يروي نسابو الشايقية أن الشايقية هم أبناء شايق أحد أشقاء غانم أحد جدود الجعليين وزعمائهم ، كما يروون بأن غانماً هذا رحل بعدد من رجال القبيلة إلى شمال السودان حتى احتلت جماعته المناطق التي يعيش فيها الشايقية الآن ، والتي تمتد حدودها لحوالي مائتي كيلو متر على ضفتي النيل من الشلال الرابع إلى وادي الملك . ولا تعرف على وجه التحديد الصلة بين قبيلة الشايقية السودانية والشايجية أو الشايقية الموجودين في بعض أجزاء الجزيرة العربية وخاصة دول الخليج . ومن الصعب أستبعاد صلة تمتّ في أصولها إلى هؤلاء العرب الشايقية الذين مازالوا يعيشون حتى الآن في الجزيرة العربية . ولعل أسم شايق هذا كان أسماً ميمون الطالع يتكرر في ألأسر العربية من حين إلى اخر فلما ذهب فرع من عشيرة الشايقية العربية إلى الأراضي السودانية ظهر الأسم مرة اخرى ، وانبثقت عنه قبيلة الشايقية الكبيرة الموجودة في السودان الآن . والثابت لدى هذه القبيلة أن اصولهم عربية ، وأن قلة سمرة بشرة طوائف منهم إنما تعود إلى قلة اختلاط مع الاخرين . يرجع نسب الجد شايق إلى آبائه حميدان بن صبح الشهير بأبي مرخة ابن مسمار بن سرار . وقد رزق سرار بأربعة اولاد أسماهم : سمرة وسمير ورباط ومسمار . أما سمرة فقد انجب ( بدير ) وهو جد البديرية ، وأما سمير فإنه لم يعقب ، وأصبح رباط جد الرباطاب وهم القبيلة التي تسكن منطقة ( أبو حمد ) وربما كان موقعها هو الموضع الذي أحضر وراد المياه للعمري الماء منه في يوم واحد . وأما مسمار فقد ولد له حميدان الذي أنجب أبنه ( غانم ) الذي كانت من ذريته قبيلة الجعليين ، و(شايق) الذي هو جد الشايقية . وهكذا تظهر القرابة الأسرية بين هذه القبائل المتفرعة من اصل واحد ، والتي قامت بينها المنازعات فيما بعد خاصة بين الشايقية والجعليين . رزق شايق بعشرة أبناء وهم : سوار – حوش – عون – سلوف - باعوض – قريش – نافع – مريس – سالم – كدنجا . وربما كان هذا الأسم الأخير غير العربي من الأسماء المنتشرة بين أهالي المنطقة السابقين أو ربما كانت أمه من أهل البلاد الأصليين ، وكان هذا الاسم مما يطلقونه على الأولاد . ثم مالبثت ذريات هؤلاء الابناء أن أنقسمت إلى عدة بطون وأفخاذ كما هي عادة القبائل العربية . وكان بين الذين تحدثوا عن أصل الشايقية وأدلوا بما توصلوا اليه من أستنتاجات الرحالة الألماني فيرن الذي قام برحلة إلى السودان خلال السنوات 1840-1841 وقد ذكر فيرن بأنه يعتقد بأن الشايقية هم من نسل محاربي قدماء المصريين أو ربما كانوا أبناء ثوار المصريين القدماء الذين اورد هيرودتس سيرتهم . وكان أولئك المحاربون القدماء قد ارسلوا من مصر لحراسة الحدود الجنوبية ضد الأمم السودانية التي كانت تهاجم مصر من الجنوب . واستوطن هؤلاء الجند او الثوار المنطقة التي يسكنها الشايقية الآن وهي المنطقة الزراعية الخصبة الواقعة على النيل بين جبل داكا جنوبي دنقلة العجوز الشلال الرابع . ويضيف هيرودتس بأن عدد هؤلاء المستوطنين الثائرين أو المحاربين كان نحو مائتين واربعين آلف مقاتل . وكانت هجرتهم إلى الأراضي السودانية في عهد أبسميتك أحد فراعنة مصر . وتحدث عن هؤلاء الثوار المؤرخ بلينيوش سنة 70م ، قال بأنهم هربوا من أبسماتيك وأستقروا في منطقة مروي الحالية . وحاول فيرن تأييد نظريته هذه بأن أوضح قرب موقع بلاد الشايقية الحالية من موقع نبتة عاصمة مملكة مروي القديمة ، كما تحدث عن النزعة العسكرية التي مازال الشايقية يحتفظون بها . إضافة إلى نزعتهم لعدم الخضوع إلى زعيم واحد أوملك واحد وإذ كانوا دائماً تحت حكم عدد من صغار الملوك ( مكوك ) . ويرى فيرن أن الأسر الشايقية الحاكمة يشبهون طبقة السادة لدى قدماء المصريين . ومما لاشك فيه أن المنطقة يسكنها الشايقية الآن ، كما حددناها كانت آهلة بالسكان طوال القرون الماضية ، وأنها كانت مسرحاً لمدينة مروي وحضارة ملوكها البارزين . ولما كانت المنطقة تمتاز بخصوبتها فإنها أحتفظت بساكنيها على مر الأيام . ثم جاءت هجرة القبائل العربية إلى السودان عبر طرق مختلفة ، فراى بعضهم الأستقرار مع اولئك السكان الأصليين وأختلط بهم ، وأدخل اللغة العربية وبعض خصائص العرب عليهم ، ونتج عن ذلك شعب خليط هو الشايقية . أما تلك القبيلة العربية التي نزحت إلى تلك المنطقة فإننا نرى أنها في أغلب الظن هي قبيلة سعد العشيرة وبعض قبائل الشامية اليمنية الأخرى التي كانت معها في أرض المعدن . ولا نستبعد أن يكون بين أولئك المهاجرين بعض من جهينة ، كما أننا نكاد موقنين من أنه لم تكن معهم جماعة من قيس عيلان العدنانية التي دخلوا معها في منافسات أيام العمري . وهكذا وجدت سعد العشيرة لنفسها وطنا في الأراضي السودانية بعد عدة قرون من العمل الجاد في أرض المعدن البجاوية بحثاً عن التبر بين رمال وادي العلاقي . وهذا يجعل أن من المحتمل جداً إن لم يكن مؤكداً أن في الشايقية بعض الدماء البجاوية التي اكتسبتها عن طريق العيش في وادي العلاقي وكمركز تجاري تمر به قوافل التجارة التاريخية من شنقير ( أبو حمد ) إلى سواكن وموانئ البحر الأحمر مثل سواكن القديم أي عيذاب . أما ارجاع الشايقية نسبهم إلى الجهينين العباسيين فإننا نرى أيضاً أنه في بلد كثرت فيه الأحلاف أن تتزاوج في بعضها بعضا لتقوية اواصر القربى والتحالف ولذلك فليس بعيداً أن يكون زعماء الشايقية هم أبناء عمومة الجعليين ، ولكن قد يختلف أصول أبناء القبيلة . أما التنافس والقتال الذي دار بين هاتين القبيلتين فيما بعد عند استقرارهما في الأراضي السودانية فإنه كان تنافساً طبيعياً بين أبناء العمومة وهي من السمات الأنسانية المنتشرة في كل مكان وزمان . أستقر الشايقية في ضفاف النيل بين جبل ديقا جنوب دنقلة وبين الشلال الرابع وظهروا في الوجود بمكانة عظيمة في القرن السابع عشر . وكانوا في أول أمرهم عند ضعفهم قد دخلوا في الحلف السناري لسلطنة الفونج . ولكن في حوالي سنة 1600م ثار زعيمهم الشيخ عثمان ود حمد على الفونج وهزمهم وأستقل بزعامته ، وأخذ عهداً من الفونج بأن يحترموا سيادته على إقليمه ، ووافق الفونج على ذلك لبعد الشقة بينهم وبين الشايقية ، وعدم قدرتهم على إخماد ثورتهم وبسط نفوذ السلطنة عليهم . ووفد عليهم في أوائل القرن التاسع عشر جماعات من المماليك الذين هربوا من وجه محمد علي باشا في مصور وأوقعوا في أول الامر بالشايقية وذلك بقتل زعيمهم المضياف غدراً وخيانة . ولكن الشايقية وقفوا وقفة صامدة ضدهم وضد سلاحهم الناري . ولما جاء جيش أسماعيل باشا إلى السودان لإحتلاله في عام 1820م وقف الشايقية ضد جيشه الغازي وقاوموه ولكن مالبثت البنادق والمدافع والكثرة العددية المدربة أن اوقعت بهم هزيمة لم يتوقعوها بعد كفاح مرير. والشايقية يتحدثون بلهجة عربية لها نغمتها العربية الأصيلة ، ولبعض اواخر كلماتها ومقاطعها إمالة .