أين الله أعلم ..." هذه القصة سمعتها من غيره كثير من أمثال جعفر وحب الدين وخيري ورسلان وشوكت وفهمي وفوزي وحسين، القصة هي هي مع إختلاف الرواه. وبهذه تم إجلاء التتار إجلاءً كاملاً وقسرياً عن شبة جزيرة القرم، وتركوا خلفهم بيوتهم وزرعهم وماشيتهم وأموالهم، وقُذفوا بعيداً بل بعيداً جداً، فمنهم من قدفوهم في السهول في أوزبكستان دون طعام وشراب ومأوى فشربوا من الماء الملوث، وبعدها إنتشروا في أوزبكستان فذهبوا إلى سمرقند وطشقنط ووادي فرغانة ليبدأوا حياة جديدة من الصفر، ومنهم من بعثوهم إلى جبال الأورال -الجبال الفاصلة بين القارتين الأوروبية والآسيوية- جبال موحشة وغابات مرعبة لا يعيش فيها إلا الحيوانات المفترسة كالدُّب الأبيض الروسي والخنزير البري وغيرها. ومن الجدير ذكره أمرين : اولاها: أن الضباط الخمسون الذين شاركوا في الحرب العالمية على جيهة بعيدة عن القرم، هؤلاء عندما عادوا وُضعوا في فنادق لمدة يوم وفي صبيحة اليوم التالي وضعوا في العربات المصفحة ثم في الشاحنات وأُلقي بهم من أعلى جبل في القرم فماتوا جميعاً.هذه القصة رواها أحد أبناء أحد السائقين، وقال أن أبوه أخبره بذلك وأن أبوه أصيب بالهستيريا وبقي يعاني من خلل في عقلة حتى جُن فمات. وقد ألّف أبنه كتاباً في هذا الخصوص. ثانيها: هناك منطقة في الجزء الشرقي من القرم أسمها ( ستريلكا) أي السهم وهي محاطة بالماء من كل جوانبها، تذكرها السوفييت فجمعوا أهلها التتار وأركبوهم باخرة وفجروها بمن تحمل في عُرض البحر الأسود فماتوا جميعاً. نعم هذه قصة وهذا تاريخ أشبه بالخيال، نعم انها الحقيقة بعينها فقد قُتل وذبح وشرد المسلمون في القرم لأنهم مسلمون فقط، ولو كانوا غير ذلك ما حل بهم ما حل. والجدير ذكره أنه مات في عملية الترحيل هذه، ما يزيد عن مئتي ألف مسلم تتري، وقد هرب جزءاً من الذين رَحلوا إلى تركيا ليعيشوا هناك. أما القرم فقد بدأ موحشاً بعد أن أخلي من أهله ، فقامت السلطات بجلب المرتزقة والمشردين وأغرت بعض الناس المتعلمين بالسكن في القرم، فجاء هؤلاء المرتزقة ودخلوا بيوتاً غير بيوتهم بغير إستئذان، نعم فأهلها بعيدين وسجلت الأرض والممتلكات والبيوت وكل شيء بأسماء الساكنين الجدد وأضحى كل شيء لهم وبحماية قانونية، وبهذا أُسدل الستار على ألآم المسلمين وإبعادهم بعد أن شردوهم في الأرض شر تشريد. هذا وقد خطف المرض والجوع والحزن والآسى العديد العديد منهم من هذه الحياة، فاختفى الأطفال من أحضان أمهاتهم والشيوخ من عائلاتهم و....و...... . ومنذ الإبعاد حتى أواخر الثمانينات أحكم السوفييت فبضتهم علىالشعب وخاصة على المسلمين، فقد صبوا جهودهم على خلق جيل لا علاقة لهم بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، فهذا الجيل لا يعرف صلاة ولا زكاة ولا صوم بل تعدى ذلك بأنهم لا يعرفون العقيدة فتجدهم يقولون عن أنفسهم مسلمون وتجدهم يعاقرون كل ما حرم الله تعالى، ولا يعلمون أن الإسلام قد حرمها، لذلك وبعد أن خبا نور الإسلام من النفوس تجمعوا حول البديل الزائف، وهو القومية فتكتلوا على أساس قومي وتأصلت في داخلهم الرابطة القومية ورموزها كمصطفى جميوف، ونوري أفندي، وانشأوا المجلس التتري الأعلى سراً، وزج بهؤلاء وغيرهم في معسكرات الاعتقال في سيبيريا إلا أن ذلك ما زادهم إلا تمسكاً بقوميتهم واصرارهم علىالإستقلال وتكوين وطن قومي لهم هو القرم. وقد أحيا الشيوخ (كبيري السن) فكرة العودة وكانوا يحدثون أبنائهم عن هوى الأوطان كل مساء. كل هذا وغيره بقي دفيناً حتى أواخر الثمانينات 1987م عندما أعلن غوربتشوف أن إبعاد التتار كان غير قانوني ، ويحق لهم العودة إلى ديارهم.
