مع النمو المضطرد للإنترنت العربية، ونمو عدد المستخدمين، بدأ المشرفون على المواقع العربية الجدية يدركون أهمية تقنيات التخصيص personalization ، بل ويمكن القول أن هنالك ضغوطا على المشرفين على المواقع العربية لاعتماد تقنيات تخصيص المحتوى، وتخصيص تجربة المستخدم على مواقعهم بشكل عام، وذلك لأهمية هذه التقنيات في تقوية علاقة الزبائن بالمواقع وبالتالي تعزيز ربحية هذه المواقع. والهدف في النهاية هو جعل المستخدم سعيدا بتجربته ومساعدته في الحصول على ما يريده بسرعة، سواء كان ذلك خبرا أو صورة أو كتابا وما إلى ذلك. فكمية المعلومات الموجودة على الإنترنت، بل وضمن الموقع الواحد، تتنامى يوميا بشكل يفوق الوصف، ومن يستخدم الإنترنت لصنع القرار لا يريد تضييع الوقت في البحث عن المعلومة بل يريدها أن تأتي إليه بأقل جهد وتكلفة ممكنة. وعلى مواقع التجارة الإلكترونية فإن المستخدمين يريدون توفر ما يريدونه أولا، ويريدون الأمان ثانيا، ومستوى من الخدمة مشابه لما يحصلون عليه في المتاجر التقليدية ثالثا...بل ما يحصلون عليه في المتجر التقليدي إضافة لما هو أكثر من ذلك بكثير. فمثلا عندما تقوم بالعثور على الكتاب الذي تريده ضمن موقع أمازون amazon.com فإن الموقع لا يقدم فقط آراء وتعليقات الأشخاص الذين قاموا بقراءة الكتاب، بل ويقدم لك قائمة بالكتب المشابهة في الموضوع لذلك الكتاب وتلك التي اشتراها من اشتروا الكتاب، كما يقدم لك قائمة بكتب قد تهمك بناء على مشترياتك السابقة. التخصيص الحقيقي يعني استجابة الموقع لسلوك المستخدم. فعندما تتسوق في العالم الحقيقي وتقوم بشراء سلعة غير كاملة أو تعاني من مشكلة ما فإن مدير المتجر قد يمنحك خصما معينا أو قد يرشدك إلى سلعة مشابهة، أو قد يقوم بطلب سلعة جديدة لك، الخ. وعلى مواقع الإنترنت لا يوجد مدراء متاجر لمساعدتك فالجهاز المزود والتطبيقات التي تستخدمها هم مدراء المتجر. ما تقوم به تطبيقات التخصيص المتقدمة هو أنها تقوم بمراقبة تحركاتك على الموقع، وفور أن تلاحظ أنك مهتم بصفحة ما، أو حتى بعنصر ما على الصفحة، فإن الموقع يقوم بسؤالك مثلا إذا ما كنت ترغب بتخصيص ذلك الجزء من الموقع لحاجاتك، أو إذا كنت ترغب في الاشتراك في خدمة معينة يقدمها الموقع وتتعلق بما أنت مهتم به، أو حتى تخصيص تلك الصفحة من دون علمك. التخصيص هو السماح للمستخدم بتغيير ما يرونه من الموقع حسب متطلباتهم، وأيضا السماح للموقع بأن يغير نفسه وفقا لما يعتقد مدراء الموقع بأن المستخدم يريده. ولا شك في أن التخصيص الواضح للموقع قد يكون مزعجا للمستخدمين أحيانا، لكن التقنيات تتقدم بشكل سريع ومفيد أيضا بشكل يجنبنا هذه المضايقات.
