سيرة المرحوم الشيخ فرهود قاسم فرهود
(1911-2003)
ولد المرحوم الشيخ أبو سليمان فرهود قاسم فرهود في قرية الرامة الجليلية شمال فلسطين عام 1911م ، في بيت دين وتقوى وصلاح . والده الشيخ أبو محمد قاسم فرهود ، الذي سلك مسالك السلف الصالح الحميدة واشتهر بالدين والتقوى . جده الشيخ أبو قاسم محمد فرهود ، وهو الشيخ الجليل ذو السيرة المشهورة والمثبوت له بالفضيلة والذي ساهم في المشاركة في العمل بعمارة مقام سيدنا شعيب عليه السلام في حطين .
تعلم في المدرسة الإبتدائية الأميرية للبنين . وفي سنة 1925م أنهى الصف السادس ولم يستطع إكمال تعليمه حيث أن الصف السادس كان الصف الأعلى .
تدين في سن الرابعة عشرة تقريبًا وتزيا بزي أهل الدين ، ومع تدينه أدرك أن فهم معاني الدين يتطلب إتقانه لأسس اللغة العربية وقواعدها ، وقد كرس جهدًا ووقتًا كبيرين في سبيل هذا الغرض . ومث ثم اعتكف على كتب الدين ، فانكب على دراسة المعلوم الشريف ودقق في درس القرآن الكريم والإنجيل المقدس والتوراة المضيئة ، كما كان له إطلاع واسع على الكتب الفلسفية اليونانية .
كان –رحمه الله- عالمًا بأسرار مذهب التوحيد وعلى إطلاع شامل على جميع الديانات السماوية المعروفة ، وقد حاول جادًا الإفادة والإستفادة ، وكان يؤدي واجباته الدينية والاجتماعية على أكمل وجه .
وعرف عنه أنه بدأ يعلم الدين في قريتي كسرى وحرفيش منذ سن السابعة عشرة تقريبًا ، وكان يذهب من الرامة إلى كسرى مشيًا على الأقدام لتأدية هذا الواجب .
في مرحلة لاحقة أخذ يتعبد في مقام سيدنا سبلان عليه السلام في قرية حرفيش ، وقام بترميم الممر المؤدي إلى المغارة في المقام الشريف ، وبنى الدرج الحالي هناك .
إلى جانب تضلعه في أمور الدين الحنيف كان مناضلًا ومدافعًا عن الحق ، لأنه إعتبر تلك المهمة جزءًا من واجباته الدينية ، فساهم في جهد دؤوب في نضالات شعبه وطائفته ضد الظلم والطغيان وتزييف الحقائق .
فكان من أوائل المعارضين لقانون التجنيد الإجباري الذي فرض قسرًا على الشباب الموحد الدرزي عام 1956م ، ويومها أصدر أول عريضة ضد التجنيد الإجباري في نفس العام ووقع عليها 42 شخصية من دروز قرية الرامة ، ورفعت إلى رئيس دولة أسرائيل آن ذاك إسحق بن تسفي بتاريخ 5-3-1956 ، ومن ثم توالت العرائض وتزايد عدد الموقعين عليها .
وفي العام 1971م أصدر بيان بعنوان "نداء إلى إخواني الدروز الكرام" ، دعا فيه إلى إلغاء التجنيد الإجباري وتظافر الهمم من أجل تنظيم مسيرة النضال ضد مخططات السلطات الإسرائيلية الرامية إلى فصل الدروز عن أبناء شعبهم ، ودعا إلى تأسيس لجنة المبادرة الدرزية .
تلاقى مع مجموعة من الشباب الدروز الأحرار وأسس وترأس لجنة المبادرة العربية الدرزية عام 1972م والتي وضعت لها 4 أهداف ومطالب رئيسية وهي :
1- إلغاء الخدمة الأجبارية عن الشباب الدرزي وجعلها أجتيارية والمطابة بتأمين التعليم الجامعي والمهني للشباب الدروز .
2- عدم التدخل في شؤون الموحدين الدروز الدينية والقومية ورفض التدخل في أمور الأعياد الدينية الدرزية وعدم تحويل الأماكن المقدسة إلى منابر سياسية حزبية .
3- الكف عن مصادرة الأراضي ، وإعادة ما صودر منها لأصحابها .
4- تقديم الهبات والمساعدات المالية والفنية اللازمة لتطوير القرى الدرزية .
وفي عام 1973م ساهم بنشر عريضة ضد التجنيد الإجباري ووقع عليها 8000 شخص من جميع القرى الدرزية في البلاد .
استمر في ترأس لجنة المبادرة الدرزية لمدة 10 سنوات تقريبًا من 1972 حتى 1982 ، واضطر إلى الخروج منها لسببين : الأول هو عدم رغبته بتدخل اللجنة بالأحزاب الأخرى مما يتناقض مع التزامه الديني خصوصًا وأن اللجنة أخذت تقترب من الحزب الشيوعي وأصبحت فيما بعد أحد مركبات الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة . والثاني لعدم جدوى وفعالية اللجنة وهي منخرطة بغيرها من الأحزاب . فكان حريصًا على المحافظة على إستقلالية اللجنة .
إلى جانب ذلك كان مشاركًا في كافة نضالات أبناء شعبه : في يوم الأرض ، في النضال من أجل استعادة مهجري أقرث وبرعم إلى ديارهم ، كما كان داعمًا ومؤازرًا للأهل في النقب ومطالبًا بمساواة المواطنين العرب بالمواطنين اليهود في البلاد .
يضاف إلى هذا عمله من أجل الصلح والسلام في المجتمع وبين الناس .
كان خطيبًا لامعًا ، ذو صوت جهوري ، لا يخشى في الحق لومة لائم لأنه والحق أكثرية ، كما وترك وراءه مجموعة من البيانات والتحيات والأشعار والرسائل المتفرقة .
توفي –رحمه الله- يوم الأحد الساعة العاشرة صباحًا بتاريخ 9-2-2003 عن عمر يناهز الإثنين وتسعين عامًا ، وذلك بالتزامن مع الوقفة الصغرى لعيد الأضحى المبارك وكان بكامل إدراكه العقلي والحسي حتى لحظة وفاته .
رحمه الله وألهمنا السير على خطاه الجليلة لإكمال مسيرته في الدفاع عن الحق وفي مواجهة الباطل وإقتفاء أثره الطيب الذي خلفه للأجيال الطالعة .