الرئيس الرابع للجمهورية التركية وأحد ضباط أتاتورك القدامى ورئيس الأركان ، قام بأنقلاب ضد حكم عدنان مندريس في 28 مايو1960 .
الزمان / 2 ذي الحجة ـ 1397هـ .
المكان / استانبول ـ تركيا .
الموضوع / الجيش التركي بقيادة جمال جورسيل ينقلب على حكم عدنان مندريس رئيس الوزراء .
الأحداث /
مقدمة :
التدخل الأمريكي في تركيا
للإجابة على هذا السؤال لابد لنا أن نعود للخلف قليلاً وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية وخروج معسكر الحلفاء منتصرًا في الحرب وبزوغ نجم الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة العالمية وخفوت صوت إنجلترا الإمبراطورية القديمة التي كانت لا تغرب عنها الشمس كما كانوا يقولون، وأيضًا ظهرت قوة الاتحاد السوفييتي وانتشر الفكر الشيوعي في شرق أوروبا، وظهرت التنظيمات الشيوعية في آسيا وأفريقيا وحتى داخل أمريكا نفسها، وهذا الأمر دفع أمريكا بعد الحرب للتفكير في زعامة الدول الغربية أو الصليبية وجعل هذه الدول تدور في فلك أمريكا لتنزل منزلة الاتحاد السوفييتي في حلف وارسو، ولن تتمكن أمريكا من ذلك إلا إذا قويت لدرجة تتحكم عسكريًا واقتصاديًا في غيرها، وأفضل طريقة لذلك وراثة الإمبراطورية البريطانية في مستعمراتها وأماكن نفوذها السابقة، وبذلك لم يفقد الحلف الصليبي شيئًا من نفوذه وإنما انتقلت الزعامة من انلجترا إلى أمريكا وكلاهما صليبي الهوى والمنشأ والمشرب.
ولقد اتبعت أمريكا عدة طرق لتحل محل حلفائها في المستعمرات ومناطق النفوذ ومنها دعم جماعة سياسية أو حزب من الأحزاب والعمل على تمكينه من السلطة وتوجيهه بعد ذلك لصالح أمريكا ومنها السيطرة الاقتصادية، وجعل تلك الدولة مرتبطة اقتصاديًا وسياسيًا بها وأخيرًا هناك الانقلابات العسكرية إن لم تنفع الوسائل السابقة، ومن أجل ذلك دعمت أمريكا ثورة يوليو 52 بمصر، وثورة الخميني ضد الشاه، وما جرى في صفحتنا تلك صورة من صور التدخلات الأمريكية في المنطقة لضرب أي بعث إسلامي محتمل أو حتى لزيادة النفوذ وتأكيد الهيمنة .
الأوضاع في تركيا بعد الحرب :
تأثرت تركيا بشدة من جراء الحرب العالمية الثانية وعانى الشعب من ظروف اقتصادية صعبة رغم عدم اشتراك تركيا في الحرب وزاد من معاناة الناس ضغط الحزب الحاكم واستبداده والطغيان الموروث منذ أيام أتاتورك حيث أن الحزب ما زال يسير على خطاه ومنهجه اللعين، لذلك فلقد عمل الحزب الحاكم بزعامة [عصمت إينونو] ذراع أتاتورك اليمنى على منح قدر من الحرية للناس فسمحت تلك الانفراجة بإنشاء حزب جديد هو الحزب الديمقراطي بزعامة [محمود بايار] وهو أيضًا أحد تلاميذ [أتاتورك] المخلصين .
رغم أن الحزبين كلاهما من نفس المشرب وينتهج نفس المنهج إلا أن الناس قد كرهوا الحزب الحاكم لاقتران شخصيته بشخصية واسم المجرم أتاتورك فقاموا بمساندة الحزب الديمقراطي لا حبًا أو اقتناعًا بمبادئه إنما كرهًا وبغضًا للحزب الحاكم ومؤسسه أتاتورك وهذا الأمر جعل الحزب الديمقراطي يحصل على نسبة مرتفعة نسبيًا في المجلس النيابي إثر الانتخابات التي عقدت بعد الحرب العالمية الثانية فأدى ذلك لئن تقوم الحكومة باضطهاد أعضاء الحزب، وهذا أدى بدوره لارتفاع شعبية الحزب، واستقالة [رجب بكر] رئيس الوزارة وشكلت بعده الوزارة مرتين وفشلت، ثم جرت بعدها انتخابات رئاسة الجمهورية فنجح فيها [محمود بايار] فكان ثالث رئيس جمهورية في تركيا بعد أتاتورك وإينونو وعهد [بايار] إلى [عدنان مندريس] بتشكيل الوزارة .
