الرئيسيةبحث

الشيخ سيد ناجي


· وُلِدَ ـ رحمه الله ـ بمدينة ببا بمحافظة بني سويف في صعيد مصر يوم 22 فبراير سنة 1921 للميلاد ، الموافق 14 من جمادى الثاني لسنة 1339 هـ ، وكان أبوه تاجراً ، وأمه ربة منزل . · سماه أبوه ( علياً ) على اسم جده لأبيه ، وكانوا ينادونه ( سيداً ) على اسم أحد الشيوخ المعاصرين بالبلدة . · اشتهر باسم ( سيد ناجي ) بسبب اسم الشهرة ولقب العائلة . · التحق بالمدرسة الابتدائية ببلدته ، واظهر تفوقاً ونبوغاً ، وكان المدرسون يجتمعون عليه ليرونه وهو يقوم بإعراب آيات القرآن الكريم في هذه السن الصغيرة . · قبيل إتمامه المرحلة الابتدائية أخرجه أبوه من المدرسة لكي يساعده في التجارة ، وقد اجتمع عليه أساتذته محاولين إثناءه عن ذلك موضحين له موهبته وتوقعهم له بمستقبل باهر، إلا أن الظروف المادية حالت دون استكمال دراسته . · بعد خروجه من المدرسة عمل بمصنع حلج الأقطان ، ثم تركها وعمل بتجارة الأحذية حتى عام 1959 م . · تقدم لشغل وظيفة مأذون شرعي بمدينة ببا ، ونظراً لبعض المشاكل المتعلقة بهذه الوظيفة لم يتسلم العمل إلا عام 1965 هـ ، وظل يقوم بهذه المهنة حتى توفاه الله عام 1983 . · عُرف عنه شغفه الشديد بالقراءة والإطلاع ، فكان يشتري بأية نقود تكون معه كتباً ومجلات دينية وأدبية ، وفي هذا الصدد تقول عنه أمه : إنه كان يداوم على القراءة يومياً منذ صغره حتى أنه كان يقرأ الكتاب على ضوء المصباح حيث لم تكن الكهرباء موجودة في بيتهم حينذاك ، فيظل يقرأ حتى ينام فتأتي أمه فترفع عنه الكتاب وتطفئ المصباح . · وتحكي زوجته أنها كانت تمازحه وتقول له أنك متزوج من المكتبة ، فقد كان يقضي جل وقته في مكتبته ، فقد كان يقرأ يومياً ما يقرب من ثمان ساعات . · وكان يقول : إن الكتاب بالنسبة له كمثل ولد من أولاده ، وأنه قد يحزن لفقد كتاب أكثر من حزنه لفقد ولده ، وقد لمست الأسرة ذلك عندما أصيب ولده طارق في حادث سيارة ، وولده خالد في حريق ، وولده حمزة بمرض شلل الأطفال ، وقد يكون ذلك ـ والله أعلم ـ لعمق إيمانه بالقضاء والقدر ، لكن الضيق والغضب اللذان كانا يعتريانه لا يمكن وصفهما عندما يبحث عن كتاب في المكتبة ولا يجده ، ولعله كان يرجع ذلك إلى إهمال أولاده لتلك الثروة . · استمر يمارس القراءة حتى قبيل وفاته بربع ساعة تقريباً حيث كان يقرأ في كتاب (( تاريخ بغداد )) . · نظراً لاهتمامه باللغة العربية وعلومها وقواعدها ، فقد اكتسب مهارة الخطابة حتى أن من استمعوا إليه و كثير منهم أحياء كانوا يقولون انه كان يضاهي أعظم الخطباء ، وقد كان يجوب البلاد خطيباً للجمعة ، وملقياً للدروس والمواعظ ، دعوةً لله تعالى . · خطب الجمعة بالمسجد الأقصى ، وكان يخطب الجمعة بالمسجد العمري بالقدس الشريف خلال حرب فلسطين سنة 1948 والتي شارك فيها متطوعاً . · كان المجاهدون يطلبونه بالاسم لإلقاء الخطب والدروس في مساجد فلسطين ، كما كان خطيباً لأكبر مساجد الجيش المصري في منطقته ، وكان القادة يحضرون من أماكن بعيدة للاستماع إلى خطبته . · وفي هذا الصدد أقيم حفل خطابي كبير لتكريم مجموعة من العمال سنة 1964 م .