هو "الربيع بن حبيب بن عمرو الأزدي"، ويلقب "بأبي عمرو البصري" وهو ثالث أئمة العلم عند الإباضية يقول عنه "الشماخي" في السير (طود المذهب الأشم، وبحر العلم الخضم).
فهرس
|
ولد في منطقة الباطنة في عمان في النصف الثاني من القرن الأول الهجري ما بين سنتي(75-80 هـ) . نشأ في عمان وبها أمضى طفولته ثم سافر إلى البصرة التي كانت تغص بالعلماء في ذلك الحين وبها أخذ علوم التفسير والحديث والفقه وبرع فيها حتى صار من العلماء المعدودين في البصرة ، وبذلك استحق أن يخلف شيخه "أبا عبيدة" في رئاسة الدعوة الإباضية في البصرة.
من أهم شيوخه الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة وهو أكثر من لازمه وروى عنه، وقد ذكر بعض المؤرخين أنه أدرك الإمام جابر بن زيد وهو شاب وأخذ عنه العلم كما تلقى العلم عن ضمام بن السائب وأبي نوح صالح الدهان. فقد ورد عنه قوله: أخذت الفقه من ثلاثة: "أبي عبيدة"، و"أبي نوح"، و"ضمام". وبالإضافة إلى هؤلاء فقد تتلمذ على كثير من التابعين الذي عاشوا في تلك الفترة أمثال: "قتادة" وعمرو بن هرم وحماد بن سلمة وغيرهم. وقد رأى الربيع في أول عهده بالبصرة ما لاقاه جابر بن زيد وتلاميذه وأتباعه وغيرهم من العلماء: كالحسن البصري ،و"الشعبي" وسعيد بن جبير، من عنت الحجاج بن يوسف الثقفي وجبروته وقسوة أعوانه وشدتهم، ما ملأ نفسه كراهية لأولئك الحكام المستبدين، إلا أنه سلك طريق شيخيه "أبي الشعثاء" و"أبي عبيدة" في تجنب أي احتكاك بالسلطة طيلة تلقيه الدراسة، إذ أنّ كل المصادر التي تحدثت عنه لم تُشر إلى اضطهاده أو إصابته بأذى، مما جعله يتفرغ إلى تحصيل العلم حتى صار علما من أعلام الفكر وراوية من رواة السّنة، وعاملا من علماء الفقه مما جعل "أبا عبيدة" يقول عنه " فقيهنا وإمامنا وتقينا وأميننا وثقتنا".
أخذ عن الإمام "الربيع" جماعة من الطلبة لعل أشهرهم ما أطلق عليهم حملة العلم إلى المشرق: منهم المؤرخ المشهور محبوب بن الرحيل، وموسى بن أبي جابر الأزكوي، والشيخ بشير بن المنذر، وأبو صفرة عبد الملك بن أبي صفرة، ومنير بن النير الجعلاني، ومحمد بن المعلى الكندي، وأبو أيوب وائل بن أيوب الحضرمي، وهاشم بن غيلان ، وغيرهم كثير.
المصادر القليلة التي تناولت حياة "الربيع بن حبيب" تجمع على أنه كان يتمتع بمكانة مرموقة ومنزلة عالية في الأوساط الإباضية في المشرق والمغرب. وقد نال تلك المنزلة بما حباه الله به من الورع والتقوى والعلم والعمل لما فيه خير المسلمين ويدل على ذلك ما يلي:
من آثار الإمام "الربيع" مجموعة من الأقوال والفتاوى والفقه متناثرة في كتب الإباضية ومن آثاره المجموعة: كتاب "آثار الربيع" الذي رواه عن شيخه ضمام بن السائب عن جابر بن زيد مقطوعا وهو عبارة عن مجموعة فتاوى للإمام جابر بن زيد. وقد قام بجمعها أبو صفرة عبد الملك بن صفرة. وهذا الكتاب لا زال مخطوطا. ومن أهم آثاره كتاب "المسند" ويطلق عليه الإباضية "الجامع الصحيح"، وهو مطبوع ومتداول. كان المسند في أول أمره مخطوطا, ولم يكن مرتبا أو مصنفا على نحو موضوعي، وإنما كان مرتبا على طريقة المسانيد حتى جاء أبو يعقوب يوسف الوارجلاني (من وارجلان بالجزائر) فأعاد ترتيب الأحاديث على نحو موضوعي على طريقة الجوامع فقام بجمع الأحاديث على حسب أبواب الفقه المعروفة على النحو الذي وصل إلينا. والمسند المتداول اليوم مقسم إلى أربعة أجزاء. الجزءان الأول والثاني هما أصل الكتاب وفيهما 750 حديث تقريبا. أما الجزءان الثالث والرابع فقد ضمهما إلى المسند الأصلي المرتب أبو يعقوب يوسف الوارجلاني. فمما جاء في الجزء الثالث آثار احتج بها "الربيع" على مخالفيه في مسائل مختلفة من الاعتقاد وغيرها. وعدد هذه الآثار مائة وأربعون (140). وأما الجزء الرابع فيشمل روايات محبوب بن الرحيل القرشي عن "الربيع بن حبيب" وروايات الإمام أفلح بن عبد الوهاب الرستمي عن أبي غانم بشر بن غانم الخراساني ومراسيل جابر بن زيد. وعدد هذه الروايات مائة وثلاثة وعشرون (123). وقد قام الأستاذ "محمد إدريس" بتخريج أحاديثه ومقارنتها بما ورد في كتب السنة الأخرى. وللمسند عدة شروح أهمها وأحدثها شرح الشيخ عبد الله السالمي رحمه الله وهو من علماء عمان ( المتوفى سنة 1332 هـ/1914م).
