حوار مع صديقي الملحد كتاب من تأليف د-مصطفى محمود وهو عمل فلسفي من أروع ما كتبه الدكتور يتبنى فيه وجهة النظر الأسلاميةوردها علي الشبهات الفلسفية الجدلية كالخلق والروح والثواب والعقاب
يقول الدكتور مصطفى محمود
صديقي رجل يحب الجدل ويهوى الكلام وهو يعتقد أننا نحن المؤمنون السذج نقتات بالأوهام ونضحك على أنفسنا بالجنة وحور العين وتفوتنا لذات الدنيا ومفاتنها. . وصديقي بهذه المناسبة تخرج من فرنسا وحصل على دكتوراه وعاش مع الهيبز وأصبح ينكر كل شيء -قال لي ساخرا أنتم تقولون ان الله موجود ،وعمدة براهينكم هو قانون ( السببية ) الذي ينص على أن لكل صنعة صانعا ولكل خلق خالقا ولكل وجود موجدا . . النسيج يدل على النساج والرسم على الرسام والنقش على النقاش والكون بهذا المنطق أبلغ دليل على الإله القدير الذي خلقه . صدقنا وآمنا بهذا الخالق . .ألا يحق لنا بنفس المنطق أن نسأل . .ومن خلق الخالق . .من خلق الله الذي تحدثوننا عنه. .ألاتقودنا نفس استدلالاتكم الى هذا. . وتبعا لنفس قانون السببية . . ما رأيكم في هذا المطب دام فضلكم.
ونحن نقول له سؤالك فاسد . . ولا مطلب ولا حاجة فأنت تسلم بأن الله خالق ثم تقول من خلقه فتجعل منه خالقا ومخلوقا في نفس الجملة وهذا تناقض. والوجه الآخر لفساد السؤال أنك تتصور حضوع الخالق لقوانين مخلوقاته. . فالسببية قانوننا نحن أبناء الزمان والمكان. والله هو الذي خلق قانون السببية فلا يجوز أن نتصوره خاضعا لقانون السببية الذي خلقه. وأنت بهذه السفسطة أشبه بالعرائس التي تتحرك بزمبلك وتتصور أن الإنسان الذي صنعها لابد هو الآخر يتحرك بزمبلك . . فإذا قلنا لها بل هو يتحرك من تلقاء نفسه . . قالت مستحيل أن يتحرك شيء من تلقاء نفسه . . أني أرى في عالمي كل شيء يتحرك بزمبلك. وأنت بالمثل لا تتصور أن الله موجود بذاته بدون موجد . . لمجرد أنك ترى كل شيء حولك في حاجة إلى وجود.
وأنت كمن يضن أن الله محتاج الى بروت لينزل على البشر والى اتوبيس سريع ليصل الى أنبيائه . سبحانه وتعاعن هذه اللأوصاف علوا كبيرا.
وآسترسل الدكتور مصطفى محمود يقول
أما أرسطو فقد استطرد في تسلسل الأسباب قائلا : إن الكرسي من الخشب والخشب من الشجرة والشجرة من البذرة والبذرة من الزارع .. واضطر الى القول بأن هذا الإستطراد المتسلسل في الزمن اللانهائى لا بد وأن ينتهي بنا في البدء الأول الى سبب في غير حاجة إلى سبب .. سبب أول في حاجة الى من يحركه .. خالق في غير حاجة الى خالق .. وهو نفس ما نقوله عن الله. أما إبن عربي فكان رده على هذا السؤال ( سؤال من خلق الخالق ) .. بأنه سؤال لا يرد الا على عقل فاسد .. فالله هو الذي يبرهن على الوجود ولا يصح أن نتخذ من الوجود برهانا على الله .. تماما كما نقول أن النور يبرهن على النهار .. ونعكس الآية لو قلنا ان النهار يبرهن على النور.
يقول الله سبحانه في حديث قذسي
( أنا يستدل بي ... ولا يستدل علي )
فالله هو الدليل الذي لا يحتاج الى دليل لأن الله هو الحق الواضح بذاته .. وهو الحجة على كل شيء .. الله ظاهر في النظام والدقة والجمال والأحكام .. في ورقة الشجر .. في ريشة الطاووس في جناح الفراش .. في عطر الورد .. في صدح البلبل .. في ترابطالنجوم والكواكب في هذا القصيد السيمفوني الذي اسمه الكون .. لو قلنا كل هذا جاء صدفة .. لكنا كمن يتصور إن إلقاء حروف مطبعة في الهواء يمكن أن يؤدي الى تجمعها تلقائيا على شكل قصيدة شعر لشكسبير بدون ساعر وبدون مؤلف.
