تعتبر قصة الطوفان من أكثر الحوادث التي ذكرت تقريباٌ في جميع الأديان و الأديان السماوية و الأساطير من مختلف الحضارات, فهناك قصص عن الطوفان في بعض مجتمعات الشرق الأدنى القديم، وفي الهند وبورما والصين والملايو و بابل و آشور و مصر واستراليا وفي جميع مجتمعات الهنود الحمر ، جزر المحيط الهادي وفي المايا و الأزتك.
و لعل أهم هذه القصص قصة الطوفان السومرية، وقصة الطوفان البابلية، وقصة الطوفان اليهودية, وعلى الرغم من التحريف الذي يشوب بعض تلك القصص إلا أنها متفقة على أنه قد حدث طوفان عظيم وأنه كان هناك رجل صالح قام ببناء سفينة وحمل فيها من كل الحيوان زوجين إضافة إلى أهله ومن تبعه من الناس المؤمنين بالله
فهرس
|
كان الأعتقاد حتى أواخر القرن الماضي أن التوراة هي أقدم مصدر لقصة الطوفان
لكن عثر في عام 1853 م على نسخة من رواية الطوفان البابلية ويبدوا من طابع الكتابة التي كتبت بها أنها ترجع إلى ما يقرب من عهد الملك البابلي الشهير حمورابي وعلى أنه من المؤكد أنها كانت قبل ذلك . و النص البابلي يعود في تاريخه إلى نحو عام 1700 ق.م.
وهناك نسخة آشورية منه وجدت في مكتبة الملك آشور بانيبال (668-633 ق.م) في العاصمة الآشورية نينوى، وهي عبارة عن ترجمة للنص البابلي القديم داخَلها بعض التعديلات في الأحداث وأسلوب الصياغة. و في عام 1872 أعلن الباحث جورج سميث، من المتحف البريطاني أنه قد توصل إلى حل رموز أحد الألواح المكتشفة في مكتبة آشور بانيبال بنينوى القديمة، ووجد أنه يحتوي على قصة للطوفان مشابهة للقصة الواردة في كتاب التوراة.
وربما كانت أكبر دلالة اتاخذ سكان وادي الرافدين الجنوبي من أكبر الطوفانات(حيث أشٌتهرت منطقة الرافدين بحدوث طوفانات محلية كثيرة) حادثة يؤرخون بها، فقسموا تاريخهم إلى فترتين الأولى فترة ما قبل الطوفان والثانية فترة ما بعد الطوفان.
والنص البابلي القديم نص مطرد واحد يدور حول عدة أفكار ميثولوجية معروفة لنا من الأدبيات السومرية الأقدم، ومن الأدبيات البابلية الأخرى، مثل خلق الإنسان، والغاية التي من أجلها خُلق، والطوفان الكبير الذي أحدثته الآلهة لإفناء الحياة الإنسانية بعد أن تكاثر عدد البشر وصاروا مصدر إزعاج للآلهة.
تجري أحداث القصة في الزمن المبكر الذي تلى فعاليات الخلق والتكوين عندما اقتسم الأنوناكي الآلهة الكبار فيما بينهم مجالات الكون الثلاثة وهي السماء والأرض والأعماق المائية. وفرضوا عبء الكدح والعمل على الإيجيجي آلهة الأرض.
وتأتي القصة علي لسان أوتنابشتيم (أو أتراحاسيس أي الفائق الحكمة) الرجل الذي نجا من الطوفان ،في حوار مع جلجامش ملك أوروك الباحث عن الخلود:
العمود الأول: فقال له جلجامش، قال لأوتنابشتيم:
انظر إليك يا أوتنابشتيم
فأراك عادياً، وشكلك مثلي.
نعم، أراك عادياً، وشكلك مثلي.
لقد صورك لي جناني بطلاً على أهبة القتال.
ولكن ها أنت مضطجع على جنبك أو قفاك.
