الرئيسيةبحث

حرية شخصية

خرق محتمل لحقوق التأليف والنشر

الأخ العزيز/الأخت العزيزة الذي قام بكتابة هذه المقالة. هنالك احتمال أن تكون المقالة التي وضعتها مخالفة (للأسف) لحقوق التأليف والنشر لأنها تبدو مشابهة بصورة غريبة للنص في المصدر التالي:

http://mnzoor.blogspot.com/2006/05/blog-post_114860841745777315.html
نحن نقدر جهودك لتنمية مقالات الموسوعة، وهو أمر نرغب أن يستمر ولكن لا يمكننا إبقاء مثل هذه المقالة في الموسوعة إلا إذا تم إثبات أنها من كتابتك أنت، أو على الأقل تم إثبات أن كاتبها لا يمانع بوضعها ضمن الموسوعة تحت رخصة جنو للوثائق الحرة.

إذا كنت فعلا نسختها بدون أن تدرك هذه الإشكالية فلا مشكلة. يكفي أن تترك الصفحة كما هي وسيتم حذفها خلال أسبوع. إذا كنت أنت المؤلف الأصلي للمقالة، أو ترغب بكتابة مقالة بديلة فرجاء ضع ملاحظة في هذه الصفحة حتى يتم إيقاف عملية الحذف الآلي للمقالة (يرجى منك أن تكون مسجلا في الموسوعة حتى يتم التواصل معك، إذا لم تكن كذلك يرجى التسجيل قبل أن تضع ملاحظاتك في الصفحة المقررة لذلك). جملتان أو ثلاث جمل من تأليفك أنت أفضل من نسخ ألف صفحة. لا تقلق من عدم معرفتك بنظام الكتابة هنا، فقط حاول وسيقوم شخص ما بالتعديل والتدقيق خلفك.

دخل المقال إلى نظام الحذف، لإيقاف الحذف انظر الشرح في الأعلى
لماذا قمنا بوضع المقالة للحذف؟
  • تقوم الموسوعة على فلسفة المحتوى المفتوح و جزء من هذه الفلسفة هو احترام عمل و إنتاج الآخرين الفكري. الملكية الفكرية تحميها الاتفاقات الدولية و القوانين المحلية في الدول العربية، و الموسوعة مع أنها تخضع للقانون الأمريكي الذي تخضع له مؤسسة ويكيميديا منشأتها و مديرتها، إلا أن مسؤولية ما قد يفسر بأنه سرقة أدبية تقع على عاتقك أنت مرتكبها وقد يؤدي ذلك إلى ملاحقتك قانونيا. الموسوعة والإدارة لن تتحمل أية مسؤولية قانونية، لكننا نهتم بك؛ فأنت ونحن نعمل معا يدا بيد. كحماية لك من أي تبعات بسبب رغبتك التي نقدرها جدا بتطوير الموسوعة، بدون إدراكك للبعد القانوني، قام أحد إداري نظام الموسوعة بوضع المقالة ضمن نظام الحذف.
  • حماية لسمعة الموسوعة ورغبة بأن تكون محتوياتها متاحة للجميع بحرية وبدون مقابل مادي. الموسوعة تشجع استخدامها كمصدر و استعمال ما ينشر فيها من محتوى طبقا لرخصتها الحرة، إلا أنها لا نستطيع منح ما لا تملك.
هل أنت في أي مشكلة؟

أكيد لا، لا تقلق، ولا تدع اللون الأسود يرهبك (وضعناه فقط لجذب انتباهك). سواء تركت المقالة ليتم حذفها أو أخبرتنا برغبتك بكتابة مقالة بديلة، ففي الحالتين قمنا بحمايتك من أية ملاحقة. تذكر هدفنا هو خدمة الغير. من يدري قد تكون هذه الحادثة بداية صداقة طويلة بيننا وبينك، ويوما ما قد تكون أنت من بين طاقم الإداريين الذي يحمي باقي المساهمين.

نبه المستخدم الذي قام بإضافة النص المشكلة للخرق

كل ما عليك هو إضافة التالي لصفحة نقاشه:

{{نسخ:تنبيه خرق|حرية شخصية}}--~~~~

حسنا القسم التالي خاص بنا، لعمل من اكتشف الخرق وقد قام به

يرجى نسخ الجزء في الأسفل كاملا ثم فتح هذه الصفحة ولصقه داخلها. جدول الخرق الذي تحتوي مداخلة هذه المقالة:

{{خرق/سجل|مصدر = http://mnzoor.blogspot.com/2006/05/blog-post_114860841745777315.html |حرية شخصية|~~~|2008-6-7}}


