الرئيسيةبحث

اليازوري


الحسن بن علي بن عبدالرحمن أبو محمد اليازوري: ولد في يازور واليها نسبته. كان أبوه من أهل يازور ومن ذوي اليسر وقاضياً فيها، فلما مات خلفه ابنه أبو محمد، ثم ولي القضاء في الرملة فأخذ يكرم العلماء ويحسن اليهم ويجالسهم كما ولي عمارة المسجد الأقصى في القدس عام 417 هـ. ولما عزل عن القضاء، ربما لأنه كان ينقد احكام قاضي القضاة في مصر، جاء إلى مصر ومعه احمال من التفاح أهداها إلى كبار رجال الدولة. وبفضل أحد هؤلاء الكبار تمكن من الوصول إلى خدمة أم الخليفة المستنصر بالله.

فعمل في ديوانها في سنة 439 هـ: 1047 م ثم أخذ يتقدم في وظائف هذا الديوان إلى أن عين في منصب قاضي القضاة مضافاً إليه «داعي الدعاة ـ منصب الدعوة للمذهب الشافعي» وكان ذلك سنة 441 هـ: 1040م.

ثم أخذ نفوذ اليازوري يزداد لدى ام الخليفة فعينت ابنه «محمد بن الحسن» نائباً لوظائف والده، كما عينت ابناً آخر له على قضاء الشام.

وفي 7 من المحرم سنة 442 هـ: أول حزيران 1050م تولى الفلسطيني الحسن أبو محمد اليازوري أمر الوزارة بالاضافة إلى وظائفه السابقة: قاضي القضاة وداعي الدعاة والنظر في ديوان ام المستنصر. وقد تلقب بألقاب كثيرة لم يسبق اليها. فهو: الناصر للدين، غياث المسلمين، الوزير الأجل، الأوحد، المكين، سيد الوزراء، تاج الأصفياء، قاضي القضاة وداعي الدعاة، علم المجد، خليل أمير المؤمنين.

وبذلك زاد نفوذه زيادة كبيرة لم تكن لوزير قبله حتى أنّ أسمه قرن باسم الخليفة على السكة «العُملة».

وقبل أن يتولى اليازوري الوزارة كانت قد حصلت في مصر مشاحنات بين عدة وزراء قبضوا على زمام الأمور بالتوالي (427 ـ 442 هـ: 1036 ـ 1050م). وفي مدتهم خسرت البلاد شمالي أفريقية، كما خرجت عليهم الولايات السورية. ولما تولى اليازوري الوزارة بذل قصارى جهده في معالجة الاخطار التي كانت تتهدد البلاد وأهمها خطر المجاعة التي كان يصحبها غالباً الوباء والبؤس العام وما يتبع ذلك من الفوضى والجرائم. ووجد اليازوري في اهراء الغلال ما أبعد ذلك الخطر مدة حياته. فكثرت الغلال في الأسواق وهبطت أسعارها مما أوجب الثناء عليه، حتى قيل انه بلغ ثمن عشرة أرطال من الخبز درهم واحد. كما وضع حداً للفتن التي كانت تقوم بين الجند وغيرهم، ولثورات البدو وللفوضى والنزاع بين الزعماء.

واليازوري هو الذي دبر فتنة «أبي الحارى البساسيري» وأثاره على العباسيين وكان من أثر هذا التدخل ان انتصر البساسيري، فكان انتصاره هذه مقدمة لدخول الفاطميين بغداد، والدعاء في مساجدها لخليفتهم، ـ المستنصر، وقد نقش اسمه على الدنانير والدراهم بعد أن ازيل عنها اسم الخليفة العباسي.

وقد بلغ خراج الدولة الفاطمية في عهد وزارة اليازوري 000/000/2 دينار في السنة.

وفي عهده أخذ المغرب يتعرب وذلك على أثر نزوح «بني هلال» و«بني سُلَيْم». وغيرهم من القبائل العربية، بتدبير من أبي محمد الحسن اليازوري واليك البيان:

لما خرج القرمطي الحسن بن أحمد المعروف بالاعصم أو الاعظم من «الحسا» إلى الشام قاصداً الفاطميين خرج معه جماعات من بني سُلَيْم ومن جاورهم من بني عمومتهم من بني هلال.

وبعد أن هزم الخليفة الفاطمي «العزيز بالله» الاعصم أمر بنقل اتباعه من بني هلال وسليم من الشام إلى الصعيد في مصر.

ولما أخذ «البربر» في المغرب يسعون للانفصال عن الفاطميين أرسل اليازوري ضدهم قبائل عربية معظمها من بني سُلَيْم وهلال عرفت حملتهم باسم «الغزوة الهلالية»، وقدر عدد الغزاة بأكثر من خمسين ألف نسمة.