وقد حضر الحفل محافظ الإقليم ورئيس المدينة والقيادات الشعبية والتنفيذية بالمحافظة ، وبعد أن ألقى الجميع كلماتهم بهذه المناسبة ، تحدث الوالد رحمه الله عن موقع العمل والعمال في الإسلام ، فانبهر به المحافظ ، وطلبه إلى مكتبه في اليوم التالي ، وأوقد المصباح الأحمر حتى لا يقطع حديثهما أحد ، ويقول سكرتير المحافظ حينذاك أن الاجتماع استمر أكثر من ثلاث ساعات متواصلة ، تحدثا فيه عن أحدث إصدارات المطابع ، وناقشا الكثير من الموضوعات ، وبعد انتهاء المقابلة قال المحافظ لمعاونيه : (( هذا الرجل لا بد أن يعين مسئولاً عن التثقيف على مستوى المحافظة )) ، ولما كان نظام الحكم في مصر حينذاك يقصر كل المناصب العليا على فئة معينة لا بد أن تكون منتمية إلى تيار سياسي معين ، ولم يكن هو من مؤيدي هذا التيار ، فقد حال ذلك دون تنفيذ رغبة المحافظ . · في عام 1948 م ، ذهب لإلقاء خطبة الجمعة بأحد مساجد صفط راشين ( إحدى قرى مركز ببا ) ، وبعد أن صعد المنبر حضر مفتش المساجد بالمنطقة ، فآثر أن يغير موضوع الخطبة حيث كان ينتوي أن يكون موضوعها عن ( العمل الجماعي في الإسلام ) ، وقد كان للمفتش موقف من العمل الجماعي ، فتحدث عن ( قضية فلسطين ) ، وبعد الخطبة قام المفتش بالتعقيب عليها ، موضحاً ضرورة مناصرة قضية فلسطين ، فخرج الوالد من المسجد ، وأعد العدة للمشاركة في الحرب ، وبالفعل ذهب فشارك فيها ، وقد أصيب في أحد المعارك ، ولكن ذلك لم يمنعه من مواصلة القتال ، والمشاركة في الخطب والدروس ، وقد كانت هذه الإصابة أبلغ في التعبير عن كلامه رغم بلاغته . · وكان رحمه الله في المعسكر الذي كان يقوده الأستاذ الكبير سعيد رمضان والذي كان يقربه نته كثيراً ، وكان الأستاذ سعيد رمضان يقول له : ( إن المسلمين الفلسطينيين يعلقون آمالاً كبيرة عليك وعلى أمثالك ) . · عاد رحمه الله من فلسطين في إجازة صغيرة ، ويبدو أنها كانت مهمة ، وإن لم يفصح هو عنها ، وترك مذكراته التي كان يكتبها عن سير المعارك في فلسطين ، ولكنه لم يستطع العودة بعد قيام الهدنة واعتقال المجاهدين ، ففقدت تلك المذكرات المهمة . · كان رحمه الله بسيطاً تقياً ورعاً ، وقد عُرف بذلك ، ولم يكن يتحدث عن نفسه قط ، حتى أننا ونحن أبناؤه لم نعرف عن حياته العامة وجهاده في فلسطين وحياته في الدعوة إلا القليل ، وإن هذا القليل عرفناه من غيره . · يحكي زملاؤه أبان فترة تجنيده بالقوات المسلحة أنه كان يتناول أبسط الطعام خوفاً من عدم العدالة في توزيع الطعام ، فقد كان يقدم له طعاماً مميزاً عن باقي الجنود نظراً لكونه المسؤول عن المسجد . · وكان له قريب من أصحاب المناصب العسكرية الرفيعة ، وكان يحتل موقعاً قيادياً كبيراً بالمنطقة العسكرية التي كان يخدم فيها ، ورغم ذلك لم يذهب له مرة واحدة في مكتبه لقضاء أي مصلحة خاصة به ، بل كان هذا القائد هو الذي يذهب إليه على فترات للسؤال عنه ، وعما إذا كان بحاجة إلى شيء ما ، فكان يجيب دائماً بالنفي . · اُعتقل في عام 1955 م ، بتهمة