فقل لي كيف صرت مع الآلهة ونلت الحياة؟
فقال له أوتنابشتيم:
جلجامش، سأكشف لك أمراً خبيئاً،
وأطلعك على سر من أسرار الآلهة.
شوريباك، المدينة التي تعرفها،
والتي ترقد على ضفة نهر الفرات؛
لقد شاخت المدينة والآلهة في وسطها،
فحدثتهم نفوسهم، الآلهة الكبار، أن يرسلوا طوفاناً.
كان هنالك آنو أبوهم،
وإنليل المحارب مستشارهم،
وننورتا مساعدهم،
وإينوجي ناظر قنواتهم،
وننجيكو إيَّا كان حاضراً أيضاً
فنقل إيا حديثهم إلى كوخ القصب:
كوخ القصب، يا كوخ القصب، جدارُ يا جدار؛
أنصت يا كوخ القصب، وتفكَّر يا جدار؛
رجل شوريباك، يا ابن أوبارا- توتو:
قوض بيتك وابن سفينة،
اترك ممتلكاتك وأنقذ حياتك،
اهجر متاعك وأنقذ نفسك،
احمل في السفينة بذور كل مخلوق حي.
والسفينة التي أنت بانيها.
ستأتي وفق مقاييس مضبوطة،
فيتساوى طولها مع عرضها،
ثم غطها كما المياه السفلى.
فلما تمليتُ القول، قلت لربي إيا:
رويدك سيدي. إن ما أمرتَ به
سيلقى الخضوع والتنفيذ.
ولكن كيف أجيب عن تساؤلات المدينة والناس والأعيان؟
فتح إيا فمه وقال
متوجهاً بالحديث إليّ، أنا خادمه:
إليك ما سوف تقوله لهم:
لقد علمت أن إنليل يكرهني،
وعليَّ بعد الآن أن أفارق مدينتكم،
وألا أدير وجهي نحو أرض إنليل.
ولذا فإني سأهبط إلى «الآبسو»، المياه السفلى، فأعيش مع سيدي إيا،
الذي سيمطر عليكم من بعدي خيرات وافرة،
طيوراً من أفضلها وأسماكاً من أطيبها،
ولسوف تمتلئ الأرض بغلال الحصاد.
وعند الغسق، رب العاصفة
سيرسل مطراً من القمح ينزل عليكم.
العمود الثاني:
وما أن لاحت تباشير الصباح،
حتى تجمع الناس حولي.......
)أربعة سطور مشوهة(
جلب الأطفال لي القار،
وجلب لي الكبار كل ما يلزم.
في اليوم الخامس أنهيت هيكلها.
كانت مساحة سطحها إيكو واحداً،
ومئة وعشرين ذراعاً ارتفاع الواحد من جدرانها.
أنهيت شكلها الخارجي وأكملته.
ستة طوابق صنعت فيها.
وبذا قسمتها إلى سبعة،
وقسمتُ الأرضيات إلى تسعة.
ثبتْثُ على جوانبها مصدات المياه،
وزودتها بالمجاذيف وخزنت فيها المؤن.
سكبتُ في الفرن ست وزنات من القار،
وست وزنات من الإسفلت.
ثلاث وزنات من الزيت أتى بها حملةُ السلال،
واحدة استهلكها نقع مصدات المياه،
واثنتان قام ملاح السفنة بخزنهما.
ذبحتُ للناس عجولاً،
ورحت أنحر الخراف في كل يوم.
عصيراً، وخمراً أحمر، وزيتاً، وخمراً أبيض،
بذلتُ للصُناع فشربوا كما من ماء نهر؛
احتلفوا كما في عيد رأس السنة.
الدهون غمست يدي.
في اليوم السابع أكملتُ السفينة.
إنزالها في الماء كان صعباً.
[…….] من فوق ومن تحت،
حتى غاص في الماء ثلثاها.
كل ما أملك حملت إليها،
كل ما أملك من فضة حملت إليها،
كل ما أملك من ذهب حملت إليها،
كل ما استطعت من بذور كل شيء حي حملت إليها.