كلمة الحرية مأخوذة من حرّ يحر إذا صار حرّاً، والاسم: حريّة، وحرّره: أعتقه، والحر من الناس: أخيارهم وأفاضلهم وأشرافهم. والحرّ: الفعل الحسن، والحرّة من النساء: الكريمة الشريفة. وسحابة حرّة: بكرٌ كثيرة المطر. واستخدام العرب للفظ الحرية ومشتقاتها يأتي بمعان حسنة جميلة، فإذا وصف الإنسان بأنه حرّ: أي أنه لا يقبل الضيم وينأى عن الأفعال الخسيسة، وكذلك المرأة إذا قيل أنها حرّة: أي أنها من أصل طيب ومنبت حسن ونسب أصيل، كما أنها تحافظ على سمعتها وشرفها فيقولون هي من نسب حرّ، أو من أحرار العرب كما ورد من حكم العرب المأثورة: "الحرّ من راعى وداد لحظة، وانتمى لمن أفاده لفظة." بمعنى أنه من صفات الحرّية في الإنسان أن يكون وفياً، لا ينسى المعروف ولا ينسى المودة، حتى لو كانت لبرهة من الوقت "وداد لحظة" كما أنه يقدر معلمه وأستاذه ويقابل ذلك بالاحترام والوفاء لما أسدى له من نعمة التعلم، مهما كان قليلاً، ولو لمجرد "لفظة". مفهوم الحرية في القرآن الكريم: النزعة إلى الحرية والانعتاق من القيود والأغلال لدى الانسان، من النزعات الأصيلة والعميقة في وجوده الطويل. إذ لا تخلو مرحلة من مراحل حياته من البوح والتعبير المباشر وغير المباشر عنها سواء لتحقيق هذه النزعة في الواقع الخارجي، أو للدفاع عنها من مخاطر داخلية أو خارجية تهدد هذه النزعة في وجودها وآفاقها. لذلك يمكن القول، أنه كلما تعمق الوعي السليم بمعاني الحرية الانسانية، كلما تقدمنا إلى الأمام في هذا المسار الصعب والتاريخي لذلك يدعو القرآن الحكيم، الانسان المسلم إلى رفض القوى التي تحول دون رؤية الحق والحقيقة. قال تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) البقرة/ وعلى الرغم من عدم ذكر الحرية بلفظها في القرآن الكريم، فإن الباحث بين جنباته، ومن خلال آياته سوف يجد الحظ الوفير الذي أخذته دلالات ومعاني الحرية بأطيافها المختلفة، وقدر العناية الفائقة التي أولاها القرآن للاحتفاء بها. فقد وردت مشتقات من كلمة الحرية، مثل كلمة (تحرير) في الآية: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا). وأيضًا كلمة (محررًا) التي تتحدث عن نذر أم السيدة مريم البتول حملها لله في الآية: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). وكلمة (الحر) في آية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ). وعلى طريقة القرآن في ضرب الأمثال للناس؛ لإيضاح المفاهيم الضرورية بإثارة وتحفيز أدوات الفكر، وإعمال العقل فقد ضرب مثلاً في سورة النحل، يعبر عن الأهمية القصوى لقيمة الحرية في مسيرة الناس، فقال تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فلا تساوي بين من يتمتع بالحرية ويعيش بها وبين من سلبت منه الحرية، وهذا من أساسيات العلم. وهناك من يزعم أن عدم ورود كلمة الحرية في القرآن، وأن الذي ورد فحسب مشتقاتها مثل كلمة (تحرير) والتي جاءت في صدد تكليف الإنسان المخطئ بكفارة عن خطئه بتحرير إنسان من عبودية الرق –تحرير رقبة- هو دليل على أن الإسلام لم يعرف للإنسان حقوقًا، بل فرض عليه واجبات، أو كلفه بتكليفات فقط. بيد أن الارتفاع بالقيم الإنسانية الأساسية، وعلى رأسها الحرية –وهي التي تعنينا في هذا المقام– من مستوى الحقوق للإنسان، إلى مستوى التكليف أو الالتزام أو الشرط لاكتمال إنسانية الإنسان، يدحض هذا الزعم بل يجعل الحرية من أبرز مقاصد وقيم الإسلام، يسلب مصداقية أية دعاوى باسم الشرع تروّج لسلب حرية الإنسان –أي إنسان– أو التغوّل عليها، أو تقييدها، أو التنازل عنها، أو حتى القعود عن سبيل تحصيلها، باعتبارها مجرد حق يمكن التنازل عنه في مقابل تمجيد الاستقرار والسكون أو تكريس مفهوم الطاعة للسلطة، من أنواع السلطة التي حرر القرآن منها المؤمنين به سلطة الآباء، وسلطة الملأ، وسلطة الفرعون، وأيضا سلطة الهوى بإيثار السلامة والخضوع وترك السعي لتحصيل الكرامة والمساواة والحرية ولو استدعى الأمر الهجرة في أرض الله الواسعة (كما في الآيات القرآنية). مفهوم الحرية في السنة النبوية ويبدو أن هذا المفهوم –رغم غياب كلمة الحرية من مفردات القرآن– كان غاية في الوضوح في ذهن الرعيل الأول من المسلمين، كما يظهر ذلك في قصة عمر بن الخطاب مع عمرو بن العاص، ويتضح الأمر بجلاء في قول عمر: "متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا". كما نلمح ذات التوجه في قصة ربعي بن عامر مع رستم ببلاد الفرس، حين سأله رستم عن دوافع مجيء العرب لقتال الفرس؟ فأجابه ربعي: "جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد، إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة" الحرية إذن هي فريضة وواجب والتزام وتكليف قبل أن تكون حقًّا، والمسئولية عن نشرها وتوفيرها وحمايتها يدخل ضمن هذا التكليف للإنسان المكلّف، وقد مثّل ذلك سياج الحركة والدعوة ومناط التوحيد الحق للصحابة والتابعين. وقد ورد في كتب الحديث الصحاح أن الرسول أخذ البيعة من النساء على أن لا يشركن بالله شيئاً، ولا يقتلن أولادهن،ولا يزنين..." فقالت هند بنت عتبة مخاطبة الرسو ل باستغراب: أو تزني الحرة يا رسول الله!" والحرية أصل مركوز في فطرة الإنسان، وجعلها الله تعالى مناط الابتلاء، كما جعل العقل مناط التكليف، فالله عز وجل الذي خلق الإنسان وكونه أراده عاقلاً حراً، ثم أناط به الخلافة في الأرض وإعمارها وفق منهج تشريعي عبادي متسق مع نواميس الكون وحركة الموجودات. فقد خلق الله الإنسان بهذا التكوين الفريد المقصود، من أجل إعداده للقيام بالغاية والمهمة التي أرادها الله عز وجل.قال تعالى:لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم،(التين: 4) وهذا التقويم الإنساني المعجز ما زال محل دراسة وبحث، واختلفت النظريات وتعددت في فهمه وتحليل مكنونه، وما زالت بعض تكوينات الإنسان محل غموض وعدم إدراك رغم التقدم العلمي الذي نشهده." وقال تعالى: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ،َمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً.(الإسراء: 85) وعليه فإن لله جل وعلا ، لم يخلق الخلق عبثاً، ولم يتركه هملاً، ولكنه خلقه لغاية عظمى، وهدف سام نبيل، خلقه لعبادته، وعمارة الأرض بالحق والعدل، قال تعالى(وَمَاخَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ). وأرسل لهم الرسل لتدلهم على الحق، وتبين لهم طريق الخير من الشر، ولكي تتحقق هذه الغاية من الخلق، فإن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون المجال أمام الإنسان مفتوحاً: للإيمان أوالكفر،وللحركة أو السكون، وللعمل أو القعود، وللطاعة أو المعصية، وللعبادة أو الامتناع، وهذا كله لا يمكن أن يتحقق إلاإذا وجدت حرية تمكن الإنسان من التحرك خلالها إلى الوجهة التي يرومها، ويقتنع بها. وإذا كان الكون خلق لغاية وليس عبثًا، والإنسان كائن مكلف، والعقل هو مناط التكليف، ومن شروط قبول الإنسان ذلك التكليف الحرية والاستطاعة والطاعة، مجال الحرية للإنسان هو في العمل وفقًا لمتطلبات هذا التكليف أو ترك العمل بها وتحمل مسئولية هذا الاختيار بتقديم مشيئته في الكفر على مشيئة الله في استخلافه وتكليفه وتحمل عواقب ذلك في الدنيا والآخرة.. فأمر التكليف للإنسان محسوم في الآية 6 من سورة الانشقاق {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ}. والإنسان المكلف العاقل السميع البصير حر في العمل وفقًا للتكليف، أو لـه غير ذلك {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ} ( الآيات 8-10 من سورة البلد). إن حرية الإنسان في المنظور الإسلامي أتم واكمل واروع بكثير مما صور ضدها إن حرية الإنسان في الرؤية الإسلامية هي فريضة اجتماعية، وتكليف إلهي، تتأسس عليها أمانة المسؤولية ورسالة الاستخلاف ـ استخلاف الله للإنسان في الأرض ـ التي هي جماع المقاصد الإلهية من خلق الإنسان... فالحرية: هي الإباحة التي تمكن الإنسان من الفعل المعبر عن أرادته في أي ميدان من ميادين الفعل أو الترك، وبأي لون من ألوان التعبير..). وبهذا المعنى يصبح من واجب الإنسان المكلّف لا السعي للحصول على الحرية، والمحافظة عليها، والدفاع عنها، وألا يسمح لنفسه أو لغيره بالافتئات عليها فحسب، بل إن عليه أيضًا إلزاما وواجبًا بالدفاع عن حق الآخر في الحصول على الفرصة العادلة للتعرف على ملامح الحرية، وأن يوفر لـه المناخ المناسب لممارستها، وتذوق نتائجها وآثارها، وما فُرض الجهاد إلا لذلك الهدف، تحرير الناس من الهيمنة على العقول والمقادير من قبل السلطة الباغية المستبدة، ثم بعدها من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. القفزة هائلة والبون شاسع بين مفهوم الحق السلبي أو العاطل، ومفهوم التكليف والواجب الإيجابي الحي والفاعل والديناميكي. إذن فالحرية وفق المنظور الإسلامي هي تكليف إلهي يقع من جانبين هما: الجانب الأول: جانب الفرد ذاته فلا يحق للإنسان التنازل عن أسباب حريته. فقد ورد في هذا الشأن قول أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب: (لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حراً). الجانب الثاني: الحرية الاجتماعية: حيث تجاوزت الحرية في النظرة الإسلامية نطاق الفرد ـ أي الحرية الفردية ـ إلى النطاق الاجتماعي ـ أي الحرية الاجتماعية ـ للأمم والجماعات. ففي سلم الأولويات في الإسلام تحتل الحرية مقاماً متقدماً جداً، بل أكثر من ذلك عد الإسلام الحرية بمثابة الحياة في حين عد الرق الذي هو ضد الحرية موتاً وهذا ما يستفاد من تفسير قوله تعالى: ( ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة). فقد ورد في بعض التفاسير (أن القاتل حين اخرج نفساً مؤمنة من جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفسها في جملة الأحرار، لان إطلاقها من قيد الرق كإحيائها من قبل أن الرقيق ملحق بالأموات). إن الحرية هي ضد العبودية، والرق، والتملك، وتحكم الإنسان وتسلطه على غيره، وتتسع الكلمات لتشمل: تخلص الإنسان من كل تسلط عليه بغير حق: من سلطة جائرة، أو قوة قاهرة.. سواء أكان تسلط بشر، أم دنيا، أو شهوة، أم هوى. فالرق الحقيقي هو الإنسان الذي يسير وفق أهواء نفسه وشهواتها فإنها ولا شك سوف تقوده إلى الرتبة التي يصبح فيها خطراً على نفسه بالدرجة الأولى ثم يعود خطره على المجتمع ككل. فقد ورد في الأخبار الكثير الذي يصف الإنسان بكونه فاقداً للحرية فيما لو خضع لسلطان شهواته[8] من قبيل: (عبد الشهوة أذل من عبد الرق) و(مغلوب الشهوة أذل من مملوك الرق) و(عبد الشهوة أسير لا ينفك أسره). وهذا التصور ليس مقصوراً على الفكر الإسلامي حيث يقول "اسبينوزا" الفيلسوف الأوربي: (ثمة من يظن الحرية والقوة في قدرته على اتباع هوى نفسه وأن في اعتباره التمسك بالأخلاق والفضائل ضرباً من القيد والأسر، غافلاً عن اتباع أهواء النفس هو الأسر والعبودية إن طريق الخلاص يكمن في أن نرى العبودية ضعة، فنشيح عنها بوجوهنا، وأن نلتفت إلى الحقيقة ونسعد بها، وبديهي أن بلوغ هذا المقام ليس سهلاً يسيراً). فـوفق التصور الاسلامي فإن حرية الانسان هي ثمرة عبودية وحيدة يرتبط بموجبها الانسان بالله المصدر الأول للكون والحياة. ولما كان الانسان موضوعاً خصباً لأشكال لا تنتهي من (العبوديات) المختلفة، تعرض وما زال يتعرض لها منذ أقدم العصور البشرية حتى عصرنا وسوف يستمر هذا التعرض ما دامت الحياة قائمة، ولما كانت مقاومة الانسان لكل شكل من أشكال العبودية (في دوائرها الكونية الطبيعية أو الاجتماعية) سوف تفضي إلى عبودية جديدة، فقط ربط الاسلام (والاسلام بهذا اللحاظ يشمل سائر ديانات التوحيد) سعي الانسان لامتلاك الحرية بعقيدة التوحيد وبالدعوة إلى عبادة الله والعبودية له بما يعني نفي كل أشكال العبوديات الأخرى. من هنا تصبح عبادة الله هي الوجه الآخر لحرية الانسان، بل هي الحرية نفسها ولا شيء سواها، لأنها تحرر الانسان من كل عبودية نسبية، ولا تضع في طريق حرية الانسان حدوداً، بل تجعل من المطلق ـ الله ـ هدفاً لحرية الانسان. وفق هذا التصور لمفهوم الحرية، وهو تصور يدخل في نسيج العقيدة الاسلامية نفسها، ليس بوسع الاسلام أن يقدم تصوره للمجتمع والمجتمع السياسي بما يتنافى مع عقيدته نفسها، إذ لابد للمجتمع الاسلامي أن يجسد في آن واحد: عبودية الله وحرية الانسان). والحرية لا تعني الانفلات من الضوابط الأخلاقية والانسانية[9]، وإنما تعني امتلاك القدرة على التعرف والاختيار وفقاً لقواعد عقلية أو ضوابط شرعية. فهي تتجه إلى الكمال وليس إلى التخريب، وإلى الانسجام ونواميس الكون والمجتمع وليس للخروج عنهما. فحرية الانسان كما يراها الاسلام، هي في وعيه بالفطرة التي فطر عليها، وفي