الانتماء إلى جماعة دينية متطرفة ، وحوكم أمام محكمة الشعب ، ورفض توكيل أي محام للدفاع عنه ، وقام بالمرافعة دفاعاً عن نفسه في مرافعة أذهلت المحامين . · مكث في السجن قرابة العام ثم أفرج عنه ، فخرج يمارس عمله في الدعوة غير متأثر بما حدث له . · أعيد اعتقاله مرة أخرى سنة 1965 م ، لمدة عامين وثلاثة أشهر ، وقد أخبر زملاؤه أنه كان ثابتاً ، ضحوكاً رغم ما يعانيه من تعذيب ، وقد كتب قصيدة يقول مطلعها :

· لولا كتاب الله أنس وحدتي o لهلكت · وللأسف لم يتم العثور على هذه القصيدة والتي أخبرنا بها أحد شعراء المدينة ، والذي قال إنها من أروع ما قرأ من الشعر . · ومن طرائفه التي تحكى عنه في السجن أنه اختار لنفسه مكاناً بجوار باب الغرفة ، وكان ذلك في فصل الشتاء ، ولما عاتبه أحد إخوانه بأن هذا المكان سيكون بارداً جداً عليه ، أجابه ضاحكاً أنه سيكون ممتازاً في فصل الصيف . · رفض رفع دعوى للتعويض عن سجنه وتعذيبه ، وكان يقول ك أجرنا على الله ، سنأخذه يوم القيامة إن شاء الله . · عُرف بصبره على الشدائد ، وقوة تحمله ، فقد أجريت له عملية خراج بالشرج دون تخدير نظراً لمرضه بالقلب ، وهذه الواقعة أذهلت الأطباء لتحمله لتلك الآلام ، وقد استغرقت العملية 45 دقيقة . · أعتقل في حياته اثنان من أبناءه ، وقد طالبت النيابة إعدام أحدهما ، ورغم الفزع الذي أصاب الأهل والأقرباء إلا أنه كان ثابت الجأش ، واثقاً من فرج الله ، وبالفعل خرج ولداه من السجن، وإن كان أحدهما خرج بعد وفاته . · لم يكن يحب الظهور ، كما لم يكن يتفاخر بعمله ، حتى أنه لم يذكر لأي قريب أو بعيد المعارك التي شارك فيها في فلسطين ، أو موقعه من تلك المعارك ، أو المهام التي كان يؤديها ، وكل المعلومات المتوفرة عنه في هذا المجال وغيره حصلنا عليها من أفواه معاصريها . · في السبعينات الميلادية ، وأثناء احتفال المحافظة بعيدها القومي ، اتصل به أحد المسؤولين وأخبره أن برنامجاً إذاعياً أسمه (( زيارة لمكتبة فلان )) وهو برنامج شهير سوف يقوم بزيارة المحافظة ، وقد تم اختيار المكتبة الخاصة بالوالد لزيارتها حيث أنها أكبر المكتبات الخاصة بها ، وسوف بكون هناك حوار معه لمدة ساعتين يتناول القضايا الفكرية المختلفة بالإضافة عن المكتبة ومحتوياتها ، ورفض ، ورغم محاولات هذا المسؤول إلا أنه أصر على الرفض . · بدأ في عام 1973في كتابة بعض المقالات ، وراسل المجلات الإسلامية في العالم العربي ، فنشرت له عدة مقالات بمجلات : منبر الإسلام المصرية ، والوعي الإسلامي الكويتية ، ومنار الإسلام الإماراتية ، والأمة القطرية ، والضياء اليمنية ، وغيرها ، كما أذيعت له عدة أحاديث بالإذاعة المصرية . · ألف عدة كتب ، ولم يطبع منها شيء ، ومنها : (( المعاهدات في الإسلام )) ، (( بحث في الجزية )) ، (( الحدود في الإسلام )) ، (( القضاء في الإسلام )) ، (( صفحة من التاريخ الإسلامي )) . · كان رحمه الله يرى أن دراسة التاريخ الإسلامي هو أحد أهم واجبات الحركة الإسلامية المعاصرة لكي تتعرف على عوامل النجاح فتعمل بها ، وتتعرف على