والقرآن يغنينا عن هذه المجادلات بكلمات قليلة وبليغة فيقول بوضوح قاطع ودون تفلسف:
(( قل هو الله أحد الله الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ))
ويسأل صاحبنا الملحد ساخرا .. ولماذا تقولون أن الله واحد .. لماذا لا يكون الالهة متعددين .. يتوزعون بينهم الإختصاصات .
وسوف نرد عليه بالمنطق الذي يعترف به .. بالعلم وليس بالقرآن .
سوف نقول له ان الخالق واحد لأن الكون كله مبني من خامة واحدة وبخطة واحدة .. فمن الايدروجين تألفت العناصر الاثنان والتسعون التي في جدول مندليف بنفس الطريقة (( بالادماج )) واطلاق الطاقة الذرية التي تتأجج بها النجوم وتشتعل الشموس في فضاء الكون .
كما أن الحياة كلها بنيت من مركبات الكربون (جميع صنوف الحياة تتفحم بالاحتراق) على مقتضى خطة تشريحية واحدة .تشريح الضفدعة والارنب والحمامة والتمساح والزرافة والحوت يكشف عن خطة تشريحية واحدة نفس الشرايين والاوردة وغرفات القلب .. ونفس العظام كل عظمة لها نظيرها .. الجناح في الحمامة هو الذراع في الضفدعة .. والعنق في الزرافة على طوله نجد فيه نفس الفقرات السبع التي نجدها في عنق القنفد .. والجهاز العصبي هو هو في الجميع يتألف من مخ وحبل شوكي وأعصاب حس وأعصاب حركة .. والجهاز البولي الكلية والحالب وحوصلة البول .. والجهاز التناسلي نفس المبيض والرحم والخصية وقنواتها .. ثم الوحدة التشريحية.الجميع هي الخلية .. وهي في النبات كما في الحيوان كما في الانسان نفس المواصفات .. تتنفس وتتكاثر وتموت وتولد بنفس الطريقة . فأية غرابة بعد هذا أن نقول ان الخالق واحد ولماذا يتعدد الكامل . وهل به نقص ليحتاج الى من يكمله . انما يتعدد الناقصون . ولو تعددالالهة لاختلفوا ولذهب كل اله بما خلق ولفسدت الأرض .
والله له الكبرياء والجبروت وهذه صفات لا تحتمل الشركة .
ويسخر صاحبنا من معنى الربوبية كما نفهمه .. ويقول أليس عجيبا ذلك الرب الذي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة فيأخذ بناصية الدابة ويوحي الى النحل ان تتخذ من الجبال بيوتا .. وما تسقط من ورقة الا يعلمها .. وما تخرج من ثمرات من أكمامها الا أحصاها عددا .. وما تحمل من أنثى ولا تضع الا بعلمه .. اذا عثرت قدم في حفرة فهو الذي أعثرها .. واذا سقطت ذبابة في طعام فهو الذي أسقطها .. واذا تعطلت الحرارة في الهاتف فهو الذي عطلها .. واذا امتنع المطر فهو الذي منعه واذا هطل فهو الذي أهطله .. الا تشغلون إلهكم بالكثير التافه من الامور بهذا الفهم .
ولا أفهم أيكون الرب في نظر السائل أجدر بالربوبية لو أنه أعفى نفسه من هذه المسؤوليات وأخذ إجازة وأدار ظهره للكون الذي خلقه وتركه يأكل بعضه بعضا .
هل الرب الجدير في نظره هو رب عاطل مغمى عليه لا يسمع ولا يرى ولا يستجيب ولا يعتني بمخلوقاته ثم من أين للسائل بالعلم بأن موضعا ما تافه لا يستحق تدخل الإله وموضوعا آخر مهم وخطير الشأن . ان الذبابة التي تبدو تافهة في نظر السائل فلا يهم أن تسقط في الطعام أو لاتسقط هذه الذبابة يمكن أن تغير التاريخ بسقوطها التافه ذلك ..فانها يمكن أن تنقل الكوليرا الى جيش وتكسب معركة لطرف آخر تتغير بعده موازين التاريخ كله . ألم تقتل الاسكندر الأكبر بعوضة . ان أتفه المقدمات ممكن أن تؤدي الى أخطر النتائج .. وأخطر المقدمات ممكن أن تنتهي الى شيء .. وعالم الغيب وحده هو الذي يعلم قيمة كل شيء . وهل تصور السائل نفسه وصيا على الله يحدد له اختصاصاته .. تقدس وتنزه ربنا عن هذا التصور الساذج . انما الإله الجدير بالالوهية هنا هو الذي أحاط بكل شيء علما .. لايغرب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء الاله السميع المجيب المعتني بمخلوقاته .