تشغيل قواه الفطرية في معرفة الحقيقة في آيات الله تعالى طلباً لمعرفة الله والاسلام له وحده تعالى، ومن المنظور تحرره من تعظيم ما يعظمه البشر بمعرفته كما هو في حقيقته، وتوجهه إلى الله بالمعرفة وبالتعبد له تعالى. فالحرية ليست ضد الأخلاق، وإنما هي صنوها وهي أس الأخلاق الاجتماعية، وهي مع القوانين والضوابط المنسجمة وفطرة الانسان ووجدانه، وهي شرط تحقيق المجتمع التاريخي ومحرك الفعل الحضاري، وهي أساس استقلال المجتمع كونه سيداً على نفسه ومصائره المتعددة. مع تعدد المذاهب في تعريف الحرية بما لا يتسع المجال لاستقصائه، ومع اختلاف الآراء وتباينها تبايناً شديداً في تحديد مصطلح منضبط للحرية ، فإن الملاحظ أن مفاهيم الحرية الوضعية كلها خارجية تتوخى أبعاد أنواع من العوائق والعوارض فعلى سبيل المثال ورد في إعلان حقوق الإنسان الصادر عام 1789: "الحرية هي حق الفرد في أن يفعل ما لا يضر بالآخرين." وعرفها لوك (Locke) بأنها: الحق في فعل أي شيء تسمح به القوانين." إن الحريات الوضعية كلها خارجية تتوخى أبعاد أنواع من العوائق والعوارض الخارجية، أو التخلص من أنواع من القيود تقيد الإنسان من خارجه طبيعة أن القانون الوضعي كله لا علاقة له بداخل الإنسان، وأن ممارسة الحريات الوضعية لا تكون إلا في صور تصرفات وقائع خارجية قولية أو فعليه. أما صدق ممارسة الناس لهذه الحريات، وصدق احترام الحكام لها فمسألة باطنية داخلية زائدة على معناها، وهو ما يجعلها في نظر المسلم الصادق مجالاً سهلاً للزيف والدجل. ثم إنها مع كونها ضمانات هي قيم اجتماعية، وقوتها كضمانات تتركز في كونها قيماً، وهي كقيم ليست ثابتة المنزلة ولا المكانة في تقدير الناس، بل مكانتها عرضة للتدهور مع الزمن، وقد غلبتها قيم ومفاهيم أخرى . وربما كان تصور الإسلام للمعنى الكلي الذي تشير إليه كلمة الحرية في العصر الحديث أكثر عمقاً وأصلح لقيمة هذا المعنى ومكانته إذ يبدو أن في أساس فكرة الحرية تكمن ثورة قلب الآدمي على الذل، وأن استيقاظ الشعور بالذل والقهر ليس إلا الوجه الآخر للشعور بالحرية والرغبة في الحصول عليها، فالحرية من هذه الناحية هلي الحالة التي يجد فيها الإنسان نفسه غير ذليل، الحالة التي لا يشعر فيها بالامتهان وهو أن القدر. وفكرة الكرامة متداخلة تداخلاً كاملاً عميقاً في فكرة الحرية ومختلطة بها إلى أقصى حد، وهذا يضع قضية الحرية في مكانها الصحيح في ميدان المشاعر والعواطف أكثر منها في ميدان المعقولات والمصالح التي يدبرها العقل، فلا يثير القيد أو الإلزام مشكلة للحرية إلا إذا اعتبره الإنسان محطا، أي أحس معه بالهوان والذل. كذلك الشأن بالنسبة لأي فارق أو تمييز بين البشر لا يشعر الناس بثقله إلا إذا ترجم إلى نتائج وتصرفات يعتبرها الناس مذلة أو مهينة، فيتحرك فيهم الشوق إلى التخلص من الفارق أو التمييز، وتوجد إذ ذاك قضية من قضايا الحرية. فالحرية تبدأ وتنتهي في دائرة الشعور ألا وإن هم الإسلام الأول هو توفير الحرية الداخلية النفسية للمسلم بتحريره من ضغط الرغبات والمطامع، وما تجلبه عليه من حاجات ومخاوف، وتخليصه من الاستعباد الروحي والنفسي الذي يحدث له من طغيانها وسيطرتها على فكره وسلوكهوتحكمها فيهما وفي مصيره، لأن تزعزع هذه الحرية الداخلية النفسية وضياعها مقدمة ضرورية لكل شر وضلال، وما من ظالم إلا وأداته إنسان تستعبده مطامعه وشهواته، وما من استبداد أو طغيان اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي يمكن أن يوجد إلا إذا كانت الناس قد فقدت حريتها الداخلية وصارت ناضجة كلي تستعبد أيضاً من خارجها. والشعور بالحرية الداخلية شعور مليء بالوقار والطمأنينة لا يعكس الظروف الخارجية، وإنما يرتسم فيه إيمان المسلم وسيطرته على نفسه وضبطه لها، وإحساسه بتأييد الله عز وجل، وبالقوة والرضا اللتين يولدهما ذلك عنده، فالمسلم الصادق يكون حراً وهو سجون، وحراً وهو فقير، وحراً وهو مغمور حرية أعمق وأشد من حرية الكثيرين من الطلقاء والسادة والأغنياء وذوي الجاه المشهورين. وهذه الحرية تجلب له سعادة، وغالباً ما تصونه عن الحقد وتملؤه بالهدوء، وهي تصونه دائماً عن أن يظلم أوأن يعين ظالماً، وتمنعه عن إفساد حياة الناس أو المشاركة مع غيره في إفسادها، وهذا وحده خير عظيم وعلى الرغم من هذا الفهم المتميز للحرية يلاحظ إن الفكر الوارد إلينا من خلال التاريخ الإسلامي قد شابه القصور الشديد في اتجاه التنظير للحرية، نتيجة لأسباب عديدة على رأسها الاستبداد السياسي الطويل الذي بدأ بمقتل الخليفة علي بن أبي طالب –-، وقد دفع هذا الاستبداد معظم العلماء والمفكرين المسلمين تاريخيًّا، بسبب الظروف السياسية إلى صرف جهودهم في استنباط الحكم التشريعي من الآيات، دون الوقوف عند الأهداف الكثيرة التي جاءت الآيات من أجلها، وأُنزلت للفت النظر إليها، وإدراك أبعادها، والتزامها في الحياة، فجعلوا الآيات موضوع الدراسة هي آيات الأحكام حتى يتم حفظ الدين للأمة في معاشها دون صرف جهد كافٍ لآيات السنن وشروط البناء الحضاري ومقومات القيام بأعباء الاستخلاف الإنساني. وبقيت آيات القرآن العديدة حول الاستخلاف والتوحيد وعلاقتهما بالإنسان وتحريره وفلسفة السنن الاجتماعية في قصص الأنبياء تتلى في العبادة فحسب. حتى الآيات التي وردت لتبين أسباب سقوط الأمم وانهيار الحضارات ليأخذ المسلمون حذرهم، فلا تتسرب إليهم إصابات الأمم السابقة وعللها، جعلوها دليلاً على تميز الأمة الإسلامية وكأنها مبرأة من أن تسري عليها تلك السنن إن هي تولت وأهدرت العدل والحرية والمساواة. أما عن تعريف الحرّية في الفقه الإسلامي حديثاً، فيمكن الوقوف على تعريف الدريني الذي يقول فيه: "الحرية هي المكنة العامة التي قررها الشارع للأفراد على السواء، تمكيناً لهم من التصرف على خيرة من أمرهم دون الإضرار بالغير." مستنداً على تعريف الفقهاء لمعنى الإباحة التي تقوم في أصل تشريعها على التخيير بين الفعل والترك. وثمة تعريف آخر يربط الحرية بمنظومة الحقوق والواجبات فيرى أن الحرية هي ما وهبه الله للإنسان من مكنة التصرف لاستيفاء حقه وأداء واجبه دون تعسف أو اعتداء. ويمكن القول بشكل عام أنه يقصد بالحرية قدرة الإنسان على فعل الشيء أوتركه بإرادته الذاتية وهي ملكة خاصة يتمتع بها كل إنسان عاقل ويصدر بها أفعاله ،بعيداً عن سيطرة الآخرين لأنه ليس مملوكاً لأحد لا في نفسه ولا في بلده ولا في قومه ولا في أمته. فالحرية في الفقه الإسلامي تعني: أن يكون الفرد قادرا على التصرف في شؤون نفسه، وفى كل ما يتعلق بذاته آمنا من الاعتداء على نفسه أو عرضه أو ماله أو أى حق من حقوقه. تحديد مفهوم الحرية الشخصية أما مفهوم الحرية الشخصية فهو مفهوم مركب بإضافة الحرية إلى نطاق محدد هو النطاق الشخصي ومن ثم فإن محاولة تحديد مفهومها وما تنطوي عليه من أبعاد يقتضي تحديد خريطة مفهوم الحرية وموقع الحرية الشخصية فيها من ناحية وتمييزها مفهوم الحرية الشخصية إزاء المفاهيم المقابلة كالحريات العامة. خريطة مفهوم الحرية يصنف البعض الحرية إلى نوعين: - الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية - الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية وتشمل الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية: أ - الحرية الشخصية والمقصود بها أن يكون الإنسان قادراً على التصرف في شئون نفسه، وفي كل ما يتعلق بذاته، آمناً من الاعتداء عليه، في نفسه وعرضه وماله، على ألا يكون في تصرفه عدوان على غيره. والحرية الشخصية تتضمن أمرين: 1) حرمة الذات: وقد عنى الإسلام بتقرير كرامة الإنسان ، وعلو منزلته. فأوصى باحترامه وعدم امتهانه واحتقاره ، قال تعالى:(ولقد كرمنا بني آدم) ، وقال تعالى:(وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) وميزه بالعقل والتفكير تكريماً له وتعظيماً لشأنه وتفضيلاً له على سائر مخلوقاته، وبذلك يضع الإسلام الإنسان في أعلى منزلة، وأسمى مكان حتى أنه يعتبر الاعتداء عليه اعتداء على المجتمع كله، والرعاية له رعاية للمجتمع كله ، قال تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض ، فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً). وتقرير الكرامة الإنسانية للفرد،يتحقق أياً كان الشخص، رجلاً أو امراة، حاكماً أو محكوماً، فهو حق ثابت لكل إنسان، من غير نظر إلى لون أو جنس أو دين. هذا و كما حرص الإسلام على احترام الإنسان حياً، فقد أمر بالمحافظة على كرامته ميتاً، فمنع التمثيل بجثته، و ألزم تجهيزه و مواراته. 2) تأمين الذات: بضمان سلامة الفرد و أمنة في نفسه و عرضه وماله: فلا يجوز التعرض له بقتل أو جرح، أو أي شكل من أشكال الاعتداء، سواء كان على البدن كالضرب و السجن و نحوه، أو على النفس و الضمير كالسب أو الشتم و الازدراء و الانتقاص وسوء الظن و نحوه، و لهذا قرر الإسلام زواجر و عقوبات، تكفل حماية الإنسان و وقايته من كل ضرر أو اعتداء يقع عليه، ليتسنى له ممارسة حقه في الحرية الشخصية. وكلما كان الاعتداء قوياً كان الزجر أشد، ففي الاعتداء على النفس بالقتل و جب القصاص، كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى)، أو كان الاعتداء على الجوارح بالقطع و جب القصاص أيضاً كما قال تعالى: (و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين بالعين و الأنف بالأنف والأذن بالأذن و السن بالسن و الجروح قصاص) و منع عمر بن الخطاب – – الولاة من أن يضربوا أحداً إلا أن يكون بحكم قاض عادل، كما أمر بضرب الولاة الذين يخالفون ذلك بمقدار ما ضربوا رعاياهم بل إنه في سبيل ذلك منع الولاة من أن يسبوا أحداً من الرعية، ووضع عقوبة على من يخالف ذلك. ب-حرية التنقل (الغدو و الرواح ) ج-حرية المأوى و المسكن د-حرية التملك هـ- حرية العمل أما الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية فتشمل : أ-حرية الاعتقاد ب- ممارسة الشعائر الدينية ج-حرية التعلم د- الحرية السياسية ويعيب هذا التقسيم عدم اتساقه مع المعيار الذي يستند إليه فلاشك أن الحرية الشخصية حرية الاختيار في المجال الخاص للفرد يمكن أن يكون محلها أموراً معنويةكما أنها تقتضي حماية الإنسان من الامتهان المعنوي بالتجسس أو الاغتياب فلايمكن اعتبارها حرية مادية فقط والواقع إن هذا التقسيم يمكن النظر إليه على أنه تقسيم لحريات سلبية تقتضي عدم إتيان فعل أو التدخل بعمل وحريات إيجابية تقتضي التمكين من نشاط أو عمل ومن ناحية أخرى فإن هذا التقسيم يخلط بين مفهوم الحرية والحقوق التي تترتب على الإقرار به وهما أمران متمايزان وإن كانا متداخلين. ومثل هذا التقسيم تقسيم آخر يقسم الحريات إلى حريات فردية مادية وحريات فردية معنوية[12] لكن هذه الأخيرة تتسع لتشمل: - سلامة البدن - حرية العقيدة - الأمن - حرية الآراء - الملكية والصناعة والتجارة - حرية الاجتماع - حرمة المسكن - حرية الصحافة - سرية المراسلات - التعليم - تكوين الجمعيات ويرى آخر أن الاسلام أعطى الفرد العديد من الحقوق التي يمكن ردها إلى أمرين عامين: الأول الحرية الشخصية، والثاني المساواة بين الأفراد في الحقوق المدنية والسياسية. فالمراد من الحرية الشخصية أن يكون الشخص قادراً على التصرف في شؤون نفسه وفي كل ما يتعلق بذاته، آمناً من الاعتداء عليه في نفس أو عرض أو مال أو مأوى أو أي حق من حقوقه، على أن لا يكون في تصرفه عدوان على غيره. ومن هذا التعريف يتبين أن الحرية الشخصية تتحقق بتحقق أمور؛ وأنها معنى مكون من حريات عدة وهي: حرية الذات، وحرية المأوى، وحرية الملك، وحرية الاعتقاد، وحرية الرأي، وحرية التعليم. ففي تأمين الفرد على هذه الحريات كفالة لحريته الشخصية، وهذا ما قرره الإسلام في شأن هذه الحريات. فبالنسبة لحرية الذات يقصر التشريع الإسلامي الجريمة على مخالفة حدود الله، ويمتنع تشريع العقوبات بالرأي والقياس كفالة للحرية الفردية وتأمين من الاعتداء على الذات. وجميع ما في كتاب الله وسُنة رسوله، من النهي عن الظلم والإيذاء للمسلم والذمّي، يؤيد حرية الذات وأمان الإنسان من أذى غيره أما حرية المأوى فإن في أحكام الإسلام ما يكفل هذه الحرية. فإن النفي والإبعاد عقوبة لم يذكرها القرآن الكريم إلاّ جزاء للذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً. قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَآؤُ الذَّينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَونَ فِي الأَرضِ فَسَاداً أن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهمْ وأَرجُلُهُم مِّنْ خِلاَفٍ أَو يُنفَوا مِنَ الأَرضِ ذَلِكَ خِزيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الأَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ). وفي القرآن الكريم والسنة تقرير حرمة المسكن قال تعالى: (يا أَيُّها الذَّينَ أَمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرونَ، فإِن لَّم تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ، وَإِن قِيَل لَكُمْ ارْجِعُوا فَارجِعُوا، هُوَ أَزْكَى لَكُمْ، واَللهُ بِمَا تَعْمَلونَ عَلِيمٌ). وقال عليه الصلاة والسلام ما معناه: إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع وبرغم أن هذا التعريف والتقسيم لا يسلم من الانتقاد الموجه للتقسيم الأول فإن خطى خطوة متقدمة بتمييزه بين حريات تنتمي للجال الخاص وحريات تتعلق بالمجال العام أو حريات عامة وهو ما يظهر أيضاً في الرأي القائل بأن مفهوم الحرية يمكن النظر إليه من جانبين وبذلك ينشأ – وفق هذا الرأي - نوعان من الحريات ينضوي تحت كل منها أصناف: 1ـ فمرة ينظر إليها على أنها قيود توضع إزاء الحكام تحول بينهم وبين التجاوز على حقوق المحكومين وينقسم هذا النوع من الحريات إلى ثلاثة أصناف هما: أ: الحريات الشخصية أو المدنية: وهي الحريات التي (تكفل للفرد حماية الذات والضمانات ضد التوقيف التعسفي، ومن أمثلة هذا الصنف: حرية السكن وحرمته، وحرية المراسلات. كما تدخل فيها الحريات العائلية). ب: الحريات الاقتصادية: وتشمل: حق الملكية، وحرية العمل، وحرية التجارة الصناعة...