الهوير: مقاطعة إدارية تابعة لقضاء المدينة وكانت سابقا تابعة لقضاء القرنة يبلغ تعداد سكانها حوالي 110 آلاف شخص، وهي أكبر مقاطعة تابعة لإقليم البصرة من حيث المساحة، حيث تمتد ما بين القرنة التي تحدها من الشرق إلى المدينة التي تحدها من الجنوب الغربي وتشتمل على العديد من المناطق التي منها "الهوير الصغير، وهوير السادة، وهوير عكاب، والخاص وخميسة، والسمايد، وشلهة الحجاج، وشلهة كباشي، والخيوط، وأم الشويج، ومناطق عديدة أخرى. تشتهر الهوير بأنها مركز تجاري، بحيث يبلغ عدد معامل صناعة الحديد والاخشاب قرابة ألفي معمل للأبواب والشبابيك والموبيليا، بالاضافة إلى عمل أهلها بالزراعة. تشتهر الهوير أيضا بمناظرها الطبيعية الجميلة، وبأهوارها التي تمتد حتى حدود محافظتي الناصرية في الشمال الغربي، والعمارة في الشمال الشرقي. من أبرز شخصيات الهوير رئيس العراق المؤقت رئيس مجلس الحكم عز الدين سليم.
أبناء الهوير.. صناع ماهرون وتجار ناجحون ينقصهم الدعم والخدمات التاريخ: Friday, April 07 عن صحيفة الصباح البغدادية اسم الصفحة: اخر الاخبار على الساحة العراقية
البصرة ـ عبدالامير الديراوي بين مهنة صنع المشاحيف وورش انتاج الموبيليا عند عتبات الماء الاولى.. وفوق مساحة القصب والبردي تستقبلك مدن الماء والخير.. وأولها مدينة -الهوير- تلك المدينة التي وجدت لتقي الناس من طغيان مياه الهور واحتواء احتمالات الضرر الذي قد يصيب المناطق القريبة..
والهوير قطعة فريدة من الارض تتوزعها جزر يدعوها الناس (اليزاير) حين تلتقي ببعضها تشكل بمجموعها ناحية الهوير وهو اسم مصغر لكلمة هور او لكونها تقع عند فم الهور والبداية الطبيعية له وبالرغم من ان الباحثين في تاريخ المنطقة قالوا ان اسم الهوير جاء من كون هذه الارض ملكاً لشخص يدعى هوير إذ وجدوا ختماً طينياً يحمل اسمه وهو ايضا أول من سكن المنطقة لكن هذا الرأي لا يصمد امام الرأي الاول بكونها تصغيرا لكلمة هور التي يتفق عليها أكثر الرواة ممن التقيناهم في الناحية خلال جولتنا ومعظمهم من كبار السن والباحثين في مثل هذه الجوانب ففي الهور تلمس لدى الجميع حب المعرفة ويتبادلون الامثال والحكايات التارخية ويخوضون حديث الثقافة والعلوم فتشدك اليهم حلاوة احاديثهم وعمق تجربتهم الحياتية في جوانبها المختلفة.. جلسات طويلة تمضيها مع أبناء الهوير فتغوص واياهم في نقاشات هادئة تنسى خلالها الوقت لولا تلك العروض التي يقدمها بعضهم عن حجم المعاناة في حياتهم اليومية فالكلام حول المشكلات يحمل الكثير من المرارة والحزن والالم لان هذه المنطقة عانت الكثير ومازالت تعاني. في بيوت الهوير الطينية وبين ازقتها الضيقة والعتيقة نشأت باقات خيرة من أبناء العراق من الضباط والشعراء والمثقفين تجمع تراثهم ونتاجاتهم الادبية ديوانيات ومجالس يقصدها الابناء للافادة من الاحاديث والقراءة ومتابعة امور الحياة الاخرى ولاسيما ان السياسة لا تبتعد عن جلساتهم التي كان يرصدها ازلام النظام السابق حيث فقدت هذه المنطقة (183) شابا من خيرة ابنائها غيبهم النظام واعدمهم ليدفعوا دمهم ضريبة لتلك الارض الزكية. والهوير ايضا بقعة طافية على بحر من النفط تحيط بها الحياة من كل جانب.. وكان اهلها يتواصلون فيما بينهم بالزوارق والمشاحيف ويمارسون عملهم من خلال هذه الوسيلة يستخدمونها للتنقل