تل حموكار أقدم مدينة في التاريخ تقع في شمال شرق سوريا... عمرها يزيد على 7 آلاف سنة .
فهرس
|
تل حموكار تل اثري سوري بالقرب من جبل سنجار، حيث اكتشفت البعثة السورية ـ الأميركية المشتركة للتنقيب عن الآثار مدينة أثرية مهمة يعود تاريخها إلى الألف الخامسة قبل الميلاد، ويمكن أن تعتبر أقدم مدينة في العالم، اذ يقدر عمرها الآن أكثر من سبعة آلاف سنة، وهي بذلك أقدم من أي مدينة أثرية أخرى مكتشفة حتى الآن في العالم بما لا يقل عن 2500 سنة.
جرى هذا الاكتشاف المهم حتى الآن في العالم أخيراً في موقع تل حموكار الأثري على مساحة مائتي هكتار من الأرض على شكل مربع وسط السهول المحصورة بين جبل سنجار في الجنوب وسلسلتي جبال طوروس وزغروسفي الشمال والشمال الشرقي من سوريا، ويبعد الموقع عن نهر دجلة باتجاه الجنوب الغربي مسافة خمسين كيلو متراً، بينما يبعد عن نهر جغجغ (الذي يخترق مدينة القامشلي) بحوالي ستين كيلو متراً.
ان أراضي تل حموكار من أخصب الأراضي الزراعية، وكانت تروى من عدة أنهار تأتي من الشمال إلى الجنوب وأخرى من جبل سنجار باتجاه الشمال وتلتقي جميعها لتشكل بحيرة كانت تخضع مياهها لعملية تنظيم معينة لري السهول الزراعية الواسعة والخصبة في المنطقة .
يعتقد انه المدينة كانت موطناً لحوالي خمسة وعشرين ألف نسمة، وقد عثر فيها على لقى أثرية مهمة مما يعطيها ميزة في تطور فن الرسم والنحت والزخرفة، كذلك عثر على لقى تعطيها الأولوية بالنسبة إلى المدن الأخرى التي تعود إلى تلك الفترة. فقد اكتشف فيها أقدم نظام للتكييف الهوائي في التاريخ ويتمثل في وجود مقرات في جدران ثنائية متوازية تفصل بينهما مسافة من الفراغ لا تتجاوز خمسة عشر سنتيمترا تسمح بتدفق الهواء المكيف النقي لمقاومة حر الصيف.استمر الاستيطان في هذه المدينة الأثرية منذ الألف الخامس قبل الميلاد وحتى العصر الاسلامي المبكر، أدركت البعثة أهمية هذا الموقع من خلال المسح الطوبوغرافي واللقى السطحية التي أمكن العثور عليها في الموقع .
ويرجح أنه قد هاجرت في منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد تقريباً مجموعات بشرية من جنوب بلاد الرافدين إلى سوريا واسسوا فيها مستعمرات سكنية، وأدى هذا الاحتكاك بسكان المنطقة، إلى تطور في نظام العمران، وتطور في مبدأ حكم الملكية ونظام الدولة «ولكن التنقيبات الأثرية في «حموكار» وفي بعض المواقع الأخرى في سورية أظهرت تطور نظام اجتماعي محلي قبل ذلك بزمن واستوطنت فيها واقامة مستعمرة بشرية حضارية متطورة... ومن المكتشفات الأثرية التي وجدت في منطقة «حموكار» تبين أن فكرة نشوء الحضارة وتطورها بدأت في سورية وفي «حموكار» ومنطقة الجزيرة السورية الغنية بالمدن الاثرية والحضارات القديمة ، ثم انتقلت الحضارة جنوباً إلى بلاد الرافدين وغيرها من البلاد» منطلقة من سوريا.
كشف في موقع تل حموكار عن ابنية من اللبن مليئة بالفخار والرماد تعود إلى منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد أي العصر الحجري ـ النحاسي ووجدت أيضاً أربعة أو خمسة أفران مقببة يبلغ قطر بعضها مترين تقريباً، كانت تستخدم للطهو والخبز وطبخ اللحوم وغيرها ، وذلك لوجود كمية كبيرة من العظام الحيوانية، بالاضافة إلى المواد النباتية المفحمة كالحبوب وغيرها المكتشفة في المدينة . كذلك اكتشفت كسر فخارية يستنتج ان معظمها يعود إلى آوان كبيرة الحجم كانت تستخدم في الطهو وتحضير الطعام، ويدل حجم هذه الأواني على انها كانت تستعمل لتحضير طعام جماعي أو لخدمة تتجاوز أفراد الأسرة، وهذا يدل على وجود إدارة حكومية من شكل ما.. كذلك اكتشف وجود امتداد للبناء خارج السور وهذا يثبت ان التطور العمراني انطلق من هذه المنطقة ولم يأت اليها من الخارج .
