الرئيسيةبحث

دعاية دولية

الدعاية الدولية

لا يوجد فرق رئيسي بين الدعاية التجارية والدعاية السياسية حيث تكون الوسائل المستخدمة هي نفسها في الدعايتين ( فالدعاية التجارية تهدف إلى خلق فعل شراء أو استهلاك بينما تهدف الدعاية السياسية إلى خلق فعل سياسي حيث تسعى الدعايتان إلى محاولة توليد ردود فعل وتصرفات عن طريق استخدام وسائل مختلفة لتحقيق أهدافها عن طريق استخدام الأفكار المنمطة والغرائز ولا تتوجه إلى وعي الأفراد أو منطقهم) . فالدعاية ( هي النشاط والفن الذي يحمل الآخرين على سلوك مسلك معين ما كانوا يتخذونه لولا ذلك النشاط ) . وهي أيضا ( نشر المعلومات بين الناس الهدف منها التأثير في الرأي العام وفق اتجاه معين ) . و الدعاية السياسية ( تهدف إلى توليد التصرفات بتعديل أدراك المجموعة السكانية التي تتوجه أليها وأحكامها التقيمية ) . أما الدعاية التجارية فتهدف إلى ( أطلاق فعل شراء المنتج حيث تكون مهمة الدعاية هنا ابسط من مهمة الدعاية السياسية وتكون مرتبطة بدراسة العرض والطلب للسوق ) . أما الدعاية الخارجية فهي صورة من صور ( الدعاية السياسية حيث يكون المجتمع الذي يمثل عملية الاستقبال هو مجتمع أجنبي ) . فالدعاية الخارجية هي أداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية للدولة وبالتالي تنفيذ الدعاية الدولية فيها حيث نجد أن الدعاية تستمد من مصادر مرتبطة بالحكومة والأحزاب السياسية ( فالدعاية التي يتم تسريبها إلى الخصم لخداعه أنما قوامها المعلومات الصحيحة والكاذبة والهدف هو صانعو القرارات وليس الجمهور عموما وهو موجه لتضليل الهدف بخصوص قضايا أساسية ) . و(مع تكاثر وسائل الاتصال (سينما، راديو) والالكترونية (تلفزيون) والرقمية (الانترنت) لم يشهد القرن العشرون انفجار الدعاية وحسب بل شهد أيضا إيغالها في التكلف. وقد بلغت نزعة التلاعب بالأفكار داخل البيوت مستوى العلم تقريباً. فتقنيات الإقناع ما فتئت تتحسن للتفوق على حاجز الضجيج وتفادي موقفنا المشكك و إدخال رسالة محددة إلى عقلنا ) . حيث أن الدعاية الحديثة التي تستخدم التكنولوجيا الحديثة تصل الينا عن طريق رسالة مقتصرة على صورة واحدة يكون مفعولها كبيراً جداً. ان هذه الوسيلة المسماة ( الصورة شبه الواعية ) تجعل الدعاية غير محسوسة اذ يصار إلى إدخال صورة غريبة بين الصور الأربع والعشرين التي تبثها آلة العرض السينمائي في الثانية (25 للتلفزيون) فلا تنطبع هذه الصورة على شبكية العين. فالعين ترى والدماغ يأخذ علماً لكن تحت عتبة الإدراك . وفي ايلول/سبتمبر من العام 2000، ( خلال الحملة الرئاسية اعترف المرشح الجمهوري (جورج دبليو بوش) ان الشريط الذي اعده فريق عمله يتضمن صورة شبه واعية. وكان هذا الشريط ينتقد برنامج منافسه الديموقراطي آل غور. وقد طبعت فوق صورة هذا المرشح في البداية: "وصفة غور: البيروقراطيون يقررون". من ثم ولمدة جزء من ثلاثين من الثانية كانت الأحرف الأربعة الأخيرة من كلمة Bureaucrats أي Rats ،الفئران، تبرز كبيرة وعلى خلفية سوداء لتحتل الشاشة بأكملها ) . و بعد تدخل وسائل الأعلام اضطر بوش لسحب الشريط من الحملة. وبما