الرئيسيةبحث

التلبينة

هي حساء يُعمل من دقيق الشعير بنخالته و الماء أو اللبن و ملعقة عسل نحل . سميت تلبينة تشبيها لها باللبن في بياضها ورقتها.

و قد أوصى بها النبي صلى الله عليه و سلم للمحزون .

التلبينة" وصية نبوية.. وحقيقة علمية


عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أنها كانت إذا مات الميت من أهلها، فاجتمع لذلك النساء، ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها، أمرت ببرمة(قدر من حجارة أو نحوها) من تَلْبِينَة فطُبخت، ثم صُنِعَ ثَريد(خبز يفتت ثم يبل بمرق) فصُبَّت التَّلْبِينَة عليها، ثم قالت: كلن منها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: التَّلْبِينَة مُجِمَّةٌ لفؤاد(تريح القلب وتزيل عنه الهم وتنشطه) المريض، تذهب ببعض الحزن). [أخرجه مسلم في السلام، باب: التلبينة مجمة لفؤاد المريض، رقم: ]2216.

ثمة أشياء تبدو في أعيننا بسيطة متواضعة القيمة.. لكن تأملها بعين الحكمة يكشف لنا عن كنوز صحية ندوس عليها ونحن نمضي في طريقنا نحو المدنية المعاصرة.. مثقلين بالشحوم ومكتظين بالسكر وملبكين معويا ومعنويا. ومن تلك الكنوز التي أغفلها بصر الإنسان ولم تغفلها بصيرة النبوة.. كنز التلبينة!!

وهي حساء يُعمل من ملعقتين من دقيق الشعير بنخالته ثم يضاف لهما كوب من الماء، وتطهى على نار هادئة لمدة 5 دقائق، ثم يضاف كوب لبن وملعقة عسل نحل. سميت تلبينة تشبيها لها باللبن في بياضها ورقتها. وقد ذكرت السيدة ‏عائشة ا أن النبي علية الصلاة والسلام أوصى بالتداوي والاستطباب بالتلبينة قائلا: "التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن" صحيح البخاري.

ومن المذهل حقا أن نرصد التطابق الدقيق بين ما ورد في فضل التلبينة على لسان نبي الرحمة وطبيب الإنسانية وما أظهرته التقارير العلمية الحديثة التي توصي بالعودة إلى تناول الشعير كغذاء يومي؛ لما له من أهمية بالغة للحفاظ على الصحة والتمتع بالعافية.


تخفض الكولسترول وتعالج القلب

أثبتت الدراسات العلمية فاعلية حبوب الشعير الفائقة في تقليل مستويات الكولسترول في الدم من خلال عدة عمليات حيوية، تتمثل فيما يلي:

أ. تتحد الألياف المنحلة الموجودة في الشعير مع الكولسترول الزائد في الأطعمة فتساعد على خفض نسبته في الدم.

ب. ينتج عن تخمر الألياف المنحلة في القولون أحماض دسمة تمتص من القولون، وتتداخل مع استقلاب الكولسترول فتعيق ارتفاع نسبته في الدم.

ج. تحتوي حبوب الشعير على مركبات كيميائية تعمل على خفض معدلات الكولسترول في الدم، ورفع القدرة المناعية للجسم مثل مادة "بتا جلوكان" B-Glucan والتي يعتبر وجودها ونسبتها في المادة الغذائية محددا لمدى أهميتها وقيمتها الغذائية.

د. تحتوي حبوب الشعير على مشابهات فيتامينات "هاء" Tocotrienol التي لها القدرة على تثبيط إنزيمات التخليق الحيوي للكولسترول، ولهذا السبب تشير الدلائل العلمية إلى أهمية فيتامين "هاء" الذي طالما عرفت قيمته لصحة القلوب إذا تم تناوله بكميات كبيرة.

وعلى هذا النحو يسهم العلاج بالتلبينة في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية؛ إذ تحمي الشرايين من التصلب -خاصة شرايين القلب التاجية- فتقي من التعرض لآلام الذبحة الصدرية وأعراض نقص التروية (Ischemia)، واحتشاء عضلة القلب ( Heart Infarction).

