الرئيسيةبحث

دعبل الخزاعي

دعبل الخزاعي و اسمه محمد بن علي بن رزين، من مشاهير شعراء العصر العباسي. اشتهر بتشيعه لآل علي بن أبي طالب و هجائه اللاذع للخلفاء العباسيين.

فهرس

أســـرتــه

بفضل وبركة دعاء النبي الأكرم (ص) لجده الأعلى عاش دعبل الخزاعي في بيت علم وفضل وأدب، برز فيه محدثون وشعراء (وفيهم السؤدد والشرف وكل الفضل والفضيلة)(2) وقد كلل الله عزّ وجلّ هذا البيت بالشرف العظيم حين كرمه بخمسة شهداء.. على رأسهم بطل الإسلام العظيم (عبد الله بن ورقاء) الذي كان هو وأخواه (عبد الرحمن ومحمد) رسل النبي(ص) إلى اليمن.. (وكان الثلاثة وأخوهم الرابع (عثمان) من فرسان أمير المؤمنين الشهداء في صفين) (3) وأخوهم الخامس (نافع بن بديل) استشهد على عهد النبي (ص) ورثاه ابن رواحه بقوله:

رحم الله نافع بن بديل رحمة المبتغي ثواب الجهاد

صابراً صادق الحديث إذا ما أكثر القوم قال قول السداد

ورثى عدي بن حاتم البطل الشهيد (عبد الله بن بديل) بقوله:

أبعد عمّار وبعد هاشم وابن بديل فارس الملاحم

نرجو البقاء مثل حلم الحالم وقد عضضنا أمس بالأباه

ولادتــــه

ولد أبو علي محمد بن علي بن رزين بن ربيعة الخزاعي في الكوفة سنة (148هـ). ولقبته (الداية) بدعبل، لدعابة كانت فيه. فهي أرادت (ذعبلاً) فقلبت الذال دالاً..

تـــربيتــــه

(شبّ في بيت اختص بالشعر) (4) فجده (رزين) شاعر كما ذكره ابن قتيبة في (الشعر والشعراء) (وأبوه (علي) كان من شعراء عصره) (5) وعمه (عبد الله بن رزين) أحد الشعراء، وابن عمه (محمد بن عبد الله) شاعر له ديوان ويلقب بـ (أبي الشيص) وابن هذا (عبد الله بن محمد أبي الشيص) شاعر له ديوان أيضاً وأخواه (علي أبو الحسن ورزين) من الشعراء المشهورين...

وعن هؤلاء جميعاً أخذ دعبل ومنهم استقى وتعلم؛ فتلقف أبجدية الشعر وأصوله، وفهم معانيه وغاص في بحوره، وحفظ الكثير الكثير من الأبيات والقصائد.. إلا أنه لم يشرع في النظم، وعاهد نفسه ألا يفعل ذلك إلا بعد أن ينهل المزيد من منابع الشعر الأصيلة، ويتقن صناعته اتقاناً جيداً.. وهكذا خرج من الكوفة وسافر إلى الحجاز مع أخيه رزين، وإلى الري وخراسان مع أخيه علي.. (كان دعبل يخرج فيغيب سنيناً يدور خلالها الدنيا كلها ويرجع، وقد أفاد وأثرى، وكانت الشراة والصعاليك يلقونه ولا يؤذونه ويواكلونه ويشاربونه ويبرّونه، وكان إذا لقيهم وضع طعامه وشرابه ودعاهم إليه فكانوا يواصلونه ويصلونه، وأنشد دعبل لنفسه في بعض أسفاره يقول:

حللت محلاً يقصر البرق دونه ويعجز عنه الطيف أن يتجشما

وهكذا رافق (مسلم بن الوليد) (وكان شاعراً متصرفاً في فنون القول حسن الأسلوب أستاذ الفن ويقال أنه أول من قال الشعر المعروف بالبديع ووسمه وتبعه فيه أبو تمام وغيره توفي بجرجان سنة 208هـ) (7).

رافقه دعبل ليأخذ الأدب عنه ويستقي من فنونه، وعبر دعبل عن تلك الفترة بقوله: ما زلت أقول الشعر وأعرضه على مسلم فيقول لي: أكتم هذا.. حتى قلت:

أين الشباب؟! وأيّة سلكا؟! لا أين يطلب؟! ضلّ بل هلكا

لا تعجبي يا سلم من رجل ضحك المشيب برأسه فبكى

فلما أنشدته هذه القصيدة قال: اذهب الآن فاظهر شعرك كيف شئت ولمن شئت!

