سارتجي بارتمان (Saartjie Baartman)، المعروفة أيضا بـ سارة بارتمان ( 1789 - 29 ديسمبر ، 1815).
ولدت سارتجي بارتمان لأحد القبائل الأفريقية المعروفة بـ ( خوي خوي ) و التي يعتقد أنها كانت أول القبائل التي سكنت جنوب أفريقيا في شرق الكيب في جنوب أفريقيا على ضفاف نهر ( جامتوس ) . يكتب اسمها بالانجليزية هكذا Saartjie و ينطق Sahr-chee ، و ترجمته الحرفية تعني " سارة الصغيرة " و هو ما يستخدمه الأفارقة كنوع من التحبب للشخص و دلالة على القرب له وليس تعبيرا عن صغر القامة . عملتت سارة بارتمان كخادمة لفلاحين هولانديين وهي في العشرين من عمرها ، و أثناء عملها لفتت نظر جراح بريطاني جاء زائرا ويدعى دنلوب William Dunlop . وما لفت نظره فيها هو حجم مؤخرتها الكبير جدا والذي تشتهر به نساء قبيلة الخوي خوي وهو ما يسمى بـ steatopygia . وافقت سارة على السفر مع دانلوب إلى بريطانيا بعد أن وعدها بالشهرة و الثراء على أن تذهب كموضوع لعلم البحث والتشريح بسبب شكل جسمها الغريب.
رواية أخرى " مزعومة " تقول أنه : عندما اقترح Hendrick Cezar ، أخو أرباب العمل الذين تعمل عندهم بارتمان ، أن تسافر إلى إنجلترا لتعمل في السيرك ، ووعدها بالثراء و الشهرة . سمح لها اللورد كاليدون Caledon ، وهو محافظ المنطقة ، بالسفر في رحلتها هذه ، لكنه ندم على ذلك فيما بعد بعد أن عرف الغرض الرئيسي من الرحلة.
ذهبت سارة إلى لندن و هي في الواحد والعشرين من عمرها سنة 1810. وخضعت في بداية الأمر لعدد من الدراسات لتشريح جسمها الغريب. وقد كانت سارة تعرض في سيرك ( بيكاديللي ) تحت إشراف مدرب " الحيوانات " المفترسة . وقد كان يسمح للمشاهدين بلمس مؤخرتها الكبيرة مقابل زيادة في سعر التذكرة . و الهوتينتوت هو اللفظ الذي كان يستخدمه الهولنديين للدلالة على قبيلة الخوسيان الأفريقية بسبب لغتهم الغريبة والتي تحتوي على كثيرا من " الطقطقة " باللسان أثناء الكلمات . وفي رواية أن هذه اللفظة معناها " المتلعثمون ". ولم تسمح سارة بارتمان لهذه الخاصية الأخيرة بالظهور طوال فترة حياتها.
و قد أجبرت سارة على العمل في السيرك و كان يتم عرضها وهي عارية تماما ، وكانت تجبر على القيام بعروض تظهر فيها كحيوان مفترس حيث أنها تؤمر الجلوس و الوقوف ، و كانت تحبس في قفص للحيوانات المفترسة وتجبر على الرقص لسجانيها . كان المفترض أن بارتمان تجني نصف الدخل الوارد من العروض التي تقدمها ، لكن الحقيقة أنها لم تر منه إلا القليل .
أثارت الأنباء المتناقلة عن المعاملة التي تلقتها سارة بعض الأصوات الحية مما أدى إلى تكوين " الرابطة الأفريقية " African Association للمطالبة بإطلاق سراح سارة . وفي هولندا ، تمت مساءلة سارة بارتمان أمام القضاء و قد أوضحت بأن ما تقوم به هو بكامل إرادتها و أنها ليست تحت أي ضغوط و أنها تتقاضى نصيبها من الدخل . تبقى الظروف التي أدلت تحتها سارة بهذا التصريح مجهولة ، لان ما قالت في المحكمة مناقض تماما للوثيقة القانونية التي كتبها زكاري ماكاولي Zachary Macaulay من الهيئة الأفريقية و شهود عيان آخرون (Strother 1999) .
و يبدو أن أول الأشخاص الذين ثاروا لقضيتها ثائر من جاميكا يدعى روبرت ويدربيرن . تاريخ ويدربيرن في الكفاح طويل ، حيث تم اعتقاله عدة مرات لأنه طالب بحق العبيد في أن يثوروا ويقتلوا سيدهم الأبيض بلا محاكمة . هكذا وجد البريطانيون أنهم مضطرون لمنع ظهور سارة في السيرك بعد الضوضاء التي أثارها ويدربيرن . لكن المحكمة البريطانية احتجت بأن سارة مرتبطة بعقد مع دنلوب .
و بعد أربع سنوات من قدومها إلى لندن ، تم نقل سارة إلى باريس أيضا لتعمل في السيرك تحت إمرة مدرب للحيوانات المفترسة حيث بقيت هناك خمسة عشر شهرا .درس كثير من العلماء التشريحيين هناك جسدها باعتباره " ظاهرة " وعلى رأسهم Baron Cuvier البارون جورج كوفييه ، وهو الجراح الخاص بنابليون بونابارت . و على أساس ذلك تم نشر عدد من الدراسات التشريحية المزورة و مفادها أن أجسام الأفارقة متشابه مع القردة و أن الجنس الأوروبي هو الجنس السامي.
