الرئيسيةبحث

المختار ولد داداه

الأستاذ المختار ولد داداه مؤسس الدولة الموريتانية (أبو الامة)،من صحراء قفرة قاحلة وفي ظروف سياسية بالغة التعقيد وفي ظل جفاء الشقيق و الصديق وتربص الطامع والحقود،أخرج للدنيا دولة إسمها موريتانيا،فرضها في المحافل الدولية حتى إعترف بها رغم أنف الكثيرين ،أقام مقومات إقتصادها ،انشأ لها جيشا،علم أبنائها،بإختصار أنشأدولة من لاشيئ يذكر.أطيح به في إنقلاب عسكري سنة 1978. ومضى شريفا لم يتلوث .توفي رحمه الله سنة2003.

مقالة للدكتور إبرهيم السالم ولد بوعليبة بمناسبة مرور ذكرى أحد خطابات الرئيس الراحل المختار ولد داداه :

بمناسبة مرور 50 عاما على خطاب: "لنبن معا الوطن الموريتاني أول خطاب لأب الأمة بتاريخ 20 مايو 1957- 50 سنة مضت". بعد خروج بلدنا من نفق الصمت الطويل الذي دخل فيه، لم أشهد أي تخليد عمومي لذكرى هذا الر جل الاستثنائي. لقد سمعت فعلا إشادات متعددة بالرجل في محادثات خاصة هنا وفي داخل البلاد، لكني لم أر ذلك من خلال أي منبر عمومي باستثناء النشاطات الخاصة لمؤسسة المختار ولد داداه، إن هذه المؤسسة بالتأكيد تمثل عملا جبارا لكنها لا تعفي لا الشعب الموريتاني ولا الدولة من واجب تخليد ذكرى هذا الرجل الذي وإن كان ابن داداه بيولوجيا فهو ابن موريتانيا سياسيا وإداريا. لقد أحببت أن أحيي ذكرى هذا الرجل في هذا اليوم الموافق لـ 12 يونيو لأنه ببساطة يسجل إحدى مراحل حياة أمتنا تحت خيمة على كثيب من الرمل انعقد قبل 50 سنة أول مجلس وزراء لموريتانيا ومع أنه كان لهذا اليوم ظروفه وحقبته ورجاله لكنه يشبه في دلالته يوما آخر من أيام يونيو (18 يونيو 1940) يوم نداء الجنرال ديكول)

رجل واحد يدعوا إلى نهضة أمة كانت تنزل نحو الهاوية بعد العظمة، ورجل آخر واحد كذلك يدعو إلى ميلاد أمة جديدة للجميع في حين أن كلا، الدعوتين أشبه بمستحيل، وقد كسب كل من الرجلين رهانه. خلال 16 لقاء بين 1958 و1965 ورغم الصعود والهبوط اللذين عرفتهما العلاقات الثنائية فإن الإعجاب المتبادل ساد هذه العلاقات. أ- المختار الوطني هذا الرجل الذي ينتمي إلى منطقة عرفت الاستعمار مبكرا عمل أولا مترجما قبل أن يصبح محاميا، ومع أنه خريج المدرسة الاستعمارية فقد ظهر أنه الأصعب مراسا من بين جميع نظرائه الأفارقة. - في يوليو 1957/: رفض المختار ولد داداه الحضور إلى احتفال 14 يوليو لتسلم وسام الشرف مكتفيا، بمجرد طلب الحصول على مرسوم تحويل عاصمة المستعمرة من سينت الويس إلى أنواكشوط، لقد أزعج هذا التصرف السلطات الفرنسية، ورغم هذا استطاع المختار أن يحصل في 24 يوليو على توقيع المرسوم المحول للعاصمة إلى أنواكشوط وعلى تاريخ لوضع الحجر الأساسي للعاصمة المقبلة.، -في مايو 1958: مثلت قرارات مؤتمر ألاك تحديا حقيقيا لبلد مجرد فكرة وما زال تحت وصاية القوة الاستعمارية: المطالبة بإيقاف حرب الجزائر، والمصالحة مع البلدان العربية ،تأكيد توجه موريتانيا نحو الاستقلال، وإنهاء وضع الاستقلال الداخلي، رفض الانضمام إلى منظمة (ocrs) حتى لا يطعن الجزائر المناضلة في الظهر. -في يوليو 1959: خلال الاجتماعين المتتاليين للمجموعة الفرنسية الإفريقية اللذين ترأسهما الجنرال ديكول شخصيا طلب القادة واحدا واحدا حل النزاع مع الجزائر وإنهاء التجارب النووية الفرنسية في هذا البلد. -في دجمبر 1959: إبان توقف فني في انواكشوط عاد الجنرال ديكول وبإلحاح إلى موضوع انضمام موريتانيا إلى ocrs مبينا كافة المزايا التي يمكن لموريتانيا أن تكسبها من هذا الانضمام فرد عليه