الرئيسيةبحث

حديث مدلس

الحديث المدلس

قال -رحمه الله تعالى-: والتدليس: وهو مكروه؛ لأنه يوهم اللقاء والمعاصرة بقوله: قال فلان. وهو في الشيوخ أخف.

بسم الله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله ومن اهتدى بهداه.

هذا نوع من أنواع علوم الحديث، يسمى الحديث المدلَّس، أو يسمى التدليس، والحديث المدلس من الأحاديث المنقطعة، يعني أن علاقته من جهة الإسناد.

المؤلف -رحمه الله- ذكر ها هنا التدليس بنوعيه: تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ. تدليس الإسناد يتعلق به حكم من جهة الإسناد؛ لأن الراوي إذا كان مدلسا وعنعن، فإنه يحكم على حديثه بأنه منقطع، التدليس أو تدليس الإسناد معناه: هو أن يروي الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه.

فقولنا: "عمن سمع منه". يشترط في راوي الحديث، أو يشترط في الراوي الذي يحكم على حديثه بأنه حديث مدلس، يشترط فيه أن يكون قد روى، أو ثبت سماعه عمن دلس عنه، لا بد أن يكون قد ثبت له سماع في روايته عمن دلس عنه. والثاني: أنه يحدث عنه بحديث لم يسمعه منه. والثالثة: أن يكون ما بينه وبين شيخه ليس بصيغة السماع أو التحديث، وإنما يكون بلفظة لا تقتضي الاتصال؛ لأنه مر معنا يوم أمس أن الألفاظ (ألفاظ الأداء) ثلاثة: فأحدها دال على الانقطاع بذاته، والثاني دال على الاتصال بذاته، والثالثة محتملة للاتصال والانقطاع.

راوي الحديث المدلَّس يأتي بلفظة ليست دالة على السماع بذاتها، ولا دالة على الانقطاع بذاتها، وإنما يأتي باللفظة التي تحتمل السماع. عندنا بقية بن الوليد، هذا موصوف بأنه مدلس، وقد سمع أحاديث من الأوزاعي، لكن بعض الأحاديث ما سمعها، بينه وبين الأوزاعي واسطة، لكونه سمع عن الأوزاعي، فإنه لا يدخل هذه الواسطة التي بينه وبين الأوزاعي، وإنما يقول: عن الأوزاعي. وهذه الأحاديث التي يقول فيها: عن الأوزاعي، ليست من الأحاديث التي سمعها عنه، فيقول: عن الأوزاعي.

بقية هنا إذا طبقنا تعريف التدليس على هذا المثال، وجدنا أن بقية قد سمع من الأوزاعي أحاديث، والثانية: أنه فاتته بعض الأحاديث لم يسمعها من الأوزاعي، والثالثة: أنه جاء لبعض الأحاديث التي لم يسمعها عن الأوزاعي، فرواها عن الأوزاعي دون أن يذكر واسطة، لكنه في الأحاديث التي لم يسمعها من الأوزاعي لا يقول فيها: حدثنا الأوزاعي. ولا يقول: أخبرنا الأوزاعي. ولا سمعت من الأوزاعي. وإنما يقول: عن الأوزاعي. أو يقول: قال الأوزاعي، أو ذكر الأوزاعي. ولكن لا يقول: حدثت عن الأوزاعي. لأنه يكون منقطعا، ولا يقول: ذكر عن الأوزاعي أو نحو ذلك، وإنما يأتي بلفظة محتملة، يعني: تحتمل السماع، لكنها ليست نصا على سماعه منه، يأتي بلفظة محتملة للسماع، ولكنها ليست نصا في السماع، إذا جاء بلفظة نصا في السماع وهو لم يسمع فهو كذاب، وإذا جاء بلفظة ليست موهمة للسماع، وإنما هي من الألفاظ التي تدل على الانقطاع، فإنه لا يكون مدلسا، وإنما يكون مدلسا حين يأتي بلفظة موهمة للسماع بينه وبين الراوي الذي لم يسمع منه.

هذا هو معنى تدليس الإسناد، مثاله حتى يتضح أكثر؛ لأن الأمثلة بالأسانيد أحيانا قد لا يفهم منها المراد، عندنا من سمع ... إذا سمعت مثلًا من الشيخ ابن جبرين، سمعت منه طول الأسبوعين الماضيين، ثم تغيبت يوما، أنت ثبت سماعك من الشيخ، لكن في يوم السبت الذي لم تحضر فيه، لم يثبت أنك سمعت ذلك الدرس، فإذا جئت تحدث به لم تذكر الواسطة، لكن لا تقول: سمعت الشيخ، لكن تقول: قال الشيخ، أو ذكر الشيخ. فعلك هذا هو التدليس، فعلك هذا يسمى تدليسا، لكن لو قلت: حُدِّثت عنه، أو ذُكر لي عنه، فإن هذا لا يسمى تدليسا، وإذا قلت: سمعت. وأنت لم تسمع منه، فإنك تكون كاذبا، ولكنك تقول: عن، أو ذكر، أو نحو ذلك من العبارات التي تدل على السماع، أي: ليست نصا في السماع، إنما هي محتملة للسماع، أنت قد سمعت من الشيخ بالجملة، ولكن حدثت عنه ما لم تسمعه منه، وهي الأحاديث التي لم تسمعها منه مباشرة، فمثل هذا هو الذي يسمى تدليس الإسناد؛ لأنك حينئذ تكون قد أسقطت راويا من الإسناد.

النوع الثاني وهو تدليس الشيوخ، تدليس الشيوخ هذا ليس فيه إسقاط ولا ينافي الاتصال، ولكنه لما كان قرينا، أو كان كل واحد منهما يطلق عليه تدليس، جمعهما العلماء ها هنا، تدليس الشيوخ معناه: أن يصف الراوي شيخه، أو يسميه، أو يلقبه، أو يكنيه بما لا يعرف به، أو بما ليس مشهورا به. فإذا كان كذلك، فإنه يكون تدليس شيوخ، وليس فيه إسقاط. ليس فيه إسقاط.

وهذا مثل ما مثلوا، وهو من أشهر الأمثلة، وهو رواية الحارث بن أبي أسامة، عن ابن أبي الدنيا، تارة ينسبه إلى الأموي، وتارة إلى القرشي، وتارة ينسبه إلى جده، وهكذا، ولا يصرح بما هو مشهور به إلا قليلا؛ لأنه إذا قال: حدثنا ابن أبي الدنيا عرف، لكن إذا قال: حدثنا عبيد الله الأموي أو القرشي. فإن هذا يكون بعيدا؛ لأنه مشهور بابن أبي الدنيا، مثل هذا يسمى تدليس الشيوخ، هذا ليس فيه انقطاع، ولكن قد يوصف الراوي أحيانا بالجهالة؛ لأنه لا يعرف بهذا، فيجهل الثقة، أو قد يلتبس الثقة بالضعيف، فيضعف الثقة، أو يوثق الضعيف، وسيأتي -إن شاء الله- في آخر الكتاب في معرفة الأسماء والكنى والألقاب ما يبين هذا.