جوانب الفشل فتجتنبها . · وكان يرى أن تحقيق المصلحة هو من أولويات التشريع الإسلامي ، لذا فالأحكام الشرعية التي تتغير تدور مع هذه المصلحة . · وكان يرى أن التيسير على المسلمين هو أحد ضروريات الدعاة إلى الله ، وأنه لن يشاد الدين أحد إلا غلبه . · وكان يرى إن الخلاف في الرأي والمعتبر شرعاً ليس سبباً للشقاق والنزاع والخصام ، وأنه يسعنا ما وسع الصحابة والسلف الكرام ، وأن الخلاف هو أحد الصفات البشرية الملازمة لأي تجمع إنساني مسلم كان أو غير مسلم . · عُرف بسماحته وعفوه عمن ظلمه ، ويشهد بذلك الكثير من الأقربين والأبعدين الذين ظلموه ، أو شاهدوا ظلماً وقع عليه ثم شاهدوا مدى سماحته . · كان يحترم الكبير والصغير ، وأصحاب المهن الوضعية والعالية ، وكان شديد الاحترام للعلماء وأئمة المساجد ، والذين كانوا يجتمعون لديه دوماً . · أوصى بوقف مكتبته على طلبة العلم بعد وفاته ، وقد كانت هذه المكتبة مزاراً لطلبة العلم وطلاب الدراسات العليا ، والذين استفادوا منها في كثير من أبحاثهم . · وتعتبر هذه المكتبة هي ثلث مكتبته الحقيقية ، حيث تم الاستيلاء على جزء كبير من هذه المكتبة ، كما تم حرق ودفن جزء كبير منها بواسطة الأقارب خوفاً عليه بعد اعتقاله . · كان له نصيب كبير من العمل الاجتماعي العام ، فقد شارك رحمه الله في الكثير من تلك الأنشطة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر : · كان رئيساً لمجلس إدارة جمعية الدعوة الإسلامية بمركز ببا عند إنشائها سنة 1978 م . · رئيس ومؤسس جمعية الحج والعمرة بمركز ببا سنة 1953 م . · عضو وممثل مركز ببا في جمعية البر والمحافظة على القرآن الكريم بمحافظة بني سويف سنة 1975 م . · عضو لجنة تقدير الإيجارات بمركز ببا ممثلاً عن المستأجرين سنة 1977 ، وقد قدم استقالته منها عندما شعر أن هناك تلاعباً فيها . · عضو لجنة فض المنازعات بمركز ببا سنة 1979 . · خطيب ورئيس مجلس إدارة مسجد النصر ببا عند إنشائه سنة 1962 م ز · وفاته : · في يوم الأحد 15 / 11 / 1983 م الموافق 30 من شهر المحرم سنة 1404 هـ ، وبعد صلاة العشاء ، جلس للقراءة وكتابة أبحاثه كعادته ، وكان يقرأ حينذاك في كتاب (( تاريخ بغداد )) ، وبعد فترة قصيرة خرج مودعاً أهله ، وذهب للتعزية في أحد أئمة المساجد بببا ، والذي كان رفيق عمره ، وكان قد توفي في صبيحة هذا اليوم ، وقد شارك في تشييع الجنازة ، وبعد أن صافح الجميع ، وجلس على المقعد ، جاءه أحد أقارب الميت معاتباً له على حضوره رغم ظروفه المرضية ، وقبل أن يجيبه ألقى برأسه إلى الخلف ، فأحضروا له بعض الماء وألقوه على وجهه ، فأفاق ونظر إليهم مبتسما ً ، ثم أغلق عينيه ، ومات رحمه الله مبتسماً ، عن عمر يناهز 63 سنة . · وفي صبيحة اليوم الثاني وهو يوم الاثنين 6 / 11 / 1983 م شُيعت جنازته في مشهد وجنازة غير مسبوقة في تلك الفترة ،. وقد قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن أهل البدع : (( الفرق بيننا وبينهم الجنائز )) وخروج الكثرة من الناس لتشييع الجنازة دليل على صلاح صاحبها .