وبعد أن أدخلت إليها كل أهلي وأقاربي،
وطرائد البرية ووحوشها وأصحاب الحرف،
حدَّد لي الإله شَمَشْ وقتاً معيناً:
عندما يرسل (أداد) سيد العاصفة مطراً مدمراً في المساء،
أدخُل الفُلك واغلق عليك بابك.
حل الموعد المضروب.
في المساء أرسل سيد العاصفة مطراً مدمراً؛
قلبتُ وجهي في السماء أراقب الطقس،
كان الجو مرعباً لناظره.
دخلت الفُلك وأغلقت عليَّ بابي،
أسلمت قياد السفينة للملاح بوزو- آموري،
أسلمته الهيكل العظيم بكل ما فيه.
العمود الثالث:
وما أن لاحت تباشير الصباح،
حتى علت الأفق غيمة كبيرة سوداء،
يجلجل في وسطها صوت أداد،
يسبقها (رسولاه) شوللات وخانيش،
نذيران عبر السهول والبطاح.
اقتلع الإله أريجال خزانات المياه السفلية،
ثم تبعه الإله ننورتا وفتح السدود.
رفع الأنوناكي مشاعلهم عالياً
حتى أضاء وهجها الأرض.
بلغتْ ثورة أداد تخوم السماء،
أحالت كل نور إلى ظلمة،
والأرض الواسعة قد تحطمت كما الجرة
ثارت العاصفة يوماً كاملاً
وتزايدت سرعاتها حتى غمرت الجبال،
أتت على البشر، حصدتهم كما الحرب،
حتى عمي الأخ عن أخيه،
وبات أهل السماء لا يرون أهل الأرض.
حتى الآلهة ذُعرت من هول الطوفان،
هرب جميعهم صُعداً نحو سماء آنو،
ربضوا عند الجدار الخارجي ككلاب مرتعدة.
صرخت عشتار كامرأة في المخاض،
ناحت سيدة الآلهة ذات الصوت العذب:
لقد آلت إلى طين تلك الأيام القديمة،
لأني نطقتُ بالشر في مجمع الآلهة؛
فكيف نطقت بالشر في مجمع الآلهة؟
كيف أمرتُ بالحرب تحصد شعبي،
تدمر من أعطيتهم أنا الميلاد؟
وهاهم يملؤون البحر كصغار السمك»
بكى معها آلهة الأنوناكي،
تهالكوا وانحنوا يبكون،
وقد حجبوا أفواهم بأيديهم
ستة أيام وست ليال،
والرياح تهب، والعاصفة وسيول المطر تطغى على الأرض.
ومع حلول اليوم السابع، العاصفة والطوفان،
اللذان داهما كجيش، خفت شدتهما.
هدأ البحر وسكنت العاصفة وتراجع الطوفان.
فتحتُ الكوة فسقط النور على وجهي؛
نظرتُ إلى البحر، كان الهدوء شاملاً،
وقد آل البشر إلى الطين.
كان الـ …. بمحاذاة السقف.
تهالكت، وانحنيت أبكي،
وقد أغرقتْ الدموع وجهي.
ثم تطلعت في كل الاتجاهات مستطلعاً حدود البحر؛
على بُعد اثنتي عشرة ساعة مضاعفة انبثقت قطع من اليابسة.
ثم استقرت السفينة على جبل نصير.
جبل نصير أمسك بالسفينة، منع حركتها.
أمسك الجبل بالسفينة ومنع حركتها يوماً وثانياً.
أمسك الجبل بالسفينة ومنع حركتها يوماً ثالثاً ورابعاً.
أمسك الجبل بالسفينة ومنع حركتها يوماً خامساً وسادساً.
وعندما حلّ اليوم السابع،
العمود الرابع:
أتيت بحمامة فأطلقتها.
طارت الحمامة بعيداً ثم عادت إلي،
لم تجد مستقراً فعادت.
