السياسة البربرية تعد هذه السياسة من بين النقط الأساسية التي اعتمدتها الكتابات الاستعمارية ، ويمكن تحديد مرحلتين في تعامل الكتابات الفرنسية مع هذه القضية . فخلال أواخر القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين اتجه اهتمام المفكرين الفرنسيين إلى الاهتمام بعلاقات البربر بالعرب عبر التاريخ وخاصة في العصور الإسلامية الأولى محاولين الإيحاء بأن البربر لم يقبلوا أبدا العرب " الدخلاء " ، فكأنما جاء الفرنسيون إذن بتخليصهم من الدخيل وربطهم بالأصل ، إذ في هذه الفترة انتشرت النظرية القائلة بأن البربر ينحدرون من أصول أوربية . كما راج استعمال أفكار ابن خلدون لفظ " الأعراب "بمعنى العرب ، إذ وجد فيه الفرنسيون مبررا لادعاءاتهم القائلة بأن المغرب عرف دائما انتشار الفوضى بوجود العرب . وبما أن ابن خلدون منهم فقد جعله الفرنسيون ذريعة قوية للقول بأنه لا حل لهذه الفوضى إلا بإلحاق الفرع بالأصل أي ربط البربر ( الفرع ) بأوربا ( الأصل ) . ومع ذلك فقد بقيت هذه الكتابات طيلة القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين رائجة على مستوى الأفكار فقط . وبمجيء ليوطي حاول أن يترجمها على أرض الواقع ، فساعد على إنشاء " الثانوية البربرية " بآزرو ، ولم يسمح لولوجها إلا لأبناء البربر . لكن ظروفا مختلفة حالت دون نجاح هذه المحاولة وفي مقدمتها ظروف الحرب العالمية الأولى وما تطلبته من تعبئة لجهود الفرنسيين ومستعمراتهم من أجل هدف واحد هو الانتصار في الحرب.
ولم تعد تظهر فكرة فصل العرب عن البربر إلا مع العشرينيات عندما جاء إلى المغرب مقيم عام جديد هو "لوسيان سان" الذي كان متحمسا للسياسة البربرية . فجمع حوله ثلة من المفكرين ذوي هذا الاتجاه وخاصة " موريس لوكلاي" و"بول مارتي" ، هذا الأخير ألف كتابا وضع له كعنوان " مغرب الغد " أعطى فيه تصورا كاملا وكفيلا في نظره لإنجاح السيسة البربرية . فذكر بأن المدارس التي أنشئت لهذا الغرض هي دارس فرنسية يتعلم فيها التلاميذ من أصل بربري ، لذلك دعا إلى استبعاد التعليم العربي وإلى منع كل ما له علاقة بالإسلام . أما "موريس لوكلاي " فبالإضافة إلى مناداته بحذف تعليم اللغة العربية والدين الإسلامي في مدارس البربر دعا إلى كتابة اللهجات البربرية بحروف لاتينية. ومما أكد عزم اإدارة الفرنسية على تحقيق مشروعها في هذا الإطار تعبئنها لكل من بإمكانه مساعدتها في هذا الإطار . فدعت رجال الدين إلى القيام بحملة حول التنصير في كل أنحاء البلاد وشجعت نشر الكتب والدراسات العادية للإسلام ( هنري بيرين " محمد وشرلمان " ) ووضعت رهن إشارتهم مبالغ مالية هامة . وإلى جانب هؤلاء أظهر بعض الفرنسيين معارضتهم لهذه السياسة بالنظر إلى المشاكل التي يمكن أن تترتب عنها خاصة وأن فرنسا كانت تعتزم إتمام ما سمته بسياسة " التهدئة " . لكن التيار المؤيد للسياسة البربرية غلب على تيار المعارضة ، وتم إصدار ظهير 16 ماي 1930 دون أخذ آراء المغاربة بعين الاعتبار بربرا كانوا أو عربا.
وبما أن هذا الظهير كان يهدف إلى التفريق بين العرب والبربر فقد كان طبيعيا أن يخلف ردود فعل قوية خاصة وأن فرنسا كانت تستعد في نفس الوقت للاحتفال بالذكرى المئوية لاحتلال الجزائر بشكل ظهر معه أن الاحتلال يهدف إلى أن يكون أبديا في نظر الفرنسيين . وهكذا فقد قاطعت مصر المنتجات الفرنسية واستنكر العراق هذا العمل الذي وصفه بأنه غير قانوني وشنيع كما رفضته بعض الصحف الإسبانية. ففي إحدى المقالات التي نشرتها جريدة "النور " la luz الإسبانية تمت الإشادة بما قامت به فرنسا في المغرب لكنها نعثت السياسة البربرية بأنها خطأ يمكن أن يسيئ إلى سمعة فرنسا . ويذكر صاحب المقال أن البربر اتخذوا الإسلام دينا رسميا بعد مجيئ العرب رافضا فكرة إجبارهم على ذلك. وعبر عن اندهاشه من كون الفرنسيين يشككون في إسلام البربر.
لم تكن نوايا فرنسا الاستعمارية تجاه المعرب تخفى على أحد ، غير أنها رأت في الظهير البربري خرقا سافرا لمعاهدة 1912 التي نصت بوضوح على ضرورة الحفاظ على الوضعية الدينية واحترام السلطان واحترام المؤسسات الإسلامية