ولقد سرّ دعبل لهذه النتيجة وانطلق مارده الشعري من عقاله وراح ينشد أحلى القصائد وأعذبها.. ولأنه تربى على محبة أهل البيت(ع) والولاء لهم، فقد كرس شعره من أجل الدفاع عن البيت النبوي الطاهر والتجاهر بأحقيتهم دون مبالاة بالموت الذي كان يترصده.

وله من قصيدة طويلة في رثاء الإمام الحسين(ع) قوله:

يا آل أحمد ما لقيتم بعده من عصبة هم في القياس مجوس

كم عبرة فاضت لكم وتقطعتيوم الطفوف على الحسين نـفوس

صبراً موالينا فسوف نديلكم يوماً على آل اللعين عبـوس

ما زلت متّبعاً لكم ولأمركم وعليه نفسي ما حيـيـت أسوس

أسفـــاره وجــرأتـــه

سافر دعبل الخزاعي إلى بغداد وأقام فيها زمن المأمون.. فاختلط بأدبائها وشعرائها فاكتسب منهم ما أغنى تجربته، فبلغ الذروة في نشاطه الشعري واتقان صناعته؛ فنظم في بغداد أقوى وأشهر قصائده (فتوغل لا يقرّ به قرار ولا يهاب في الهجاء والسباب المقذع فيمن حسبهم أعداء العترة الطاهرة وغاصبي مناصبهم، فكان يتقرب بشعره إلى الله وهو من المقربات إليه سبحانه زلفى، وأن الولاية لا تكون خالصة إلا بالبراءة ممن يضادها ويعاندها كما تبرأ الله ورسوله من المشركين) (8).

وبسبب الجرأة والهجاء كثر أعداء الشاعر ومناوئوه، فتربصوا للوقيعة به وقتله، لكنه لم يبال ورد عليهم بقصائد أشد وأقوى. واشتهر بقوله: (أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين سنة لست أجد أحداً يصلبني عليها)!! وبسبب بأسه الشديد وقوة حجته تجنب الكثير لسانه ( قيل للوزير محمد بن عبد الملك الزيات: لم لا تجيب دعبلاً عن قصيدته التي هجاك فيها؟! قال: إن دعبلاً جعل خشبته على عنقه يدور بها يطلب من يصلبه بها دون أن يبالي) (9).

وكان الوزير الزيات على حق، فدعبل لم يعرف الخوف ولم يتردد في هجاء الخليفة المأمون قائلاً:

أخذ المشيب من الشباب الأغيد والنائبات من الأنام بمرصد

أيسومني المأمون خطّة جاهل أو ما رأى بالأمس رأس محمد؟!

إني من القوم الذين سيوفهم قتلت أخاك وشرفتك بمقعد

شادوا بذكرك بعد طول خمـولة واستنقذوك من الحضيض الأوهد

محمد - الوارد اسمه في هذه الأبيات - هو (الأمين بن الرشيد) الذي قتله (طاهر الخزاعي) وبذلك ولي المأمون الخلافة..

وهجا إبراهيم بن المهدي بقوله:

يا معشر الأجياد لا تقنطوا وارضوا بما كان ولا تسخطوا

فسوف تعطون حنينيّة يلتذّها الأمرد والأشمط

والمعديّات لقوّادكم لا تدخل الكيس ولا تربط

وهكذا يرزق قوّاده خليفة مصحفه البربط

فدخل إبراهيم على المأمون فشكى إليه حاله وقال: يا أمير المؤمنين إن الله سبحانه وتعالى فضلك في نفسك عليّ وألهمك الرأفة والعفو عني، والنسب واحد، وقد هجاني دعبل فانتقم لي منه.. وأنشده الأبيات السابقة، فقال المأمون: لك أسوة بي فقد هجاني بما هو أقبح من ذلك واحتملته.

وقال دعبل بحق الفضل بن مروان موبخاً وساخراً:

نصحت فأخلصت النصيحة للفضل وقلت فسيّرت المقالة في الفضل

ألا إن في الفضل بن سهل لعبرة إذ اعتبر الفضل بن مروان بالفضل

وللفضل في الفضل بن يحيى مواعظ إذا فكر الفضل بن مروان في الفضل

فأبق حميداً من حديث تفز به ولا تدع الإحسان والأخذ بالـفـضل

فبعث إليه الفضل بن مروان بدنانير وقال له: قد قبلت نصحك فأكفني خيرك وشرك..