الخ. ج: الحريات الفكرية: وتشمل: الحريات الفلسفية، والدينية، والفنية، والأدبية. 2ـ ومرة أخرى ينظر إلى الحرية من جهة توفرها في الفرد، واثر هذه الحرية في المجتمع ويمكن التعبير عنها باسم: حريات المعارضة: ويشمل هذا النوع من الحريات: حرية الرأي، وحرية الصحافة والطباعة، وحق الاجتماع والتظاهر وحق تأليف الجمعيات. فهذا التقسيم يتضمن الإقرار بوجود دائرة خاصة للفرد يمارس فيها حرية الخيارات الشخصية متمايزة عن المجال العام وهو ما تشير إليه التعريفات الأخرى بصورة أو بأخرى ومن ثم فإن تعريف الحرية الشخصية كأحد مكونات مفهوم الحرية لا يقتصر على تحديد مفردات ممارسة هذه الحرية بل بمحاولة تحديد المجال الخاص بممارسة هذه الحرية تحديداً لابد أن يتسم بالحركية والجدلية فلبيس هناك ما هو خاص بشكل خالص وما هو عام بشكل خالص بل يمكن اعتماد القاعدة الفقهية الأمر بما غلب عليه والأخذ في الاعتبار الدلالات الاجتماعية لما هو شخصي أحياناً كما أن خطوط التفاعل بين ماهو شخصي وما هو عام متغيرة باختلاف الزمان والمكان فحتى في الحضارة الغربية التي تعتبر السياسة مقصورة على المجال العام يرفع مفكرو ما بعد الحداثة والنسوية شعار ما هو شخصي هو سياسي (بمعنى أنه عام). منتهى القول إن الإسلام حمى مجالاً خاصاً للفرد يمارس فيه خياراته الشخصية التي تقع في دائرة الإباحة والعفو والتي تقع تحت مظلة كليات العقيدة والشريعة. وقد حرص الإسلام في مصدريه الأصليين قرآنا وسنة على إقرار الحرية الشخصية في جانبها السلب والإيجابي فوضع سياجاً يحمي ممارستها من التدخل الضار فجاء النهي صريحا من قبل الشارع عن التجسس والذي من شأنه تتبع العورات وانتهاك حرمات الأفراد والتعدي على أسرارهم وكرامتهم فيقول المولى سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا..". –الحجرات: 12 فهذه الآية الكريمة تقيم سياجا قويا حول حريات الأشخاص وحرياتهم فلا تُمس من قريب أو بعيد تحت أي ذريعة أو ستار، حيث نهت عن تتبع عورات المسلمين بغية الظهور على عيوبهم، فللناس حرماتهم وكرامتهم وأسرارهم التي لا يباح للغير انتهاكها أو المساس بها. وجاءت السنة النبوية المطهرة وأكدت حرص الشارع على صيانة حرمة الحياة الخاصة للفرد فقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا" متفق عليه. ويتوعد النبي – صلى الله عليه وسلم – أولئك الذين يتتبعون عورات الناس ويبحثون عن معايبهم فيقول صلوات ربي وسلامه عليه: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني.كما روي عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: " لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح) –متفق عليه -. ويتوعد - صلى الله عليه وسلم – من يتجسس عن طريق استراق السمع فحسب بالوعيد الشديد فيقول صلى الله عليه وسلم: " من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنيه الآنك يوم القيامة" صححه الألباني في مشكاة المصابيح. وروي أيضا أنه أتى إلى ابن مسعود رجل فقال هذا فلان تقطر لحيته خمرا، فقال عبد الله: "إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به" رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني. فالنهي الوارد في الآية القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة الوارد ذكرها يفيد تحريم التجسس بوجه عام سواء كان واقعا من فرد على فرد أو من السلطة العامة على الأفراد. كما يحظر التجسس آيا كان صورته فيستوي أن يتم بالرؤية وهو ما يسمى باستراق البصر أو بالسمع أو بالتقاط الصورة. وتبلغ الشريعة الإسلامية مبلغا عظيما حين تحافظ على حرمات الأشخاص وكرامتهم وحرياتهم وتمنع التجسس عنهم حتى لو كان هذا التجسس يرمي إلى تحقيق غاية مشروعة، فالمجتمع الإسلامي الرفيع يجب أن يعيش الناس فيه آمنين على أنفسهم وبيوتهم وعوراتهم وأسرارهم ولا يوجد مبرر مهما يكن لانتهاك حرمات الأنفس والبيوت والأسرار والعورات، حتى ذريعة تتبع الجريمة لا تصلح في النظام الإسلامي ذريعة للتجسس على الناس، ما لم يجاهر المرء بالمعصية، فالمجاهر بمعصيته لا يحرم التجسس عليه لأنه قد ألقى جلباب الحياء عن وجهه وفي هذا يقول الفقهاء: "اللصوص وقطع الطريق أرى أن يطلبوا في مظانهم ويعان عليهم. وطلبهم لا يكون إلا بالتجسس عليهم وتتبع أخبارهم" – تبصرة الحكام لابن فرحون ج2 ص: 186 وما بعدها -. أما في الجانب الإيجابي فقد تواترت السنة الفعلية على عدم التزام المسلم بشكل معين من أشكال الزي أو المأكل أو العادات المتبعة في تفاصيل الحياة مما يقع في منطقة الإباحة والعفو وهي منطقة واسعة غير محدودة بخلاف منطقة الأمر والنهي بل هي الأصل والأساس فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لبس العديد من أنواع الزي المعروفة في عصره وكان لا يأكل بعض المباحات وكان له عادات خاصة به صلى الله عليه وسلم بل وآراء واجتهادات في وسائل الحياة العملية اختيارية غير ملزمة لكنه استحسنها كنوع من الحرية الشخصية. إن التسليم بوجود هذا المجال الشخصي يلتقي بحق هام من حقوق الإنسان هو الحق في الخصوصية وللأسف فإن الفقه الإسلامي وإن استفاض في بيان بعض تطبقلت هذا الحق ومعناها وضمانتها فإنه لم يبلور نظرية كاملة بصدده وبالأخص فيما استجد من تطبيقاته وإشكالياته لذلك قد يكزن من الفيد تتبع الاتجاهات الحالية في التعريف بهذا الحق وبيان تطبيقاته في علاقاته بمفهوم الحرية الشخصية. ولعل أول ما يلفت النظر بالنسبة لهذا الحق أه لا يوجد تعريف واحد لهذا الحق و لا حتى عدد محدود من التعريفات ويعود هذا أن لفظة الخصوصية قد يكون لها مضمون انفعالى جوهرى في كثير من لأشياء التي نشعر نحن بالحاجة إلى الحفاظ عليها بعيدا عن معرفةالآخرين واطلاعهم، أو الأشياء التي تتعلق بالسلوك، والتي قد تكون في حد ذاتها غير منطقية، وهذا يختلف من شخص إلى آخر فقد تبدو الحالة مماتنضوى تحت نطاق الخصوصية بالنسبة لفرد معين، لكنها قد لا تكون على هذا النحو بالنسبة لفرد آخر، وذلك تبعا لكون الفرد من أولئك الذين يكتمون خصوصياتهم أو من الذين يبدون صفحاتهم للغير. - أن مجال الخصوصية محكوم بقيم وقواعد السلوك والقانون الأخلاقى لكل مجتمع وتبعا لهذا تتشكل نفسية المجتمع، وتتكون طباعه، ولا شك أن القيم الاجتماعية تختلف من مجتمع لآخر، ويترتب على ذلك اختلاف مفهوم الخصوصية من بلد إلى آخر، بل وفى البلد الواحد، فمثلا الحق في الخصوصية لقيمة اجتماعية يقوم في مواجهته في الدول الديموقراطية الحق في الإعلام وممارسة حريات وحقوق أخرى محمية، فحرية الصحافة مثلا تجد إزاءها وبقدر متساو من الأهمية قوانين لحماية المواطنين في مجتمع ديموقراطى يؤمن في الوقت ذاته بحرية تدفق المعلومات، وبما يحول دون الفساد الحكومى؛ ولذلك فإن أكبر اختبار للتوازن بين رعاية الخصوصية من جهة وبين التزامات الدولة بشأن الحقوق الأخرى من جهة ثانية هو في استمرار حفظ التوازن بين الخصوصية والقيم الدستورية الأخرى، ومن هناتتسع دائرة الخصوصية وتضيق تبعا لاختلاف المجتمعات في مدى الحرية التي يتمتع بها الأفراد أو المؤسسات الإعلامية ومدى سلطان الدول في التدخل لحفظ التوازن بين هذه الحقوق.[15] وفي ظل هذه الصعوبة لا يمكن إلا تحديد اتجاهات عامة في تعريف الحق في الخصوصية من أهمها: الاتجاه الأول: وهو الاتجاه الذي ذهب إليه الفقه الأمريكى وجانب من الفقه الفرنسى، وهو اتجاه لا يعطى تعريفا محددا للخصوصية، وإنما يحاول تبرير الاعتراف بهذا الحق وضرورة الحفاظ عليه، ويكاد يكون هناك إجماع بين أنصار هذا الاتجاه على أن حق الفرد في الخصوصية (هو حقه في العيش في عزلة ودون مضايقة من أحد بسبب هذه العزلة)، أو ما يطلق عليه حق الفرد في الخلوة. ولكن يلاحظ على هذا الاتجاه أنه يذهب إلى إطلاق الخلوة أو العزلة على الحق في اخصوصية، وهى معان متقاربة وفضفاضة وغامضة في تركيبها إضافة إلى عدم قدرتها على وضع حدود منطقية لهذا النوع من الحق، فهى لا تطرح مفهوما محددا للخصوصية بقدر ما تطرح من مبررات ومسوغات للحياة الخاصة وترصد الظواهر النفسية للإنسان، وحاجته للانسحاب والعيش في خلوة، وهى بهذا لا تقدم معيارا قانونيا حاسم. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الاتجاه يقدم ميزة خاصة في تحديد معنى الخصوصية تتمثل في أن الخصوصية تفترض مسبقا عدم العلانية، وهذا ما تشير إليه وتؤيده فكرة الخلوة أوالعزلة. الاتجاه الثاني: وهو الاتجاه الذي يعتمد على التعداد غالبا في تعريف الخصوصية، فعلى سبيل المثال نجد البروفيسور ALANWESTIN قد عرف الخصوصية بأنها (مطلب لأفرادوالجماعات والهيئات ليقرروا بأنفسهم إلى أى مدى تتاح المعلومات عنهم، والتي تنتقل إلى الآخرين)[17]، ثم يحلل مفهوم الخصوصية إلى أربعة محاور: (الخلوة، الألفة، الغفلية، التحفظ)، وهذا التعريف، وإن كان يغطي بشكل أفضل ما تعنيه الخصوصية إلا أنه لا يغطي على الإطلاق كل ما يتصل بها. الاتجاه الثالث: وهو الاتجاه الذي يفسر الحياة الخاصة أو الخصوصية بأنها على عكس الحياة العامة، وهذا الاتجاه لا يضع حدودا فاصلة بين الحياة العامة والحياة الخاصة تأكيدالضرورة تعريف الخصوصية وفقاللتقاليد والعادات الاجتماعية لكل مجتمع ومستوى التقدم العلمى، على أن يتسم هذا التعريف بالشمولية والمرونة، وهذا بكل تأكيد يمنح القانون قدرا كافيا من المرونة للتأقلم مع معطيات الواقع الاجتماعى باستمرار. في عام 1890 ذهب قاضي المحكمة الامريكية العليا LOUIS BRANDEIS إلى ان الخصوصية هي الحق في ان يترك الشخص ليكون وحيدا ولهذا فان الخصوصية تعدو أهم سمة من سمات الحرية في المجتمع الديمقراطي . وتمسك القاضي المذكور بوجوب ان ينظم الحق في الخصوصية ضمن الدساتير . وفي مقالته تحت عنوان ( Privacy and Freedom ) عام 1967 عرف Alan Westin الخصوصية بأنها رغبة الافراد في الاختيار الحر للالية التي يعبرون فيها عن انفسهم ورغباتهم وتصرفاتهم للاخرين . ووفقا لـ Edward Bloustein فان الخصوصية هي الحق في حماية الشخصية وتحمي عدم الاعتداء عليها واستقلال الافراد وكرامتهم وسلامتهم أما وفقا لـ Gavison Ruth فان للخصوصية ثلاثة عناصر: - السرية Secrecy والعزلة Solitude والتخفي Anonymity ، أما لجنة CALCUTT في بريطانيا فقد قالت انه لم تتمكن من الوصول إلى تعريف كافي ومرضي للخصوصية لكنها رغم ذلك تبنت تعريفا قانونيا ضمنته تقريرها حول الخصوصية وهو ( حق الافراد في الحماية ضد التدخل في الحياة الخاصة وشؤونهم وشؤون عائلاتهم بوسائل مادية مباشرة او عن طريق نشر المعلومات عنهم ). يستخلص جانب من الفقه عناصر رئيسة للحق في الحياة الخاصة تلتقي عندها - كحد أدنى - الآراء المتباينة بشان تعريف هذا الحق ، أولها ، "اقتران الخصوصية بالانسحاب من الوسط أو العالم المحيط ، وربطها من ثم بفكرة الخلوة أو العزلة " وسندا لذلك تتمثل غاية هذا الحق - كما يحددها الأستاذ ( Kayser P. ) - بضمان السلام والسكينه لهذا الجانب المنعزل من الحياة غير المتصل بالأنشطة العامة بجعله بمنأى عن التقصي والإفشاء غير المشروعين" وثانيهما "الاعتراف للشخص بسلطة الاعتراض على التدخل أو التقصي عن خصوصياته من جهة وسلطة الاعتراض على وصول معلومات تتعلق بخصوصياته إلى الغير من جهة أخرى" يمكن تقسيم الخصوصية إلى عدد من المفاهيم المنفصلة لكنها متداخلة وترابطة معا في الوقت ذاته وهي:- 1- خصوصية المعلومات Information Privacy والتي تتضمن القواعد التي تحكم جمع وادارة البيانات الخاصة كمعلومات بطاقات الهوية والمعلومات المالية والسجلات الطبية والسجلات الحكومية وهي المحل الذي يتصل عادة بمفهوم حماية البيانات Data Protection . 