ثم أتيت بسنونو وأطلقته،
فطار السنونو بعيداً ثم عاد إليَّ،
لم يجد مستقراً فعاد.
ثم أتيت بغراب وأطلقته،
فطار الغراب بعيداً، ورأى أن الماء قد انحسر،
حام وحط وأكل ولم يعد.
فأطلقتُ الجميع نحو الجهات الأربع، وقدمتُ أضحية.
سكبت خمر القربان على قمة الجبل.
وضعت سبعة قدور وسبعة أُخر،
جمعت تحتها القصب الحلو وخشب الأرز والآس،
كي تشم الآلهة الرائحة.
شمت الآلهة الرائحة الزكية،
فتجمعت على الأضحية كالذباب.
وعندما وصلت الإلهة الكبرى عشتار
رفعت عقدها الكريم الذي صنعه آنو لها وقالت:
أيها الآلهة الحاضرون، كما لا أنسى هذا العقد اللازوردي في عنقي
كذلك لن أنسى هذه الأيام قط. سأذكرها دوماً.
تقربوا من الذبيحة جميعاً
ولكن إنليل وحده لن يقترب
لأنه دونما تروٍ قد سبب الطوفان،
وأسلم شعبي إلى الدمار
وعندما وصل إنليل
ورأى السفينة، ثارت ثائرته؛
استشاط غضباً من آلهة الإيجيجي:
هل نجا أحد من الفانين؟ ألم نقرر إهلاك الجميع؟
ففتح ننورتا فمه وقال، مخاطباً إنليل المحارب:
من يستطيع تدبير الخطط غير إيا؟
إيا وحده عليم بكل شيء
ففتح إيا فمه وقال مخاطباً إنليل المحارب:
أيها المحارب، أيها الحكيم بين الآلهة،
كيف، آه كيف دونما تروٍ، جلبت هذا الطوفان؟
حمِّل الآثم إثمه، والمعتدي عدوانه؛
أمهله فلا يهلك ولا تهمله فيشتط.
لو أرسلت بدل الطوفان أسوداً لأنقصت عدد البشر.
لو أرسلت بدل الطوفان ذئاباً لقللت منهم.
لو أرسلت بدل الطوفان المجاعة لأهلكت البلاد.
لو أرسلت بدل الطوفان الإله إرّا لحصد الناس.
وبعد، لست الذي أفشى سر الآلهة الكبار،
لقد حلماً فاستشف منه الأمر.
والآن، اعتقد أمرك بشأنه
فصعد إنليل إلى السفينة
ثم أخذني بيدي وأصعدني معه،
وأصعد زوجتي وجعلها تركع إلى جواري،
ثم وقف بيننا، ولمس جبهتينا مباركاً:
ما كنتَ قبل اليوم إلا بشراً فانياً،
ولكنك منذ الآن ستغدو وزوجتك مثلنا خالدين
وفي القاصي البعيد عند فم الأنهار ستعيشان.
ثم أخذوني وأسكنوني في البعيد عند فم الأنهار.
بعد أكثر من ثلاثين سطراً مشوهاً ينتهي النص بنشيد مدائحي قصير للإله إنليل. يليه التذييل التالي: (نهاية اللوح الثالث من: «عندما كان الآلهة مثل البشر».عدد أسطره 390، والعدد الإجمالي للأسطر1245. نسخها الكاتب المعاون نورـ آيا في شهر أيار، يوم .... من السنة التي كان فيها آمي صادوقا ملكاً ... ...).
يبرز في هذا النص عدد من الأفكار الرئيسية التي توضح موقف الفكر الديني الرافديني من عالم الآلهة وصلته بعالم الإنسان والطبيعة.
فقد وُجدت الآلهة منذ البداية ضمن نظام مراتبي دقيق؛ فهناك الأنوناكي آلهة السماءالسبعة، يليهم الإيجيجي آلهة الأرض.