نناقش فيما يلي بعض تقنيات وأساليب التخصيص المعروفة، إضافة لسلبياتها وإيجابياتها. أول نوع من أنواع التخصيص هو التخصيص المشروط Rules based-وهو أكثر أساليب التخصيص سهولة للفهم والتطبيق. وهنا يجب على مصمم الموقع أن يعرف شروط التخصيص مسبقا، وما يجب عليهم أن يحدث عند تطبيق كل من هذه الشروط. ومن الأمثلة على ذلك هو أنك إذا كان لديك موقع لبيع طابعات الليزر مثلا، وكانت لديك كمية زائدة من مخزون الحبر والورق الخاص بطابعة معينة، فيمكنك باستخدام التخصيص المشروط أن تقوم بالتخلص من هذا الفائض بوضع "جملة شرطية" من موقعك تقوم ببيع الورق أو الحبر بنصف السعر لكل من يقوم بشراء طابعة من موقعك. ومن المآخذ على أسلوب التخصيص المشروط هو محدوديته عند التطبيق. وأساس نجاح هذا الأسلوب هو أنه على مطور الموقع أن يكون على علم مسبق بقواعد التخصيص وما يجب فعله عند انطباق شرط معين. وهذا يعني بالتالي أنه يجب تعديل شيفرة الموقع باستمرار بما يتناسب مع متطلبات المؤسسة القائمة عليه. كما يمكن للمشاريع من هذا النوع أن تنمو بصورة تفوق القدرة على إدارتها عند طلب المزيد. أما الأسلوب الثاني من أساليب التخصيص فهو ما يُعرف باسم التصفية التعاونية collaborative filtering أو التخصيص الجماعي community based . وعند اعتماد هذه الطريقة فإنها تقدم للمستخدمين المحتوى اعتمادا على ما اختاره مستخدمون آخرون يشابهونهم في تفضيلاتهم. وهذه هي طريقة التخصيص التي تراها على مواقع مثل أمازون عندما يعرض الموقع عليك الكتب التي اشتراها آخرون ممن قاموا بشراء ما ستقوم بشرائه. وهذه الطريقة في التخصيص، رغم أنها نادرا ما تخيبنا على مواقع مثل أمازون، فإنها قد تنتج بعض التكهنات الخاطئة. والمشكلة أيضا في هذا الأسلوب من التخصيص هو أنه يجب على مطوري المواقع أن يقوموا بعمل افتراضات عامة، كما أنه لا يعتمد على أية معلومات شخصية بل على تقييم مجموعة كبيرة من البيانات الديموغرافية الخاصة بالمستخدمين. كما أنه يعتمد على الحصول على المعلومات من مستخدمين سابقين. وإذا لم يكن المستخدمون الآخرون قد زودوك بالبيانات الصحيحة لاستخدامها فإن ما سيحصل عليه المستخدمون المستقبليون لن يكون ذا معنى أو فائدة. وأخيرا، الأسلوب الثالث من التخصيص هو التخصيص الاستنتاجي inference، والذي يعتمد على تعلّم سلوك المستخدم بناء على ما يقومون بعمله على الموقع لحظيا. ويعني ذلك مراقبة النقرات التي يقوم بها المستخدمون على قسم معين، مثلا تسجيل المستخدمين الذين يقومون بالنقر على واختيار قسم كتب الكومبيوتر 7 مرات من أصل 10. وبناء على هذه الملاحظة نستنتج أن هذا المستخدم مهتم بكتب الكومبيوتر ويمكننا تخصيص الموقع لاحتياجاته تباعا. ومن الأمثلة على ذلك سؤالهم إذا ما كانوا يريدون الحصول على خصم على كتب كومبيوتر معينة، أو الحصول على مزيد من المعلومات، أو تغيير الصفحة الرئيسة لتعرض كتب الكومبيوتر الأكثر مبيعا. وهذا الأسلوب مشابه للتخصيص المشروط ولكن مع فرق واحد مهم سنذكره لاحقا. ومن "الميزات" الأخرى في هذا الأسلوب هو القدرة على تعلّم سلوك المستخدم. فإذا لوحظ أن المستخدم يقوم بشكل مستمر بالنقر على كتب الكومبيوتر فإن التطبيق يعامل المستخدم كشخص يبحث عن هذه النوعية من الكتب. ومن ناحية أخرى، فإذا لم يكن هنالك نمط معين لتسوق الشخص فيمكننا أن نعامله كشخص يتسوق للتسلية ونغير الموقع تباعا. ويمكن من خلال تجميع المستخدمين في فئات معينة أن يتم التنبؤ بشكل أكثر واقعية باحتياجاتهم. ومن الواضح أن هذا الأسلوب يحتاج إلى حجم كبير من الموارد مقارنة بالأساليب الأخرى. ومع أنه ليس صعب التطبيق فإنه يحتاج إلى موارد إضافية لمراقبة تحركات كل مستخدم يدخل إلى الموقع. وعند إضافة المعلومات الشخصية (مثلا ضع خصما على كتب الكومبيوتر إذا كان المستخدم قد اشترى جهاز كومبيوتر خلال الثلاثة أشهر السابقة)، فإن النظام يحتاج إلى موارد إضافية. ومن المآخذ الأخرى على هذا الأسلوب هو حاجة المطور لمعرفة القوانين التي يجب اتباعها مسبقا، مع أن حجم المعلومات المطلوب أقل مما هو مطلوب في أسلوب التخصيص المشروط. ومع أن هذا الأسلوب من التخصيص يقدم للمستخدم أعلى درجة من التخصيص فإنه قد يكون مزعجا عند استخدامه دوما. ومما سبق يمكننا أن نرى حسنات ومآخذ كل أسلوب، ولكن الأسلوبين الأولين يتميزان بأنهما للنظم غير القابلة على التكيف non-learning وأنها تعتمد على الاستجابة غير الآنية non-real-time، حيث أن نظم الاستجابة الآنية تقدم استجابة فورية وتفاعلا مباشرا مع المستخدم، بدلا من تقديم رد فعل محدد مسبقا. ويمكن للأسلوب الثالث تخطي هذه العقبات ولكنه يعتمد على كمية كبيرة من البيانات والموارد. وعند تصنيف هذه الأساليب من تخصيص المحتوى فإن البعض يضعها تحت تصنيفات مثل التخصيص الديموغرافي demographic personalization، التخصيص المُخطط pre-meditated personalization، والتخصيص الفوري spontaneous personalization .