2- الخصوصية الجسدية او المادية Bodily Privacy : والتي تتعلق بالحماية الجسدية للافراد ضد اية اجراءات ماسة بالنواحي المادية لاجسادهم كفحوص الجينات GENETIC TESTS ، وفحص المخدرات DRUG TESTING . 3- خصوصية الاتصالات Telecommunication Privacy والتي تغطي سرية وخصوصية المراسلات الهاتفية والبريد والبريدلالكتروني وغيرها من الاتصالات. 4- خصوصية المكان والتي تتعلق بالقواعد المنظمة للدخول إلى المنازل وبيئة العمل او الاماكن العامة والتي تتضمن التفتيش والرقابة الالكترونية والتوثق من بطاقات الهوية . إن الحق في الخصوصية باعتباره حق الفرد أن يعيش متمتعا باحترام أشياء خاصة يطويها عن غيره في العادة، وذلك بغل يد السلطة العامة، وكذلك الأفراد عن التدخل أو التعرض لهذه الأشياء إلا في الأحوال التي تقتضيها المصلحة العامة،وذلك بإذن الشارع قد تفردت الشريعة افسلامية في رعايته وحمايته ولعل من أبرز تطبيقات الحق في الخصوصية في الفقه الإسلامي حق الفرد في حرمة مسكنه والعيش فيه آمنا من تطفل الآخرين عليهعلى النحو المشار إليه آنفاً يقول الماوردى: وأما ما ينكر من الحقوق المشتركة بين حقوق الله وحقوق الآدميين، وكالمنع من الإشراف على منازل الناس، ولا يلزم من علو بنائه أن يستر سطحه، وإنما يلزم ألا يشرف على غيره، ولذلك اعتبر الفقه الإسلامي وجود شخص في مسكن الغير دون أن يتضح قصده من الدخول، ودون أن يكون هذا الدخول برضاء صاحب الحق جريمة موجبة للتعزير، ومما لا شك فيه أن حرمة المسكن تعتبر من أبرز تطبيقات هذا الحق في القانون المعاصر. ومن تطبيقات هذا الحق النهى عن التطفل على حياة الأفراد بالمسارقة البصرية واقتحام المساكن بالنظر والاطلاع على ما يطويه الفرد عن غيره من أسرار في العادة، وقد قررت بالأحاديث الكثيرة الواردة عن النبى صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك قوله (عليه الصلاة والسلام): (من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقؤوا عينه، فلا دية ولا قصاص)، وفى الصحيحين من حديث الزهرى، أنه (اطلع رجل في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه مِدرى (بكسر الميم وإسكان الدال المهملة، وهى حديدة يسوى بها الشعر وقيل هو شبه المشط) يحك بها رأسه، فقال: لو أعلم أنك تنظرنى لطعنت بها في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل النظر). وهذه النصوص تقر حق الفرد في مقاومة الاعتداء الواقع على حياته الخاصة ودفعه؛ لأنه اعتداء على حقه في الأمن والاحتفاظ بأسراره. ومن تطبيقات هذا الحق (الحق في الخصوصية) النهى عن التجسس على الغير وتتبع عورات الآخرين وتعريتهم بأى وسيلة من وسائل التعرية، والذي قرره قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثمِ ولا تجسسوا} [الحجرات: 12] ، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم قوله: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا). وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن تتبع عورات الناس، فقد روى عنه أنه قال لمعاوية (رضى الله عنه): (إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم)، وقد فسر قتادة التجسس بأنه: تتبع، أو ابتغاء عيوب الآخرين للتطلع على أسرارهم، إضافة إلى ذلك وبالاستناد إلى هذه النصوص ذهب الفقهاء إلى القول بتحريم التجسس والتحسس أو التفتيش إلا في الأحوال المرخص بها شرعا وتحريم التجسس والتفتيش قد ترتب عليه أنه ليس لأي إنسان فردا كان أو حاكما أن يسترق السمع أو أن يتحسس ثوب الغير ليعرف ما يخفيه، والأحاديث في النهى عن التجسس وتتبع العورات كثيرة جدا ولها تطبيقات ووقائع عديدة جرت مع الخلفاء الراشدين. إضافة إلى ذلك فإن من تطبيقات هذا الحق حفظ الأسرار وعدم إفشائها، ولهذه الحرمة قدسية في الشريعة الإسلامية فقد روي عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حدث في مجلس بحديث فالتفت فهى أمانة)، وروي عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (المجالس بالأمانة إلا ثلاثة: مجالس ما سفك فيه دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطع فيه مال بغير حق). ومن تطبيقات هذا النوع من الحق (حفظ الأسرار وعدم إفشائها) حق كل من الزوجين على الآخر ألا ينقل أسراره ولا يفشيها والأصل في ذلك ما روي عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من شر الناس يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته، أو تفضى إليه ثم ينشر سرها). ومن تطبيقات (الحق في الخصوصية) أيضا حق الفرد في المحافظة على سمعته واعتباره ومعلوم أن الشريعة الإسلامية تعاقب على جريمة القذف في الأحوال التي يكون فيها رمي المجنى عليه من جنس ما يوجب الحد، أما إذا قام الجانى بتوجيه كلمات للمجنى عليه لا تصل إلى حد القذف، ولا من جنس ما يجب به القذف، ولكنه يعتبر إيذاء بأقوال أخرى تؤذى المجنى عليه وتمس كرامته مثل رميه بالفسق والزندقة ونسبته إلى غير الإسلام، أو رميه بالغباء والبلادة وإيواء اللصوص، ونحو ذلك فإن القائل في هذه الحالة يكون قد آذى المجنى عليه، ولما كان الشارع لم يحدد عقوبة لهذه الجريمة، فإن العقوبة تكون تعزيرية. يضاف إلى ما تقدم فإن الشريعة الإسلامية قد حمت خصوصيات الفرد من الناحية الإجرائية، وذلك باعتبار هذه الإجراءات جزءا مكملا للعقوبات في الفقه الإسلامي، ويتمثل ذلك في حماية سرية المراسلات، وحماية الفرد من استعمال القسوة والعنف في الاستجواب، حماية الفرد من التعسف في التفتيش، حماية الفرد من الوسائل التي تؤثر على عقل الإنسان أو تكشف عن دروب الشخصية. هذا العرض وما يظهر فيه من تكرار يشير إلى تداخل مفهوم الحرية الشخصية والحق في الخصوصية بحيث أن هذا الأخير يتصل بالمجال الذي تمارس فيه الأولى كما تكشف تطبيقات الحق في الخصوصية التخوم الممتدة بين الحرية الشخصية والإطار الاجتماعي الذي تمارس فيه فالحرية الشخصية لا تعني أن السلوك حر في فضاء غير محدد المعالم، فأي سلوك مرهون بالبيئة والمواقف المحيطة به، بل إن السلوك يكتسب دلالته مما يحيط به. إن الحديث عن حرية الفرد، يوجب إدراك أن فعله الحر يسير خلال سياق محيط وأن المساحة المتاحة للفرد، أن يتحرك فيها بحرية، هي المساحة التي لا تؤثر على حريات الآخرين لأن تنظيم الحريات شرط لممارسة الحرية،والتنظيم فاعل بأدوات عدة من خلالها يفرض الاتفاق العام للمجتمع. ويثير هذا مبدأ النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي غالباً ما يوضع في مقابلة الحرية الشخصية نظرا لطبيعة هذا المبدأ باعتباره نوعاً من الولاية فهو ليس مجرد دعوة للحض على فعل الخير وترك الشر؛ بل هو فريضة تتضمن الأمر والنهي، والأمر والنهي حقيقة لا يكون إلا ممن يقدر على الإلزام به فهي ولاية ذات قدرة ومنعة،ويستدل على هذا من قوله تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ} [آل عمران: 104] فقد فرقت الآية الكريمة بين هذا العمل وبين الدعوة إلى الخير، في سياق واحد؛ مما يدل على تغايرهما وإن كانا يعملان في دائرة واحدة،بل ويذهب البعض إلى أن جميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى مثل نيابة السلطة، والصـغرى مثل ولاية الشرطة، وولاية الحكم، أو ولاية المال، وهي ولاية الدواوين المالية وولاية الحسبة. فهل ثمة تعارض بين الحرية الشخصية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتضي هذا تحديد أبعاد مبدأ الأمر المعروف والنهي عن المننكر سواء في أبعاده النظرية أو مؤسساته التطبيقة وجوانبه العملية. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مبدأ وفريضة إسلامية وحسب بل عليه مدار الدين والدنيا فالدين كله ليس إلا أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر سواء في الاعتقاد أو العبادات أو المعاملات والأدلة على هذا من الأصلين المعتمدين القرآن الكريم والسنة كثيرة منها: - قولـه تعالى: (( وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ )) (آل عمران:104). 2- وقولـه تعالى: (( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ)) (آل عمران:110). 3- وقولـه تعالى: (( وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ )) (التوبة:71). 4- وقولـه تعالى، في وصية لقمان لابنه: ((يٰبُنَىَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلاْمُورِ )) (لقمان:17). 5- وروى أبو سعيد الخدري ، قال: سمـعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». 6- وعن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم». 7- وعن ابن مسعود ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وجليسه وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله على قلوب بعضهم»، ثم قال: (( لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ )) (المائدة:78-79) ثم قال: «كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو تقصرنه على الحق قصراً». 8- وعن أسامة بن زيد ، قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يافلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه». 9- وعن أبي سعيد الخدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوس بالطرقات» قالوا: «يارسول الله مالنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها. فقال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه»، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». 10- وعن أبي بكر الصديق ، قال: «أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية: (( يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ)) (المائدة:105)، وإنـي سمـعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه». 11- وعن تميم الداري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة»، قلنا: لمن؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامّتهم». وقد أجمع العلماء على مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ونقل الإجماع كل من ابن عبد البر والجويني وابن حزم والقرطبي، حيث قال ابن حزم: «لا خلاف بين الأمة الإسلامية على وجوبه». وعلى هذا النحو لم يكن غريباً أن يبين الإمام الغزالي أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «الإحياء" بقوله: (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طُوي بساطه وأُهمل علمُه وعملُه لتعطلت النبوة واضمحلَّتْ الديانة، وعمت الفترة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد واتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد)». كلمة ( منكر ) بضم الميم وسكون النون ، وفتح الكاف ( مُفْعَل ) مثل ( مُكرم ) اسم مفعول من ( أُنكرِ ) المبني لما لم يسم فاعله ، أي جُهِل ولم يعرف . وقد اختلفت عبارة أهل العلم في بيان حقيقة المنكر فمنهم من عرَّفه بما هو أعلى صوره ، ومنهم من عرفه ببعض صوره ومنهم من سعى لتعريف جامع له قال (( الفخر الرازي )) : رأس المنكر الكفر . فجعله رأس المنكر ، وما عداه من الكبائر دونه وداخل في المنكر . وقال الجصَّاص في (( أحكام القرآن )) : المنكر هو ما نهى الله عنه . وقال الألوسي : المنكر المعاصي التي أنكرها الشرع . وقال علي القاري: المنكر ما أنكره الشرع وكرهه ولم يرض به . وقال الراغب الأصفهاني : ( المنكر كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه ، أوتتوقف في استقباحه واستحسانه العقول ، فتحكم بقبحه الشريعة ) . ويمكن من هذا تقرير أن ( المنكر) الذي يجب على الأمة تغييره ، هو ما خالف الشرع كتاباً وسنة مخالفة قاطعة . وسواء في هذا ، أن تكون المخالفة لما أمر به الشرع إيجاباً أو لما نهى عنه تحريماً ، وسواء كانت المخالفة تركاً بالكلية ، لما أمر به الشرع أو زيادة عليه بغير نص ، أو نقصاً منه بغير عذر ، أو تغييراً فيه ، أو تبديلاً في ذاته ، أو فيما يتعلق به زماناً أو مكاناً أو كيفية أو وسيلة . فكل مغايرة ذاتيةأو عريضة فيما أمر به الشرع هي منكر ، ومثل ذلك تماماً المخالفة بالفعل لمانهى عنه ، مخالفة كلية أو غير كلية 000 إلخ وسواء في هذا ـ أيضاً ـ أن يكون الأمر أو النهي تصريحاً ، أو تلويحاً ،تفصيلاً أو إجمالا فتلك حقيقة المنكر الذي يجب على الأمة تغييره. ولذلك وهو يشترط فيه شروط أهمها :

