حسام الدين لؤلؤ *
قائد شجاع ذو بديهة وحنكة .. تميز بسرعته في إتخاذ القرارات خاصة في المواقف الصعبة والتى تتطلب حزما وسرعة .. برز إسمه لامعا في إحدى المواقف الخطيرة في تاريخ هذه الأمة .. ومع هذا فقلما تجد من يذكر اسم هذا القائد الشجاع أو يذكر حتى الموقف الخطير نفسه ..
حسام الدين لؤلؤ .. أحد قادة السلطان صلاح الدين الأيوبى الذى بزغ في عصره كوكبة من أشهر القادة اللامعين .. وقائد البحرية في عهد تميز فيه الصليبيون بالتفوق البحرى ..
رينولد دى شاتيو .. أو كما عرفه العرب بأرناط .. لص مغامر وسفاح .. هو أقرب لهذه الصورة من صورة الفارس الصليبى أمير حصن الكرك .. وصفه بعض علماء المسلمين بأنه أغدر الفرنجة وأخبثهم وأنقضهم للمواثيق وأنكثهم وأحنثهم .. لدرجة أن القاضي الفاضل أفتى في تلك الأيام أن الحج ليس بواجب على أهل تلك البقعة الذين لا يمرون إلا من هذا الطريق لعدم أمنهم لشدة فتكه بقوافل الحجاج المارة بهذا الطريق .. وانتهك عام (577هـ) هدنة معقودة بين المسلمين والصليبيين، وجمع جيشه وسار إلى تيماء ، ثم حدثته نفسه بالمسير إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ليستولي عليها، ويضرب المسلمين في أعز ما يملكون، وأقدس المناطق التي يكنون لها في أنفسهم قدراً عظيماً. ولكن أمير دمشق من قبل صلاح الدين الأيوبي أغار على حصن الكرك وكبَّد النصارى خسائر كبيرة، مما اضطر أرناط العدول عن خطته والعودة وعدم غزو المدينة. وفي عام (578هـ) شرع أرناط في بناء سفن نقلها إلى ساحل البحر الأحمر ، ولم يكن للصليبيين وجود في البحر الأحمر قبل هذا، وباغت المسلمين في ديارهم على حين غفلة؛ فقتل، ونهب، وسلب، وأسر، ثم توجه إلى أرض الحجاز وسار باتجاه المدينة المنورة مرة أخرى حتى وصل إلى رابغ، حتى لم يكن بينه وبين المدينة إلا مسيرة ليلة واحدة، فعند ذلك أمر صلاح الدين أميره على مصر وواليه عليها الملك العادل إلى إعداد أسطول قوي في البحر الأحمر وتجهيزه بقيادة الأمير حسام الدين لؤلؤ ..
ولما لم يكون هناك وجود من قبل لأسطول صليبى في البحر الأحمر .. فقد كان الأمر مباغتا وخاصة مع ارتباطه بخطر يهدد كعبة الإسلام وقبر الرسول .. فقد تعامل حسام الدين ببراعة مع هذا الموقف ..
ففى سرعة البرق وفى دقة وسرعة مذهلة أمر قائد الأسطول الشيخ حسام الدين لؤلؤ بحل المراكب مفككة على الجمال ثم أشرف على تركيبها في رمضان 578 هـ= يناير سنة1183 م وتعميرها بالرجال ذوي التجربة في شئون البحر وبخاصة المغاربة منهم ..وقفز بسفنه يشق البحر الأحمر ..
ثم يأتي وصف المعركة، فقد فرق لؤلؤ الأسطول إلى فرقتين. فصارت الأولى إلى قلعة أيلة واستولت على مراكب العدو برمتها، وقتلت أكثر مقاتلاتها إلا من تعلق بهضبة من الهضاب، أو دخل في شعب من الشعاب .. أما الفرقة الثانية فذهبت إلى عيذاب ، وأطلقت المأسورين من المسلمين، وردت عليهم ما سلب منهم، ولم تجد الصليبيين هناك ..
وما زال لؤلؤ وأتباعه يتبعونه ليل نهار ، حتى أدركهم بعد خمسة أيام على مسافة يوم من المدينة فأسلموا أنفسهم له ، وعاد بهم لؤلؤ إلى مصر وفي أرجلهم القيود ..وانطلق من بلد إلى بلد ، وهو يتعقب الأسطول الصليبي ، موقعا به الهزيمة الواحدة تلو الأخرى .
أرسل السلطان صلاح الدين رسالة بقلم القاضي الفاضل إلى أخيه الملك العادل أبي بكر, بشأن انتصار الأسطول المصري بقيادة أميره حسام الدين لؤلؤ على الأسطول الصليبي ، الذي جرؤ فعبر مياه البحر الأحمر ، قاصدا مهاجمة مدينتي مكة والمدينة جاء فيها :"وما كان لؤلؤ فيها إلا سهما أصاب وسيفا قطع … ركب السبيلين : براً وبحراً ، وامتطى السابقين : مركبا وظهرا ، وخطا فأوسع الخطو ، وغزا فأنجح الغزو " وأبدى إعجابه بالبسالة الحربية والتضحية المالية التي بذلها المسلمون .
وأمر صلاح الدين بقتل الأسرى منهم في مصر أمام الناس حتى لا تسول لأحد نفسه بغزو الحجاز مرة أخرى. أما أرناط فقد استطاع الهرب والعودة إلى حصن الكرك ..
تحية عطرة إلى السلطان صلاح الدين الأيوبى .. وإلى أياديه البيضاء على هذه الأمة بدئا من تحرير القدس ورد شرف الأمة وصون بيت الله الحرام .. وتحية أخرى إلى القائد حسام الدين لؤلؤ .. في هذه الأيام العطرات كان حقا علينا أن نذكر هذا القائد الشجاع ..
حسام الدين لؤلؤ .. ضرب من البطولات التى رسمت تاريخها بمداد من نور