والعمل والتجارة، وهي مثلما كل المدن البعيدة تتطلع إلى ان تقام فيها الاسواق وتعمر وتعبد شوارعها وتبنى داخلها المستوصفات والمدارس، لكن حين لم يتحقق للهوير ذلك، فقد بنت نفسها بنفسها منذ زمن بعيد فتوفرت لأهلها مواطن عمل يجلب لهم المورد ويوفر الاكتفاء الذاتي. فكانوا بعيدين وظلوا يعتزمون بأرضهم وبطريقة عيشهم وتجارتهم فقد كانت خيرات ارضهم ومياههم وأهوارهم مواد اولية لنشاطهم الصناعي والتجاري فبدؤوا بتجارة القصب وصنعوا منها الحصران التي تدعى هناك بالبواري وصنعوا حصران الجلوس من البردي او الجولان كما يسمونه في الاهوار اضافة إلى انهم تعلموا صناعة زوارقهم ومشاحيفهم بأيديهم وطوروها وطوروا صناعات اخرى ليحولوا اليابسة التي يقطنونها إلى ورش عمل كبيرة لا مثيل لها. ناحية بحجم قضاء للهوير حكايات عديدة عن أول من سكن هذه المنطقة والولوج فيها يدخلنا إلى تواريخ طويلة لكن اقربها إلى الذاكرة يرويها لنا الشيخ عبدالله عبدالهادي العبادي الذي يقول: سكنت الهوير عشائر عدة وبيوتات وأسر معروفة لكن قساوة الحياة وطبيعتها أبعدت بعض العشائر عن المنطقة للبحث عن اعمال بمناطق اخرى لكن أكثر العشائر ثباتا فيها هي عشائر الحجاج-العبادة-الذين قطنوها منذ أكثر من 300 سنة ومازالوا يتمركزون بها ويطورون اعمالهم التجارية داخلها، وكذلك عشائر الامارة والبو سويلف والسادة الحلو وعشيرة السعد حتى زاد عدد العشائر المتواجدة هنا إلى (65) عشيرة. وكان الناس يعملون في مختلف المهن الريفية وصيد الاسماك والطيور وتربية المواشي وغيرها. فمنطقة الهوير كانت حلقة الوصل بين المدن الاخرى والاهوار فهي الحافة الاولى للاهوار.. ومنذ تلك الفترة كانت عملية التجارة في القصب والبردي تثير اهتمام الناس أكثر من الزراعة رغم ممارستهم لها لذلك فقد عملوا على تطوير صناعاتهم التقليدية وهناك بيوتات عديدة تمارس أكثر من عمل مثل الحياكة وصيد الطيور والاسماك وغيرها. ويضيف الشيخ عبدالله ان مركز مدينة الهوير محاط بالمياه من كل جانب فهي من الجنوب يحيطها الفرات الذي يلتقي بدجلة في القرنة ومن الشمال والشرق الاهوار.. فهي لذلك تعد جزيرة عائمة على الماء وحتى المركز فهو مقسم على مجموعة جزر كانت ترتبط فيما بينها بأنهار وممرات مائية اما الان فتربطها مجموعة من الطرق التي شقت حديثا كما كان اهل المناطق يستخدمون المشاحيف للتنقل، والسفن الكبيرة لنقل البضائع من مكان لآخر، وموقع الهوير يبعد عن اهوار الناصرية مسافة 95كم وعن العمارة 105 كم وعن البصرة 85كم وهي تتوسط قضائي القرنة والمدينة وهي أكبر مساحة وسكان من القضاء الذي تتبع له اداريا وهو قضاء المدينة.. فان عدد نفوسها يبلغ (67500) نسمة ومساحة الهوير الكلية (54) الف دونم وان المستغل منها للزراعة حاليا هو (14) الف دونم وان أكثر المساحات فارغة حيث يمارس الاهالي زراعة الحنطة والشعير والخضار المختلفة والطماطم ولكن بمساحات صغيرة لا تسد إلا حاجة المنطقة.
- معظم الناس حولوا مهنتهم إلى التجارة والصناعة ولاسيما ان الاراضي ازدادت ملوحتها بعد التجفيف، فضلا عن عدم قيام اية جهة بتطهير الانهر الرئيسة التي تربط الجزر فيما بينها.. وقد ترون هذا النهر الذي يصل إلى قرية الترابة وأم الشويج والخيوط لم يحظ بالتطهير وأصبح بحالة مزرية ومياهه آسنة وغير صالحة لا للزراعة ولا لغيرها.