يرى الإباضية أن مسند "الربيع بن حبيب" من أصح كتب الحديث سندا لأن معظم الأحاديث رواها الإمام "الربيع عن شيخه أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة عن جابر بن زيد عن أحد الصحابة، وقد وردت في المسند بعض الأحاديث التي رواها أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة عن آخرين غير "جابر" إلا أنها قليلة. وقد ذكر أئمة الحديث أن رتب الحديث الصحيح تتفاوت ،فالمرتبة العليا ما أطلق عليه بعض رجال الحديث بأن أصح الأسانيد هي الأسانيد الثلاثية كسند "الزهري" عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن الرسول (صلى الله عليه وسلم )، وسند "إبراهيم النخعي" عن "علقمة" عن عبد الله بن مسعود عن الرسول (صلى الله عليه وسلم )، وسند "مالك" عن "نافع" عن "ابن عمر" عن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) لأن هذه الأسانيد قصيرة السند واشتهر رجالها بقوة الحفظ والضبط وكمال الصدق والأمانة. وإذا تتبعنا الأحاديث التي رواها "الربيع" في الجزء الأول والثاني في المسند لوجدنا أن معظمها ثلاثية السند ورجالها من أوثق الرجال وأحفظهم وأصدقهم. فالأحاديث الثلاثية التي في المسند رواها "الإمام الربيع" أغلبها عن أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة عن جابر بن زيد عن أحد الصحابة عن النبي(صلى الله عليه وسلم ). ومن هذا يعتبر الإباضية أن الأحاديث الواردة في الجزأين الأول والثاني من المسند هي من أصح الأحاديث الواردة عن النبي (صلى الله عليه وسلم ) ويعتبرونها أعلى درجة من الأحاديث التي رواها الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله. ورغم أن الأحاديث التي في المسند ثلاثية ورجالها مشهورون بالثقة، والحفظ والضبط وأن أغلب الأحاديث مروية في كتب السنة الأخرى إلا أننا لا نجد لهذا الكتاب ذكرا عند أكثر المهتمين بعلوم الحديث – لا في القديم ولا في الحديث - بل إن من المهتمين بعلوم الحديث من لم يسمع عنه مطلقا. فجمهور علماء الأمة الذين اهتموا بتتبع أحوال رواة الحديث واقتفاء آثارهم جرحا وتعديلا قد أهملوا أو أغفلوا ذكر "الربيع بن حبيب" في كتب الجرح والتعديل عدا ما قاله يحيى بن معين في كتابه "التاريخ" حيث قال: ("الربيع بن حبيب" يروي عن ال[[حسن وابن سيرين وهو ثقة). وعدا بعض من ذكره من أئمة الحديث كالإمام أحمد والبخاري. وقد سئل أستاذ معاصر يحمل شهادة الدكتوراه في علوم الحديث عن مسند "الربيع بن حبيب" فكان رده: سمعت عنه ولم أره. وسئل آخر وهو رئيس قسم التفسير والحديث في إحدى الجامعات المعتبرة عن الربيع ومسنده فأجاب: من الربيع وما مسند الربيع؟. وبقدر ما نتأسف عند سماع ردود كهذه من رجال كرسوا حياتهم ودراستهم لعلم الحديث، إلا أنه قد نلتمس العذر لبعضهم، لأنه لم تتيسر لهم ظروفهم للإطلاع على فكر الإباضية. ثم إن التعتيم السياسي والتاريخي على مدى أكثر من ألف قرن كان له بالغ الأثر في صد المثقفين والباحثين عن الإطلاع على فكر الإباضية عموما. ولا بد أن نسجل هنا أن الإباضية أنفسهم قد قصروا في نشر فكرهم، والتعريف بمذهبهم في القديم والحديث إلا ما رأيناه في السنوات الأخيرة من طباعة بعض كتب الإباضية وما قامت به وزارة التراث القومي والثقافة في سلطنة عُمان من طباعة بعض أمهات الكتب عند الإباضية. ونحن نطمح أن يكون نشر آثار الإباضية دافعا لعلماء ومفكري الأمة الإسلامية للتعرف على فقه المذهب الإباضي ووضعه في مكانه الصحيح من أجل توحيد صفوف المسلمين ولمّ شعثهم في عصرٍ هُم أحوج ما يكونون فيه إلى وحدة صفوفهم لصد الطغيان المتربص بهم في الداخل والخارج. ورغم وجود هذه الكتب إلا أننا نذكر بكل أسف أنه يوجد من الباحثين والمفكرين والفقهاء المعاصرين من يعرف عن الإباضية تاريخا وفكرا وعقيدة ومع ذلك يحاول - عن قصد أو غير قصد - تهميش الفكر الإباضي والتعتيم عليه والرد عليه بطريقة غير موضوعية ولا علمية. ولا ندرى سبب ذلك في هذا العصر الذي نتوقع فيه توفر الأمانة العلمية والنقاش العلمي المتزن والتفتح الفكري والعقلي. ولا ننكر وجود بعض الأسباب التاريخية التي من أجلها لم يُعرف الإمام "الربيع" بين المحدثين من أهل السّنة و لم يعرف كتابه ضمن كتب الحديث رغم أنه من أوائل كتب الحديث التي صُنّفت ومن هذه الأسباب:
توفي الإمام "الربيع بن حبيب بن عمرو الأزدي" ما بين سنة 171 و180 هجرية ودفن في عمان، وقد صلى عليه تلميذه موسى بن أبي جابر الأزكوي. وبذلك يكون قد عاش أكثر من تسعين عاما قضاها في التربية ونشر العلم وقيادة الدعوة التي رسم منهجها الإمام جابر بن زيد والإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كربمة رحمهم الله جميعا.