أما المصابون فعليا بهذه العلل الوعائية والقلبية فتساهم التلبينة بما تحمله من خيرات صحية فائقة الأهمية في الإقلال من تفاقم حالتهم المرضية. وهذا يظهر الإعجاز في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "التلبينة مجمة لفؤاد المريض.."، ومجمة لفؤاد المريض أي مريحة لقلب المريض!!


علاج للاكتئاب

كان الأطباء النفسيون في الماضي يعتمدون على التحليل النفسي ونظرياته في تشخيص الأمراض النفسية، واليوم مع التقدم الهائل في العلوم الطبية يفسر أطباء المخ والأعصاب الاكتئاب على أنه خلل كيميائي.. كما يثبت العلم الحديث وجود مواد تلعب دورًا في التخفيف من حدة الاكتئاب كالبوتاسيوم والماغنسيوم ومضادات الأكسدة وغيرها... وهذه المواد تجتمع في حبة الشعير الحنونة التي وصفها نبي الرحمة بأنها "تذهب ببعض الحزن".

ولتوضيح كيف تؤثر المواد التي يحويها الشعير في الاكتئاب، وتخفف من حدته نذكر أهم تلك المواد المضادة للاكتئاب والموجودة في الشعير، ومنها:

- المعادن: فتشير الدراسات العلمية إلى أن المعادن مثل البوتاسيوم والماغنسيوم لها تأثير على الموصلات العصبية التي تساعد على التخفيف من حالات الاكتئاب، وفي حالة نقص البوتاسيوم يزداد شعور الإنسان بالاكتئاب والحزن، ويجعله سريع الغضب والانفعال والعصبية. وحيث إن حبة الشعير تحتوي على عنصري البوتاسيوم والماغنسيوم فالتلبينة تصلح لعلاج الاكتئاب، ويلاحظ هنا أن الدراسات العلمية تستخدم كلمة "التخفيف من حالات الاكتئاب"، ونجد ما يقابلها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تذهب ببعض الحزن"، وهذه دلالة واضحة على دقة التعبير النبوي الذي أوتي جوامع الكلم.

- فيتامين "B": فقد يكون أحد مسببات أعراض الاكتئاب هو التأخر في العملية الفسيولوجية لتوصيل نبضات الأعصاب الكهربية، وهذا بسبب نقص فيتامين "B"؛ لذلك ينصح مريض الاكتئاب بزيادة الكمية المأخوذة من بعض المنتجات التي تحتوي على هذا الفيتامين كالشعير.

- مضادات الأكسدة: حيث يساعد إعطاء جرعات مكثفة من حساء التلبينة الغنية بمضادات الأكسدة (فيتامين E وA) في شفاء حالات الاكتئاب لدى المسنين في فترة زمنية قصيرة تتراوح من شهر إلى شهرين.

- الأحماض الأمينية: يحتوي الشعير على الحمض الأميني تريبتوفان Tryptophan الذي يسهم في التخليق الحيوي لإحدى الناقلات العصبية وهي السيروتونين Serotonin التي تؤثر بشكل بارز في الحالة النفسية والمزاجية الإنسان.

علاج للسرطان وتأخر الشيخوخة

تمتاز حبة الشعير بوجود مضادات الأكسدة مثل (فيتامين E وA)، وقد توصلت الدراسات الحديثة إلى أن مضادات الأكسدة يمكنها منع وإصلاح أي تلف بالخلايا يكون بادئا أو محرضا على نشوء ورم خبيث؛ إذ تلعب مضادات الأكسدة دورا في حماية الجسم من الشوارد الحرة (Free radicals) التي تدمر الأغشية الخلوية، وتدمر الحمض النووي DNA، وقد تكون المتهم الرئيسي في حدوث أنواع معينة من السرطان وأمراض القلب، بل وحتى عملية الشيخوخة نفسها.

ويؤيد حوالي 9 من كل 10 أطباء دور مضادات الأكسدة في مقاومة الأمراض والحفاظ على الأغشية الخلوية وإبطاء عملية الشيخوخة وتأخير حدوث مرض الزهايمر.

