معالم من تاريخ حزب البديل الحضاري في البدء كان الاختيار الإسلامي لقد بدا سنة 1975، أن النظام المغربي قد حسم صراعه مع منافسيه التقليديين، الجيش والأحزاب، واستطاع أن يهمش الحركة الإسلامية ويبعدها عن المعادلة السياسية، وأن رفعه لشعار "أن لا صوت يعلو فوق صوت الوحدة الوطنية" قد شكل حالة من الإجماع حوله، خاصة وأن المسيرة الخضراء واسترجاع جزء من الأقاليم الجنوبية قد أوجدت حالة من التعبئة الوطنية ساهمت في هذا الإحساس. غير أنه مع بداية الثمانينات، أصبح المغرب يعيش على إيقاع أحداث محلية ودولية متوترة، فانتصار الثورة الإسلامية في إيران ألقت بظلالها على العلاقة بين الحكم والحركة الإسلامية التي عادت لتتشكل في ثلاث توجهات أساسية، كما أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي كان يعيشها المغرب والتي توجت بانتفاضة يونيو 1981 زادت من عزلة الحاكمين ودفعتهم إلى مزيد من الهروب إلى الأمام الذي سيشهد أوجه بتطبيق برنامج التقويم الهيكلي سنة 1983 والذي سيكون الرد عليه انتفاضة عارمة في يناير 1984. في هذا السياق الدولي والمحلي انعقد، يوم 28 أكتوبر 1981، الجمع التأسيسي لحركة الاختيار الإسلامي بمدينة الرباط. وانطلق العمل في اتجاه مجموع التراب المغربي بأولوية تنظيمية وتربوية. وفي دجنبر 1984، وبهدف التعريف بقضية المعتقلين الإسلاميين سينظم الاختيار الإسلامي إنزالا لمنتدى فكر وحوار. وسيشكل تقييم هذا الإنزال منعطفا مهما في الانسجام الفكري للحركة إذ سيكون من نتائجه المباشرة إصدار "الأرضية التوجيهية" التي ستلعب دورا كبيرا في التوجه الفكري للاختيار الإسلامي. في صيف 1990، سينعقد بمدينة طنجة المؤتمر الأول للحركة الذي سيطرح أهمية تشكيل جبهة إسلامية عريضة وضرورة خوض مرحلة العمل العلني. هكذا في خريف 1990 سينطلق مشروع تشكيل هذه الجبهة مع أربعة أطراف إسلامية أخرى، سيتحول بعدها إلى مشروع وحدة وسيتوج بتأسيس حزب الوحدة والتنمية صيف 1992. غير أن هذه الوحدة ستشكو من كثير من العوائق أدت إلى فشلها. في أكتوبر 1992، ستعقد حركة الاختيار الإسلامي، التي كانت تشكو من تبعات فشل الوحدة، مؤتمرها الثاني بمدينة فاس. لقد توخى المؤتمر الثاني تجاوز فشل الوحدة وبناء إستراتيجية طموحة تمثلت في أربعة محاور: - البعد الإعلامي، تأسيس جريدة الجسر، - البعد الطلابي، تأسيس فصيل طلبة الميثاق، - البعد الجمعوي: تأسيس جمعية بكل مدينة، - البعد السياسي: تأسيس حزب سياسي. وعلى الرغم من التعثرات التي شهدها تنفيذ هذه الإستراتيجية، فعلى العموم استطاعت الحركة أن تنجز المحاور الثلاث الأولى. غير أن نقطة الحزب السياسي ستثير اختلافا كبيرا في تنزيلها، وهو الاختلاف الذي ستنعكس ظلاله على الحركة طيلة السنوات الثلاث المتبقية من عمرها. وفي نونبر 1994، سينعقد المؤتمر الثالث للحركة بمدينة تمارة في أجواء غير صحية شكلت امتدادا للخلاف حول المسألة السياسية التي ستأخذ أبعادا أخرى. في 19 غشت 1995 سيتم فصل ثلاث إخوة من قيادة الحركة بدون أي سند قانوني. ثم كانت جمعية البديل الحضاري ارتبط تأسيس جمعية البديل بسياق دولي وجهوي ومحلي مثلت نهاية الثمانينات وبداية التسعينات إطاره العام .. ومثلت التحولات التي شهدتها الساحة الإسلامية المغربية إطاره الخاص. لقد كان لانهيار الاتحاد السوفياتي واستحقاقات حرب الخليج الثانية