وكل ما أدى إلى منكر محقق هو نفسه منكر وتحقيق هذا الشرط من الأمور المهمة، التي قد يتساهل فيها بعض الناس ، فإن تحقيقه على الوجه الصحيح ، لا يكون إلاّ ممن جمع بين العلم والحكمة إذ العلم يحقق له الوقوف على وجوه الدلالة في النصوص ، ووجوه اصطفاءات الأئمة ، والوقوف على دقائق العلم . والحكمة تحقق له سعة الأفق ، ونفاذ البصيرة ، إلى عقبى الأحداث ، فلا يغتر برأي فطير ، عليه مسحة من زخرف القول ، أو وهج الحماسة ، واندفاع الشبيبة ، بل يكون له من الحكمة والروية ، ما يجعله يقف على حقائق الأشياء . · أن يكون المنكر موجوداً متيقناً ، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( من رأى منكم منكراً فليغيره )) فقوله ( رأى ) دال على وجوب العلم بوقوع المنكر ، علماً محققاً ، أو بإقدام صاحبه عليه لا محالة ، كأن يتيقن أنه يدبّر لقتل آخر أو لشرب خمر 000 إلخ . وأن الشواهد والقرائن قاطعة بعزمه على إيقاعه ،فإن من المنكر ما يكون تغييره بمنعه منه ، قبل وقوعه ، بأي سبيل من سبل المنع المشروعة ، وهو في هذا يكون أقرب إلى النهي عن المنكر ، منه إلى تغييره ، فإن النهي أعم من التغيير . ويستوي في المنكر الواجب على الأمة تغييره ، أن يكون مما يتعلق بحق الله تعالى ، أو بحق أحد من عباده ، ويستوي ـ أيضاً ـ أن يكون ذلك المنكر قولاً أو فعلاً ، كبيراً أو صغيراً ، فكل ما أنكره الشرع يجب تغييره ، وإن اختلفت وسائل التغيير . وقد جاء لفظ المنكر في الحديث نكرة ، ليكون عاماً ، فإنَّ النكرة في سياق الشرط تعم ، مثلما تعم ، في سياق النفي ـ كما هو معلوم عند أهل العلم . ويستوي في هذا أن يكون هذا المنكر واقعاً من كبير أو من صغير ، ذكر أو أنثى ، فلو أن صغيراً أراد أن يقتل ، أو يشرب خمراً، أو أن يحرق ماله ، فإنه يجب منعه ، وإن كان غير مكلف ، وكذلك المجنون ، لو أقدم على منكر ، منع منه ولا سيما منكراً يتعلق بحقوق الآخرين . فلا عبرة بمن يقع منه المنكر ، بل العبرة بالمنكر نفسه وتحقق أنه منكر لا رخصة لمن يفعله فيه . ولذا جاء المفعول الثاني للفعل ( رأى ) محذوفاً ، ليدل على العموم ، فكأنه قيل: من رأى منكم منكراً واقعاً من أحد من الناس . ذلك ما يهدي إليه النصح لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدبراً وتأويلاً ، وليس صحيحاً ما ذهب إليه بعض الناظرين في الحديث من أنه مقيد بالنفس ، ومن له عليه ولاية ، فيكون التقدير من رأى منكم منكراً من نفسه ، أو أهله ، فيغيره ، فيكون التغيير محصوراً جوازه في منكر واقع من نفس المغيّر أو أهله ، الذين له عليهم ولاية. أن يكون المنكر بواحاً ظاهراً ، لا يحتاج اليقين بعلمه إلى تفتيش وتجسس ، وسواء في هذا أن يكون ظهوره بذاته ، أو بما اقترن به ، من صوت ، أو لون ، أو رائحة 000 إلخ . فكل منكر دلت عليه آياته ولوازمه ، هو من المنكر الظاهر، الذي يجب تغييره . أما إن كان المنكر خفيَّاً ، يقترف سراً ، فلا يستقيم التفتيش عنه . (( عن أبي برزة الأسلمي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمانُ قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ،ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من اتَّبع عوراتهم ، يتَّبع الله عورته ومن يتَّبع الله عورته يفضحه في بيته ). بيان التغيير : حقيقته وشروطه التغيير يقال على وجهين : ( أحدهما ) لتغيير صورة الشيء دون ذاته ( والثاني ) لتبديله بغيره ، نحو غيرت غلامي ودابتي ، إذا أبدلت بهما غيرهما . قاله الراغب في المفردات . فالأصل في التغيير استبدال شيء مرغوب فيه ، بشيء مرغوب عنه ، فهو ليس تركاً وإزالة فحسب ، بل يتبعهما إقامة غيره مقامه ، فيكون التغيير أخصّ من الإزالة ، وأخصّ من النهي عن الشيء . والحديث قد جاء بالأمر بتغيير المنكر ( فليغيره ) ، وهو أقرب إلى معنى الإزالة إن كان موجوداً قائماً ، وإلى المنع منه ، إن شارف على الوقوع ، وليس ظاهر الحديث آمراً بإزالة المنكر ، وإقامة معروف مقامه ، وإن كان يغلب تعاقب أحدهما الأخر ، فحيث غاب المنكر ، كان المعروف ، وحيث غاب المعروف ، كان المنكر . وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال : ( فليغيره ) ، يهدي إلى أن تمام الفريضة وكمالها بإقامة معروف مقام ما يزال من المنكر ، حتى لا ندع للمنكر مجالاً للعود ، فهو لم يقل: من رأى منكم منكراً فليزله ،أو فليمنعه ، وإنما فليغيره. وإذا نظرنا فيما تعلق بهذا الفعل من وسائله وآلاته ( بيده ، بلسانه ، بقلبه ) ألفينا دلالة التغيير ، تتجدد بتجدد ما تعلق بها فغير خفي ، أن التغيير باليد ليس هو التغيير باللسان ، فاللسان ليس بآلة إزالة ومنع ، بل هو سبب له ، وكذلك (القلب) ، ولكن ( اليد ) قد تكون آلة إزالة وتغيير حقيقي 00 فحقيقة تغيير المنكر ، تختلف باختلاف وسيلته ، وباختلاف المنكر الذي يقع عليه ذلك التغيير ، وباختلاف من يقوم بذلك التغييرقد ذكرنا ضرورة العلم بحقيقة المنكر المراد تغييره ، فإن الشرط هنا معرفة كيفية التغيير ،وفقاً لهدي الشريعة ، وهذا يستوجب معرفة أسباب المنكر المراد تغييره معرفة كاشفة ، ومعرفة آثاره العاجلة والآجلة في الأمة . ومعرفة ما يحيط بوجود المنكر وانتشاره في الأمة من ملابسات ، وما يعين على بقائه أو تجدده ، أو إغراء الناس بالانشغال به ، أو التلبس والتردي فيه ، أو السكوت على أهله ، أو إجلالهم ، أو الخوف من تغييره أو إنكاره . ويستوجب معرفة ما يترتب على تغييره ، بأي سبيل من آثار إيجابية ، أو سلبية ، والموازنة بين هذه الآثار ، فيما يحسن اختيار المنهج ، والزمان ، والمكان والمقدار ، الذي هو أنفع للأمة ، عنده تغييره . ويستوجب معرفة السبيل القويم ، إلى تغيير هذا المنكر ، تغييراً نافعاً ،فيختار ما هو أكثر نفعاً ، وأقل ضرراً على الأمة ، وما هو أقدر على القيام به ، وأصبر على إنفاذه . ويستوجب معرفة منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تغيير المنكر ، وفقاً لطبيعة هذا المنكر ومنزلته في الاعتداء على حق الله تعالى ، أو حق عباده ، ووفقاً لحال من يتلبس به ، وأسباب تلبسه وغايته من ذلك التلبس 000 إن القصور في معرفة شيء من ذلك ، تكون آثاره فادحة ، وإتقان معرفته تعين على حسن على القيام به . وهذه المعرفة عمل جماعي ، يتركز على الصبر والمصابرة ، والتواصي بالحق والنصيحة وحسن العزيمة ، والرغبة الجموح في إتقان العمل و أن يسلك بالتغيير منهج التدرج والحكمة والحلم والرفق ، ليكون ذلك أنجح وأنجع. وأول تلك المراحل تعريف صاحب المنكر بحكم فعله وآثاره وعواقبه في الدنيا والآخرة ، كل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة . إن أو ما بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم هو تعليم الناس الخير والسبيل إليه ، والشر والسبيل إلى الاعتصام منه ، وحث على ذلك التعلم وحمده . فإن كثيراً من العامة يقدمون على المنكر ، ويتردون فيه جهالة به وظنَّا أنه مما لا بأس به ، فإذا ما عُلَّم بالحكمة ووعظ بالحسنى ، كان أبعد عن المنكر وأنفر منه: ( وَمَنْ أحسن قولاً ممَّن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنَّني من المُسلمين ) ( فصلت : 33 ) وقد أمر الله عز وعلا أن تكون الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة : ( ادعُ إلى سبيلِ ربَّك بالحكمة والموعظة الحسنة ) ( النحل : 125 ) . ومن الدعوة إلى سبيله ، تغيير المنكر إليه تحقق العلم بنكارة ما يريد إنكاره ، عند جمهور العلماء ، فإن لم يتحقق ، وعلم أنَّ فيه اختلافاً ، ممن يوثق باختلافهم ، ويعتد به ، فإنه لا يجب عليه التغيير ، بل يكتفي بالدعوة إلى ما هو الأسمى والأرجح ، مبيناً لمن شاء وجه رجحان ما يدعو إليه . ويشترط فيه العلم بطرائق التغيير ، وأحكامها ، وآدابها ، ومن جهل شيئاً من هذا وجب عليه أن يسعى إلى من يعلمه ، ثم يقوم بالتغيير ، ولا يستكين إلى أنه لا يعلم ، فعليه أن يغير جهله بذلك ، إلى العلم به ، متى كان في قومه من يعلمه ، وقد تيسر العلم في زماننا لمن شاء . ويشترط في المغير أيضاً ، أن يكون قادراً على التغيير ، فإن عجز عن طريق ، انتقل إلى ما دونه وسعى إلى أن يرفع عن نفسه أسباب عجزه ، عن القيام بالطريق الأعلى . فإن المسلم لا يليق به أن يرضى بالدنية ، فيما يتعلق بشؤون دينه وآخرته ، وليكن حرصه على الأعلى في هذا ، لا يقل عن حرصه عليه في شؤون دنياه أما الصياغة المؤسسية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد تمثلت في مؤسسة الحسبة[20] التي نشأت عن هذا الأصل ويعرفها ابن خلدون بقوله: «هي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وقال عنها أبو يعلى: «هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله»، فهي في أصلها واجب عام على المسلمين جميعاً، أفراداً وسلطة، يدل على ذلك قوله تعالى: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ( آل عمران:110) أولاً: المعنى اللغوي للحسبة: الحسبة في اللغة: (بكسر الحاء و تسكين السين) اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد. والاحتساب مأخوذ من الحَسْب، وهو على عدة معان[21]: فالمعنى الأول: العد و الحساب، فتقول:حَسَبْت الشيء أحسبه حساباً وحسباناً:إذا عددته. ومنه قوله تعالى: (( وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً )) (الأنعام: 96) وقال تعالى: ((وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ )) (الإسراء: 12). ويندرج تحت هذا المعنى احتساب الإنسان الأجر عند الله تعالى؛ إذا عده ضمن ما يدخر عنده تعالى. والاحتساب بهذا المعنى: إما أن يكون في الأعمال الصالحة، و إما أن يكون في الأعمال المكروهة التي تنـزل بالإنسان. ففي الأعمال الصالحة، يكون بالقيام بأعمال البر على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب المرجو. وورد فيها قوله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر لـه ما تقدم من ذنبه»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً، وكان معه حتى يُصلى عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين...».. وأما في الأعمال المكروهة، فيكون بالمبادرة إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر. وورد فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث برسالة لابنته التي توفي ولدها: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلٌ عنده بأجلٍ مسمّى، فلتصبر ولتحتسب». والمحتسب يدخر الأجر عند الله تعالى على كل ما يقوم به من عمل، وما يلاقيه من نصب وتعب. وأما المعنى الثاني للحسب فهو الكفاية، فيقال: احتسب بكذا: اكتفى به ومنه قوله تعالى: (وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ) (آل عمران: 173)، وقوله تعالى: (وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً) (النساء:6).. والمحتسب يعتمد في كل أعماله على الله تعالى وحده لا شريك له. وأما المعنى الثالث للحسب فهو الإنكار، فيقال احتسب عليه: أي أنكر عليه. وتسمية الإنكار بالاحتساب من قبيل تسمية المسُبب بالسبب؛ لأن الإنكار على صاحب المنكر سبب للأمر بإزالته، وهو الاحتساب. وأما المعنى الرابع للحسب فهو