برام ستوكر 8 نوفمبر 1847 في دوبلن - 20 أبريل 1912 في لندن. كان كاتب إيرلندي اسمه بالكامل ابراهام أو برام ستوكر، اشتهر في أرجاء العالم كافة بروايته «دراكولا» وعلى الرغم من أنه ولد ضعيفا وتوقعت عائلته المكونة من والديه واخوته الستة وفاته في أية لحظة سيما وأنه كان يعاني من مرض غير معروف حيث لم يستطع المشي أو الجلوس من دون مساعدة حتى بلغ السابعة من عمره وكذلك الأمر بالنسبة إلى مقدرته على الكلام، فقد تجاوز مرضه وتحول إلى شاب رياضي مفعم بالحيوية حتى أنه حاز على لقب بطل كرة القدم في كلية ترينتي.
كما تفوق في دراسته وحاز على مرتبة الشرف لدى تخرجه وقد برع في الرياضيات والعلوم والتاريخ واللغة، وتبع خطى والده في العمل في الخدمة المدنية كموظف في قلعة دبلن وخدم فيها ثماني سنوات نزولا ند رغبة والده، وخلال تلك الفترة كان ينشر في المجلات بعض القصص، منها «كأس الكريستال» عام 1872، و«سلسلة القدر» عام 1875، و«لعنة الروح» عام 1880، بالإضافة إلى تعاونه مع بعض المجلات كناقد مسرحي من دون أجر.
وبعد أن ربطته صداقة عمر بالممثل البريطاني الشهير سير هنري أيرفينغ، عمل مديرا لأعماله، ثم دفعه شغفه بالمسرح لأن يصبح مديرا ناجحا لمسرح ليسيوم الخاص بالممثل، واستمر في وظيفته مدة سبعة وعشرين عاما حتى وفاة صديقه في عام 1906.
ومن خلال الوسط الفني، تعرف على نخبة شخصيات المجتمع الأيرلندي والبريطاني، وقد ربطته صداقة بمجموعة أدباء منهم آرثر كونان دويل وألفريد لورد تينيسون ومارك توين وأوسكار وايلد الذي تنافس معه على طلب ود الفتاة الجميلة فلورنس بالكومب، التي اختارت في النهاية ستوكر وتزوجا في عام 1878.
تميز ستوكر بالنشاط والحيوية، حيث قدم إلى جانب عمله كمدير مسرح العديد من المحاضرات، وسافر بصورة مكثفة مع فرقة المسرح سيما إلى الولايات المتحدة وكتب الكثير من المقالات والمواضيع عن صديقه أيرفينغ وأعمال الفرقة المسرحية.
وعلى الرغم من انشغاله، فقد تمكن من كتابة روايته الأولى الرومانسية وهي بعنوان «درب الثعبان» ونشرت في عام 1890، وعمل بعدها على كتابة روايته «دراكولا» التي لم ينته منها إلا في عام 1897 وقد حققت له تلك الرواية شهرة لم يكن يحلم بها.
وحينما توفي صديقه سير أيرفينغ أصيب ستوكر بنوبة قلبية. وخلال مرحلة نقاهته من المرض عمل على كتابة السيرة الذاتية لحياة هذا الممثل من خلال الصداقة التي ربطتهما، وتم نشر الكتاب في 1906.
ومن الجدير بالذكر أنه نشر قبل مرضه روايتان، أولهما «لغز البحر» ونشرت في عام 1902 والثانية رواية رومانسية بعنوان «الرجل» ونشرت عام 1905، وهاتان الروايتان جديرتان بالقراءة، سيما لكونهما تتناولان أدوار الرجل والمرأة في المجتمع، وأيضا التصور العام الذي يحمله ستوكر تجاه المرأة.
كما استمر هذا الأديب في كتابة روايات الرعب والغموض، مثل رواية «جوهرة السبع نجوم» ونشرت عام 1903 وتدور أحداثها في مصر، ورواية «سيدة الخمار» ونشرت عام 1909، و«مخبأ الدودة البيضاء» ونشرت عام 1911، وفي سنواته الأخيرة تدهورت صحته بصورة متسارعة، وتوفي في 20 ابريل عام 1912.
وعلى الرغم من أن أسباب موته ما زالت غامضة وأثارت الكثير من الجدل، إلا أن كاتبي سيرته الذاتية تجنبوا الحديث عن هذا الأمر. وقد نشر حفيده دانييل فيرسون مؤخرا في كتاب سيرة حياته أسباب وفاة جده، حيث بين الأطباء إصابته بالشلل العام المرتبط بداية بالجنون. ويفسر بعض المختصين أن هذه الأسباب ترتبط بمرض السفلس وإن لم يكن تفسيرهم مؤكدا علميا.