حكومة الحزب الوطني الديمقراطي :
شكل عدنان مندريس وزارته الأولى في 5 شعبان 1369هـ، وكانت تتألف من شخصيات جديدة ما دام الحزب جديدًا، وكان عدنان مندريس صاحب شخصية قوية فذة عنده ميول استقلالية هو وكبار وزارته، غير أن هذا الحزب كان كسلفه غربي الاتجاه مع اختلاف بسيط وهو أن النفوذ الأمريكي بدأ في الازدياد في مقابل النفوذ الانجليزي، وكانت السياسة الدولية وقواعد اللعبة الصليبية قد اقتضت أن يحل الأمريكان محل الإنجليز في قيادة ذمة التوجيه الصليبي العالمي. وجاءت أعمال حكومة [مندريس] تبرهن على ذلك ويتمثل ذلك في انضمام تركيا في حلف شمال الأطلنطي [الناتو] سنة 1371هـ، ثم عقدت معاهدة صداقة مع اليونان ويوغوسلافيا سنة 1373هـ، ثم كونت حلف البلقان سنة 1374هـ، وذلك كله بإشارة أمريكا للإحاطة بالإمبراطورية الروسية من كل اتجاه .
أعاد [مندريس] تشكيل وزارته سنة 1375هـ، وقد ظهرت في تلك الفترة بوادر النعرة العصبية بين تركيا وسوريا وأوشكت الحرب على الاندلاع، ولكن الله سلّم وظلت الحكومة تنتهج نفس طريق العلمنة ومعاداة الإسلام، ولكن حدث نوع من التمايز فالحكومة خاضعة للنفوذ الأمريكي والمعارضة برئاسة [إينونو] خاضعة للنفوذ الإنجليزي، ودخلت تركيا حلف بغداد الشهير بتدبير من أمريكا، وتأخرت الأوضاع الاقتصادية في تركيا وقامت أمريكا بضخ معونات كبيرة دعمًا للحزب الديمقراطي الحاكم، ولكن التدهور استمر وزادت الأوضاع الداخلية سوءًا مما أدى لتقوية مركز المعارضة الممثلة في حزب الشعب [الحزب الحاكم السابق] فقامت الحكومة بإلغاء هذا الحزب المعارض، وهكذا تثبت الأيام أن دعاوى الحرية والعدالة وحرية التعبير والتعددية ما هي إلا أوهام تروج لها الأحزاب العلمانية عندما تكون في خانة المعارضة، وعندما تنتقل إلى خانة الحكم فإنها تنسى كل هذه الشعارات .
في سنة 1377هـ شكل [مندريس] وزارته الأخيرة، وأخذ في السماح بالحريات للناس وقرّب إليه المسلمين الملتزمين الكارهين لعلمنة أتاتورك ومن بعده ليضرب بذلك المعارضة وسمح بقراءة القرآن الكريم بالإذاعة لأول مرة منذ سقوط الخلافة الإسلامية وقامت الحكومة بافتتاح بعض المدارس الشرعية، وكلك الكلية الإسلامية بأنقرة، وكانت هذه الخطوات بمثابة الخطيئة الكبرى التي لا تفتقر من قبل أعداء الإسلام وزعيمتهم أمريكا .