التدبير، فيقال: فلان حسن الحسبة في الأمر: أي حسن التدبير لـه والنظر فيه وفق القوانين والأنظمة.. والمحتسب يقوم بتدبير خاص، وهو تدبير تطبيق الشرع الإسلامي. وهو أحسن وجوه التدبير. وأما المعنى الخامس للحسب فهو الاختبار، فيقال: النساء يحسبن ما عند الرجال، أي يختبرن ما عندهم من تصرفات.. والمحتسب ينظر في تصرفات الناس الظاهرة ويحكم عليها، ويقدم على تغيير المنكر منها بعد التحري والنظر في المآلات. فالحسبة في معناها اللغوي لا تقتصر على مجرد الإنكار على "الغير" دون النظر إلى النتائج والمآلات، وإنما تتضمن عدة عناصر جوهرية وهي: المبادرة الذاتية إلى تغيير المنكر رجاء طلب الأجر والثواب من الله تعالى، والاختبار والتحري والنظر في المآلات والنتائج، ومراعاة السياسة الحكيمة في تغيير المنكر، واعتماد المحتسب على الله تعالى ليكون خير عون له على تخطي الصعاب والعراقيل التي تعترضه. هذا بالإضافة إلى إنكار المنكر، الذي يعد عنصراً أساسياً في الحسبة. ثانياً: المعنى الاصطلاحي للحسبة: الحسبة في اصطلاح الفقهاء تطلق على عدة معان: المعنى الأول: عرفها جمهور الفقهاء - باعتبارها وظيفة دينية يُسندها الإمام للمحتسب- بأنها: «أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله»[22].. فالمعروف الذي يأمر به المحتسب المعين هو ما أمر به الشرع الإسلامي، والمنكر الذي ينهي عنه المحتسب هو ما ينهي عنه الشرع الإسلامي. وتقتصر وظيفة المحتسب على ما يظهر من الناس من منكرات من غير تجسس عليهم، وذلك بأن تكون مكشوفة للمحتسب: إما بالرؤية، أو السماع، أو النقل الموثوق، الذي يقوم مقامها، كما قال ابن تيمية: «إذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه»[23]. وأما المعنى الثاني للحسبة، فقد عرفها كل من ابن بسام وابن الإخوة - باعتبارها وظيفة دينية- بالتعريف السابق مع إضافة عبارة: «وإصلاح بين الناس» فقال ابن الإخوة في تعريفها: «أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله، وإصلاح بين الناس»[24]، وأيدا ذلك بقول الله تعالى: (( لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ)) (النساء:114)، وقـوله تعالى: ((وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا)) (الحجرات:9)، وقد لايكون هناك داع لتلك الإضافة؛ لأن الإصلاح داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال ابن الإخوة: «إن الإصلاح نهي عن البغي والفساد إلى طاعة الله». وأما المعنى الثالث للحسبة، فهو ما عرفها به أبو حامد الغزالي، وهي: «شاملة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»[25]، وقريب من هذا ما ذكره السنامي: «الحسبة في الشريعة عام تتناول كل مشروع يفعل لله تعالى، كالآذان والإقامة وأداء الشهادة مع كثرة تعدادها. ولهذا قيل: القضاء باب من أبواب الحسبة، وقيل القضاء جزء من أجزاء الاحتساب»[26]، وما ذكره الأصفهاني: «فعل ما يحتسب به عند الله تعالى». والأولى بالاعتبار المعنى الثالث للحسبة، فهي في الشريعة الإسلامية ذات معنى واسع لا تقتصر على تغييـر المنكر الظاهر، وإنما تشمل كل ما يفعل، ويراد به ابتغاء وجه الله تعالى، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدقة، والأذان، والإقامة، وأداء الشهادة، والجهاد في سبيل الله تعالى، وغير ذلك. ويؤيد ذلك: قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاء وَجْهِ رَبّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيّئَةَ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ)) (الرعد:22)، وقولـه سبحانه وتعالى: (( وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمُ ٱبْتِغَاء مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتًا مّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَأَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ )) (البقرة:265)، وقـوله: ((وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)) (البقرة:272).. فهذه الآيات تشير إلى أنه لابد أن تكون أعمال المسلمين ابتغاء وجه الله تعالى أو حسبة لـه. ويؤيد ذلك أيضاً قولـه صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة: صانعه يحتسب في صنعه الخير، والرامي به، والممد به....»]، وقوله صلى الله عليه وسلم:«إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته» وجـاء رجل إلى رسـول الله صلى الله عليه وسلم، فقـال: يا رسول الله! إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً غير مدبر، أيكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم»، وقولـه صلى الله عليه وسلم لنسوة من الأنصار: «لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد، فتحتسبه إلا دخـلت الجنة». فقالت امرأة منهن: أو اثنان يا رسول الله؟ قال: «أو اثنان»، وقد بوّب البخاري في صحيحه باباً بعنوان: «ما جاء في أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى» ويدخل فيه الإيمان والوضوء، والصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والأحكام. وذكر من الأحاديث قولـه صلى الله عليه وسلم: «إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو لـه صدقة»، وقولـه : «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها» ].. هذه الأحاديث وغيرها تدل دلالة واضحة على عموم الحسبة وشمولها، وعدم اقتصارها على نوع معين من الأحكام، وإنما تشمل جميع الأحكام. ويمكن تعريف الحسبة بناء على ذلك بما يلي: «فعالية المجتمع المسلم في القيام بأعمال البر والخير، وتغيير المنكر وفق السياسة الشرعية، حماية لمقاصد الشريعة الإسلامية».. فالأفراد في المجتمع الإسلامي يتصفون بالإيجابية والفعالية والمبادرة إلى القيام بالأعمال ابتغاء وجه الله، وطلباً للأجر والثواب في الآخرة. ولا يتوقف قيامهم بها على تحصيل الأجرة الدنيوية. فهم يحتسبون عملهم عند الله تعالى سواء حصلوا على أجر دنيوي، بأن كانوا معينين من قبل رئيس الدولة، أم لم يحصلوا، بأن كانوا متطوعين. وهم يراعون في قيامهم بأعمال الحسبة الحدود الشرعية المرسومة، والسياسة الشرعية الحكيمة، فيوازنون بين المصالح والمفاسد التي تترتب على القيام بالأعمال، ولا يقدمون عليها إلا بعد حساب دقيق للنتائج والمآلات. وهم يقصدون من القيام بتلك الأعمال حماية مقاصد الشريعة الإسلامية من ضروريات وحاجيات وتحسينيات، فيعملون على حماية الدين والنفس والعقل والعرض و المال وغير ذلك[27]. ولا تقتصر هذه الفعالية على الفرد، وإنما تتعدى إلى الجماعة والدولة، فإذا كان الأمر بالمعروف واجب على الفرد المسلم، فإنه واجب على الجماعة، حيث يتعاون عليه الأفراد في الجماعات ويتشاورون فيه لقولـه تعالى: ((وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ)) (آل عمران:104)، وقال تعالى: ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ)) (المائدة:2). أنواع الحسبة: بناء على المفهوم الواسع للحسبة، يمكن تقسيمها إلى قسمين: رسمية وتطوعية: وأما الحسبة التطوعية أو غير الرسمية «الأهلية»، فهي التي طلبتها الشريعة الإسلامية من المكلفين، لأن المسلم مكلف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهي فرض كفاية. ويطلق الفقهاء على من يقوم بهذه الحسبة: «المتطوع» [28]فهو يقوم بها من دون تعيين، ولا تولية من ولي الأمر، وإنما يستند في القيام بها على الواجب الديني الملقى على عاتقه، وهو واجب عام يرتبط بالوسع، ويؤديه كل مسلم حسب طاقته وقدرته، كما قال ابن القيم: «وهذا واجب على كل مسلم قادر، وهو فرض كفاية... فإن مناط الوجوب هو القدرة، فيجب على القادر ما لا يجب على العاجز» قال تعالى: ((فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ)) (التغابن:16)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم». إن هذا العرض يوجب إعادة النظر في المقابلة بين الحرية الشخصية ومبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الأخذ في الاعتبار نقطتين هامتين: أن كل الكتابات التقليدية عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغيير المنكر باليد انحصرت في تدمير المعازف وما يمت بصلة إلى الموسيقى وتحطيم أوانى الخمر وإلزام النساء بالنقاب والخمار الخ.. وقد استهلكت هذه المجالات الثلاثة جهود كل الكاتبين عن هذا الموضوع من الفقهاء القدامى حتى الكتاب المعاصرين، ولم يتحرك أمر بالمعروف أو إنهاء عن المنكر لمقاومة استبداد الحكام الطغاة.. ولم يفكر أحدهم في التنديد باستغلال الأغنياء للفقراء ووجود من لا يملك قوت يومه.. ومن يوجد لديه القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، ولم يثر ثائر على الجهالة والأمية في حين أن أول كلمة في الإسلام كانت اقرأ.. وأن رسالة الإسلام كانت إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وأنه عندما أراد أن يصم العهد السابق عليه أطلق "الجاهلية". النقطة الثانية أن الحسـبة بحكمها التكليفي، وهو حسب رأي جمهور الفقهاء فرض كفاية، تعمل على إيجاد مؤسسات أهلية أو مؤسسات المجتمع المدني، فللمتطوعين أن يبادروا إلى إقامة مؤسسات وجمعيات في سائر حقول الحياة، تنفيذاً لأمر الله تعالى: ((وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ)) (آل عمران:104)، وقولـه تعالى: ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ)) (المائدة:2).. فـلا بد للمسلمين من تجميع طاقاتهم وتنظيمها حتى تتحول إلى قوة إيجابية فعالة تساند الحق وتقف في وجه الباطل. فن الواجب الكفائي يعني أن على القادر القيام بالمطلوب ومباشرته، فإذا قام به "البعض" سقط الإثم عن الآخرين. وهذا لا يقلل من شأن الواجب الكفائي، وإنما يعلي من مكانته، فهو يقوم برعاية المصالح العامة للمجتمع، كما قال الشاطبي: «وذلك أن الكفائي قيام بمصالح عامة لجميع الخلق»[. وقال العز بن عبد السلام: «واعلم أن المقصود بفرض الكفاية تحصيل المصالح ودرء المفاسد دون ابتلاء الأعيان بتكليفه. والمقصود بتكليف الأعيان حصول المصلحة لكل واحد من المكلفين على حدته؛ لتظهر طاعته أو معصيته، لذلك لا يسقط فرض العين إلا بفعل المكلف به، ويسقط فرض الكفاية بفعل القائمين به دون من كلف به في امتداد الأمر. أما سقوطه عن فاعليه؛ فلأنهم قاموا بتحصيل مصلحته، وأما سقوطه عن الباقين فلتعذر التكليف». وإذا كان الواجب الكفائي يتعلق بالمصالح العامة؛ فإنه يجعل ذلك الواجب واجباً عاماً يلقي على عاتق المسلمين جميعاً القيام به، فالقادر على القيام به يباشره بنفسه، وغير القادر يحمل القادر على مباشرته، كما قال الشيخ محمد الخضري: «الواجبات الكفائية إذا ورد من الشارع طلب شيء منها، فإنما يوجه إلى "البعض" القادر على العمل، وعلى بقية الأمة أن تحمل هؤلاء على العمل إذا هم تهاونوا في القيام به.. فالمستعدون مكلفون بمباشرة العمل، والباقون مكلفون بحمل القادرين على العمل بمباشرته»[33]. وبهذا المعنى يمكن فهم علاقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحرية الشخصية من ناحيتين: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب شروطه لا يمكن أن يكون مسوغاً للاعتداء