آثار وانعكاسات واضحة على العالم العربي والإسلامي طالت الأوضاع الداخلية وطالت مسار القضايا المركزية كقضية فلسطين والوحدة العربية. وشهدت المنطقة المغاربية حدثين رئيسين، انقلاب الجنرال بن علي في تونس سنة1987 وأحداث 1988 بالجزائر، فتحا المنطقة على تجربتين ديمقراطيتين متباينتين لم تكتملا .. هكذا شهدت منطقة المغرب العربي إجهاض عمليتين ديمقراطيتين، ففي تونس تعرضت حركة الاتجاه الإسلامي بعد حصولها على 14% من الأصوات في انتخابات1989 ، إلى قمع ممنهج من طرف النظام في انقلاب واضح على الخيار الديمقراطي. نفس السيناريو شهدته الجزائر بعد انتخابات 1992 حيث تدخل الجيش لإجهاض التجربة الديمقراطية بعد الانتصار الساحق الذي حققته الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وعلى المستوى المحلي، أدى انهيار التوازنات السياسية الداخلية وإخفاق سياسة التقويم الهيكلي، التي زادت من حدة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، إلى ظهور دينامية سياسية في الساحة الوطنية .. تمثلت في إقدام أحزاب المعارضة البرلمانية على تشكيل الكتلة الوطنية وطرح النظام لإصلاحات دستورية ممنوح ( 1992 )، واتفاق الطرفين على نهج سياسة التوافق. غير أن الكتلة ظلت مجرد لجنة قيادية للتنسيق بدون أية مؤسسات قاعدية وبدون عمق جماهيري مما جعلها طرفا ضعيفا في رسم سياسة التوافق التي دخلتها في النهاية بشروط النظام. في هذا السياق، تأسست جمعية البديل الحضاري بمدينة فاس يوم 26 جمادى الأولى 1416 هـ الموافق22 أكتوبر1995، تميزت جمعية البديل الحضاري عن باقي الحركات الإسلامية بحضور المرأة الفاعل على مستوى التأسيس والقيادة، إذ لأول مرة في تاريخ العمل الإسلامي ببلادنا ستساهم المرأة إلى جانب أخيها الرجل في تأسيس وقيادة حركة إسلامية. خلال أيام 4-9 يوليوز 2000 الموافق 8-5 ربيع الثاني 1421 هـ عقدت جمعية البديل الحضاري جمعها العام الأول تحت شعار :من أجل تنظيم رسالي قوي وأمين. ومنذ تأسيس جمعية البديل الحضاري حرصت السلطات المسؤولة على مصادرة حقنا الدستوري في التنظيم وذلك بعدم تسليمنا وصل إيداعنا القانوني أو رفض تسلم ملفنا لتجديد المكتب الوطني. وقد أكد المجلس الوطني في بيان له بتاريخ 13 دجنبر 2003 على أن " نعتبر أن التضييق الذي يطال جمعيتنا هو تضييق يمس مصداقية المؤسسات الرسمية أولا وأخيرا وأنه تضييق سياسي يقوم على خرق القانون وخرق الدستور، تضييق يستهدف أفكارنا ورؤانا وتصوراتنا ومن تم فهو يستهدف حريتنا في الرأي والتعبير وفي الوجود التنظيمي الذي نرتضيه لأنفسنا في إطار القوانين المعمول بها وهو في النهاية تضييق يستهدف الحد من فعاليتنا وأدائنا ومساهمتنا في تأطير المواطنين." ورغم حالة الحصار هذه، فإن جمعية البديل الحضاري حرصت على القيام بدورها كاملا غير منقوص. ففي يوم 11 يناير 2001 وجهت جمعية البديل الحضاري بمعية تنظيمات وفعاليات يسارية "نداء الديمقراطية" مؤكدة على مركزية الحوار كمفهوم يحكم انفتاحها على مختلف شرائح المجتمع المغربي وكآلية تؤسس لتشكل القناعات وترسيخها. يوم 24 مارس 2002 ستتوج مسيرة الحوار هذه بتأسيس "القطب الديمقراطي" إلى جانب فعاليات من اليسار المغربي وفعاليات أمازيغية. وكان من نتيجة هذا الانفتاح تجاوز البديل الحضاري للحصار الذي فرضته عليه الدولة وأصبح رقما حركيا لا