التجفيف غيّر كل المعالم والهوير كما يقال عنها مدينة صناعية كبيرة.. ويرى المتحدثون معنا من ابنائها انها كانت كذلك من قديم الزمن وقد ربطت الزراعة بالصناعة ومارس كثير من ابنائها اعمال التجارة، لكن معاناة الهوير كبيرة جدا في مجالات اخرى.. فهي رغم اتساع الحركة والسكان تعاني من قلة الابنية المدرسية ففيها (40) مدرسة حاليا موزعة على 12 بناية فقط. ويؤكد السيد مجيد خلف عضو المجلس البلدي في الناحية ان المدارس غير كافية وكذلك لا يوجد في الناحية مصرف رغم الحركة التجارية الواسعة والكبيرة فيها كما لا توجد فيها دائرة للزراعة او اي فرع لدوائر الموارد المائية ولا مركز للدفاع المدني وغيرها وان المستشفى الوحيد الذي اقيم فيها تحولت في زمن النظام إلى مستوصف بحاجة إلى الملاك الطبي، فضلا عن عدم وجود اي شيء يصل المدينة بالحضارة فلا خدمات ولا كهرباء ولا ماء. يقول السيد طالب سهر من وجهاء المدينة: - لقد جعلت جريمة تجفيف الاهوار في نفوس الناس في كل مواقع الاهوار ”حسرة“ دائمة على تلك الثروات الهائلة التي دمرّها التجفيف.. فقد تغيّرت معالم مدن باكملها وتغيّرت البيئة، وانبعث من هذه الاراضي التي جففت دخانا ابيض لا يُعرف مصدر له، أصاب أبناء المنطقة بالحساسية، فالأهالي يعانون حتى الان من هذه الامراض فضلا عن تحويل مهنة ومواقع تربية المواشي وأصحاب المهن والمصالح المرتبطة بخيرات الهور إلى مهن ومواقع صناعية بعيدة عن مهنهم الاصلية، ففي الهوير مثلا كانت تربى أكثر من (17) ألف رأس من الجاموس لم يبق منها الا القليل جدا وفيها كذلك (14) الف رأس من الابقار، هلك 80% منها وكذلك الحيوانات الاخرى المختلفة.. فضلا عن هلاك اعداد كبيرة من النخيل المزروعة بالقرب من الاهوار.. هذا إلى جانب زيادة ملوحة الارض وعدم صلاحيتها للزراعة وظلت معاناة اهلها دائمة من دون حل. لكن بعد عودة المياه إلى مناطق الاهوار استبشر الناس خيرا وعادوا لممارسة مهنهم السابقة وتنمية البعض منها.
- وفي ظل فرص الاستيراد المتوفرة في هذه المرحلة تحولت الهوير إلى مدينة صناعية تصدر منتوجاتها ولاسيما الخشبية والحديدية من ابواب وشبابيك إلى مدن البصرة وميسان وكربلاء والنجف والموصل وكركوك، وأضحى اهل (الهوير) ماهرين في تقديم ما تحتاجه الاسواق من هذه المواد حتى اضحوا من ابرز تجار تلك المادتين في البصرة عموما. وفي الناحية اليوم أكثر من 1600 معمل صناعي مجاز من دائرة التنمية الصناعية ولدى اصحابها هويات للاستيراد والتصدير، عدا المحال والورش الصغيرة التي تنتج ايضا الموبيليا وتنقلها إلى محافظات العراق المختلفة.
