الإنشاد الديني..الذي أصبح اليوم فرعاً هاماً من فروع الغناء، يستخدم القوالب الغنائية العربية. فهناك القصيدة الدينية والموشح الديني.. هذا الإنشاد خرج من عباءة الطرق الصوفية، وما يتبعها من زوايا يقدم فيها الإنشاد الديني، وتقام حلقات الذكر. وكانت الزوايا الصوفية منتشرة بشكل خاص في دمشق وحلب، وبشكل أقل في بقية المناطق الأخرى, ومن أهم الطرق الصوفية التي كانت منتشرة,الطرق الرفاعية والقادرية والهلالية والنقشبندية والمولوية وغيرها. وكان لكل طريقة أتباعها وزواياها الخاصة التي تقدم فيها حلقات الذكر وقد تكون هذه الزوايا في المساجد، أو لها مقراتها الخاصة بعيداً عن المسجد. ويقام في حلقة, الذكر طقس ديني يطلق عليه (الذكر) الذي هو مجموعة من الابتهالات والأدعية والأناشيد الدينية. ولكل حلقة ذكر رئيس يسمى رئيس الزاوية..وتبدأ حلقة الذكر بتلاوة عشر من القرآن الكريم، ثم الابتهالات والأدعية (الأوراد) حسب كل طريقة صوفية. ويبدأ رئيس الزاوية هذه الأوراد بدعاء (فاعلم أنه لا إله إلا الله). ويقوم أفراد الحلقة بترديدها، ثم يقول مستغيثاً (يافتاح ياعليم المدد يارسول الله المعتمد)، ثم تتوالى بعد ذلك فقرات حلقة الذكر ويمنع استخدام الالات الموسيقية باستثناء الدفوف والمزاهر. المولوية لكن أهم الطرق الصوفية وأشهرها وأكثرها انتشاراً هي الطريقة المولوية أو الدراويش، ومؤسسها مولانا جلال الدين الرومي (7021-2721). وهو فارسي الأصل والمولد عاش معظم حياته في مدينة قونية التركية، وقام بزيارات إلى دمشق وبغداد. وهو ناظم معظم الأشعار التي تنشد في حلقة الذكر المولوية. وكانت حلقات الذكر المولوية تقام في مساجد أنشئت خصيصاً لهذه الطريقة، منها جامع المولوية في باب الفرج بحلب، وجامع المولوية بدمشق في أول شارع النصر مقابل محطة الحجاز, والجامعان لايزالان موجودان. وتختلف حلقة الذكر في الطريقة المولوية عن غيرها، في أنها تنفرد بالحركة الدائرية التي يقوم بها عدد من الدراويش وفيها تستخدم آلة الناي في طقوسها ومن عازفي النادي في أواخر القرن التاسع عشر وحتى أواسط القرن العشرين الشيخ علي الدرويش والحاج عبد اللطيف النبكي. وتبدأ حلقة الذكر المولوية بتلاوة من القرآن الكريم من أحد المنشدين الجالسين في السدة، ثم يؤدي رئيس الزاوية بعض الأدعية والابتهالات. بعد ذلك ينشد أحد الدراويش شعراً يقول فيه: إذا رمت المنى يانفس رومي لمولانا جلال الدين الرومي وعند كلمة مولانا تضرب ثلاث ضربات، ويبدأ العزف بالنايات، ثم ينهض الدراويش ويبدؤون بالدوران بطريقة فنية خاصة. فينزعون عنهم العباءات ليظهروهم يرتدون ألبسة بيضاء فضفاضة على شكل نواقيس. ويبدؤون بالدوران على ايقاعات الإنشاد الديني ويكون دورانهم سريعاً فتنفرد ألبستهم الفضفاضة وتصبح نتيجة الدوران السريع على شكل ناقوس، ويضعون على رأسهم اللبادة أو القلبق وأثناء الدوران يقومون بأيديهم بحركات لها معان صوفية ويشكلون بأيديهم ورأسهم لفظ الجلالة (الله) ويشترط أثناء الدوران ألا تتلامس أرديتهم. أما الإنشاد المرافق للمولوية فيبدأ بنشيد (يا امام الرسل ياسندي/أنت باب الله معتمدي/وبدنيايا وآخرتي/يا امام الرسل خذ بيدي). ثم يردد المنشدون عبارة (مدد مدد يارسول الله/مدد مدد ياحبيب الله..) وتتزايد سرعة الراقصين في الدوران بشكل مذهل حتى تصل إلى قمتها مع ترديد المنشدين لعبارة (يارسول الله مدد/ياحبيب الله مدد) وتتخللها من رئيس الزاوية عبارة (حي) وتختم وصلة الدوران بعبارة (الله الله..