جبل حراء الذي يسمى حاليا بجبل النور ودخول الغار الذي نزل فيه جبريل بأول الوحي على الرسول محمد ، تجربة عملية صعبة وقاسية، تستغرق وقتا طويلا وجهدا خارقا حتى تصل إلى القمة ومن ثم تدلف إلى الغار. هناك تكتشف المكان الذي سطرت فيه مقدمة الفصل الأول من تاريخ الإسلام، وكيف أن الحجر كان مادته ومداده.
تتمنى لو أن الجبل ينطق، ولو أن للغار فما ولسانا، ولو لم يكن قدره هذا الجمود السرمدي، لحظتها كنت ستسمع منه قصة صفحات التكوين والبداية.. بداية "اقرأ بسم ربك الذي خلق".
جبل حراء له أسماء عديدة منها جبل القرآن، وجبل الإسلام، ولكنه يعرف حالياً بجبل النور، يصل ارتفاع جبل حراء إلى 642 متراً، ولكنه شاق على من يصعده حيث يصبح انحدار الجبل شديداً من ارتفاع 380 متراً حتى يصل إلى ارتفاع 500 متر، ثم يستمر بانحدار قائم الزاوية تقريباً إلى قمة الجبل في شكل جرف، وتبلغ مساحته 5.25 كم مربع.
يقع جبل النور، في الشمال الشرقي لمكة المكرمة، ويقع في أعلاه غار حراء، محضن أول آية أنزلت في القرآن الكريم، ومقر خلوة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم قبل بعثته. فيه تم أول لقاء مع جبريل حاملا بشرى النبوة لمحمد بن عبد الله تمهيدا لحمل الرسالة إلى الثقلين الإنس والجن.
وأشارت مصادر تاريخية إلى أنه لا يوجد جبل بمكة ولا بالحجاز ولا بالدنيا كلها يشبه جبل حراء، فهو فريد الشكل والصورة، قمته تشبه الطربوش الذي يلبس على الرأس أو كسنام الجمل، أو كالقبة الملساء.
في قلوب المسلمين عاطفة خاصة نحو هذا الجبل وبقية المواقع التاريخية في مكة والمشاعر المقدسة، رغم قلة المعلومات المتوفرة عنها، ويغلب عليهم توارث حبها جيلا بعد جيل، ويتحينون الفرصة لزيارة الأراضي المقدسة حجاجا ومعتمرين لمشاهدة مرابع أسلافهم الأوائل، واستحضار بدايات تاريخهم الديني والروحي.
ما بقي من مواقع، يعد على أصابع اليدين، بسبب التطور والتوسع العمراني، واختلاف النظرة الفقهية إليها وغيرها.
صعود جبل النور
يشرف جبل النور على أباطح مكة، ويبعد عن المسجد الحرام نحو عشرة كلم مربعا، وهو متميز بتشكيله الصخري الذي لا تخطئه أعين القاصدين خصوصا المتجهين إلى مدينة الطائف عبر طريق السيل الكبير، وقد وصفه مسلم ابن خالد بأنه "جبل مبارك قد كان يؤتى".
وللجبل فضائل أوردتها كتب التاريخ على أنه أحد الجبال الخمسة، التي بنى بها أبو الأنبياء إبراهيم الخليل الكعبة المشرفة، فقد أورد أبي الوليد الأزرقي في كتابه (أخبار مكة وما جاء فيها من آثار) عن سعيد عن قتادة في قوله عز وجل: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد" قال: (ذكر لنا أنه بناه من خمسة جبال: من طور سيناء، وطور زيتا، ولبنان، والجودي، وحراء. وذكر لنا أن قواعده من حراء).
وأورد الأزرقي في كتابه أيضا (عن أنس ابن مالك قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما تجلى الله عز وجل للجبل "طور سيناء" تشظى فطارت لطلعته ثلاثة أجبل فوقعت بمكة، وثلاث أجبل فوقعت في المدينة، فوقع بمكة حراء وثبير وثور، ووقع بالمدينة أحد، وورقان، ورضوى).
يقول الكاتب الصحفي عمر المضواحي المهتم بتاريخ الأماكن المقدسة: لم أقف على حقيقة سبب تسميته بجبل "النور"، ويبدو أنها من فعل المتأخرين، كرمز إلى طلوع الشمس المحمدية وبداية نشر نور الإسلام منه فسمي بهذا الاسم.
والناظر إليه يشعر بفيض روحاني يغمره، شديد الوعورة، وليس له غير ممر وحيد لارتقائه من ناحية الجنوب الغربي، وتحوطه بيوت من كل جانب، معظم سكانها من قبيلة "هذيل" العربية الأصيلة.
ويمكن تقسيم صعود الجبل إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولي وهي أصعبها وعورة ومشقة، تبدأ من عند لوحة كبيرة وضعتها هيئة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" تنهي القادم عن أخذ شيء من تراب الجبل أو زرعه أو حجارته، وتؤكد فيه أنه لم تشرع الزيارة إليه أو الصلاة فيه. وهي مكتوبة بثلاث لغات، العربية والأوردو والإنجليزية، لكن بعض القادمين استغلوا فرصة عدم توفر المرشدين، ولعله بسبب المشقة في صعود الجبل، فلم يفوتهم أن يسجلوا عليها أسماءهم وتاريخ قدومهم، كتذكار لمن جاء بعدهم.