القصـــيدة المدرســـة

عتبرت قصيدة دعبل الخزاعي (مدارس آيات) إحدى قمم البلاغة العربية و(أحسن الشعر وفاخر المدايح المقولة في أهل البيت (ع) ) (11)، وامتازت بقوة التعبير وروعة الأداء، عدد أبياتها (121) بيتاً..

و(قصيدة دعبل التائية في أهل البيت(ع) من أحسن الشعر وأسنى المدايح) (*)

قال دعبل: في سنة (198هـ) دخلت على سيدي الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) بخراسان، فقلت له: يا بن رسول الله، إني قلت فيكم أهل البيت قصيدة، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك وأحب أن تسمعها مني.

فقال لي (ع): هاتها.... فأنشدته:

ولما بلغت قولي:

أرى فيئهم في غيرهم متقسما وأيديهم من فيئهم صفرات

بكى أبو الحسن (ع) وقال لي: صدقت يا خزاعي(12)، فواصلت إنشادي.. حتى انتهيت إلى قولي:

إذا وتروا مدّوا إلى أهل وترهم أكفّاً عن الأوتار منقبضات

فبكى الإمام الرضا (ع) حتى أغمي عليه.. فأومأ إليّ خادم كان على رأسه:

- أن أسكت.. فسكتّ!!.

فمكث (ع) ساعة ثم قال لي:

- أعد.. فأعدت القصيدة ثانية. حتى انتهيت إلى هذا البيت أيضاً فأصابه مثل الذي أصابه في المرة الأولى(13).

وأومأ الخادم إليّ مجدداً: أن أسكت.. فسكت!!

فمكث الإمام الرضا (ع) ساعة أخرى ثم قال لي: أعد..

فأعدت القصيدة.. فجعل (ع) يقلب كفيه ويقول:

(فوضع الرضا (ع) يده على رأسه وتواضع قائماً ودعى له بالفرج) (14).

ثم رفع رأسه إليّ وقال: يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الإمام؟! أو متى يقوم؟ فقلت: لا يا سيدي؟ إلا أني سمعت عن آبائي بخروج إمام منكم، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

فقال (ع): إن الإمام بعدي ابني محمد وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم، وهو المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت جوراً وظلما، وأما متى يقوم فإخبار عن الوقت، لقد حدّثني أبي عن آبائه عن رسول الله (ص) قال: مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة (15)!!

ولما فرغت من إنشاد قصيدتي كاملة قال لي (ع): أحسنت - ثلاث مرات - ثم نهض وأمرني: لا تبرح.. وبعد حين أنفذ إليّ بيد الخادم صرة فيها عشرة آلاف درهم رضوي مما ضرب باسمه واعتذر إليّ!! فرددتها وقلت للخادم: والله ما لهذا جئت وإنما جئت للسلام على ابن رسول الله(ص) والتبرك بالنظر إلى وجهه الميمون وإني لفي غنى.. فإن رأى أن يستوهبني ثوباً من ثيابه للتبرك به وليكون كفني في آخرتي فهو أحبّ إليّ..

فأعطاني الإمام الرضا(ع) قميصاً خزاً أخضر وخاتماً فصه عقيق مع الصرة.. وقال للخادم: قل لدعبل خذها ولا تردها فإنك ستصرفها، وأنت أحوج ما تكون إليها.. (واحتفظ بهذا القميص فقد صليت فيه ألف ركعة وختمت فيه القرآن ألف ختمة) (16)، فأخذتها فرحاً.. وأمر لي من في منزل الإمام الرضا بحليّ كثيرة أخرجها إليّ الخادم، (فقدمت العراق فبعت كل درهم رضوي منها بعشرة دراهم اشتراها مني الشيعة فحصل لي مائة ألف درهم فكان أول مال اعتقدته) (17).

وبلغ خبر القميص - وقيل (الجبة) - أهل (قم) فاعترضوا طريق دعبل وسعوا للحصول عليها.. وسألوه أن يبيعهم إياها بثلاثين ألف درهم فلم يفعل.. فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصباً فهددهم بالشكوى إلى الإمام الرضا.. فصالحوه.. وأعطوه الثلاثين ألف درهم وأحد أكمامها..

قيل لدعبل: لم بدأت عند إنشادك للرضا (ع) بمدارس آيات؟!

فرد دعبل: استحييت من الإمام (ع) أن أنشده التشبيب فأنشدته المناقب ورأس القصيدة:


يمكن الرجوع إلى المصدر

http://www.annabaa.org/nba62/alam.htm

ْ