على الحرية الشخصية بالاعتداء على خصوصية الإنسان. أن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ضمانة دينية وقانونية واجتماعية للحرية الشخصية فلم يكتف الإسلام بأن جعل الحرية الشخصية قناعات فكرية ووصايا ومواعظ وآداب أخلاقية فقط، وَكَل أمر الالتزام بها إلى ضمير الإنسان وقناعته، وإنما أيد ذلك بتشريعات ملزمة وعقوبات صارمة لمن يخرج عليها، باعتبار أن لها بعدًا اجتماعيًا يتجاوز الإنسان، وأقام لها أيضًا الحراسات والرقابة العامة والمستمرة، من مهام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو ما يسمى بمهام الحسبة بشكل عام، على مختلف الأصعدة، فالتقى بذلك الوازع الداخلي والرقابة الذاتية مع التشريع الملزم، مع الرقابات والحراسة الدائمة من داخل النفس ومن خارجها وتعتبر الخصوصية عنصراً ضرورياً للحياة الطيبة في المجتمع الحديث، خاصة مع التقدم التكنولوجي الهائل في مجال جمع المعلومات ونشرها واستغلالها، وتوسع خدمات المعلومات الالكترونية والبيانات الرقمية في الآونة الاخيرة، مما أدى إلى زيادة الاهتمام بالخصوصية[34] والتي تعني في مجملها حق الفرد في حماية بعض مظاهر حياته الخاصة والمحافظة على السرية بما يصون سمعته ومعطيات الحياة التي يحرص على عدم تدخل الناس فيها[35]، ولقد اهتم التشريع الإسلامي بحق الانسان في الخصوصية، وجعل الاصل الشرعي لحرمة الحياة الخاصة يقوم على تحريم التجسس وسوء الظن والغيبة بشكل عام، وهذا ما لم تتعرض له القوانين الوضعية، حيث نهى الإسلام عن سوء الظن لأن حرمة الحياة الخاصة عدوها اللدود سوء الظن الذي يعقبه غالباً التجسس المحرم شرعاً لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً..} والظن هو التهمة بدون قرينة حال تدل عليها، وقد صح الحديث بتحريم الظن السييء بقول صلى الله عليه وسلم (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولاتحسسوا ولا تجسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً). وتحرم الشريعة الإسلامية التجسس وتتبع عورات الناس وكشفها واطلاع الغير عليها، حتى لا تكون عورات الشخص سواء كان مسلماً او غير مسلم حمى مباحاً لمن غلب عليه الفضول والقصد السييء، وفي اعتقادنا ان هذه القيم الإسلامية الرفيعة جعلت الكثير من الشعوب تقبل على هذا الدين العظيم، والبيت في الإسلام هو المكان الذي يمارس فيه الانسان خصوصيته غالباً، والذي يجب ان تقف عنده رغبات الغير في التطلع لما يدور خلفه، لقوله تعالى {يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم} فبهذا التنظيم الدقيق جعل الإسلام هنالك حدوداً للخصوصية الخاصة داخل بيت الإنسان نفسه، وجعل لدخول البيوت شروطاً تضمن حرمتها وعدم التجسس الذي يعد اخطر ادوات انتهاك الخصوصية، لقوله تعالى {يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكّرون ،فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم} فهذه الآيات الكريمة تشكل نظاماً يحكم قواعد دخول البيوت، فالله سبحانه وتعالى لما خص ابن آدم وكرمه بالمنازل وستره فيها عن الابصار وملكه الاستمتاع بها على انفراد حجر على الخلق ان يطلعوا على ما فيها من خارج او يلجوها من غير اذن اصحابها، وادبهم بما يرجع إلى الستر عليهم لئلا يطلع أحد منهم على عورة والاستئذان يكون ثلاث مرات لقوله صلى الله عليه وسلم (اذا استأذن احدكم ثلاث مرات فلم يؤذن له فليرجع) ومعنى ذلك ان يطرق الزائر الباب ثلاث مرات فإن لم يؤذن له فليرجع، وان يعرف بنفسه تعريفاً واضحاً وان لايطلع إلى داخل الدار لأن ذلك محرم شرعاً لقوله تعالى {فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم}. ونخلص إلى الشريعة الإسلامة حفظت حق الخصوصية من خلال التجسس بكل صوره واشكاله على حياة الإنسان الخاصة، لقوله تعالى {يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا} والتجسس هو البحث عما خفي من عيوب المسلمين وعوراتهم وهكذا نجد ان الفقه الإسلامي قد اعتنى بمسألة احترام خصوصية الانسان وحرمة عوراته سواء في منزله او في مقر عمله وكل ما يتعلق بأسرار حياته الخاصة العائلية والمهنية والمالية والطبية وفي اعتقادنا انه بالنظر لما عالجه الفقهاء المسلمون في هذا الشأن ما اسلفنا الحديث عنه مفاده قاعدة عامة وهو عدم جواز الاعتداء على حق الانسان في خصوصيته بما لا يتعارض مع حدود الشريعة الإسلامية. فلا يجوز لـه اقتحام بيوت الناس الخاصة والتجسس عليهم، كما ذكر ابن جزي في القوانين ضمن شروط المحتسَب عليه: «أن يكون معلوماً بغير تجسس، فكل من ستر على نفسه وأغلق بابه، لا يجوز أن يتجسس عليه»[36].. وروى الخلال عن أحمد بن حنبل: «أنه سئل عن الرجل يسمع حس الطبل والمزمار ولا يعرف مكانه، فقال: وما عليك؟ وقال: ما غاب فلا تفتش»[37]. وقال ابن تيمية: «إذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه»[38]. وقال الماوردي: «وأما ما لم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يتجسس عنها، ولا أن يهتلك الأستار حذراً من الاستتار بها»[39]، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«من أصاب من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله»]، وقولـه صلى الله عليه وسلم: «إنك أن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أوكدت أن تفسدهم»[59]، وما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: «إن ناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه على سريرته» . هذا يدل دلالة واضحة على أن تشريع الحسبة يحمي الحياة الخاصة للإنسان، فلا يجوز التجسس عليه ولا مراقبته بحجة المصلحة الوطنية، ولا التنصت على مكالماته الهاتفية وغير ذلك. ومن ناحية أخرى فإن الأمر بالمعروف مقدم على النهي عن المنكر، ليس اتباعاً للترتيب في الآية فحسب، ولكن أيضاً لأن الإيجاب أفضل من السلب. ويغطى هذا المضمون مجالات حماية القيم الأساسية للمجتمع الإسلامي ومن أهمها قيمة الحرية بمختلف أشكالها فالفهم السليم لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يراه أصلاًمن الأصول العظيمة التي تؤدي إلى أقصى درجة من تنفيذ القانون الإسلامي، ويسهم في خضوع الدولة للقانون، وترسيخ حماية حقوق الإنسان في الدولة، إذ يجعل كل فرد في المجتمع قواماً على تنفيذ القانون، حارساً لمبدأ المشروعية، مسهماً في إرساء نظام الدولة القانونية الخاضعة لقانون الشريعة.[40] تبقى ضرورة التوازن في تحديد الخط الفاصل بين دائرة الحرية الشخصية ومقتضيات حفظ النظام العام حتى يمكن الحفاظ على جوهر الحرية فلا تصبح انفلاتاً يقوض المجتمع ومن ثم يقوض شروط وجودها وهو ما يشرحه الخديث المشهور[41] الذي رواه الصحابيُّ النُّعمان بنُ بشير عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «مَثَلُ القائم على حدود الله والواقع فيهاكَمَثل قوم استَهَمُوا على سفينة، فأصاب بعضُهم أعلاها وبعضُهمأسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استَقَوْا من الماء مرّوا على مَنْ فوقَهم، فقالوا: لو أنآ خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ مَن فوقَنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجَوْا ونجَوْا جميعاً». هذا الحديث رواه الإمام الجليل البخاريُّ رحمه الله في صحيحه، في موضعين: في كتاب الشركة وفي كتاب الشهادات، والتِّرمذيُّ في جامعه بنحوه في أبواب الفتن، وهو من روائع التشبيهات لإيصال فكرة معيَّنة إلى الناس بأسلوب مؤثّر في النفوس ومُقنع للعقول، وهذه الفكرة هي أثر النهي عن المنكر ومدافعة الفساد على حفظ المجتمع من الهلاك. فهذا التفصيل لوقائع الأحداث في المشبه به ( أصحاب السفينة ) يشير إلى وقائع مثلها في حياة الناس ، في هذه الأرض[42] . والرسول صلى الله عليه وسلم ـ اختار موقع أحداث المشبه به سفينة ، وهو مكان دال على عظيم تعرضه للمخاطر الجسام ، التي لا تخفى ، ليهدي الناس إلى أنَّ هذه الأرض ، وما عليها ، لا تقل تعرضاَ للمخاطر الجسام عما تتعرض له السفينة في بحر لجيَّ وعلائق الناس بعضهم ببعض وفقا لمناهجهم في التعامل مع تلك الضرورات والحاجات ومن تكون عندهم ، فالأعلون ممتعون بالاستقاء دونما حاجة إلى مرور على غيرهم ، فتتحقق ضروراتهم وحاجاتهم دونما اصطدام بالآخرين وكذلك طائفة من الناس في هذه الحياة . والأسفلون يقتضي تحقيقهم ضرورات حياتهم ومصالحهم المرور على غيرهم والاصطدام بهم ، فإذا هم أمام أمرين عظيمين : · ضرورة تحقيق ضروراتهم وحاجاتهم . · ضرورة الاتصال بالآخرين والاحتكاك ببعض شؤونهم . وتلك حال الجمهرة الكاثرة من الناس في هذه الحياة وقد كشف لنا النبي صلى الله عليه وسلم ما هو غالب على بعض الناس من الافتتان بحق الملكية والحرية الشخصية ، التي يظن أنها المطلقة اليد ، تفعل فيما تملك ما تشاء ، فيرين على الألباب ، ما يطمس نورها ، فتهتف الضلالة فيهم : ( لو خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ) . كلمات تقال ، تحمل في ظواهرها طيب المقاصد ، وحسن الدوافع ( في نصيبنا ) ( لم نؤذ من فوقنا ) كلما فاتنة ، تلقي بالغشاوة على البصائر فلا تنفذ في عقبى الأشياء ، فمن تحت تلك الكلمات تدمير مقومات المجتمع . وهي كلمات تغلق الباب أمام التغيير وتتوانى عنه ، بالتمويه بحق الحرية الشخصية ، التي بدت في قول المداهنين ( إنما يخرق في نصيبه ) . هذه المقابلة الإبليسية ( إنما يخرق في نصيبه ) إنما يرفعها لواءاً جمهرة من المداهنين المرجفين في المدينة ، يدلسون بهذه الأغلوطة الإبليسية متمسحين بالحرية الشخصية ويدفعون بهذه الدعوى تكاليف الصلاح والإصلاح فالكثير من الدعاوى الفلسفية و السياسية و الاجتماعية و الفنية تتذرع بالحرية الشخصية (إنما يخرق في نصيبه) لتضرب بنيان الأمة الإسلامية فإن قال الآخرون : لا ، وإن أخذوا على يدي ذلك الخارق ، ولم ينخدعوا بمقاله المداهن، المتمسح بالحرية الشخصية نجا الجميع ، وإِن تركوه يخرق في نصيبه خرقاً هلكوا جميعاً.. فهذا يحمل تناقضاً ذاتياً عندما يمد نطاق الاختيار الشخصي أو الحرية الشخصية في معناها المحدد ويحكمه في الإطار الاجتماعي الأشمل[43] نعم إن الإسلام يضمن حرية الاختيار لكن الاختيار يفرض تحمل تبعاته الفردية والاجتماعية فللإنسان الحق في اختيار – على سبيل المثال - أي دين لكنه يتحمل تبعات هذا الاختيار وتضميناته فلا يختار مثلاً النصرانية التثليثية ثم ينكر التثليث. وبالمثل فإن الالتزام بالإسلام يعني ضمناً قبول ما يحدده الإسلام من دوائر العفو(التي تنتمي إليها الحرية الشخصية بمعناها المحدد) ودائرة التشريع والتنظيم الفردي والاجتماعي وبطبيعة الحال سيختلف تحديد هذه الدوائر لغير المسلم لاختلاف الانتماء العقدي ومن ثم الالتزمات ويقبل غير المسلم هذا التحديد كنوع من قبوله للنظام العام وليس كالتزام ديني. إن الإسلام قد حمى الحرية الشخصية لكن بما يضمن عدم إفراغها من مضمونها وتزييف حقيقتها بالادعاء بأنها مفهوم متغير نسبي يستعصي على التحديد.

عبدالله جاد فودة، الحرية الشخصية:تضمينات مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

http://mnzoor.blogspot.com/2006/05/blog-post_114860841745777315.html