. تفسير الزمخشري
يعتبر كتاب الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل من أشمل ما وصل إلينا من تفاسير المعتزلة، حيث أن مؤلفه الزمخشري - رحمه الله- كان معتزلي الاعتقاد متظاهراً باعتزاله.
ومع اعتزالية مؤلفه إلا أنه كتاب قيم ولم يسبق مؤلفه إليه لما فيه من وجوه الإعجاز، ولما أظهر فيه من جمال النظم القرآني. فالكتاب واحد في بابه وعلم شامخ في نظر علماء التفسير وطلابه، وقد اعترف له خصومه بالبراعة وحسن الصناعة، وإن أخذوا عليه بعض المآخذ التي يرجع أغلبها إلى ما فيه من ناحية الاعتزال.
• قصة تأليف الكشاف:
ذكر الإمام الزمخشري في مقدمة كشافه قصة تأليف كتابه هذا وضح فيها ما كان منه من التردد بين الإقدام عليه والإحجام عنه أولاً، ثم العزم المصمم منه على تأليفه حتى أخرجه للناس كتاباً جامعاً نافعاً. فذكر أنه كان في بداية الأمر يرى من التعجب والاستحسان في وجوه أصحابه وتلاميذه عند تفسيره لبعض آيات القرآن، مما جعلهم يستطيرون شوقاً إلى تأليف يجمع أطرافاً من ذلك حتى اقترحوا عليه أن يملي عليهم الكشف حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل. وبعد رفض منه اقتنع في نهاية الأمر وبدأ في الكتابة في الحرم المكي حتى أخرج للناس هذا الكتاب النافع الجامع.
• قيمة الكشاف العلمية:
وأما قيمة هذا التفسير، فهو- بصرف النظر عما فيه من الاعتزال- تفسير لم يسبق مؤلفه إليه، لما أبان فيه من وجوه الإعجاز في غير ما آية من القرآن، ولما أظهر فيه من جمال النظم القرآني وبلاغته، وليس كالزمخشري من يستطيع أن يكشف لنا عن جمال القرآن وسحر بلاغته، لما برع فيه من المعرفة بكثير من العلوم، لاسيما ما برز فيه من الإلمام بلغة العرب، والمعرفة بأشعارهم، وما امتاز به من الإحاطة بعلوم البلاغة، والبيان، والإعراب، والأدب، ولقد أضفى هذا النبوغ العلمي والأدبي على تفسير الكشاف ثوباً جميلاً لفت إليه أنظار العلماء وعلق به قلوب المفسرين.
إن قيمة الكتاب إذاً تبرز من خلال علمين مختصين بالقرآن الكريم وهما: علم المعاني، وعلم البيان، وبهما برع الزمخشري حتى أصبح سلطان هذا الفن، فلذا طار كتابه إلى أقصى المشرق والمغرب .
• خصائص التفسير ومميزاته:
يمتاز الكشاف بأمور منها:
1- خلوه من الحشو التطويل.
2- سلامته من القصص والإسرائيليات.
3- اعتماده في بيان المعاني على لغة العرب وأساليبهم.
4- سلوكه فيما يقصد إيضاحه طرق السؤال والجواب كثيراً، ويعنون السؤال بكلمة "فإن قلتَ" ويعنون الجواب بكلمة "قلتُ".وهذا مما زاد في تفسير الكشاف قيمة يجعل النفوس تميل إليه، والطباع راغبة في قراءته وتناوله.
وهكذا نجد الأئمة الذين تكلموا على الإمام الزمخشري وعلى تفسيره من الناحية الاعتزالية قد أثنوا عليه من الناحية الأدبية والبلاغية واللغوية .
• موقفه من المسائل الفقهية:
ونجد أن الزمخشري لا يتوسع في المسائل الفقهية أبداً، بل على العكس نرى أنه يتعرض لها إلى حد ما دون الميول إلى مذهبه الحنفي، فهو معتدل لا يتعصب لمذهبه الفقهي على عكس مذهبه الاعتقادي فإنه متعصب جداً .
• موقفه من الإسرائيليات:
إن الناظر في كتب التخريجات لأحاديث الكشاف، يجد أن الزمخشري مُقِلٌ من ذكر الروايات الإسرائيلية، وهو يتبع خطة للكشف عن هذه الروايات، بأن يصدر الرواية بلفظ "روي" المشعر بضعف الرواية، وبعدها عن الصحة، وإما أن يفوض علمه إلى الله تعالى وهذا في الغالب يكون عند ذكره للروايات التي لا يلزم من التصديق بها مساس الدين، وإما أن ينبه إلى ضعف الرواية وهذا في الغالب يكون عند الروايات التي لها مساس بالدين وتعلق به .
• انتصار الزمخشري لعقائد المعتزلة:
لقد نحى الزمخشري في تفسيره منحى الاعتزال – كما مر سابقاً- فجعل من التفسير طريقاً سهلاً لنصرة مذهبه الفاسد، ولإظهار آرائه الباطلة، فترى أنه يؤيد مذهبه بكل ما أوتي من قوة الحجة، وسلطان الدليل، فيأخذ من النصوص ما يشهد لمذهبه، ويتأول ما كان معارضاً له.
ومن أفكاره الزائفة التي يمكن ملاحظتها في الكثير من المواقع في تفسيره:
1. انتصاره لرأي المعتزلة في أصحاب الكبائر: بأنهم كفار مخلدون في النار .
2. انتصاره لرأي المعتزلة في الحسن والقبح العقليين: فهم يعتقدون أن القبح والحسن مصدرهما عقلي .
3. انتصاره لرأي المعتزلة في السحر: فالمعتزلة ينفون السحر والسحرة ولا يؤمنون بها، لذا نجد أنه يستهزئ ويسخر بأهل السنة القائلين بحقيقة السحر.
4. انتصاره لرأي المعتزلة في حرية الإرادة وخلق الأفعال: فقد تشدد في نسبة الأفعال إلى فاعليها رغم وجود آيات صريحة تصادم مقولته، وهي أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى.
5. انتصاره لرأي المعتزلة في عدم رؤية الله تعالى.
وهكذا ومن خلال هذا التفسير يظهر الزمخشري بمظهر المتعصب القوي لاعتزاله، وكذلك يظهر بمظهر العدو الشرس لأهل السنة والجماعة مما أثار عليه خصومه من أهل السنة والجماعة، فتعقبوه بالمناقشة والتفنيد، فرد عليه الكثيرون من أمثال ابن القيم في (أعلام الموقعين) ، وابن تيمية في (مقدمته في أصول التفسير) ، وأبو حيان في (البحر المحيط) وغيرهم كثير.
وبالجملة...نقول أنه بصرف النظر عما في الكتاب من الاعتزال- فالكتاب يعتبر من أحسن الكتب التي يرجع إليها في التفسير من ناحية البلاغة والتي لم يسبق إليه مؤلفه، ولكن على القارئ الانتباه عند النظر فيه.
المراجع:
إعلام الموقعين، لابن القيم الجوزية
التفسير والمفسرون- محمد حسين الذهبي