زيد بن ثابت بن الضحّاك الأنصاري من المدينة المنورة، يوم قدم نبي الاسلام محمد بن عبدالله للمدينـة كان يتيمـاً (والده توفي يوم بُعاث) و سنه لا يتجاوز إحدى عشرة سنة، وأسلـم مع أهلـه وباركه الرسول محمد بالدعاء.
فهرس
|
صحبه آباؤه معهم إلى غزوة بدر ، لكن الرسول محمد رده لصغر سنه وجسمه، وفي غزوة أحد ذهب مع جماعة من أترابه إلى الرسول محمد يرجون أن يضمهم للمجاهدين وأهلهم كانوا يرجون أكثر منهم، ونظر إليهم الرسول شاكرا وكأنه يريد الاعتذار، ولكن (رافع بن خديج) وهو أحدهم تقدم إلى الرسول وهو يحمل حربة ويستعرض بها قائلا: (إني كما ترى، أجيد الرمي فأذن لي)... فأذن الرسول له، وتقدم (سمرة بن جندب) وقال بعض أهله للرسول: (إن سمرة يصرع رافعا)... فحياه الرسول وأذن له.
وبقي ستة من الأشبال منهم زيد بن ثابت وعبدالله بن عمر، وبذلوا جهدهم بالرجاء والدمع واستعراض العضلات، لكن أعمارهم صغيرة، وأجسامهم غضة، فوعدهم الرسول بالغزوة المقبلة، وهكذا بدأ زيد مع إخوانه دوره، كما هو مسمى في الإسلام، كمقاتل في سبيل الله بدءا من غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة.
وكانت مع زيد راية بني النجار يوم تبوك، وكانت أولاً مع عُمارة بن حزم، فأخذها النبي محمد منه فدفعها لزيد بن ثابت فقال عُمارة: (يا رسول الله ! بلغكَ عنّي شيءٌ ؟)... قال الرسول: (لا، ولكن القرآن مقدَّم).
لقد كان زيد مثقف متنوع المزايا، يتابع القرآن حفظا، ويكتب الوحي لرسوله محمد، ويتفوق في العلم والحكمة، وحين بدأ الرسول في إبلاغ دعوته للعالم الخارجي، وإرسال كتبه لملوك الأرض وقياصرتها، أمر زيدا أن يتعلم بعض لغاتهم فتعلمها في وقت وجيز... يقول زيـد: (أُتيَ بيَ النبـي مَقْدَمه المدينة، فقيل: (هذا من بني النجار، وقد قرأ سبع عشرة سورة)... فقرأت عليه فأعجبه ذلك، فقال: (تعلّمْ كتاب يهـود، فإنّي ما آمنهم على كتابي)... ففعلتُ، فما مضى لي نصف شهـر حتى حَذِقْتُـهُ، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأتُ له).
حسب الكتب والايمان الاسلامي، منذ بدأ الدعوة وخلال إحدى وعشرين سنة تقريبا كان الوحي يتنزل، والرسول محمد يتلو، وكان هناك ثلة مباركة تحفظ ما تستطيع، والبعض الآخر ممن يجيدون الكتابة، يحتفظون بالآيات مسطورة، وكان منهم علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس، وزيد بن ثابت. وبعد أن تم النزول كان الرسول يقرؤه على المسلمين مرتبا سوره وآياته.
وقد قرأ زيد على رسول الاسلام في العام الذي توفي فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت لأنه كتبها لرسول الاسلام وقرأها عليه، وشَهِدَ العرضة الأخيرة، وكان يُقرئ الناس بها حتى مات...
بعد وفاة الرسول محمد شغل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبيرا، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبو بكر الصديق راغبا في أن يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ... واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له: (إنك شاب عاقل لا نتهمك)... وأمره أن يبدأ جمع القرآن مستعينا بذوي الخبرة.
ونهض زيد بالمهمة وأبلى بلاء عظيما فيها، يقابل ويعارض ويتحرى حتى جمع القرآن مرتبا منسقا... وقال زيد في عظم المسئولية: (والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن)... كما قال: (فكنتُ أتبع القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال)... وأنجز المهمة وجمع القرآن في أكثر من مصحف.
في خلافة عثمان بن عفان كان الإسلام يستقبل كل يوم أناس جدد عليه، مما أصبح جليا ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن حتى بين الصحابة الأقدمين والأولين، فقرر عثمان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان ضرورة توحيد المصحف، فقال عثمان: (مَنْ أكتب الناس ؟)... قالوا: (كاتب رسول الله زيد بن ثابت)... قال: (فأي الناس أعربُ ؟)... قالوا: (سعيد بن العاص)... وكان سعيد بن العاص أشبه لهجة برسول الاسلام، فقال عثمان: (فليُملِ سعيد وليكتب زيدٌ).
واستنجدوا بزيـد بن ثابت، فجمع زيد أصحابه وأعوانه وجاءوا بالمصاحف من بيت حفصة بنت عمر وباشروا مهمتهم الجليلة، وكانوا دوما يجعلون كلمة زيد هي الحجة والفيصل.
تألقت شخصية زيد وتبوأ في المجتمع مكانا عاليا، وصار موضع احترام المسلمين وتوقيرهم... فقد ذهب زيد ليركب، فأمسك ابن عباس بالركاب، فقال له زيد: (تنح يا بن عم رسول الله)... فأجابه ابن عباس : (لا، فهكذا نصنع بعلمائنا)... كما قال (ثابت بن عبيد) عن زيد بن ثابت: (ما رأيت رجلا أفكه في بيته، ولا أوقر في مجلسه من زيد).
وكان عمر بن الخطاب يستخلفه إذا حجّ على المدينة، وزيد هو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك، وهو أحد أصحاب الفَتْوى الستة: عمر وعلي وابن مسعود وأبيّ وأبو موسى وزيد بن ثابت، فما كان عمر ولا عثمان يقدّمان على زيد أحداً في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة، وقد استعمله عمر على القضاء وفرض له رزقاً.
قال ابن سيرين: (غلب زيد بن ثابت الناس بخصلتين، بالقرآن والفرائض).
توفي زيد بن ثابت سنة (45 هـ) في عهد معاوية.