حدثت مصادمات عنيفة بين بني هلال وغيرهم من القبائل العربية من جهة وبين قبائل «زناتة» من البربر من جهة اخرى خلدتها قصة بني هلال التي وصفت لنا البطل «أبا زيد الهلالي» وعدوه «خليفة الزناتي». وقد جسمها مؤلفوها وكبروها بما اضافوه اليها الشيء الكثير من خيالهم.

نجحت الدولة الفاطمية بهؤلاء العرب في القضاء على نفوذ أعدائها، ويعتبر هذا الغزو العربي للمغرب حدثاً هاماً في تاريخه لما ترتب عليه من تغيير عنصري بحيث تحول الجزء الأكبر من أهله إلى عرب.

ومن الثورات البدوية التي اطفأها الوزير اليازوري في مصر ثورة قبيلة «بني قرة» وهي من بطون هلال وقيس، كانت تنزل نواحي الاسكندرية وغيرها. وبعد أن قضى على ثوراتهم أحل اليازوري مكانهم قبيلة «سنبس» التي كانت في فلسطين.

لقد تقدمت الصناعة العربية من الصياغة والحياكة والتطريز والتصوير تقدماً كبيراً في العهد الفاطمي، وقد زين الخلفاء والوزراء قصورهم بالكثير من هذه المصنوعات.

فقد كان الوزير اليازوري ذواقة للصور والرسوم وحريصاً على أن يقتنيها، وعلى أن يجمل بها أثاثه وأدواته مهما كلفه ذلك من ثمن. وقيل انه كان لليازوري «مِضْرَب» يتألف من مجموعة رسوم فنية، كلفه ثلاثين ألف دينار، واشتغل في صنعه مائة وخمسون فناناً مدة تسع سنوات حتى أتموه. وكان ارتفاع أعمدته مائة وعشرين قدماص واتساع محيطه الف قدم تقريباً. وقد نقشت على أحد جوانبه صور جميع حيوانات العالم.

وكان اليازوري يقرب اليه المصورين والرسامين ويجالسهم ويشترك في مناقشاتهم الفنية. والقصة التالية التي رواها المقريزي في خططه تبين مدى الاحتفاء بفن التصوير في العصر الفاطمي في عهد هذا الوزير الفلسطيني:

تطور النقاش بين الرسامين الشهيرين ابن عزيز والقصير إلى تنافس، في أحد مجالسهم الوزير اليازوري. فتحدى ابن عزيز زميله انه في استطاعته أن يرسم راقصة على سطح جدار بحيث تبدو لمن ينظر اليها كأنها خارجة منه ورد القصير على تحدي زميله بأنه يستطيع بدوره أن يرسم الراقصة كأنها دخلة فيه.

وطلب الوزير من الرسامين المتنافسين أن ينفذ كل منهما تحديه، وفعلاً أتما كلاهما العمل، وكشفا عن صورتيهما، وكم كانت دهشة الشاهدين حين وجدوا ان كلاً منهما قد نفذ وعده بكل دقة. فرسم أحدهما صورة الراقصة بثياب بيضاء على أرضية سوداء فبدت كأنها خارجة من الحائط، ورسم الآخر الراقصة بثياب حمراء على ارضية صفراء فبدت كأنها داخلة فيه: أي أنّ الرسامين قد استغلا تأثير الألوان في خداع النظر.

بقي الوزير اليازوري في منصبه حتى أمر المستنصر بالقبض عليه بوشاية اتهمه فيها أعداؤه بأنه يرسل السلاجقة ويدعوهم لغزو مصر. امر الخليفة بقطع رأسه وكان ذلك في 22 صفر من عام 450 هـ: 1058م وبذلك انتهى أمره.

وبعد قتله رجعت الحالة في مصر إلى ما كانت عليه من الفوضى والنزاع بين الوزراء، والفتن والقلاقل بين الجند وغيرهم. فاختلت الاحوال وتزعزعت اركان الحكومة حتى تعاقب نحو 40 وزارة في مدة تسع سنوات.

قال المقريزي: «فلما قتل الوزير أبو محمد لم تر الدولة صلاحاً. ولا استقام لها أمر، وتناقضت على امورها، ولم يستقر لها وزير تحمد طريقته، ولا يُرضى تدبيره، وكثرت السعاية فيها، فما هو إلاّ أن يستخدم الوزير حتى يجعلون سُوْقَتهم ويوقعوا به الظن، حتى ينصر ولم تطل مدته».

وقد صنف المؤرخون في سيرة «اليازوري» كتباً اشهرها «السيرة اليازورية» التي لم تصلنا.

وعرفنا من أولاد اليازوري «محمد أبو الحسن» عرف بعلمه الوافر وذكائه الممتاز مع نزاهة وعفة، عمل في وظائف الدولة في الشام. وبعد مقتل والده اضحى فقيراً، ولا نعلم ماذا جرى له بعد ذلك. وفي قول آخر انه قتل مع أبيه عام 450 هـ.


غسان تيم