ان الدعاية تطمح لتكون فن الاقناع فإن كل رسالة تلقى الدراسة المطلوبة كما تبحث بعناية وجهة نظر المستهلكين. ( فقبل بث الاعلان مثلاً، تخضع الصورة أحياناً لاختبار "كاميرا العين": يصار إلى تسجيل حركة العينين والحدقتين عند مشاهد تجريبي ينظر إلى الدعاية وذلك من خلال آلة تصوير خفية. ان الاكثار من هذه الاختبارات يسهل عملية التحديد الاحصائي لمسار العين، ما تراه اولاً وما يفوتها. يتطلب هذا العمل ابحاثاً طويلة المدى تنتج من مساهمة اختصاصيين من فروع مختلفة: علماء الاجتماع، علماء النفس وعلوم اخرى) . ولقد دفع تداخل هذه الاختصاصات بماكلوهان إلى القول انه (لا يوجد فريق علماء اجتماع قادر على منافسة فرق الدعايات في ايجاد واستخدام المعطيات الاجتماعية المفيدة. يكرّس الاعلانيون سنوياً مليارات الدولارات للبحث عن ردود فعل الجمهور واختبارها وتأتي انتاجاتهم بمثابة تراكم هائل لمعطيات التجربة والمشاعر المشتركة في المجتمع) . أما في ألمانيا ( فنجد ان من اللافت للنظر أنه لا يوجد سياسي ألماني واحد لا يستخدم شبكة الانترنت في الدعاية عن برنامجه الانتخابي ونشر رؤيته الخاصة، لإنعاش ألمانيا اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً و من المحال في وقتنا الحالي أن يتمكن السياسيون الألمان من إثبات وجودهم على الساحة، أو أن يقووا على المنافسة في الانتخابات دون الاستعانة بالانترنت أما سبب ذلك فهو بسيط للغاية، فلا شك أن المواطنين يرغبون في التعرف على سياسات وبرامج الأحزاب المختلفة، عن طريق وسيلة مريحة واسعة الانتشار هي شبكة المعلومات العالمية. غير أنه من الجلي أن ما تفيض به الشبكة الدولية من معلومات وتصريحات سياسية له عظيم الأثر في المشاركة السياسية للناخبين الألمان فالبعض يتخذ قرار تصويته لحزب أو لمرشح ما بناء على معلومات حصل عليها عن طريق الانترنت). وتستخدم العلاقات العامة جنبا إلى جنب مع الدعاية السياسية لتحقيق الأهداف للسياسة الخارجية المؤثرة على العلاقات الدولية وأسلوب العلاقات العامة متبع بشكل كبير في السياسة الأمريكية خاصة لترويج قراراتها ومواقفها في الكثير من القضايا، ويقوم العاملون في مجال العلاقات العامة بعمل جاد في محاولة تلقين القيم الصحيحة –وفق اعتقادهم - وفي واقع الأمر لديهم تصور عما يجب ان تكون عليه الديمقراطية، بحيث يجب أن تكون نظاما يسمح فيه للطبقة المتخصصة بالتدريب للعمل في خدمة الساسة، أما بقية المجتمع فيجب حرمانه من أية صورة من صور التنظيم وما على الجمهور سوى تلقي الرسالة الإعلامية والتي مفادها أن تتبنى قيما محددة مثل التناغم والهوية الأمريكية. ( كما تقوم شركات العلاقات العامة بدور كبير في تبرير المغامرات الخارجية والحروب عن طريق تهويل الأخطار المحدقة بالمجتمع الأمريكي وبالأمن وبتهديد أسلوب الحياة الأمثل الذي يعيشون فيه، والأدلة التاريخية على ذلك كثيرة، سواء في حرب الخليج الثانية أو الحرب على الإرهاب أو في الحرب الأخيرة) .

المصادر:=

International Herald Tribune, 23/9/2000

Marshall Mc Luhan, Pour comprendre les médias, Seuil-Mame, Paris ، 1968, p. 252