ويبدو أن التشريح الجسمي الغريب لسارة ألهم بعض " المبدعين " الفرنسيين ، فتم تأليف مسرحية هزلية في الأوبرا الفرنسية الهزلية . و تدعى هذه المسرحية فينوس الهوتنتوت أو " المكروهة للنساء الفرنسيات " Hottentot Venus or Hatred to French Women ، وهي عبارة عن خليط من الفلسفات العرقية و الفنتازيا الجنسية التي شغلت المجتمع الأوروبي لفترة وقتها . ويبدو أيضا أن سارة استغلت في ما هو أسوء بعد ذلك إذ أنها اشتغلت في الدعارة ، كما يروى أنها أفرطت في الشراب علها تهرب من الذل و المهانة التي تتعرض لهما يوميا .
حزينة و وحيدة ، توفيت سارة عام 1816 من غير أن تذرف عليها دمعة واحدة بسبب مرض ما . حقيقة هذا المرض غير معروفة لكن يبدو أنه التهاب الرئة أو الزهري . و لم تنتهي رحلة عذابها بموتها ، فحتى بعد موتها تعرضت جثتها للاهانة حيث أنه خلال أقل من أربعة و عشرين ساعة بعد وفاتها تم تشريح جثتها بواسطة العالم كوفييه . حيث انتزع منها المخ و بعض الأجزاء الحساسة، و احتفظ بها في الفورمالين ، ثم احتفظ بهيكلها العظمي ليصنع منه قالبا للجسد . وتم عرض رفات سارة في متحف في باريس يدعى Musee de l'Homme (Museum of Mankind) أي متحف الإنسان . و هناك أيضا تابع كوفييه دراسته في التشريح المقارن محاولا أن يثبت أنها أقرب إلى القرد ، بالذات إنسان الغاب أورانج أوتان orangutan . في عام 1974 تم ازالة هذه الرفات من المتحف في باريس ووضعت في المخزن ونسي أمرها تماما .
ولكن يبدو أن المجتمع الأفريقي لم ينسى أبدا . ظهرت في ذلك الوقت محاولات متفرقة لاستعادة رفات سارة برتمان ، لكن أول محادثات جادة كانت في عام 1994 ، عندما تولى نيلسون مانديلا Nelson Mandela الحكم حيث أجرى محادثات مع الحكومة الفرنسية مطالبا باستعادة جسد سارة . أخذت المحادثات فترة طويلة جدا حتى كان عام 2002 ، السادس من مارس ، حيث تم أخيرا السماح لجسد سارة بالعودة إلى أرض الوطن . و قد قال وزير الأبحاث الفرنسي Roger-Gerard Schwartzenberg : " فرنسا تريد أن تعيد الكرامة لسارجيتي بارتمان ، لأنها أذلت كإمراة و اضطهدت كأفريقية " . وقال السفير Thuthukile Skweyiya : " ستبدأ سارة بارتمان رحلتها الأخيرة عائدة للوطن ، عائدة إلى جنوب أفريقيا الحر ، الديموقراطي ، حيث لا توجد هناك تفرقة بين الجنسين أو بين الشعوب . إنها رمز لحاجتنا القومية لنواجه ماضينا و نعيد الكرامة لكل مواطنينا " بعد حوالي 200 عام من الغربة و المهانة تم نقل رفات سارة إلى مطار كاب ، حيث عادة إلى قريتها غامووت ، مكان ميلادها ، حيث تم دفن رفاتها مغطاة بعلم جنوب أفريقيا . وكان حفل تأبينها في التاسع من أغسطس 2002 ، في يوم المرأة العالمي .
كتبت الشاعرة الأوروبية دايانا فيرراس Diana Ferrus ، وهي أصلا من جنوب أفريقيا من قبيلة الخويسان ، شعرا بعنوان " قصيدة سارتيجي بارتمان " . و هنا أورد الشعر كما هو غير مترجم حتى لا تضعف لغته :
"I've come to take you home - home, remember the veld? the lush green grass beneath the big oak trees the air is cool there and the sun does not burn. I have made your bed at the foot of the hill, your blankets are covered in buchu and mint, the proteas stand in yellow and white and the water in the stream chuckle sing-songs as it hobbles along over little stones.
I have come to wrench you away - away from the poking eyes of the man-made monster who lives in the dark with his clutches of imperialism who dissects your body bit by bit who likens your soul to that of Satan and declares himself the ultimate god!
I have come to soothe your heavy heart I offer my bosom to your weary soul I will cover your face with the palms of my hands I will run my lips over lines in your neck I will feast my eyes on the beauty of you and I will sing for you for I have come to bring you peace.
I have come to take you home where the ancient mountains shout your name. I have made your bed at the foot of the hill, your blankets are covered in buchu and mint, the proteas stand in yellow and white - I have come to take you home where I will sing for you for you have brought me peace."