- ان انتاج الهوير من هذه المواد لا يضاهى، فقد تراكمت الخبرة لدى العاملين في تلك الاعمال وأصبحت نتاجاتهم مطلوبة في كل المدن وتأتي إلى المنطقة وفود تجارية لعقد الصفقات التجارية، كما اشتهرت المدينة كذلك بانتاج احدث غرف النوم واحتياجات المنزل من المواد الخشبية، وبالرغم من ذلك لا تتوفر لهذه المعامل خدمات الكهرباء، فالهوير كلها بمعاملها ومنازلها تتغذى من شبكة كهرباء انشئت في الثمانينيات. وعن بداية عملية تحول الهوير من مدينة كانت تعنى بالزراعة وتربية الحيوانات إلى منطقة صناعة كبيرة فان اهلها يقولون ان الكثير من الأبناء تعلموا هذه المهن لتشغيل الايدي العاملة اولا ومن ثم بدأوا يصدرون ما يصنعون إلى البصرة والمدن القريبة حتى تطورت الصناعة وزاد الطلب وأصبحت في الهوير مصانع وخبرات عمل كبيرة.. ومع تعدد وتطور الصناعة في الهوير فان الصناعات الاولى استمرت حتى اليوم مثل صناعة الزوارق التي اشتهرت بها المنطقة وكذلك صناعة المشاحيف المطلية بالقار. الحاج عيدان حمود واحد من اقدم العاملين في صناعة المشاحيف يقول: - ورثنا هذه المهنة من اجدادنا وآبائنا وكانت تجارة رائجة يوم كانت الاهوار على حالها.. وعند التجفيف تناقص الطلب عليها، بل انعدم لكننا لم نغيّر مهنتنا وبقينا نعمل بالقليل.
- عدّتنا هي الخيوط، وهندستنا لها نظرية على وفق قياسات مضبوطة، فنحن نقطّع الخشب على وفق امتدادات الخيوط ليبدأ تنفيذ التصميم بعد تقطيع الخشب بقياسات تحدد حجم المشحوف المطلوب.
- في السابق كانت المدة طويلة لأننا نقطع الخشب باليد، لكننا اليوم استخدمنا الماكنة للتقطيع، لذلك فان بناء المشحوف لا يستغرق أكثر من ثلاثة ايام ليكون جاهزا لانزاله في الماء.
- نعم.. بسبب ارتفاع سعر الخشب المستورد الذي نستخدمه لبناء جانبي المشحوف كونه يحتاج إلى أخشاب قوية وذات أبعاد طويلة.
- نعم، الطلب يتزايد الان بعد ان عادت مياه الاهوار وانتعشت مناطقنا لان الناس لا يصلون إلى المناطق البعيدة بغير هذه الوسيلة القديمة. صاحب معمل صناعة الابواب الخشبية ناصر جبر يقول: - منذ زمن بعيد ونحن نمارس هذه المهنة حتى توارثها أبناؤنا عنا، وقد حدث تطوّر كبير في هذه الصناعة بعد ان دخلت الآلة لتسرع في عملية الانتاج، ونحن الان نصنع الابواب الحديثة ذات المشبكات العالية لان طبيعة البناء الحديث تتطلب هذه الانواع من الابواب سواء الخشبية منها او الحديدية.
- كثيرة، منها، مدة القطع الكهربائي، فهي تؤخر في عملية الانتاج وتحد من التزاماتنا.
- لدينا اتصالات كثيرة مع الدول المجاورة لاستيراد الخشب والحديد فضلا عن اننا حاولنا تصدير منتوجاتنا إلى تلك الدول لكن تكلفتي التصنيع والنقل اوقفتا ذلك.
- أكثر المحافظات المستهلكة لمنتوجاتنا هي بغداد والحلة والبصرة وكربلاء وكركوك والموصل وعدد اخر من المدن.
- نحن ننتج حسب الطلب، فهناك صناعات رخيصة الثمن واخرى غالية ويعود ذلك إلى نوعية وطبيعة الحديد المستخدم، اما عن متانة العمل فهي متقنة وصناعة الهوير يضرب بها المثل كما يقولون.
- الهوير بحاجة إلى تطوير شامل سواء في البناء او في مستوى الخدمات فهي مدينة شيدت نفسها بجهود ابنائها وتعاونهم وتكاتفهم، ولقد راجعنا العديد من الدوائر بهدف تطوير المدينة، ومنها لجنة انعاش الاهوار في المحافظة التي وعدتنا خيراً.. فالهوير التي تضخ كل هذه الصناعات إلى المدن الاخرى بحاجة إلى اعادة نظر في كل شوارعها وأرضها لجعلها قبلة انظار الزائرين والتجار الذين يفدون اليها من كل مكان.. ألا تستحق الاهتمام بجوانب الخدمات فيها، ولاسيما انها من المدن التي عانت الأمرّين في زمن النظام المباد الذي أوقع فيها من المآسي والويلات وأعدم أبناءها.