المختار بأنه رغم الصادقة في أن ينزل عند رغبته لاسيما وأنه ضيفه فإنه لا يستطيع أن يتخذ هذا القرار لأسباب تتعلق بالوضع في الجزائر. لقد أثرت هذه الأمثلة لأنها حدثت قبل الاستقلال وهي تنبض بالوطنية الكامنة في الرئيس المقبل. وبعد الاستقلال لا تعد شواهد وطنية هذا الرجل في كافة مناحي الحياة الداخلية وجوانب السياسة الخارجية، مما أعطى لهذا البلد الصغير الذي تعرض لعدم الاعتراف به مدة طويلة كل الزخم الذي حظي به حتى 10 يوليو 1978، ولن أذكر هنا إلا الأمثلة الأكثر أهمية: -في 1963: التنازل عن الدعم الفرنسي للموازنة. -في 1965: إقامة علاقات مع الصين وانتهاج سياسة عدم الانحياز. -في 1967: قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا إثر العدوان الإسرائيلي على العرب، ونظرا لتأثيرها القوي استخدمت موريتانيا نفوذها لدى الأفارقة من أجل سحب دعمهم لدولة إسرائيل. -في 1971: بعد المغرب سافر المختار ليكسب الدول العربية في الخليج الذين منحوه كامل ثقتهم وأمدوه بتمويلات كبيرة سواء لصالح موريتانيا أو لصالح المشروعات الكبيرة لمنظمة استثمار نهر السنغال التي تضم عددا من البلدان الشقيقة. -في 1972: مراجعة الاتفاقيات مع فرنسا. -في 1973: إنشاء الأوقية. -في 1974: تأميم شركة مناجم موريتانيا(ميفرما). -ب – المختار الرجل العمومي تربي المختار في وسط متواضع من المخيمات، وقد تأثرت شخصيته بالأسفار التي قام بها خاله حيث سيتعرف خلال هذه الأسفار على موريتانيين يعيشون في ظروف فقيرة أو يعتمدون على ما لديهم من آدوابه. كما سيطلع على التنوع العرقي للبلاد في قرى الفلان، والوولوف، والتكارير. وفي مدرسة ابي تلميت وخاصة في سكنها الداخلي عايش المختار أطفالا قدموا من جهات موريتانيا الأربع بقي بعضهم أصدقاء له مدى الحياة، ومكنه تحويله إلى الشمال من التعرف على قبائل أخرى من البيضان، لكنها تدار من قبل دول أخرى (بيضان الجزائر، والمغرب، والصحراء الغربية) كما منحته جولته في 1951 مع سيد المختار انجاي فرصة التعرف على المناطق الملحقة حديثا بالتراب الموريتاني بعد أن كانت تابعة للسودان الفرنسي، ومكنه سفره إلى أوروبا من الاحتكاك بأعراق أخرى سيتشكل منها الوسط الجامعي في باريس وقد منحته الحياة القاسية التي عاشها في فترة دراسته (نقص في الفلوس، الجهد التعليمي المضاعف) إضافة إلى الخلفية الثقافية التي اكتسبها في بيئته البدوية الطبيعة، وقد جعلت منه كل هذه التجارب رجل دولة قبل قيام موريتانيا، وسيحافظ طيلة الوقت على التقدم بمسافة طويلة أمام مواطنيه. لقد ولد المختار ولد داداه قبل الدولة التي سيحكم، وسيظهر مبكرا روح خدمة العموم والتعلق بالأخلاق في التصرفات الأولى للحكومة: -إرادته أن يجعل من أول حكومة موريتانية حكومة وحدة وطنية لكي يمكن أعداءه بالأمس من مشاركته في الحكم رغم انتقاد مناصريه. -المرتنة السريعة للإدارة الترابية. -استقطاب أطر الشبيبة الموريتانية المتهمة من قبل الوالي الفرنسي بأنهم ضد فرنسا. -تعديل أول حكومة من أجل تعزيز الوحدة الوطنية بتعيين عدد من وزراء الضفة والمناطق النائية في البلاد. -طيلة حكمه ظل مبدأ المكافأة والعقوبة سيدا الترقية والإقالة من المناصب الإدارية. -الممتلكات العمومية مقدسة في عهده والأشخاص القلائل الذين مسوا منها عوقبوا ولم يعودوا أبدا إلى الوظيفة العمومية. -حل معيار الكفاءة والالتزام تدريجيا محل التوازنات العرقية والقبلية فكان يحدث أحيانا أن يكون للأسرة الواحدة وزيران في نفس الوقت. -كان التقشف هو سمة نفقات الدولة