الله الله..الله الله يا الله) التي تتردد مرات عديدة قبل أن تختم وصلة الدوران. وقد تحولت المولوية إلى فقرة فنية مستقلة تقدمها الفرق الفنية، منها فرقة أمية للفنون الشعبية وفرقة الحاج صبري مدلل الذي رحل عنا منذ فترة. الانشاد الديني ظل الإنشاد الديني محصوراً ضمن حلقات الأذكار إلى أن جاء الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي (0461-1371) فأخرج الإنشاد من الزوايا وجعله فناً مستقلاً وهو الذي تخرج من الطرق الصوفية، فأخذ الطريقة الكيلانية عن الشيخ عبد الرزاق الحموي الكيلاني، وأخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ سعيد البلخي لكنه كان يتبع الطريقة القادرية. وأبدع الشيخ النابلسي الكثير من الموشحات الدينية الجميلة, منها موشح يقول: ياجمال الوجود طاب فيك الشهود البرايا رقود إن عيني تراك ما لقلبي سواك وهو الذي وضع تقاليد الجامع الأموي بدمشق مثل الصمدية الشريفة التي تفصل ما بين الأذان الأول والثاني عند صلاة الجمعة، وهو واضع التسابيح والتراحيم التي تسبق أذان الفجر. ويقول مطلع التسابيح: سبحان الأول بلا بداية سبحان الآخر بلا نهاية سبحان من له في كل سورة آية تدل على أنه واحد أحد فرد صمد دائم على الدوام أما التراحيم فمطلعها: ياأرحم الراحمين ياقابل التائبين ياغياث المستغيثين ياسند العاجزين يا أكرم الأكرمين وكذلك وضع النابلسي الأذان الجماعي في الجامع الأموي الذي تؤديه جماعة المؤذنين في المسجد ولاتزال هذه الطقوس متبعة حتى الآن في المسجد الأموي. والنابلسي أيضاً مؤسس طريقة الإنشاد الديني المعروف حالياً في دمشق. وقد تتلمذ على يديه الكثير من المنشدين، وشكلوا فرق الإنشاد التي تؤدي موشحاته وأضافوا عليها موشحات جديدة من ألحانهم وقد عرفت دمشق في القرن العشرين العديد من المنشدين الكبار، منهم مسلم البيطار وسعيد فرحات وتوفيق المنجد الذي كان لكل منهم فرقته الإنشادية الخاصة، ثم كونوا مع بعضهم رابطة المنشدين الخاصة بالجامع الأموي. وسعيد فرحات أبدع الكثير من الموشحات الدينية البديعة التي لاتزال تقدمها فرق الإنشاد وكان في نفس الوقت منشداً جميل الصوت وتوفيق المنجد كان أكثرهم شهرة بصوته الصداح فقد كان له فرقته الخاصة كما تولى رئاسة رابطة المنشدين في الجامع الأموي حتى رحيله عام 1989 وانضم إلى رابطة المنشدين سليمان داوود وحمزة شكور الذي يتولى حالياً رئاسة رابطة المنشدين ويقوم بجهود كبيرة لنشر تقاليد الإنشاد الديني الدمشقي من خلال فرقته الخاصة، ومن خلال رابطة المنشدين ومن المنشدين الأساسيين في رابطة المنشدين حالياً إضافة إلى حمزة شكور عبد الوهاب أبو حرب وحامد داوود بن سليمان داوود ومحمد الشيخ. وتقوم رابطة المنشدين بإحياء المناسبات الدينية مثل ذكرى المولد النبوي الشريف، وليلة الاسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان ولكل مناسبة من هذه المناسبات أناشيدها الخاصة كما تحيي فترة السحور في الجامع الأموي الكبير في دمشق.