وبالعودة إلى روايته «دراكولا» التي تعتبر الرائدة في عالم روائع أدب الإثارة والرعب، والتي عرف معظمنا قصتها من خلال قراءة الرواية أو مشاهدة أحد الأفلام السينمائية العديدة التي تناولتها، ربما يستهوي القارئ معرفة ما ألهم هذا الأديب لكتابة موضوع تلك الرواية، والاطلاع على مضمونها الأصلي الذي غاب عن العديد من المخرجين السينمائيين والمسرحيين الذين قدموا هذا العمل.ربطت ستوكر صداقة ببروفيسور من جامعة بودابست بهنغاريا.
وفي أحد لقاءاتهما حكى الأخير لصديقه قصصا عن أساطير مصاص الدماء في ترانسلفانيا، وعليه توجه ستوكر إلى أهم المكتبات في لندن ودرس جميع المواضيع والأبحاث التاريخية عن مصاصي الدماء في ترانسلفانيا، وكذلك في مختلف أنحاء أوروبا. كما درس أيضا طائر الخفاش وهو من الثدييات كمصاص دماء، والذي يعيش في جنوب أميركا.
واستوحى فكرة بطل روايته من شخصية حقيقية وهي الأمير فياد دراكولا الذي حكم هنغاريا ورومانيا، وكذلك أيضا من الشخصية الواقعية الكونتيسة إليزابيث باثوري من ترانسلفانيا، التي اشتهرت بجمالها، والتي حينما بدأت تتقدم بالعمر أصيبت بجنون الخوف من فقدان جمالها، واعتقدت بأن دماء الفتيات الشابات ستحفظ لها ديمومة تألقها. وهكذا فقد قتلت 50 من خادماتها لتسبح في دمائهن، وذلك قبل أن تكتشف فعلتها حيث احتجزت خلف جدران قلعتها حتى وفاتها في عام 1614.
وقد كتبت هذه الرواية التي تدور أحداثها في أواخر القرن التاسع عشر على نمط مذكرات يرويها البطل جوناثان هاركر، المحامي الشاب الذي يكلف بمهمة الذهاب إلى ترانسلفانيا للقاء الكونت دراكولا المقيم في قلعته في منطقة نائية لإنجاز الأوراق الرسمية الخاصة بملكيته الجديدة في بريطانيا.
وتتجلى موهبة ستوكر في إضفاء المصداقية على روايته من خلال شخصية البطل المتزنة العقلانية التي تعتمد على الدقة والنظام في ترتيب أمور حياتها.
وبوصول هاركر إلى القلعة وقضائه بضعة أيام برفقة الكونت، يبدأ بالتنبه إلى بعض الوقائع الغريبة في القلعة، ومنها عدم وجود أية مرآة وكذلك عدم تناول الكونت للطعام أو الشراب، بالإضافة إلى غيابه الدائم خلال النهار وعدم نومه في غرفته وغير ذلك من دلائل تجعل القارئ يتابع الأحداث برفقة البطل الذي يتوحد معه.
وتنتقل الأحداث بعد ذلك إلى بريطانيا، وبالتحديد إلى مقاطعة وايتبي حيث تصل إليها خطيبة هاركر وتدعى مينا للقاء صديقة عمرها لوسي، وحينما تصل سفينة غريبة مرفأ المقاطعة في ليلة عاصفة يستحيل فيها تمكن أية سفنية دخول المرفأ بسلام، تفقد المنطقة أمنها وسلامتها.
ويجمع الأصدقاء وهم بالإضافة إلى مينا وهاركر، الدكتور جون سيوارد وهو مدير لمصحة للأمراض العقلية وأحد المعجبين بلوسي وأرثر هولموود خطيبها وكوينسي موريس الثري الأميركي الذي يمول الفريق والدكتور ابراهام فان هيلسينغ المحامي والضليع بالتاريخ والفولكلور والأساطير، هدف الانتقام من الكونت دراكولا الذي حول صديقتهم لوسي إلى مصاصة للدماء أسوة بالكثير من سكان المنطقة.
وبعد العديد من المغامرات والمطاردات التي تثير الرعب في القارئ، ينجح الأصدقاء أخيرا في اللحاق بسفينة الكونت الهارب إلى ترانسلفانيا، والتمكن بعد معركة مع الغجر الذين يقلون تابوته من قتله بغرز وتد في قلبه وفصل رأسه عن جسده وحشوه بالثوم حيث يتحول حينها الجسد إلى رماد.
وهذه الرواية التي تناولتها السينما بصورة تجارية، تحمل أبعادا ومضمونا عميقا، فهي تجسد الصراع بين قوى الخير والشر، وتعتمد على أفكار العهد الفيكتوري المثالية، حيث ينتصر الخير في النهاية، إلا أن ما فات الكثيرين هو أن ستوكر كان يحاول من خلال روايته تلك تجسيد فساد المجتمع الطبقي في عهده، حيث تمثل شخصية الكونت فساد وجشع الطبقة الارستقراطية مقابل مجموعة الأصدقاء التي تمثل الطبقة الوسطى والتي تنتصر في النهاية.