بدءا من مكتب رئيس الدولة وانتهاء بمكتب رئيس المركز الإداري. -وكان الانضباط والصرامة الأخلاقية كلمتي السر في مسيرة الدولة ومهما تكن مكانة الرجل لديه أو قرابته منه فإنه لا يمكنه أن يكون فوق العقوبة، فقد أعفى رفيق دربه السياسي الذي كثيرا ما ساعده وهو في مقاعد الدراسة. وحال بينه وبين أي انزلاق سياسي لكونه حضر اجتماعا ذا طابع قبلي، كما أعفى أخاه من منصبه كوزير حينما لم يستجب بسرعة لأوامر وزير الدولة المسئول عنه من حيث السلم الإداري، ولم يعد هذا الأخ إلى أي وظيفة رسمية إلا بعد انقلاب 1978. -وكانت رقابة الدولة التي تتألف من مراقبين قديمين معروفين باستقامتهما تثير الخوف في كل أنحاء الجمهورية، وكان عند ما تتم ملاحظة تجاوزات يقوم بإعفاء الموظف المعني فورا بواسطة بلاغ ويطلب إرسال من يحل محله فضلا عن فرضه عليه تسديد المبلغ المختلس خلال 48 ساعة وإلا تعرض للاحتجاز الفوري، وبالنسبة للاختلاسات الكبيرة التي تثبت على صاحبها يطلب المختار ملفه الوظيفي ويدون عليه الملاحظة التالية« يجب عدم إسناد أي مسؤولية ذات قيمة لاحقا لهذا الموظف». -وكان أثاث ولوازم المكاتب والمنازل وسيارات الموظفين من طرازات عادية جدا، ولا يتم تجديدهما إلا بعد سنوات طويلة (انظر حالة السيارات المتروكة من قبل الوزراء في 10 يوليو1978). -لا يسمح لأي موظف يملك منزلا خصوصيا بالحصول على منزل مملوك للدولة أو مؤجر من قبلها. لقد تم تحديث هذا الإجراء بواسطة تعميم سنة 1975 مما اضطر بعض الموظفين إلى الانتقال إلى منازل لا تضم أكثر من غرفتين فيBMD أو إلى منازل مازالت قيد الإنشاء، وقد سمح لرئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية اللذين كانا يسكنان في سكن رسمي في البقاء في سكنيهما، لكنهما حولا ريع منازليهما الخاصين إلى الخزينة العمومية. -لقد أعرب وزير تمت تنحيته ورده إلى منصب حاكم في منطقة نائية من البلاد وهو خارج من مكتبه بعد مقابلة طويلة بأنه مقتنع بأن بقاء موريتانيا مرهون بالإنجازات التي يمكن أن يحققا من خلال منصبه الجديد. -وقد كان الموظفون الذين تثبت جدارتهم يحصلون غالبا على رسائل تهنئة أو على أوسمة لاتعطي على سبيل المجاملة، بعيدا من ذلك. -في 1967 فرض المختار ولد داداه على شركة صوميما أن تعطي لمجموعة من المقاولين الموريتانيين الناشئين صفقة بناء الحي المعدني في أكجوجت في حين كان أغلبهم أميين ولا يتوفرون إلا علي معدات ضئيلة، فخرجوا من هذه التجربة بالثروة والخبرة مما مكنهم من الاستحواذ لاحقا على كافة الأعمال في هذا القطاع الحيوي حيث لم يعد للشركات الأجنبية هناك مكان، وهكذا انضم قطاع الأشغال العامة بعد مرتنته إلى قطاع التجارة العامة والنقل اللذين تمت مرتنتهما في وقت سابق. وبعد إنشاء الأوقية تم شراء ما تبقى من أصول التجارة بيد الأجانب من قبل رجال الأعمال الوطنيين. -ونشأ رأس مال وطني حقيقي بفضل الأحقية والتشجيع العمومي وليس من خلال المحاباة أو الغش في مجال الضرائب أو الرسوم الجمركية. لقد سقطت رؤوس حاولت المغامرة بالغش في مجال الضرائب أو الرسوم الجمركية، فقد وضع المختار خطوطا حمراء في هذا المجال لم يكن أحد يجرؤ على اقتحامها. ج- المختار الإنسان حسب الأشخاص الذين عرفوه عن قرب كان المختار مثالا في التواضع وقوة الشخصية، فلم يعامل أبدا أي معاون أو منافس بازدراء، وكان ينسج علاقاته بالرجال بحسب مستوى وطنيتهم والروح التي يتحلون بها في مجال الخدمة العمومية، لقد كان سلوكه مهما كانت الظروف مطبوعا بالمجاملات سواء تعلق الأمر