حسناء سومرية تغفو على صفحات الماء ترجع المناطق الآثارية الموجودة في الهوير إلى مرحلة السومريين، ففي الهوير آثار تاريخية متعددة، منها آثار زجري، وهي الآثار السومرية المعروفة التي تعود إلى قيام الدولة السومرية، فضلا عن وجود آثار تدل على تنظيم الحياة في الاهوار سابقا وهي تمثل بنايات دائرية وضعت على خط مستقيم لتوزيع قنوات المياه آنذاك. وهناك منطقة تدعى مسباح بنت الملك وهي حوض كبير مبني من الطابوق وأرضياته مشيّدة من الطابوق الفرشي مازال شاهداً على تاريخ المدينة العريق. يذكر الشيخ عبدالله ان المدينة انجبت خيرة الشعراء والمثقفين والسياسيين، امثال، صالح الصريخ وهو جد الشاعر البصري المعروف كاظم الحجاج، وكذلك الشاعر اسكندر وعددا اخر من الادباء والمفكرين، وأبرزهم الشهيد عزالدين سليم وعددا اخر من رجال العلم والمعرفة. وأضاف: ان المدينة بحاجة إلى من ينهض بها، فالمعامل المنتشرة فيها بحاجة إلى دعم حكومي لتطوير صناعتها والاهتمام بها من خلال القروض الملائمة.. فالمطلوب استيراد مكائن حديثة تساعد الصناعيين هنا على تطوير عملهم الصناعي في مختلف الصناعات.
المشاحيف صناعة تتصل بالبيئة والصيد والتنقل المشاحيف، هي وسيلة التنقل الرئيسة في اهوار العراق بشكل عام، وأطلق سكان الاهوار وبينهم سكان ناحية الهوير اسماء عدة على المشاحيف او زوارق النقل عبر المساحات المائية العريضة. فهناك مشحوف يتسع لشخص واحد يطلق عليه (الطرادة) انطلاقا من كونه سريع الحركة بسبب صغر حجمه يستخدمه من يكون على عجالة من امره. ومن الزوارق السريعة في الاهوار (الشختورة) التي تستخدم المحركات وحلت محل الكثير من الزوارق وازداد الاعتماد عليها قبيل تجفيف الاهوار، كما توجد وسائل نقل اخرى بينها الدانك والكعدة وغير ذلك كثير. تجارة المشاحيف مرت بسنوات قحط حين جفف النظام السابق الاهوار وهجّر اهلها ففقدوا مهنة الصيد التي كانت تعتمدها تجارة المشاحيف.. وبعد عودة الحياة إلى الاهوار بدأت الحياة تمتلئ بالمياه مما شجع الاهالي على اقتناء المشاحيف بغية الافادة منها في التنقل والصيد.
المقالة الثالثة: عن شبكة النبأ المعلوماتية
ناحية الهوير.. فتاة الأهوار السومرية
عدسة واستطلاع/ عباس سرحان
تحيط بها الأنهار من جهات عدة، وبعضها تتخللها فتحف بيوتها إلى الحد الذي جعل التنقل بين تلك البيوت يتم بالقوارب الصغيرة، أو بالمعابر الخشبية.. تحيط بها بساتين النخيل والأشجار وحقول الخضروات .. هذه هي ناحية الهوير كما رايتها مطلع التسعينات من القرن الماضي..( فتاة) سومرية تغفو على أكف الماء.. تقسم الهوير إلى عدة مناطق تتوزع بين(هوير عكاب، هوير السادة، العوجان)..
اشتهرت ناحية الهوير بصناعة تتصل بالبيئة المحيطة بها، فكانت المشحايف علامة فارقة في صناعاتها التي شملت أيضا الموبيليا، والأبواب والشبابيك المصنوعة من الحديد والخشب.. لم ننس ونحن نزور البصرة أن نعرج على هذه الناحية التي تبعد عن قضاء القرنة مسافة قد تصل إلى الـ 20 كم.. وتقع إلى الغرب من القرنة، أي بينها وبين قضاء المدينة.. لا يتجاوز عدد سكان ناحية الهوير الـ 15 ألف نسمة، ويتوزعون في المهن بين عامل، وموظف، وفلاح..
المشاحيف..