وعلى الرغم من أن القرارت في مجمع الآلهة الذي يرئسه آنو إله السماء تتخذ بالإجماع أو بالأغلبية، إلا أنه بمقدور أي إله قوي مثل إنكي أن يخرج على القرارت ويتصرف بمفرده. فصراع الأهواء والإرادات موجود رغم هذه المراتبة.
لم يكن في البدء من حاجة إلى الإنسان، لأن آلهة الأنوناكي قد حمَّلوا عبء العمل على عاتق آلهة الإيجيجي، ولكن ثورة هؤلاء وتمردهم قد قادت إلى خلق الجنس البشري الذي حمل عبء العمل عن الآلهة. وهذا الجنس رغم ضعفه وحياته القصيرة إلا أنه يحمل في روحه قبساً من روح الآلهة، وهنالك صلة قربى بينه وبينهم لأنه جُبل من تربة الأرض الممزوجة بلحم ودم إله قتيل قُدم قرباناً لهذه الغاية، وقبس الألوهة يبقى دائماً مشتعلاً في النفس الإنسانية رغم أنها مكرسة للموت والفناء.
إن الإنسان بمعنى ما عبد للآلهة، ولكن حاجة الآلهة إليه ليست بأقل من حاجته إليها، لأنها تطلب منه العبادة والطقوس، وإقامة المعابد لها، وتقديم القرابين التي منها تتزود بالحياة والاستمرار.
فنحن والحالة هذه أمام نظرة خاصة إلى كون مترابط يلعب فيه كل من الآلهة والبشر دوراً مرسوماً له مكملاً للدور الذي يلعبه الآخر.
لقد أكد البشر وجودهم من خلال ما يدعوه النص «بالضجيج والضوضاء» الذي هو سمة من سمات النشاط الإنساني، وعلامة من علامات الإنجاز المدني والثقافي. وعندما حاولت الآلهة الإقلال من عددهم بعدة وسائل استطاع الإنسان من خلال ذكائه شق الإجماع الإلهي، وتفادى الكوارث كلها حتى الطوفان الكبير .
تأتي قصة الطوفان السومرية في سياق نص طويل وصلنا منقوشاً على رقيم (لوح كبير) واحد مكسور، ضاع ثلثاه وبقي منه ثلث واحد كثير التشوه.
ويبدو أن القسم الضائع من الرقيم يتحدث عن أصول الآلهة وعن خلق العلم، وتوزيع المهمات والصلاحيات بين أعضاء البانثيون السومري. أما القسم الباقي من الرقيم فيبتدئ بسطور مشوهة تتحدث عن خلق الإنسان والحيوان والحياة النباتية، وعن أصل مؤسسة الملوكية التي هبطت من السماء بعد أن أظهر الآلهة إلى الوجود المدن الخمس الأولى بأرض العراق، التي شُيدت فيها المعابد ورُفعت الصلوات للآلهة.
بعد ذلك نفهم أن مجمع الآلهة، ولسبب غير واضح، قرَّر إفناء الجنس البشري وكل مظاهر الحياة بواسطة طوفان شامل يغمر الأرض. بقية النص غير واضحة تماماً للقراءة، ولكن ما تبقى منه كافٍ لرسم الخطوط العامة للقصة.
الإلهة إنانا تقيم مناحة على البشر على الرغم من عدم خروجها على إجماع الآلهة، وكذلك الإلهة ننتو، الأم الخالقة التي ساهمت في خلق الجيل الأول من البشر، أما الإله إنكي المعروف بقربه من البشر ومحبته لبني الإنسان، فقد قرر على ما يبدو الخروج على إجماع الآلهة سراً، وإنقاذ بذرة الحياة على الأرض، فيظهر في الحلم لملك مدينة شوروباك الصالح المدعو زيوسودرا (الاسم السومري هنا يحمل نفس دلالة الاسم البابلي أتراحاسيس ) ويكشف له عن سر الطوفان.
ويظر جمال القصة و روعة المعاني وعبقرية كاتبها حتي في ترجمة القصة باللغة العربية...