ثبت من خلال المسح السطحي ان مساحة موقع «حموكار» كانت تبلغ ثلاثة عشر هكتاراً تقريباً، لكن في حدود الألف الثالث، امتدت حتى بلغت 102 هكتار ومن نوعية الفخار الذي اكتشف في الموقع تبين انه يعود إلى «فترة أوروك» فهو يشبه طاسات وأشكالاً معروفة في جنوب بلاد الرافدين يعتقد انها ماخوذة من حضارة حموكار، وهذا يؤكد وجود علاقات مع جنوب بلاد الرافدين. وبعد هذه الفترة هُجر الموقع، واستخدم على شكل قرى صغيرة حتى الفترة الآشورية الجديدة، ثم الفترة السلوقية 200 قبل الميلاد، لكن آخر فترة سكن فيها موقع حموكار كان حوالي 700 بعد الميلاد أي في المرحلة الإسلامية ـ الأموية .
أجريت عمليات التنقيب الهيئة العامة السورية للاثار وبعثات التنقيب الاجنبية في ثلاث نقاط «أ» A و«ب» B و«سجي» C وكان الهدف من السبر تكوين فكرة عامة عن المراحل كافة، التي مر فيها التل ولمحة عن تاريخه، وجرى استخدام السبر الأفقي لا العمودي نظراً لخصوصية هذا التل.. فمن مساوئ السير العمودي انه كان كلما زاد العمق زادت صعوبة عملية التنقيب وزادت صعوبة الحركة للباحث والمنقب الأثري أما السبر الأفقي فيعطي حرية حركة لمتابعة البحث الأثري وهذه الطريقة هي الأفضل لتل حموكار لانه عالٍ فارتفاعه 18 متراً، ويصعب النزول فيه للتنقيب والسبر الأفقي لذلك حفر بشكل متدرج بين كل درجة وأخرى ارتفاع أربعة أو خمسة أمتار. وقد وجد في المنطقة «أ» في الدرج الأعلى بعض المنازل التي تتكون جدرانها من اللبن، جوارها جدار ضخم عرضه لا يقل عن أربعة أمتار وارتفاعه أربعة أمتار أيضاً، ويعتقد انه كان سوراً لمدينة، وقد أكدت تنقيبات اللاحقة ذلك. أما الفخار الذي وجد مع الجدار فيعود إلى العصر الحجري النحاسي أي منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد، وكذلك اكتشف فخار في مستوى أعلى من الجدار يعود إلى «فترة أوروك» (3200 قبل الميلاد) ومنازل تتألف من عدة طبقات تحتوي على العديد من المباني، ورصيف مرصوف باللبن المستوى. وأما الطبقة الأخيرة منه فهي مغطاة بالجبص، وكلها تعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، وفوقها وجد بناء يعود إلى الفترة الاسلامية ـ الأموية أي 700 بعد الميلاد. وفي ما يخص المنطقة «ب» فقد وجدت فيها جدران أبنية وأفران ضخمة يصل قطر بعضها إلى مترين، وتعود هذه المنطقة إلى منتصف الألف الرابعة، كذلك وجد في أرضيات أحد هذه المباني قبر لطفل معه تماثيل صغيرة من العظم عرفت «بتماثيل» العيون بسبب وجود عيون كبيرة فيها، اكتشفت نماذج منها في تل براك، وتشير هذه التماثيل إلى آلهة أو أشخاص، لكن تفسيرها ما زال غامضاً على علماء الآثار. ومن أهم المكتشفات التي وجدت في هذه المنطقة، التي تعطي فكرة عن طابع المجتمع السوري في هذه المنطقة، وجود أكثر من ثمانين ختماً وخمس عشرة لوحة، وكثير من الخرز اكتشف في قبر الطفل وكان على الأرجح مشكوكاً في قماش ثياب الطفل.
أما مادة الاختام فكانت من العظم منحوتة باشكال حيوانات. وكانت قاعدة الختم محفورة بخطوط أو بصور تشكيلية، وأحد الاختام الكبرى كان على شكل نمر منقط، نقطه مصنوعة من أسافين صغيرة محفورة ومنزله على جسده.. أما الوجه الأسفل فكان يضم صفاً من الحيوانات ذات القرون. ووجد أيضاً ختم آخر كبير على شكل حيوان ذي قرون وأسفله أيضاً صور من الحيوانات ذوات القرون.
وهذه الاختام لا تشير إلى بيروقراطية، بل تشير إلى علاقات تجارية كان يضع التاجر فيها ختمه أي توقيعه على المواد أو السلع أو قطع القماش ( الحضارة السورية )، وهذه الظاهرة بدأت مع بداية العمران وبداية تأسيس دولة في حموكار السورية. أخيراً في المنطقة «ج» فقد اكتشفت فيها زاوية لبناء يعود إلى الألف الثالثة أي للفترة الأكادية، وقد وجد منه في «تل براك» وتحتوي زاوية البناء على باب يدل نمطه أنه ذو طابع عام وربما معبد. ووجدت فيه أيضاً كسر فخارية تعود إلى الفترة الأكادية وهذه القطع الفخارية مشابهة للقطع التي اكتشفت في «تل براك» وسمح هذا بتأريخ القطع في الفترة الأكادية لتلازمها مع قطع أكادية أخرى. هذا ودلت أخيراً نتائج الحفريات المبدئية على انه اسست وتطورت في هذه المنطقة ممالك سحيقة في القدم سبقت بروز حضارة «أوروك» وقدومها من جنوب بلاد الرافدين وقد ولدت الحضارة في هذه المنطقة قبل أي سنة 3500 قبل الميلاد وتعد اقدم الحضارات البشرية .