بيا (Pia) هو أول ملوك مملكة كوش بنبتة العاصمة بجنوب أسوان بمصر .وضع علي العرش بعدة إنتخابه من الكهنة ووافق الشعب الكوشي علي تنصيبه . وهذا كان متبعا مع الملوك الكوشيين من بعده.
يقول بيَّا في الخصوص تتويجه: "الآلهة تصنع الملك، والناس يصنعون الملك، إلا أن امون قد جعلني ملكاً". وقال "وهبني امون النبتى حق حكم جميع البلدان، فمن أقل له كن ملكاً يكن ملكاً، ومن أقل له لا تكن ملكاً لا يكون، ووهبني امون في طيبة حكم مصر، فمن أقل له فلتصعد متوجاً يتوج، ومن أقل له لا تصعد متوجاً لا يتوج، وكل من منحته حمايتي لا يخشى على مدينته، ولن أقوم بحال باحتلالها". قال هذا بعدما أخضع الزعماء المحليين بمصر وكوش.
بعد السلام والإستقرار الذي تحقق في مملكته بيا :تفرغ للنشاط المعماري وبدأ في تزيين العاصمة نبتة وقام بتشييد المعبد الرائع في جبل البركل بديلاً عن المعبد القديم الأصغر حجماً، كما استكمل بناء المعبد الذى كان قد بدأ في تشييده كاشتا.وفي حوالي 730 ق.م.، قاد بيَّا بنجاح حملة إلى مصر خلد انتصاره فيها بحولياته التى كتبت بلغة مصرية رصينة بالخط الهيروغليفي. وكانت سياسة بيَّا التى اتبعها في مستعمرته المصرية إكتفاءه بما حققه من نجاح سابق وما ناله من هدايا وغنائم وما فرضه من جزية، فجعل الإشراف على إدارة الدلتا لمدينة طيبة البعيدة إلى الجنوب وعاد لعاصمته نبتة تاركاً الدلتا تحت سيطرة حاكمها تف نحت الذي استغل عودة بيَّا إلى كوش فبدأ في تهديد أمن الممتلكات الكوشية في مصر العليا، متحالفاً مع ملوك وأمراء الشمال، ولم يصدر عن بيَّا أى رد فعلٍ بل تركهم يزحفون إلى الجنوب حتى استولوا على هيراكليوبولس، عندها أمر الحامية الكوشية في منطقة طيبة بالتصدى لهم عند الإقليم الخامس عشر كما أرسل التعزيزات العسكرية.فاستدعى جلالته القادة العسكريين والضباط الموجودين في مصر، وهم باروما و ليميرسكنى وسائر ضباطه في مصر، وقال لهم: اتخذوا وضع الاستعداد، وخوضوا المعركة، والتفوا حول العدو وحاصروه. وأأسروا رجاله ومواشيه وسفنه النهريَّة وامنعوا المزارعين من التوجه إلى الحقول، والفلاحين من حرث الأرض. اضربوا الحصار حول إقليم الأرنب وقاتلوا العدو كل يوم بلا هوادة .وهذا ما فعلوه: وأرسل جيشاً إلى مصر، وأوصاهم مشدداً قائلا :لا تنقضوا على العدو ليلاً وكأنكم تلعبون وتلهون، ولا تحاربوا إلا وأنتم مبصرون، وخوضوا ضده المعركة دون الاقتراب منه. واذا قال لكم: انتظروا المشاة وسلاح المركبات القادمة من مناطق أخرى. فتريثوا لحين وصول جيشه، ولا تبدأوا المعركة إلا عندما يطلب ذلك، واذا كان حلفاؤه في مدينة أخرى فاصدروا الأوامر بالإنتظار حتى يصلوا، وحاربوا في المقام الأول القادة العسكريين المصاحبين له كحلفاء، وحرسه الخاص من الليبيين، وعند استعراض الجيش لا ندرى لمن نوجه الحديث، فنقول: أيا أنت أسرج أفضل ما في إسطبلك من جياد وهئ نفسك للمعركة عندئذ سوف تعرف اننا رسل امون" وينصح بيَّا قواته قائلاً: "اذا بلغتم طيبة و وقفتم أمام ابت سوت اغمروا في الماء وتطهروا في النهر وارتدوا الكتان النقي، وحطوا الأقواس والقوا السهام جانباً، لا تتباهوا بأنكم أصحاب سلطة في حضرة الذى بدون رضاه ليس للشجاع قدرة، فيجعل الضعيف قوياً ، والجموع تتراجع أمام القلة وتعود أدراجها ويتغلب الفرد على ألف وتبللوا بماء هياكله، وقبلوا الأرض بين يديه وقولوا له: أرشدنا إلى الطريق، فلنحارب في ظل قوتكولتكن معارك المجندين الذين بعثت بهم مظفرة، وليستولى الرعب على الجموع عندما تواجههم.