الرئيسيةبحث

جسم أسود

يعتبر الجسم الأسود في الفيزياء تعبيرا عن حالة مثالية لجسم يمتص كل الضوء الوارد اليه دون أن يعكس أي منها . نظريا هذا يقتضي ان يكون شديد السواد و عدم اصدار أي اشعاع منه لكن الواقع يخالف التعريف حيث يقوم هذا الجسم باصدار اشعاع حراري على شكل ضوء أحيانا . و يمكن تمثيل هذا الجسم بثقب صغير في تجويف درجة حرارة جدرانه ثابتة يمثل سطح جسم أسود. والسبب في ذلك أن أي إشعاع يسقط على الثقب سوف يُمتص داخل التجويف بعد أن يعاني من انعكاسات عديدة داخله . ولذلك يطلق على الإشعاع الذي يخرج من ثقب في جدار التجويف اسم إشعاع الجسم الأسود.

فهرس

إشعاع الجسم الأسود

بدراسة الانبعاث الحراري المنبعث من الجسم الأسود عند درجات حرارة مختلفة وجد عملياً أن هناك نتيجتان هما:

E = h c / l

كما إن الطاقة ترتبط مع التردد من خلال العلاقة التالية:

E = h n

حيث n التردد.



وكان العالم كيرشوف قد بين من اعتبارات ترموديناميكية عامة جدا أنه من أجل أي طول موجي تكون نسبة معدل إصدارسطح مادة ما إلى معدل الإصدار من سطح الجسم الأسود تساوي عامل الامتصاص لهذه المادة عند هذا الطول الموجي. وهذا ما جعل سطح الجسم الأسود مُصدرا عياريا ملائما. وسوف نقتصر على دراسة إشعاع الجسم الأسود، أي الإشعاع الصادر من ثقب في جدار التجويف. تصدر كل من الذرات التي تكوّن الجدران إشعاعا كهرطيسيا؛ وفي الوقت نفسه تمتص الإشعاع الذي تصدره الذرات الأخرى، فيملأ حقل الإشعاع الكهرطيسي التجويف كله وحين يصل الإشعاع المحتجز داخل التجويف إلى حالة التوازن مع ذرات الجدران يكون مقدار الطاقة الذي تصدره الذرات في واحدة الزمن مساويا مقدار الطاقة الذي تمتصه هذه الذرات. فحين يكون الإشعاع داخل التجويف في توازن مع الجدران تكون كثافة طاقة الحقل الكهرطيسي ثابتة. وكانت التجارب قد بينت أن للإشعاع الكهرطيسي المحتجز داخل التجويف، وهو في حالة التوازن، توزعا طاقيا محددا تماما؛ أي أنه عند كل تواتر  (أو طول موجي ) هناك كثافة طاقية لا تعتمد إلا على درجة حرارة الجدران ولا علاقة لها بمادة هذه الجدران .


فالجسم الأسود المطلق هو الجملة المثالية التي تمتص كل الإشعاع الذي يسقط عليها. وبما أن الجسم الأسود هو ممتص كامل فينبغي أن يكون مشعا كاملا.


كثافة الطاقة التي يشعها الجسم الأسود في درجات حرارة مختلفة بدلالة طول موجة الإشعاع

وقد أدت مسألة إيجاد الآلية التي تجعل طاقة إصدار الذرات المشعة موزعة على مختلف التواترات كما يشاهد تجريبيا إلى ولادة الفيزياء الكمومية. ذلك أن كل المحاولات التي جرت في نهاية القرن التاسع عشر لتفسير هذا التوزع الطاقي بالاستناد إلى المفاهيم الكلاسيكية التي كانت سائدة في ذلك الوقت باءت بالفشل. إذا رمزنا بـ (T) لكثافة الطاقة الطيفية (أي عند الطول الموجي  ) كانت هي الطاقة (في وحدة الحجم من التجويف) المشَعة في المجال بين و وتقدر بـ . وقد وجد العالم الألماني فين Wien في العام 1869 تجريبيا القانونين التاليين:

حيث و ثابتان يعينان تجريبيا و Tهي درجة حرارة الجسم الأسود المطلقة. وقد وجد أن هذه العلاقة تتفق مع المنحني التجريبي في مجال الأمواج القصيرة فقط.

قانون ستيفان-بولتزمان

ينص قانون ستيفان بولتزمان على أن الطاقة المنبعثة من الجسم الأسود لكل وحدة مساحة تتناسب مع القوة الرابعة لدرجة جرارة الجسم.