في ذلك الحين بكت ننتو كامرأة في المخاض,
وإنانا المقدسة ناحت على شعبها.
إنكي فكر ملياً، وقلَّب الأمر على وجوهه.
أنو وإنليل وننخرساج […….]،
آلهة الأرض وآلهة السماء دعوا باسم أنو وإنليل.
في تلك الأيام. كان زيوسودرا ملكاً وقيماً على المعبد؛
قام بتقديم [قربان] عظيم،
وجعل يسجد بخضوع ويركع بخشوع،
ودونما كلل توجه للآله بالدعاء
فرأى في أحد الأيام حلماً لم ير له مثيلاً؛
الآلهة […..] جدار [……..].
وعندما وقف زيوسودرا قرب الجدار سمع صوتاً:
..قف قرب الجدار من جهة اليسار واسمع ؛
عند الجدار سأقول لك كلاماً فاتبع كلامي،
واعط أذناً صاغية لوصاياي.
إنَّا مرسلون طوفاناً من المطر […..]،
فيقضي على بني الإنسان […….].
ذلك حكمٌ وقضاءٌ من مجمع الآلهة،
أمر أنو وإنليل.
فنضع حداً لملكوت البشر.
...........
(يلي ذلك تشوه في النص، تصف السطور المفقودة منه، ولا شك، تعليمات الإله الذي يخاطب زيوسودرا، وهو الإله إنكي على الغالب، بخصوص بناء السفينة ومواصفاتها ونوعية ركابها من البشر وأصناف الحيوانات، ثم قيام زيوسودرا ببنائها. وعندما يتضح النص للقراءة نجد أنفسنا وسط الطوفان.)
..............
هبت العواصف كلها دفعة واحدة،
ومعها انداحت سيول الطوفان فوق وجه الأرض
ولسبعة أيام وسبع ليال،
غمرت سيول الأمطار وجه الأرض،
ودفعت العواصف المركب العملاق فوق المياه العظيمة.
ثم ظهر أوتو (إله الشمس) ناشراً ضوءه في السماء والأرض.
فتح زيوسودرا كوة في المركب العملاق،
تاركاً أشعة أوتو البطل تدخل منه.
زيوسودرا الملك، خرَّ ساجداً أمام أوتو،
ونحر ثوراً وقدم ذبيحة من غنم.
...........
(عند هذه النقطة يتشوه النص)
ومن المرجح أن القسم المفقود يتحدث عن انحسار الطوفان ورسو السفينة على الجبل، ثم حضور الآلهة الذين ندموا على ما فعلوا وسروا بنجاة زيوسودرا ومن معه، لأن الأسطر الأخيرة الباقية تتحدث عن إنعامهم على بطل الطوفان بالخلود مكافأة له عما فعل.
زيوسودرا الملك،
سجد أماما أنو وإنليل.
ومثل إله وهباه حياة أبدية،
ومثل إله وهباه روحاً خالدة.
عند ذلك، زيوسودرا الملك،
دُعي باسم حافظ بذرة الحياة
وفي أرض [……] أرض دلمون
حيث تشرق الشمس، أسكناه.
الآن ستغدو وزوجتك منا الخالدين
(يلي ذلك كسر حتى نهاية النص يحتوي قرابة 39 سطراً.)
عند هذا الحد ينتهي النص السومرى
وردت هذه القصة في الإصحاحات من السادس إلى التاسع من سفر التكوين وتجري أحداثها على النحو التالي :
>>رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، وعزم على أن يمحو الإنسان والبهائم والدواب والطيور عن وجه الأرض، وأن يستثني من ذلك نوحاً لأنه كان رجلاً باراً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الله ........... وتزداد شرور الناس، وتمتليء الأرض ظلماً، ويقرر الرب نهاية البشرية، ويحيط نوحاً علماً بما نواه، آمراً إياه بأن يصنع فلكاً ضخماً، وأن يكون طلاؤها بالقار والقطران من داخل ومن خارج، حتى لا يتسرب إليها الماء، وأن يدخل فيها اثنين من كل ذي جسد حي، ذكراً وأنثى، فضلاً عن امرأته وبنهيه ونساء بيته، هذا إلى جانب طعام يكفي من في الفلك وما فيه.. تكوين 6: 1 ـ 22.<<
و يكرر الرب أوامره في الإصحاح التالي فيأمره أن يدخل الفلك ومن معه ذلك لأن الرب قرر أن يغرق الأرض ومن عليها بعد سبعة أيام ذلك عن طريق مطر يسقط على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة، ويصدع نوح بأمر ربه فيأوي إلى السفينة ومن معه وأهله، ثم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء، واستمر الطوفان أربعين يوماً على الأرض.