العودة بدأت طلائع المسلمين من التتار العودة بعد عام 1987م وتزامن عودة السواد الاعظم منهم مع انهيار معذبهم ومبعدهم وغريمهم وضم القرم إلى الجمهورية الاكرانية مع احتفاظ روسيا –وريثة الاتحاد السوفيتي الشرعي والوحيد بإسطولها العسكري والنووي في مدينة سيفاستوبل في القرم . ففرح التتار بهذا الانهيار وقد اعلن التتار المجلس التتري الاعلى على السطح وانتزع الشرعية منهم كما انتزعت منظمة التحرير الفلسطيني الشرعية من الشعب الفلسطيني. وأعلن أن الثامن عشر من مايو من كل عام هو يوم مظاهرات واحتجاجات ومطالبة بحقوق التتار الشرعية، والتي منها الجنسية اولا ثم الارض والتعويضيات، أما الجنسية فقد اعطوها لمئتي ألف منهم وبقي مئة الف اخرى بدون جنسية، والارض اقتطعوا نمرا بمساحة نصف دونم او احيانا دونم كامل واخذوها، أما التعويضات فلم ينالوا شيء. فحتى اليوم والتتار يطالبون بمطالبهم الثلاثة والحكومة تنقط في حلوقهم كلما استدعت الضرورة. اما بيوتهم واملاكهم ومواشيهم وكل ما ملكوا سابقا فلم يسمح لهم بدخولها او بالنظر اليها فأرض بخش السرايا (مكان سكناهم) تحولت إلى محمية طبيعية والبيوت عامرة بالضيوف والقانون لا يسمح بالتعرض لهم. ومن الجدير ذكره ان الذين عادوا إلى القرم من التتار يمثلون الاقلية فبقى العديد منهم في روسيا وفي أوزبكستان وتركيا. لذلك التتار في القرم يشكلون الاقلية 13% فقط فتمثيلهم البرلماني عضوا او عضوين فقط. واصبحت الحكومة المحلية لا تتعامل مع التتار في موضوع مطالبهم، الا من خلال المجلس فقط. فأنشأ المجلس المفتيات ( دار الافتاء ) ، وعين نوري افندي ثم ابعد ثم سيد جليل. وذلك لمواكبة الصحوة الاسلامية التي بدأت تدب في اوصال المجتمع التتري المسلم. وحتى اليوم وبعد سقوط الشيوعية كمنهج حياة وطريقة عيش فالحكومة الاكرانية تمنع المسلمين من ممارسة حقوقهم الطبيعية، فموضوع الارض لازال معلقا وكذلك الجنسية والتعويضات قد نسيت، حتى وظائف الدولة العالية يمنعون منها فلا يكون مديرا عاما، او رئيس قسم، او عضو في لجنة فاعلة، ناهيك عن ان يكون وزيرا او غيره. ولا يوضع في هذه المناصب إلا من باع امته ولم يعد منها.
الصحوة الإسلامية : بالنسبة للاسلام فقد بدأ يدب في أوصال المسلمين في القرم، وسرعان ما انتشر انتشار النار في الهشيم، فبعد أن كانوا مجهلين بدينهم وعقيدتهم التي هي سر وجودهم بدأت المساجد بقبابها ومآذن ترفع قواعدها وتنادي بذكر الله، وبدأت مشاعر شهر رمضان والحج والاعياد فتحت في قلوبهم الطريق، وأصبحت أخبار المسلمين في كل أصقاع الارض تعنيهم فهم يتألمون ويتحرقون كلما سمعوا أخبار فلسطين أوالعراق أو أفغانستان أو الشيشان أو كشمير فاصبحت عندهم الغيرة على دينهم تفوق تصور كل أنسان. وزيادة على ذلك ادرك المسلمون الآلاف منهم أن قضيتهم المصيرية تكمن في الحكم بما انزل الله فما انفك الآلاف منهم يعملون جاهدين لإستئناف الحياة الإسلامية واعادة الحكم بما أنزل الله وبناء الدولة الإسلامية دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، لايثنيهم عن ذلك عناد الكافرين أو سجع المنافقين ولقد أدركوا جيدا أن الحل الجذري لقضيتهم ولقضايا الأمة بأسرها هو الدولة الإسلامية التي تحق الحق وتبطل الباطل، اقتداء برسول الله لإعادة بلاد المسلمين إلى حظيرة الإسلام. أيها المسلمون لاعزة لكم إلا بالاسلام.وان ابتغيتم العزة بغيره اذلكم الله، وها هو القرم وغيرة مثال حي امامكم، فبعد انفصاله وانسلاخه عن جسم الدولة الأم ذاق اهله الذل والهوان على ايدي الكفرة المجرمين. فتعرضوا لمحاكم التفتيش من جديد، نعم انها انكى من محاكم التفتيش الأوروبية. فقد روت احداهن انه كان لها تسعة إخوة ذكورا ومسجدٌ لوالديها يدرس فيه الإسلام واللغة العربية فهدم الطغاة المسجد على رأس من فيه ويروي آخر انه يبحث عن أخيه من الحرب العالمية الثانية حتى الآن. نعم إنها الحرب المعلنة على الإسلام منذ بعثة محمد . فهل أنتم مدركون حجم الكوارث التي تتري عليكم، ألم يأن لكم أن تفتحوا عيونكم وترفعوا أنظاركم إلى السماء لتجيبوا داعي الله . لماذا يقتل المسلمون ويشردون والكل يكتفي بالصمت ردا في أحسن الأحوال. أن هذه الأمة؛ امة كريمة مهما أصابها من بلاء وتشتت وتشرذم، فستعود يوما دولة واحدة ترفع راية العقاب ، تخر لها البنود في كل الأرض بما فيها القرم المغتصب وستعود مدينة {بخش السرايا} عاصمة وسيعود اليه والي خليفة المسلمين يحكم بكتاب الله وسنة رسوله. اللهم آمين. وإنها مسألة وقت والله المستعان
: الدكتور: محمد أبو نور