الرئيسيةبحث

دعوة إلی وعی الذات

دعوة إلى وعي الذات هو الأسم الذي اختاره الدكتور رشيد ياسين لكتابه الذي يتناول نظرية الدراما في المسرح وأوضاع المسرح العربي المعاصر ويقول الناقد رشيد ياسين في توطئه هذا الكتاب :


يمر المسرح العربي، منذ سنوات طويلة، بحالة من الضياع والتخبط وقفت بينه وبين التحول إلى متعة ثقافية جماهيرية، كما هو شأنه في بلدان العالم المتقدم. ومرد هذه الحالة إلى عوامل متعددة، لعل أخطرها ضحالة الثقافة المسرحية السليمة لدى كثير من العاملين عندنا في المسرح وضعف اتصالهم بالمسرح العالمي المتطور. ولا يغير من هذه الحقيقة أن لدينا الكثير من النصوص الدرامية المترجمة عن اللغات الأخرى، فالنصوص الدرامية وحدها لا تكفي لخلق المثقف المسرحي الذي نحتاجه. ولابد لفنان المسرح، قبل كل شيء، من الإلمام الكافي بأصول حرفته، شأنه في ذلك شأن العاملين في مجالات الفن الأخرى. ويبدو لي أن معاهد المسرح عندنا، على اختلاف مستوياتها، لا تؤدي مهمة إعداد الكوادر المسرحية على الوجه المطلوب. وقد ترسخ عندي هذا الانطباع بعد أن تابعت النشاط المسرحي في العديد من الأقطار العربية على مدى أكثر من ربع قرن، وبعد أن نهضت-أو حاولت النهوض، على الأقل- بمسؤوليات عديدة خلال عملي الطويل في المؤسسة العامة للسينما والمسرح في العراق.‏

وثمة سبب آخر من أسباب أزمتنا المزمنة في مجال المسرح، هو افتقار مسرحنا العربي، بدرجة أو أخرى، إلى جمهور مستنير، يستطيع تمييز الصحيح من الزائف ويساعد فنان المسرح على معرفة مدى توفيقه أو إخفاقه من خلال الإقبال على عمله أو الانصراف عنه. وهذا الواقع المؤسف ليس إلا نتيجة منطقية لرداءة الأعمال المسرحية، التي تعرض على الجمهور، ولكنه في الوقت نفسه سبب يساعد على استمرار تردي المسرح وتفاقم أزمته.‏

ولا يسعنا أن نغفل عاملاً سلبياً آخر يتمثل في طائفة من النقاد المزعومين، الذين انتهزوا فرصة خلو الساحة وغياب المقاييس السليمة فاندفعوا إلى ممارسة ما يتوهمونه نقداً مسرحياً، تسوقهم أهواؤهم الشخصية تارة وقلة حظهم من الثقافة المسرحية تارة أخرى. ومن غريب ما لاحظته أن بين هؤلاء النقاد من لم يدرسوا الفن المسرحي في معاهد متخصصة ولم يمارسوا العمل الفعلي في المسرح، ومع ذلك فإن الصحافة لا تبخل عليهم بمساحات يدلون فيها بآرائهم، التي هي أشبه بوصفات يكتبها أطباء دجالون. وتبرز خطورة هذه المسألة إذا تذكرنا أن النقد هو البوصلة التي يهتدي بها فنانو المسرح في البلدان ذات التقاليد العريقة في هذا المضمار.‏

ويكفي أن نشير إلى أن الفرق المسرحية في برودواي -مثلاُ- تسهر ليلة العرض الأول لمسرحية جديدة حتى الفجر لتطلع على ما يقوله نقاد الصحف في عملها الجديد، لأن نجاح المسرحية أو فشلها يتوقفان بالدرجة الأولى على رأي النقاد فيها.‏

إن هذه العوامل الثلاثة التي ذكرناها أدت إلى بقاء المسرح العربي عموماً على حالته الراهنة، التي يتجاذبها تياران أساسيان:‏

تيار المسرح الكوميدي التجاري، الذي يراد به اجتذاب الناس البسطاء إلى شباك التذاكر، وهو تيار يغلب عليه التهريج والتفاهة والنكات الفجة، والماجنة أحياناً، وتيار المسرح التجريبي، الذي يحفل -في الغالب- بصنوف البدع ومحاولات التجديد الساذجة التي لا علاقة لها بفن المسرح الحقيقي.‏


(من منشورات اتحاد الكتاب العرب2000)


محتويات الكتاب



وصلات خارجية


رشيد ياسين