E(T) = s T4

قانون رايلي-جينس

اعتبر العالمان رايلي وجينز أن الجسم الأسود مكون من عدد كبير من المتذبذبات المشحونة التي تتحرك حركة توافقية بسيطة simple harmonic motion وهذه المتذبذبات المشحونة تطلق أشعة كهرومغناطيسية أثناء حركتها بحيث تكون كثافة توزيع الطاقة المنبعثة من الجسم الأسود مساوية لكثافة الطاقة للمتذبذبات عند الاتزان الحراري. وقد وضع العالمان بناء على هذه الفرضية المعادلة التي تعطي عدد المتذبذبات لكل وحدة حجوم المسئولة عن كثافة الإشعاع عند طول موجي معين حيث أن:


وتكون طاقة هذا العدد من المتذبذبات هي المسئولة عن طول موجي في المنطقة من عند درجة حرارة T


حيث KT تعطي قيمة متوسط طاقة المتذبذبات وK هو ثابت بولتزمان والطرف الأيسر من المعادلة يعبر عن الطاقة لكل وحدة حجوم.

ولكن هذه الفرضية لرايلي وجينز فشلت في تفسير طيف الجسم الأسود.



في عام 1900 حصل كل من رايلي وجينس على العلاقة التالية (المسماة قانون رايلي- جينس) حين افترضا أنه يمكن تمثيل الإشعاع ضمن التجويف بمجموعة من الأمواج الثابتة وأن الطاقة الوسطية لكل من هذه الأمواج هي kT ( حيث k هي ثابتة بولتزمان):

وقد وُجد أن هذه العلاقة تتفق مع المنحني التجريبي في مجال الأمواج الطويلة فقط. بينما تتزايد في مجال الأمواج القصيرة ساعية إلى اللانهاية بدل أن تسعى إلى الصفر، أي أن تطبيق الميكانيك الإحصائي الكلا سيكي أدى إلى هذه النتيجة غير المعقولة، ودعيت هذه المشكلة بالكارثة فوق البنفسجية.


قانون بلانك

وفي عام 1900 أيضا قام العالم الألماني بلانك Planck بدراسة توزع إشعاع الجسم الأسود وافترض أن الذرات في التجويف، الذي يشكل الجسم الأسود، تسلك سلوك هزازات توافقية وأن كلا منها تهتز بتواتر معين وتمتص أو تصدر مقدارا من طاقة الإشعاع متناسبا مع تواتر اهتزازها، وهذا ما لاتنص عليه النظرية الكهرطيسية الكلاسيكية التي تتيح امتصاص أو إصدار الطاقة بشكل مستمر. وحصل بنتيجة ذلك على العلاقة التالية (قانون بلانك في الإشعاع): E=h.c/lamda حيث h و lamda ثابتان فيهما c سرعة الضوء و h ثابتة أدخلها بلانك وعرفت فيما بعد باسمه (ثابتة بلانك) وتبين أنها ثابتة فيزيائة أساسية. وقد وجد أن هذه العلاقة تتفق مع النتائج التجريبية بصورة ممتازة في كل مجالات الأطوال الموجية. لجأ بلانك لإعطاء علاقته السابقة أساسا فيزيائيا نظريا إلى الطرق الإحصائية لحساب الأنطروبية، ولجأ إلى حساب عدد الطرق الممكنة التي يمكن أن تتوزع بها كمية معينة من الطاقة على عدد معين من الهزازات في التجويف (الجسم الأسود). ووجد أنه لو عوملت الطاقة على أنها مقدار مستمر (كما هو متعارف عليه) لكان عدد هذه الطرق لانهائيا. لذلك قسم بلانك، لتسهيل عملية عد هذه الطرق، طاقة الهزازات الكلية إلى "عناصر" مقدار كل منها ، ووجد أنه يمكن التوصل إلى علاقته إذا وضع ، حيث تواتر الهزازة و ثابتة وجد أن قيمتها صغيرة جدا هي: E=n.h.f تبين فيما بعد أن هذا المقدار هو مقدار أساسي في الطبيعة، دعي ثُابتة بلانك، وقام بدور هام في النظرية الكمومية. لقد كان فرض بلانك أن طاقة الإشعاع مؤلفة من "عناصر" أو كمّات quanta (مفردها كم quantum) متناسبة مع تواتر الإشعاع ( ) نقطة البداية لنظرية جديدة، هي النظرية الكمومية، قلبت الكثير من المفاهيم القديمة.