بمستخدمه المكتبي أو بوجيه من وجهاء البلاد أو بأحد وزرائه، يروي أن المختار بعد أن أنهى النظر في السجل المكتبى ضغط على زر المنبه للمناداة على عامل مكتبه الذين سيستقبله بأسلوب لبق دأب عليه «كيف حالك يا فلان، كيف حال السيدة والأولاد، هل تستطيع من فضلك أن تساعد على إيصال هذا السجل إلى فلان». قبل التوسع الحضري الكبير للعاصمة في السبعينات كان المختار يتنقل وحده مع سائقه ليعود هذه الأسرة التي لديها مريض أو لكي يتناول الغذاء ببساطة مع أحد موظفيه. ولم يكن المختار يتعصب لآرائه بل كان يتنازل لصالح آراء خصمه عندما يلاحظ أنها أفضل للبلد ويتبناها داعيا صاحب هذه الآراء إلى المشاركة بأفكار في بناء البلد عن طريق ضمه إلى جهاز الدولة، لقد سلك هذا السلوك مع الوئام ومع الشبيبة الموريتانية والنهضة واتحاد طلاب الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وحزب الكادحين الموريتانيين. وخلال فترة عمله على رأس الدولة وقبل وفاته تصالح المختار مع كافة خصومه. لقد أعادت الأيام الاعتبار للمختار بصورة لا مجال للبس فيها: فكل الأشخاص الذين شغلوا منصب رئيس الدولة. منذ العاشر يوليو1978 كانوا في وقت من الأوقات معاونين له، والانتخابات الرئاسية الأخيرة المنظمة من طرف السلطات الانتقالية حملت إلى الشوط النهائي اثنين من أخص معاونيه. كانا معتقلين معه في 1978 من قبل الطغمة التي أطاحت به. إنني أحاول أن أعيد الاعتبار إلى هذا الرجل الذي لم يسبق لي أن اتعرف عليه وإلى زوجته التي التقيت بها لأول مرة قبل شهرين لقاء عابرا، وأنا هنا لم أذكر إلا قليلا مما حدثني به الأشخاص الذين خطوا بالعمل المباشر معه، ولا يمكني أن أنهي هذه الاشادة قبل أن أقترح: أ – يجب أن تقيم الدولة الموريتانية متحفا للمختار ولد داداه، وبإمكان هذا المتحف أن يقام في المنزل الذي كان يسكنه ويتخذ منه مكتبه قبالة مقر وزارة التنمية الريفية (بلوك مانيفل) فهناك يوجد أول وضع الحجر الأساس للعاصمة الموريتانية، ويمكن أن توضع مجسمات للعنبر الذي أعلن فيه عن الاستقلال، وللمدرسة رقم 8 التي انعقد فيها أول اجتماع للجمعية الوطنية في داخل حرم هذا المبنى. ب – على لجنة مختصة أن تقترح على الدولة درسا يدمجه المعهد التربوي الوطني في المقررات المدرسية حول المختار ولد داداه وميلاد الدولة الموريتانية. ج- على الدولة أن تمنح مؤسسة المختار ولد داداه الصفة القانونية لهيئة ذات نفع عام إنه في الوقت الذي أكتب فيه هذا التخليد فإن النقاش السياسي والسلوك العمومي مازالا بعيدين كل البعد عن القيم التي طبعت الأجيال التي سبقتنا والتي كانت تتوفر على مؤهلات ثقافية أدنى وإمكانيات مادية أقل، وهذا يتطلب منا في هذا الظرف من تاريخنا: -أن نضع جانبا أنانيتنا وحزازاتنا القبلية والجهورية والعرقية. -أن نعطي صورة لمرافقنا العمومية أكثر صدقية وأخلاقا وتواضعا. -أن نحلم أكثر بدولة تتطلع إلى مثل العدالة والمساواة. -أن نفسح لبلدنا ومواطنينا مكانة أكبر في قلوبنا وليس فقط في خطاباتنا في المناسبات والحملات السياسية خلال رحلتنا الدائمة للبحث عن المناصب والأموال. -أن نؤمن أن وضعنا الحالي قابل للإصلاح وأنه ليس إلا ثمرة لاستقالتنا الجماعية. -أن نحول هذا التوجه القوى الجديد الذي يريد أن يمزقنا إلى نضال مشترك من أجل جعل مستقبل شعب أفضل. بكلمة واحدة" لنبن معا الوطن الموريتاني"


ملاحظة: إذا كنت قد استخدمت طيلة النص اسم المختار دون أن أرفقه بصفة الرئيس لأن الموريتانيين والأشخاص الذين التقيتهم يخاطبونه هكذا.