الانقلاب العسكري الأول :
لقد دعمت الولايات المتحدة الأمريكية الحزب الديمقراطي التركي وساعدته حتى وصل إلى سدة الحكم في تركيا، ووقفت بجانبه في الأزمات ورد لها الحزب الجميل وسار في فلكها ائتمر بإشارتها وحسب رغباتها وحببت أمريكا المساعدات الاقتصادية الضخمة على الحكومة العميلة وهذا يدعو للتساؤل لماذا انقلبت أمريكا على الحزب الديمقراطي ؟
نستطيع أن نقول أن هناك عدة أسباب لهذا الانقلاب وهي :
1 ـ عدم نجاح سياسة الاحتواء الأمريكي للحزب التركي بصورة كاملة نتيجة النزعة الاستقلالية لدى [مندريس] وكبار رجال حزبه إضافة لحب السلطة وعدم قبول المعارضة، وهذه الخصال لا تعجب دولة استعمارية وقائدة معسكر كأمريكا حيث أنها تريد نعالاً لا رجالاً تريد من لا يعصي لها أمرًا ولا يبدي بين يديها رأيًا .
2 ـ خافت أمريكا بعد قيام الحزب الحاكم بحل الحزب المعارض أن يتراجع الحزب الحاكم ومعه النفوذ الأمريكي لصالح المعارضة والنفوذ الإنجليزي .
3 ـ خشيت أمريكا من حالة الفوضى والاضطرابات الداخلية الكثيرة، والتي هي عادة البيئة الملائمة لظهور الأفكار الثورية والتنظيمات الشيوعية خاصة وسط حالة الركود والانهيار الاقتصادي التي تسود البلاد إضافة لغياب الدرع الواقع ضد الأفكار الشيوعية وهذا الدرع هو الإسلام الذي ظل يحارب منذ عدة عقود وهذه التربة والبيئة مناسبة لقيام الثورة الشيوعية .
4 ـ الخطيئة الكبرى التي قامت بها الحكومة التركية ممثلة في الحزب الديمقراطي عندما سمحت بقدر ضئيل من الحرية للإسلام بالتحرك والظهور عندما سُمح بافتتاح المدارس الشرعية والكليات الإسلامية وتنفس الناس قليلاً، وهذا القدر الضئيل من حركة الدين كان كفيلاً بإفراغ أمريكا وإثارة المخاوف القديمة والأحقاد الدفينة لدى كل الدول الصليبية .
جمال جورسيل :
لكل الأسباب السابقة كانت قواعد اللعبة الدولية تقتضي التخلف من هذا الحزب العميل، وكما يقول الأستاذ محمود شاكر رحمه الله [متى كان النعل لا يُلقى بعد اهترائه؟]، وكان الحل الأمثل للتخلص هو القيام بانقلاب عسكري ضد هذا الحزب الديمقراطي، وهذا الانقلاب لتوطد به أمريكا نفوذها وتقضي به على نفوذ غيرها وللمحاولات الخافتة لإحياء الإسلام، ولتحتوي به الأفكار المعارضة من شيوعية واشتراكية، وكان الرجل المرشح لهذه الخطوة هو رئيس الأركان [جمال جورسيل] وهو من ضباط أتاتورك القدامى، وكان معه في [جاليبولي] أثناء الحرب العالمية الأولى وهو معتنق تام لأفكار أتاتورك، وقد تولى رئاسة الأركان في عهد أتاتورك ثم عزل في عهد [إينونو] ثم عاد مرة أخرى في عهد [مندريس]، وكان جمال جورسيل من أشد الناس عداوة للإسلام وهو يقتدي بسلفه وأستاذه [أتاتورك].
قام جمال جورسيل بالانقلاب على الحكومة في 2 ذي الحجة 1379هـ، وألقى القبض على عدنان مندريس وأعدم مع اثنين من وزرائه وهما وزر الخارجية [قاتن رشدي] ووزير المالية [حسن بولاد]، أما رئيس الجمهورية [محمود بايار] فقد خفف عنه حكم الإعدام لكبر سنه، واستبدل بالسجن المؤبد حيث قضى نحبه سنة 1391هـ، وأسدل الستار على حكام تركيا .
وهكذا تكون دائمًا وأبدًأ نهاية أعوان أعداء الإسلام الذين يسخرون أنفسهم لخدمة أعداء دينهم وأمتهم منهم لا يعدون كونهم مطية لهداف معينة وسلاح يستخدم لضرب الإسلام لفترة معينة فلم يبرد نصله ويصدأ جده ليس له مكان إلا مزبلة التاريخ، وما أقساها من عقوبة في الدنيا قبل الآخرة