المشاحيف هي وسيلة النقل الرئيسة في أهوار العراق التي اعتمدت في توفير هذه الواسطة المائية على ناحية الهوير بدرجة أساسية.. وأطلق سكان الأهوار أسماء عديدة على المشاحيف انطلاقا من الوظيفة التي تؤديها، فهناك مشحوف يتسع لشخص واحد أطلق عليه (الطرادة) انطلاقا من كونه سريع الحركة، لصغر حجمه، وهو يماثل (التاكسي) حسب تعليق أحد المهتمين بصناعة المشاحيف وقد علق ضاحكا:" هذا النوع من الزوارق كان يخدم سكان (المياه) كونه سريع الحركة، فيحقق للمستعجل، أو من يفرض عليه ظرف ما أو حاجة ما الوصول سريعا إلى غايته.. والمقصود بأنه سريع، أي أسرع من سواه، خفة في التنقل، ولكن لا يخفى عليك، أن الزوارق السريعة (الشختورة)التي تستخدم المحركات قد حلت محل الكثير من الزوارق وازداد الاعتماد عليها في السنوات التي سبقت التجفيف، وربما يعود السكان لاستخدامها، بعد أن تمتلئ الأهوار بالمياه مما يسهل حركة هذه القوارب الكبيرة نسبيا".. وإلى جانب الأنواع الآنفة هناك الـ( دانك) والـ( كعدة) وما إلى ذلك..
مراحل صنع المشاحيف
تمر صناعة المشاحيف بمراحل عديدة تبدأ بتهيئة الخشب وتقطيعه وفقا للحاجة المتوخاة منه، ثم يمد الخيط الذي يحدد المقاسات الرئيسة لجسد المشحوف ويبدأ العمل على مراحل، يقول السيد أمين نعمة عبيد: "نأتي بالخشب منالبصرة، نشتريه حسب الأمتار، ويتراوح سعره بين 330/000 و340/000 للمتر الواحد وهو من نوع(جام) فلندي وهناك أنواع من الخشب منها الـ( جاوي) والـ( كيري) والـ( صاج) وهو أفضل أنواع الخشب، ولكن استيراده انقطع عن العراق منذ سنوات طويلة ولم يعد موجودا في الأسواق العراقية، ربما لارتفاع سعره".
ويضيف السيد أمين نعمة عبيد.." نبدأ أولا بمد الخيط وفقا للقياس المعمول به لدينا.. العملية تبدأ من مد الخيط وتنتهي بطلاء المشحوف بمادة القار.. طول المشحوف المرغوب اليوم هو 7 أذرع".. وأهم أجزاء المشحوف حسب ما أفاد السيد نعمة هي (الجابش والعطف، والركم، والتجيير ).. ويقسم صناع المشاحيف اليوم أسماءها بحسب الطول، فهذا أبو سبعة وذاك أبو ثمانية وهكذا، سعره( 65) ألف.. ولكنها حين تدخل الأهوار تكون لها أسماء أخرى..
مرت تجارة المشاحيف بسنوات قحط حين جفف صدام الأهوار، وهجّر أهلها ففقدوا مهنة الصيد التي كانت تعتمد عليها تجارة المشاحيف، ولكن السيد كاظم هداد عبد الزهرة يضيف.." الحمد لله الوضع الآن أفضل بكثير من ذي قبل فهناك حركة اليوم في سوق بيع المشاحيف، لأن المياه بدأت تملأ الأهوار تدريجيا وكلما امتلأت الأهوار بالمياه، وعادت إليه الحياة والأسماك، شجع ذلك الأهالي وسيما أهل الأهوار على اقتناء المشاحيف مرة أخرى بغية الإفادة منها في الصيد..
ونحن نخرج من ناحية الهوير كانت سيارة أخرى نوع (بيك أب) تحمل قاربا صغيرا (مشحوف) نحو الأهوار.. توقفنا لالتقاط صورة للسيارة.. بل للمشحوف تحديدا، ولكن صاحبه احتج قائلا:" كل هذه الصور للمشحوف؟.. وأين نصيبنا نحن.." بالطبع لم نقصد أن نسلط الضوء على هذه الصناعة إلا لأنها تمثل جزءا من حياة شريحة طيبة من العراقيين، كما هي ذاكرة وطن وقصة حضارة علمت الدنيا كيف تكتب، فبأعواد القصب وألواح الطين(الرقم) صدّر السومريون حضارة أبهرت العالم..
شبكة النبأ المعلوماتية - السبت 11/2/2005 - 3/ محرم الحرام/1425