يقول سبحانه وتعالى : (( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب )) .
أخرج الترمذي عن الحارث الأعور قال : مررت بالمسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث ، فدخلت على علي فأخبرته ، فقال : أوقد فعلوها ؟ قلت : نعم ، قال أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( أما أنها ستكون فتنة ، قلت فما المخرج منها يا سول الله ، قال : كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله تعالى ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله تعالى )) ، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تشبع منه العلماء ولا يَخلَقُ من كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالت : (( إنا سمعنا قرءاناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به )) ، من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( خيركم من تعلم القرءان وعلمه )) وجاء في الأثر الشريف : ( من أراد الدنيا فعليه بالقرآن ومن أراد الآخرة فعليه بالقرءان ومن أرادهما معاً فعليه بالقرءان ) .
وعن الإمام علي قال : ( القرءان كنز الله لا فقر بعده ولا غنى دونه ) . وعلى هذه الأسس المتينة والقواعد الثابتة والركائز الدائمة : بنيت بيوت الله كالزوايا والمساجد وغيرها من الأماكن الطاهرة التي يذكر فيها اسم الله .
تأسست الزواية الطاهيرية على يد شيخها سيدي الطاهر بن محمد سنة 1832م بعد أن تلقى أصول الحديث والفقه الإسلامي في الزاويتين العثمانية والمختارية بطولقة وأولاد جلال وكان تأسيسها بإذن من مشائخ الزاويتين لأجل الوقوف في وجه المستعمر وزرع روح القومية العربية الإسلامية وتثبيت الشخصية الجزائرية ومحاربة الجهل بتدريس القرءان الكريم وتعليم اللغة العربية ، وبعد وفاته سنة 1891خلفه أخوه سيدي يوسف ليواصل مسيرة الكفاح السياسي والفكري بالتوعية والتحريض العسكري وكلف هذا الأخير ابن أخيه عبد الرحمن بن أحمد الذي كان يرفض ويحارب التجنيد الإجباري ، مما اضطر السلطات الفرنسية لنفيه إلى المغرب الأقصى ليعود بعد وفاة عمه سنة 1917 ليواصل مسيرة النضال والكفاح حيث في سنة 1923 اشتبك مع دورية عسكرية قتل من خلالها جندي فرنسي وجرح آخر ومن هنا بدأت فرنسا في سياسة حرق المنازل وتهديمها في كل من واد الكم والقاعو وبريش وألقي القبض عليه مرة أخرى بنواحي تقرت ونقل إلى بسكرة وبعدها إلى الجزائر وأفرج عنه فيما بعد ، وكان من أهدافه مواصلة كفاحه الفكري والسياسي والعسكري وألقي عليه القبض من جديد وأدخل السجن بربروس بالجزائر العاصمة لينفذ فيه حكم الإعدام يوم : 14/17/1931 كقربان للعيد الوطني الفرنسي .
وهكذا تواصل الزاوية الطاهيرية كفاحها بقيادة شيخها طاهيري سي المختار بن سي يوسف وبعد وفاته سنة 1951 خلفه أخوه الشيخ محمد الطيب في أوائل الثورة التحريرية لتكون الزاوية الطاهيرية من أول مشجعي الثورة بإمدادها بالسلاح والرجال وزرع روح التضحية والاستشهاد من أجل الجزائر المستقلة لتقوم فرنسا بفرض الإقامة الجبرية لشيخ الزاوية وزج بعض أفرادها في السجون منهم طاهيري سي بلقاسم وأخيه سي بلخير وطاهيري سي محمد بن عبد الرحمن وطاهيري عبد الحميد وغيرهم كثير ، وقدمت الزاوية العديد من الشهداء مثل طاهير ي السلامي وصالحي المختار وصالحي إبراهيم ، وواصلت الزاوية الطاهيرية تقديم فلذات أكبادها وخيرة الرجال لأجل الحبيبة الجزائر .
وكانت الزاوية الطاهيرية همزة وصل بين الثورة التحريرية والمواطن مما جعل قادة المنطقة يضعون كامل ثقتهم فيها وجعلها مركزاً لتنصيب المجالس وتجنيد الرجال في صفوف جيش التحرير كما كان لها الدور البالغ في الاتصالات لإمداد المجاهدين بالمعلومات والأخبار ، ومن أبرز القادة الثوريين الذين اتصلوا بالزاوية وقامت بمساعدتهم مثل زعيم جيش التحرير بمنطقة بوكحيل سنة 1956 والشهيد زيان عاشور والأخوان الشهيدان محمد بن الهادي وعبد الرحمن بن الهادي .
وكانت أشد التعاملات وأكبر الاتصالات سنة 1959 ، مع القادة مثل الملازم الثاني للناحية سي مخلوف بن قسيم والملازم الأول السياسي سي علي بن شربف والملازم الأول للاتصال والأخبار سي ثامر البشيري والعريف الأول الإخباري سي عبد الوهاب ، والشهيد القائد زيان بن البوهالي ومن أبرز القادة المداومين على الاتصال بالزاوية العريف الأول السياسي الشهيد سي براهيم زيدان ، وهكذا كانت الزاوية الطاهرية أرض خصبة لثورة التحرير.
وبعد الاستقلال تول الشيخان سي بلقاسم بن سي يوسف و أخيه سي بلخير تسيير شؤون الزاوية وتوفي سي بلقاسم سنة 1975 وبقي سي بلخير يتولى تسييرها إلى أن توفي سنة 1982 ليخلفه ابنه البار المتوكل على الله طاهيري المختار بن سي بلخير ، ليسهر على تعليم الفقه والقرءان.