الحمام الزاجل أحد انواع الحمام الذي كان يستخدم لنقل الرسائل في ما مضى، ويتميز هذا الحمام بعودته دوما إلى موطنه، وبالتالي كان الحمام يحمل من بلد إلى آخر، ويربط في قدمه رسالة يحملها عائدا إلى موطنه.
يعد الحمام الزاجل سيد الحمام في الدنيا دون منازع لما لديه من غريزة حب لموطنه والعودة اليه مهما بعدت المسافات الشاسعة التي يقطعها في ايصال الرسائل وما يؤديه من خدمات جليلة في تاريخ الحروب ونقل اخبارها إلى العواصم والامصار.
الدراسات العلمية الحديثة كشفت عن ان الحمام الزاجل لديه القدرة الطبيعية على رسم خارطة المجال المغناطيسي للارض يستعين بها في معرفة طريق العودة إلى موطنه وهو ما ينفي القول عن استخدام حاسة الشم لديه لتحديد مساره اثناء الطيران.
وعن تاريخ الحمام الزاجل ذكر رحالة انكليزي في القرن السابع عشر ان سماء الشام خلت من الحمام بسبب وقوع حمامة في شباك صياد اثناء طيرانها.. ووجد رسالة مربوطة في رجلها كان قد ارسلها تاجر اوربي إلى وكيله في حلب يخبره فيها بارتفاع اسعار "الجوز" في الاسواق الاوربية ويطلب فيها منه ان يرسل كميات كبيرة منه.. فعمد الصياد إلى تاجر اخر صديق له واخبره بفحوى الرسالة.. فقام بدوره بارسال شحنات من الجوز إلى اوربا وجنى من العملية مبالغ طائلة.. وعندما شاع الخبر عمد الصيادون إلى اصطياد اعداد كبيرة من الحمام لعلهم يحصلون على غنائم مماثلة..
وما يزال الحمام الزاجل موضع اهتمام علماء الارصاد للاستفادة من قدرته على توفير النفقات التي تتطلبها الاجهزة الحديثة مثل الاقمار الصناعية والرادارات والطائرات واجهزة الكشف بالاشعة تحت الحمراء اذ تستطيع حمامة واحدة من الزاجل بجهازها الملاحي الفريد ان ترشد بحاستها التي لا تخطئ إلى الكثير مما تبحث عنه مع توفير الكثير من النفقات التي ترصد لعمل تلك الاجهزة.
وقد استخدم الحمام الزاجل لاول مرة في الاغراض الحربية عام 24 قبل الميلاد عندما حاصرت جيوش القائد الروماني "مارك انطونيو" قوات القائد"بروتس" في مدينة"مودلينا" الا ان اكتافيوس الثالث كان على اتصال دائم مع بروتس للاطلاع على صموده من الحصار من خلال الرسائل التي كان يرسلها له بواسطة هذا الطائر.
وللعرب تاريخ طويل حافل مع الحمام الزاجل فهم من اوائل الامم التي عرفت اهميته وتربيته واهتمت بانسابه ووضعت الكتب والدراسات في طبائعه وامراضه وعلاجه.. وكان البريد الذي اسسوه يعتمد على الخيل والجمال والبغال وتبادل الاشارات بالنيران والدخان والطبول والمرايا في إرسال الاخبار والمعلومات العسكرية من والى مركز الخلافة ومع اتساع رقعة الخلافة الاسلامية وزيادة الحروب والفتوحات اضافة إلى كثرة الفتن الداخلية والقلاقل ومحاولات انفصال الاقاليم عنها.. ومع ازدياد مصادر الثورة وتنوعها وكثرة مؤسسات الدولة ودواوينها اصبح لابد من وسيلة أكثر كفاءة وسرعة لضمان اقصى فاعلية لعمل ديوان البريد الذي يضمن اتصال اطراف الدولة الواسعة ببعضها وربطها بالعاصمة لذلك ادخل الخلفاء العباسيون استخدام الحمام الزاجل في البريد لما يمتاز به من السرعة الفائقة والسهولة في اعادة نقله إلى الاماكن التي ستطلقه مرة اخرى اضافة إلى انخفاض كلفة تربيته قياسا بالجياد والابل ولتكاثره السريع وطيرانه دون حاجته إلى دليل او مرشد ودقته في الوصول إلى اهدافه وكذلك لجمال شكله والفته حتى تنافسوا في اقتنائه والعناية به وتوسيع دوره وتحسين نسله فاخضعوه إلى مراقبة دقيقة ونظموا له السجلات الخاصة بحركته وخصصوا له المربين يدفعون لهم الاجور العالية لقاء ذلك.
ويروى ان المعتصم "علم بانتصار جيشه على" بابك الخرمي" واسره له عن طريق الحمام الزاجل الذي اطلقه قائد الجيش من جهة المعركة إلى دار الخلافة في سامراء.. وقد وصل ثمن الطائر منه في ذلك الوقت إلى 700 دينار وبيعت حمامة منه في خليج القسطنطينية بالف دينار.. لكن الفاطميين تجاوزوا العباسيين باهتمامهم بهذا النوع من الحمام بابتكارهم الوسائل للتغلب على امكانية وقوعه بايدي العدو باستحداث رسائل مرموزة "مشفرة" لا يستطيع العدو التوصل لمعناها.
كان الحمام الزاجل يقطع الاف الاميال يوميا باتجاهات مختلفة في انحاء الامبراطورية الاسلامية وساعده في ذلك سلسلة الابراج التي اقامتها الدولة والتي يبعد الواحد منها عن الاخر حوالي 50 ميلا وكانت مجهزة لاستقبال الحمام واستبداله اذ كانت القوافل الكبيرة تحمل معها اقفاص الحمام وترسل بواسطته الرسائل إلى مراكزها في كل مرحلة من مراحل الرحلة لكي ترشد القوافل الصغيرة التي تسير على نفس الدرب او تنذرها عند تعرضها إلى الخطر فتطلب النجدة والمعونة من اقرب مركز او انها كانت تخبر المكان الذي تنوي الوصول اليه بالمواعيد ونوع البضاعة التي تحملها لكي يستقبلها التجار المعنيون بالشراء.
وعن الحمام الزاجل احاديث كثيرة.. ففي الحرب العالمية الثانية وعند هجوم الالمان على بلجيكا اصطحب المظليون الحمام خلف خطوط جيوش الحلفاء ثم اطلقوه بعد ذلك مع رسائل عن نتائج عمليات التجسس التي نجحوا في الحصول عليها وفي فرنسا اجريت مؤخرا مناورات اشترك فيها الحمام الزاجل في اطار تدريببي على امكانية زجه في عمليات الاتصال