يمكن تجاوزه في الساحة السياسية والحركية. حزب البديل الحضاري بدا واضحا مع مطلع الألفية الثالثة أن النظام المغربي يتجه نحو ضبط الساحة السياسية والفصل بين ما هو جمعوي وسياسي، وأن له رغبة أكيدة على تشكيلها في قطبين أساسيين. تزامن هذا مع توسع تنظيمي لجمعية البديل الحضاري التي أضحت إطارا غير قادر على استيعاب هذا التوسع من جهة واستيعاب مواقفنا السياسية من جهة أخرى. فأقدمنا يوم 14 يوليوز 2002 بمدينة الدار البيضاء على تأسيس حزب يحمل نفس الاسم: حزب البديل الحضاري، تأسيس قوبل بتعنت مريب للسلطة (أنظر كرونولوجيا التأسيس). كانت إستراتيجية التأسيس بسيطة وواضحة، فلمواجهة الحصار الذي فرضته علينا السلطة توجهنا نحو تحقيق هدفين أساسيين: التوسع التنظيمي وتحقيق الاعتراف بنا كحزب سياسي من طرف الأحزاب السياسية الأخرى، وهو ما كان. حينما أصبح حزب البديل الحضاري حزبا سياسيا قائم الذات في الساحة السياسية ببلادنا، عقد يوم السبت 07 شوال 1425 هـ الموافق لـ 20 نونبر 2004 بالمقر المركزي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد بالدار البيضاء، بعد ما منعته السلطة من حقه في استعمال قاعة عمومية، مؤتمرا استثنائيا تحت شعار : " من أجل مواطنة حقيقية " بحضور ممثلي فروع الحزب بمختلف جهات المملكة وأمام حضور وازن لمختلف مكونات المشهد الثقافي والسياسي والاجتماعي والحقوقي والإعلامي بالمغرب. كان الهدف من المؤتمر الاستثنائي وضع إستراتيجية جديدة تكرس الوجود الفعلي للحزب وتفعله وانطلاق معركة ترسيم وجود الحزب نهائيا. واستطاع الحزب أن يوجه من خلال هذا المؤتمر رسالتين للسلطة: الأولى أنه استطاع أن يكسر الحصار الذي حاولت أن تفرضه على البديل الحضاري لمدة تسع سنوات وبدا ذلك واضحا من نوعية وحجم ضيوف الحزب خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر؛ أما الرسالة الثانية فتمثلت في رفض الحزب توظيفه في لعبة التوازنات، وأن عقد مؤتمره الاستثنائي، لأول مرة في تاريخ العمل السياسي، في المقر المركزي لحزب يساري هو بمثابة إعلان عن نهاية مرحلة استقطاب المتدينين في مقابل العلمانيين وبداية مرحلة جديدة قائمة على استقطاب الديمقراطيين في مواجهة غير الديمقراطيين. وفي 23أبريل 2005 انعقد المجلس الوطني لحزب البديل الحضاري وأكد على ضرورة تفعيل معركة الكرامة وخوض الإضراب المفتوح عن الطعام. هكذا سيتم الإعلان عن يوم 05 ماي 2005 موعدا لانطلاق الإضراب عن الطعام. وحمل المجلس بالمناسبة السلطات المغربية كل المسؤولية عن الانعكاسات السلبية التي قد تنتج عن هذا الإضراب والتي قد تضر بسمعة المغرب إقليميا ودوليا. في بداية ماي ستفتح وزارة الداخلية المغربية حوارا مباشرا مع الأمانة العمة لحزب البديل الحضاري، ويوم 5 ماي 2005 ستعلن الأمانة العامة عن تأجيل الإضراب عن الطعام لفسح فرصة نجاح الحوار مع وزارة الداخلية. وتتويجا لمسار الحوار سيحصل حزب البديل الحضاري على وصل إيداعه القانوني في شهر يونيو 2005. منذ ذلك الحين بدأت معركة جديدة، معركة المصداقية، التي انطلقت بتوضيح هويتنا التنظيمية إذ قرر المجلس الوطني في دورته العادية يوم 31 دجنبر 2005 حل جمعية البديل الحضاري قاطعا بذلك مع منطق الازدواجية التنظيمية، كما قرر المشاركة في الانتخابات التشريعية 2007 معلنا بذلك عن بداية مرحلة جديدة من التدافع.