ولدالطاهر بن علي بن بلقاسم الحداد سنة 1899 بتونس العاصمة ولم يكن يعرف أن الحياة قد اختارته لتأدية مهام، كأنه لم يخلق إلا لها وكأنها لن تكون إلا به.
بدأ حياته كاتبا في جرائد «الأمة» و«مرشد الأمة» و«أفريقيا» ولم يكن يعرف أن تلك الكتابات ستحول إليه الأنظار وتكون محل نقاش واخذ وعطاء بين زعماء البلاد في تلك اللحظة مما دفع الشيخ عبد العزيز الثعالبي يصطفيه من زمرة قليلة ليكون أحد مؤسسي الحزب الحر الدستوري التونسي (1920) بل كانت كتاباته في الجرائد وسطوع اسمه فيها سببا لتكليفه بالدعاية والإعلام في ذلك الحزب. فكان أحد أبرز الأحرار الدستوريين. هاجر الثعالبي إلى المشرق العربي (1923) وترك فراغا كبيرا في البلاد اشعر الحداد باليتم وبلا جدوى مواصلة المسيرة مع زمرة حادت عن المبادئ الأولى للدستور.
جاء محمد علي الحامي بأفكار لا تتسع لها البلاد وأراد أن يقيم الدنيا ويغيّر الطبائع ويؤسس و.... و.... فكان الحداد عضده الأيمن ورأسه المفكر وعينه التي يرى بها ا لأشياء فأسس معه جامعة عموم العملة التونسية (1924) ولم يكتب لتلك الحركة أن تعمّر طويلا بل سرعان ما بادرت سلطات الاستعمار إلى حلها /فيفري 1925. لم ييأس الحداد بل واصل النضال وأرخ لتلك الحركة في كتابه الأشهر «العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية» (1927) الذي صادرته سلطات الاستعمار ومنعت تداوله حتى لا يعمّ النور أرجاء البلاد وأفكار العباد.
لم ييأس الحداد بل واصل النضال ورأى أن الإصلاح لا يقوم بغير الصلاح: صلاح الناس والأفكار... فكتب لإصلاح العائلة والمنزل وتحرير المرأة من نفسها ومن سلطان التقاليد الفاسدة فقامت ضدّه الرجعية الفكرية حيث جرّد من شهائده العلمية ومنع من حق الزواج وممارسة أبسط حقوق المواطنة وطالبوا بإخراجه من الملّة واخرج قسرا من قاعة الامتحانات ومنع من العمل بسبب كتاب وسمه بـ «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» سنة1930. لم ييأس الحداد بل واصل النضال وكتب كتابا عن إصلاح التعليم الزيتوني وآخر ضمنه أشعاره وآخر ضمّنه خواطره فلم تر النور إلا بعد وفاته وبعد سنوات من الاستقلال.
أصرّ صديقه الصحفي الجهير الهادي العبيدي أن يكتب على ضريحه ما يلي:
هذا ضريح شهيد الحق والواجب المصلح الاجتماعي الطاهر الحدّاد.
توفي الحداد يوم 7 ديسمبر 1935 ولم يسر في جنازته سوى نقر قليل من إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء. وبقيت كلماته ترنّ في الآذان وصدى صوته يتردّد داخل الأنفس إلى أن جاء الاستقلال وتحولت كلماته إلى قوانين ملزمة للأفراد والجماعات وأقيمت له الذكريات وأطلق اسمه على الانهج ودور الثقافة والمساحات العمومية وألفت حوله الكتب ونال في عهد التغيير وشاح الاستحقاق الثقافي.
لقد مثل الحداد نموذج المثقف الواعي والوطني الغيور والمناضل الحق كان مثقفا واعيا لأنه لم يساير السرب بل كان مختلفا مخالفا مضطلعا بوظيفة التوعية والتنبيه والنصح والإرشاد والتجريح والتعديل. كان وطنيا غيورا لأنه لم يشأ لوطنه أن يرزخ تحت عبودية العادات الفاسدة والأوهام البالية والأفكار الظلامية والآراء الرجعية، كان مناضلا حقا لأنه لم يركن للراحة ولم يؤمن بالخمول ولم ينثن جرّاء ما تعرض له من شك وتشكيك وتخوين وتجويع وحرمان وامتهان. لقد مثل الحداد صورة البركان الهائل الــذي انفجر بالآراء النيرة والأفكار الطــلائعية والنظــرة التـقدمية ولم يخف في الحق لومة لائم.
انتمى الحداد إلى عديد الجمعيات الثقافية لإيمانه أن للجمعيات الدور الأكبر في النهوض بالأفكار وتكريس النور مكان الظلام فكان نبيّا مجهولا في عصره وأصبح إماما متبعا بعد وفاته. قال عنه عميد الأدب العربي طه حسين بعد الفراغ من قراءة كتابه: "لقد سبق هذا الفتى قومه بقرنين"