يمارس كل فرد منّا من ذكر و أنثى في مجتمعه مجموعة من المسؤوليات التي يفرضها عليه مكان وجوده وقدراته . ومقدار معرفة الفرد لمسؤولياته وفهمه لها . ثم حِرصه على تحقيق المصلحة و الفائدة المرجوة منها ، يجعل المجتمع متعاوناً فعالاً تسوده مشاعر الانسجام و المودة بين أفراده . ويُعد الحديث الآتي أصلاً من أصول الشرعية التي تقرر مبدأ المسؤولية الشاملة في الإسلام.
عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال : سمعت الرسول محمد يقول : " كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته ، و الرجل راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيته ، و المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، و الخادم راعٍ في مال سيده ومسؤولٌ عن رعيته ، وكلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته ."
قررت الشريعة الإسلامية مبدأ المسؤولية الشاملة في المجتمع الإسلامي وحملت كل فرد فيه مجموعة من المسؤوليات التي تتفق وموقعه وقدراته ، وذلك في الدنيا و الآخرة .
وقد ذكر الرسول محمد في هذا الحديث ، مجموعة من المسؤوليات الخاصة لبعض من افراد المجتمع شملت الحاكم و الرجل و المرأة و العامل ، و أشار إليها بلفظ "راعٍ".
وفيما ياتي توضيح لهذه المسؤوليات:
فهرس |
الحاكم هو صاحب الولاية العامة على شؤون الناس عامة ، المكلف منهم بتطبيق شرع الله و تنفيذ أحكامة و الالتزام بها ، و الحرص على تحقيق مصالحهم جميعاً بحفظ حقوقهم ، وتأمين حاجاتهم ، و العمل على حفظ أمن الدولة و استقرارها ، سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الخارجي . وقد حذر الإسلام الحاكم من أي تقصير في القيام بمسؤولياته هذه ، وقرر مبدأ المسائلة و المحاسبة عليها في الدنيا و الآخرة .
اهتم الإسلام بالأسرة اهتماماً بالغاً ، وحرص على استقرارها و استمرارها ، فلأسرة هي أساس بناء المجتمع وتماسكه ؛ لذا تعددت التوجيهات الإسلامية التي ترسم خطوط بناء الأسرة ، و تُحدد مسؤوليات أفرادها .
فأعطى الله للرجل رئاسة الأسرة وحمله مسؤولية القيام على شؤونها بتأمين حاجاتها من مأكل و مشرب وملبس إلى غير ذلك مما تحتاجه . كما حمله مسؤولية حُسن تأديب أولاده و تعليمهم الدين و الخير وما لا يستغنى عنه من الآداب دون تمييز بين ذكر و أنثى .
وعدم قيام الرجل بمسؤولياته نحو أسرته أو تقصيره فيها يتوجب مسائلته عنها ثم محاسبته عليها في الدنيا و الآخرة .
اهتم الإسلام و الديانات السماوية الأخرى بالمرأة اهتمامه للرجل فحدد لها نطاق مسؤولياتها في الأسرة بما يتفق وبنائها الجسمي و العاطفي الذي لابد له من أن تظهر آثاره على أسرتها وبيتها . ولعل أول مسؤولياتها تبدأ بتحقيقها السكينة و الاستقرار لزوجها . ثم مسؤوليتها في تربية أولادها وتنشئتهم وتنمية قدراتهم العقلية و الانفعالية و الجسمية في ظل بيت تغمره المودة و الرحمة ، بالاضافة لمسؤوليتها في حفظ مال زوجها وحسن التدبير له ، ومحافظتها على عِرضه بحفظ نفسها .
ولا يعني هذا أن لا تقوم المرأة بأعمال أخرى في المجتمع الذي تعيش فيه . بل لأهمية الأسرة ودورها في بناء المجتمع الصالح نجد الحديث النبوي الشريف قد ركز على ذكر مسؤوليات المرأة في بيتها . وفي حالة تقصيرها عن قيامها في مسؤولياتها فإنها تُسأل أو تحاسب على ذلك في الدنيا و الآخرة مثلها مثل الرجل ؛ فهما في نظر الشريعة الإسلامية سواء في تحمل المسؤولية و المحاسبة .
العمل في الإسلام من أطيب أنواع الرزق و أفضله . سُئل الرسول محمد أي الكسب أطيب أو أفضل ؟ قال:"عَمَلُ الرجل بيده ، وكلُّ بيع مبرور" (المستدرك ، كتاب البيوع ، ج2،ص 13 . )
وبين لنا الرسول محمد في هذا الحديث أن كل عامل مؤتمن على العمل الذي يقوم به ، ومطالب بحسن إدارته و السعي في تحقيق صلاحه فقال الرسول محمد :"إنً الله يُحب إذا عًمِل أحدكم عملاً أن يتقنه" (مسند أبي يعلى ج7 ، ص 349،حديث 4386.)
بالإضافة إلى تقديم النصح و التوجيه لكل ما من شأنه أن يمس مصلحة العمل ، وأي إهمال أو تقصير للعامل في أمانته و إخلاصه في العمل يستوجب المساءلة و المحاسبة في الدنيا و الآخرة .