هو من أهم الكتب التناريخية للعلامة المقريزي والكتاب هو الجزء الرابع من كتب المقريزي عن تاريخ مصر وأولها البيان والإعراب فيمن دخل مصر من الأعراب وثانيها عقد جواهر الأسفاط في أخبار مدينة الفسطاط أما ثالثها فهو اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الحنفا والرابع هو الكتاب الذي بين أيدينا والذي يؤرخ لفترة حكم الدولة الأيوبية والدولة المملوكية لمصر وهي فترة مهمة من التاريخ الإسلامي سيما أنها رافقت ظهور شخصيات وأحداث مهمة ;ويقع الكتاب في أربعة أجزاء ويعتمد المقريزي في نظام تأريخيه على أسلوب الحوليلت وهو نظام يقوم على التأريخ لكل سنة وماصاحبها من الأحداث على حدة ;ففي الجزء الأول يتحدث عن الفترة الممتدة من سنة 568 هجرية إلى سنة 703 هجرية كل سنة على حدة;وفي الجزء الثاني يتحدث عن الفترة الممتدة من 704 هجرية إلى سنة 754 هجرية; أما في الجزء الثاني فيتحدث عن الفترة الممتدة من 755 هجرية إلى سنة 807 هجرية; وفي الجزء الرابع يتحدث عن الفترة الممتدة من سنة 808 هجرية إلى سنة 844 هجرية . علما أن الكاتب يستعمل نفس المنهاج التأريخي .
وقد طبعت أجزاء من الكتاب الضخم مترجمة إلى الفرنسية ما بين (1837 و1908).
"قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك من تشاء وتعز من تشاء وتذلك من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب". فسبحان الله من إله حكيم قادر، ومليك مقتدر قاهر، يعطي العاجز الحقير، ويمنع البطل الأيد الكبير، ويرفع الخامل الذليل، ويضع ذا العز المنيع والمجد الأثيل، ويعز المحتقر الطريد المجفو الشريد، ويذل أولى الحد الحديد، والعد العديد، وأرباب الألوية والبنود، ومالكي أزمة العساكر والجنود، ويؤتى مله من لم يكن شيئاً مذكورا، ولا عرف له أبا نبيها وجدا مشهوراً، بل نشأ كلاًّ على مولاه وخادما لسواه، تجبهه وتشنؤه الناس، ولا يرعاه سائر الأجناس، لا يقدر على نفع نفسه فضلا عن الغير، ولا يستطيع دفع ما ينزل به من مساءة وضير، عجزا وشقاء وخمولا واختفاء، وينزع نعت الملك ممن تهابه أسد الشرى في غِيلها، وتخضع لجلالته عتاة الأبطال يقظّها وقِظيظها، وتخنع لخنزوانة سلطانه حماة الكماة بجمعها وجميعها، وتذل لسطوته ملوك الجبابرة وأقيالها، ويأتمر بأوامره العساكر الكثيرة العدد، ويقتدي بعوائده الخلائق مدى الأبد. والحمد لله على حالتي منعه وعطائه، وابتلاءه وبلائه، وسراته وضرائه، ونعمه وبأسائه، أهل الثناء والمجد، ومستحق الشكر والحمد: "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"، "بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون" ولا إله إلا الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي "لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" والله أكبر ، "لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء" ولا تدرك من عظمته العقول إلا ما أخبر به عنه الرسل والأنبياء. وصلى الله على نبينا محمد الذي أذهب الشرك من الأكاسرة، ومحا بشريعته عظماء الروم القياصرة، وأزال بملته الأصنام والأوثان، وأحمد بظهوره بيوت النيران، وجمع له أسود العب وقد كانت في جزيرتها متفرقة، ولم ببركته شعثها بعدما غبرت زماناً وهي متمزقة، وألف قلوبها على موالاته وطاعته، وحبب إليها المبادرة إلى مبايعته على الموت ومتابعته، فتواصلوا بعد القطعية والتدابر، وتحابوا في الله كأن لم ينشئوا على البغضاء والتنافر، حتى صاروا باتباع ملته، والإقتداء بشريعته، من رعاية الشاء والبعير، إلى سياسة الجم الغفير، وبعد اقتعاد سنام الناقة والقعود، وملازمة بيت الشعر والعمود، وأكل القصوم والشيح، ونزول القفر الفسيح، إلى ارتقاء المنابر والسرير، وتوسد الأرائك على الحرير، وارتباط المسومة الجياد، واقتناء ما لا يحصى من الخدم والعتاد، بما فتح الله عليهم من غنائم ملوك الأرض، الذين أخذوهم بالقوة والقهر، وحووا ممالكهم بتأييد الله لهم والنصر، وأورثوها أبناء أبنائهم، وأحفادهم وأحفاد أحفادهم. فلما خالفوا ما جاءهم به رسولهم من الهدى، أحلهم الرزايا المجيحة والردى، وسلط عليهم من رعاع الغوغاء وآحاد الدهماء من ألحقهم بعد الملك بالهلك، وحطهم بعد الرفعة، وأذلهم بعد المنعة، وصيرهم من رتب الملوك إلى حالة العبد المملوك، جزاء بما اجترحوا من السيئات، واقترفوا من الكبائر الموبقات، واستحلوا من الحرمات، واستهواهم به الشيطان من إتباع الشهوات، وليعتبر أولو البصائر والأفهام، ويخشى أهل النهى مواقع نقم الله العزيز ذي الانتقام، لا إله إلا هو سبحانه.
أما بعد، فإنه لما يسر الله وله الحمد، بإكمال كتاب عقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط، وكتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الخلفاء، وهما يشتملان على ذكر من مَلَكَ مصر من الأمراء والخلفاء، وما كان في أيامهم من الحوادث والأنباء، منذ فحت إلى أن زالت الدولة الفاطمية وانقرضت، أحببت أن أصل ذلك بذكر من ملك مصر بعدهم من الملوك الأكراد الأيوبية، والسلاطين المماليك التركية والجركسية، في كتاب يحصر أخبارهم الشائعة، ويستقصي أعلمهم الذائعة، ويحوى أكثر ما في أيامهم من الحوادث والماجريات، غير معتن فيه بالتراجم والوفيات، لأني أفردت لها تأليفاً بديع المثال بعيد المنال، فألفت هذا الديوان، وسلكت فيه التوسط بين الإكثار الممل والاختصار المخل، وسميته كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك. وبالله أستعين فهو المعين، وبه أعتضد فيما أريد وأعتمد، فإنه حسبي ونعم الوكيل.