و تكاثرت المياه ورفعت الفلك عن الأرض وتغطت المياه، ومات كل جد كان يدب على الأرض، من الناس، والطيور والبهائم والوحوش وبقي نوح والذين معه في الفلك حتى استقرت الفلك على جبل أرارات.
و يظهر التشابة الكبير بين النص التوراتي للقصة و النصوص البابلية, و قد كان هناك الكثير من المشككين في أن قصة الطوفان الكبير مجرد أسطورة يهودية قبل ظهور هذه النصوص القديمة
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيْهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِيْنَ عَاماً
فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ) (العنكبوت: 14).
يحكي لنا القرآن الكريم قصة طوفان نوح، الذي روت عنه معظم الثقافات
العالمية بشكل واسع، وتتحدث آيات عديدة بالتفصيل عن موقف قوم نوح منه ،
فتصور إعراضهم عنه، واستهزاءهم بنصائحه وتحذيراته وكيف
حدث الطُّوفان.
أرسل الله نوحاً لينذر قومه الذين ضلوا وابتعدوا عن آيات الله واتخذوا معه
شركاء، وليستحثهم على عبادته وحده والتخلي عن عصيانهم، قدم نوح
النصح لقومه وطلب منهم أن يمتثلوا لأوامر الله، وأنذرهم عقابه،
ولكنهم ظلوا على عنادهم ورفضهم له، وظلوا يعبدون مع الله شركاء، وتعرض
لنا الآيات في سورة المؤمنون تطور الوضع:
( وَلَقَدْ أَرْسَلْناَ نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ
غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ* فَقَالَ المَلأُ الَّذِيْنَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيْدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ اللهُ لأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِيْنَ* إِنْ هُوَ إلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِيْنٍ* قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُون ) (المؤمنون: 23-26).
وكما تشير الآيات فقد حاول زعماء القوم أن يتهموا النبي نوحاً بمحاولته
التفضل والاستعلاء عليهم ، أي بالبحث عن المنـزلة والقيادة والثروة ،
حاولوا أن يثبتوا أنه ]رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ[ وقرروا أن يتحملوه لبعض الوقت
ويبقوه تحت الضغط.
بناء على ذلك أخبر الله تعالى نبيه نوحاً أنه سيعاقب الكافرين من قومه
بإغراقهم وينجي المؤمنين.
وعندما حان وقت الطُّوفان تفجرت ينابيع الأرض والتقت مع الأمطار الغزيرة
ليحصل الطُّوفان العظيم. وقال الله عز وجل لنوح: ( فَاسْلُكْ فِيْهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القَولُ مِنْهُمْ ) (المؤمنون: 27)
لقد غرق كل من كان على تلك الأرض بما فيهم ابن نوح عليه السلام الذي ظن
أنه يمكن أن يجد ملجأ من الطوفان في أحد الجبال القريبة، أصاب الطُّوفان
القوم بأجمعهم، باستثناء أولئك الذين حملهم نوح على ظهر السفينة، وعندما
جفت الأرض ( وَغِيْضَ المَاء) (هود: 44) وانتهى الطُّوفان، استوت السفينة على
الجُوْدِيِّ - أي على مرتفع من الأرض- كما يخبرنا القرآن الكريم