ويبدو أن القوات الكوشية حاصرت القوات المصرية المتحالفة وأجبرتها على خوض المعركة، فارضة عليها الاحتماء بمدينة هرموبولس التى تمَّ ضرب الحصار عليها, فقط حينها توجه بيَّا بنفسه إلى مسرح العمليات متوقفاً في طريقه للاحتفال بالعام الجديد في الكرنك، وكان غرض بيَّا من ذلك مزدوجاً، فمن جانب أراد أن يعلن للملأ اعتراف امون به ملكاً، ومن جانب ثانٍ استهدف إضعاف القوات المصرية المُحاصرة بإطالة أمد الحصار تدميراً لروحها المعنوية. وأثناء ذلك اجتاحت قواته مصر الوسطى، ووصل إلى هرموبولس فأخضع ملكها نمرود كما استسلمت مدينة هيراكليوبولس دون أن تنتظر استيلاء بيَّا عليها واعترف حاكمها بولاية بيَّا في خطاب مشحون بالعبارات الأدبية جاء فيه: "تحية لك أيَّا حورس، أيها الملك القوى، إنك الثور الذى يقاتل الثيران! لقد استحوذت الدات (أى العالم السفلى) علىَّ وغمرتني الظلمات، فهل لي أن أمنح وجهاً كوجهك المشرق! لم أجد من يناصرنى وقت الشدة، ولكن بفضلك أنت وحدك أيها الملك القوى انقشعت الظلمات من حولي! فأنا وجميع ممتلكاتي في خدمتك، وتدفع مدينة ننى سوت الضرائب لجهازك الإداري، فأنت بالتأكيد خوراختى، حور الأفقين الواقف على رأس الخالدين، وبقدر بقائه تبقى أنتَّ ملكاً، وكما أنه خالد لا يموت فأنت أيضاً خالد لا تموت، أيا بيَّا يا ملك الوجهين القبلي والبحري، لك الحياة إلى الأبد".بعدها توجه بيَّا إلى الشمال واستولى دون مقاومة على القلعة التى شيدها اوسركون الأول لمراقبة مدخل الفيوم، ثم زار مدينة هليوبولس لأداء الشعائر التقليدية التى تقام للإله امون وقدم القرابين فوق تل الرمال، ويسرد النص أن بيَّا اتجه إلى "مقر رع في موكب رهيب، فدخل المعبد وسط تهليل الحاضرين والكاهن المرتل يتعبد للإله لإبعاد أعداء الملك، ثم اقيمت شعائر بردوات وربط العصابة الملكية، وتطهر جلالته بالبخور والماء. ووقف الملك بمفرده، وكسر ختم المزلاج وفتح مصراعى الباب وشاهد والده رع في قصر البن بن المقدس ومركب النهار المخصصة لرع ومركب المساء المخصصة لأتوم، ثم أغلق مصراعي الباب ووضع الطين وختم الملك بخاتمه الخاص، وأصدر تعليماته للكهنة قائلاً: لقد قمت أنا شخصياً بوضع الختم، لن يدخل المكان أحد سواى ممن يدعون أنهم ملوك، وانبطحوا على بطونهم فوق الأرض قائلين: ثابت أنت ودائم، فليحي حورس محبوب رع، إلى الأبد! دخولاً إلى مسكن أتوم".أما تف نخت قائد المتمردين فقد أرسل إلى الملك المنتصر بيَّا رسولاً ليتفاوض نيابة عنه وحملَّه رسالة إلى بيَّا جاء فيها: "ألم يهدأ قلب جلالتك بعد كل ما ألمَّ بى بسببك؟ أجل انى بائس، ولكن لا تعاقبنى بقدر الجرم الذى ارتكبته، أنت تزن بالميزان وتحكم طبقاً للوزنات! وفى إمكانك مضاعفة جرمي أضعافاً مضاعفة، ولكن ابق على هذه الحبَّة، وسوف تعطيك حصاداً وفيراً في الوقت المناسب، لا تقتلع الشجرة من جذورها! إن كاءك (روحك) تثير الرعب في أحشائي وترتعد أوصالي من شدة الخوف! ومنذ أن علمت باسمي لم أجلس في بيت الجعة (إندايَّة) ولم أستمع إلى عزف الجنك، لقد أكلت وشربت ما يكفى فقط لرد جوعى وإطفاء ظمئى. وصل الألم إلى عظامي، وأسير عارى الرأس مرتدياً الأسمال حتى تعفو الآلهة نيت عنى. لقد فرضت على السير مسيرات طويلة، أنت تلاحقنى على الدوام، فهل أسترد حريتى ذات يوم؟ طهر خادمك من ذنوبه، ولتنتقل ممتلكاتي إلى الخزينة العامة، وكافة ما أملك أيضاً من ذهب وأحجار كريمة وأفضل جيادي وكافة تجهيزاتى، أرسل رسولك ليطرد الخوف من قلبى وأذهب في صحبته إلى المعبد ليطهرني القسم الالهى". وأرسل له بيَّا بالفعل كبير الكهنة المرتلين يرافقه القائد العكسرى الكوشي باورما حيث أقسم تف نخت أمامها في المعبد القسم الالهى التالي: "لن انتهك المرسوم الملكى ولن أتهاون في أوامر صاحب الجلالة، ولن أسلك سلوكاً مذموماً في حق قائد عسكري في غيابه وسوف أتصرف في حدود الأوامر الصادرة من الملك دون أن اخرق ما أصدره من مراسيم، عندئذ أعلن صاحب الجلالة موافقته".بعد تلك الانتصارات ثبت بيَّا حكام الدلتا المصريين كل في إقليمه متجنباً إعطاء الكثير للذرية الليبية لفراعنة مصر القدماء مستثنياً واحداً منهم فقط هو نمرود بوصفه متحدثاً نيابة عنهم. ويصف النص وصول أولئك الحكام لأداء فروض الطاعة والولاء: "لَّما أضاءَّ الأرض نهار جديد، حضر عاهلا الجنوب وعاهلا الشمال والصل على جبينهم وقبلوا تراب الأرض أمام قوة صاحب الجلالة. وهكذا جاء ملوك وقادة الشمال ليشاهدوا بهاءَ جلالته، وكانت سيقانهم ترتعش وكأنها سيقان نسوة، ولكنهم لم يدخلوا إلى مسكن الملك حتى لا يدنسوه بالنظر إلى أنهم لم يختنوا ولأنهم يأكلون السمك. أما الملك نمرود فقد دخل مسكن الملك إذ كان طاهراً ولا يأكل السمك".ومن ثم قرر بيَّا العودة إلى نبتة وكان أن: "حُملت السفن بالفضة والذهب والأقمشة وسائر خيرات الشمال وكل ثمين وسائر كنوز سوريا وعطور بلاد العرب، وأقلعت سفن صاحب الجلالة صوب الجنوب وكان جلالته منشرح القلب، وعلى الجانبين كان الأهالي على شاطئ النهر يهللون من نشوة الفرح، وأخذ الجميع -شرقاً وغرباً- كلما بلغهم النبأ ينشدون عند عبور صاحب الجلالة أنشودة فرح وابتهاج، تقول الأنشودة: أيها الأمير القوى، أيها الأمير القوى، أيا بيَّا، أيها الأمير القوى! ها أنت تتقدم بعد أن فرضت سيطرتك على الشمال، إنك تحول الثيران إلى إناث! طوبى لقلب المرأة التى أنجبتك! وطوبى لقلب الرجل الذى من صلبك! وأهل الوادي يحيونه فلتحي إلى الأبد، فقوتك خالدة أيهُّا الأمير المحبوب من طيبة". فضلَّ الملك الكوشي بيا ألا يحكم مصر شخصياً بصورة مباشرة، فلجأ إلى إتباع سياسة منح الحكم الذاتي للمصريين تاركاً السلطات الإدارية بأيدي الحكام المحليين الذين أدوا له قسم الطاعة والولاء، مكتفياً بالإشراف الفعلي على منطقة طيبة والطرق الغربية حتى الواحة الداخلة.