وقد حبا الله الشعير بوفرة الميلاتونين الطبيعي غير الضار، والميلاتونين هرمون يفرز من الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ خلف العينين، ومع تقدم الإنسان في العمر يقل إفراز الميلاتونين.

وترجع أهمية هرمون الميلاتونين إلى قدرته على الوقاية من أمراض القلب، وخفض نسبة الكولسترول في الدم، كما يعمل على خفض ضغط الدم، وله علاقة أيضا بالشلل الرعاش عند كبار السن والوقاية منه، ويزيد الميلاتونين من مناعة الجسم، كما يعمل على تأخير ظهور أعراض الشيخوخة، كما أنه أيضا له دور مهم في تنظيم النوم والاستيقاظ.


علاج ارتفاع السكر والضغط

تحتوي الألياف المنحلة (القابلة للذوبان) في الشعير على صموغ "بكتينات" تذوب مع الماء لتكون هلامات لزجة تبطئ من عمليتي هضم وامتصاص المواد الغذائية في الأطعمة؛ فتنظم انسياب هذه المواد في الدم وعلى رأسها السكريات؛ مما ينظم انسياب السكر في الدم، ويمنع ارتفاعه المفاجئ عن طريق الغذاء.

ويعضد هذا التأثير الحميد للشعير على سكر الدم أن عموم الأطعمة الغنية بالألياف -منحلة وغير منحلة- فقيرة الدسم وقليلة السعرات الحرارية في معظمها، بينما لها تأثير مالئ يقلل من اندفاعنا لتناول الأطعمة الدسمة والنهم للنشويات الغنية بالسعرات الحرارية.

ولأن المصابين بداء السكري أكثر عرضة لتفاقم مرض القلب الإكليلي؛ فإن التلبينة الغنية بالألياف تقدم لهم وقاية مزدوجة لمنع تفاقم داء السكري من ناحية والحول دون مضاعفاته الوعائية والقلبية من ناحية أخرى.. وهكذا يمكننا القول بثقة إن احتساء التلبينة بانتظام يساعد المرضى الذين يعانون من ارتفاع السكر في دمهم.

كما أكدت الأبحاث أن تناول الأطعمة التي تحتوي على عنصر البوتاسيوم تقي من الإصابة من ارتفاع ضغط الدم، ويحتوي الشعير على عنصر البوتاسيوم الذي يخلق توازنا بين الملح والمياه داخل الخلية. كذلك فإن الشعير له خاصية إدرار البول، ومن المعروف أن الأدوية التي تعمل على إدرار البول من أشهر الأدوية المستعملة لعلاج مرضى ارتفاع ضغط الدم.


ملين ومهدئ للقولون

والجدير بالذكر أن الشعير غني بالألياف غير المنحلة وهي التي لا تنحل مع الماء داخل القناة الهضمية، لكنها تمتص منه كميات كبيرة وتحبسه داخلها؛ فتزيد من كتلة الفضلات مع الحفاظ على ليونتها؛ مما يسهل ويسرع حركة هذه الكتلة عبر القولون، وهكذا تعمل الألياف غير المنحلة الموجودة في الحبوب الكاملة (غير المقشورة) وفي نخالة الشعير على التنشيط المباشر للحركة الدودية للأمعاء؛ وهو ما يدعم عملية التخلص من الفضلات.

كما تعمل الألياف المنحلة باتجاه نفس الهدف؛ إذ تتخمر هلامات الألياف المنحلة بدرجات متفاوتة بواسطة بكتيريا القولون؛ مما يزيد من كتلة الفضلات، وينشط الأمعاء الغليظة؛ وبالتالي يسرع ويسهل عملية التخلص من الفضلات.

وأظهرت نتائج البحوث أهمية الشعير في تقليل الإصابة بسرطان القولون؛ حيث استقر الرأي على أنه كلما قل بقاء المواد المسرطنة الموجودة ضمن الفضلات في الأمعاء قلت احتمالات الإصابة بالأورام السرطانية، ويدعم هذا التأثير عمليات تخمير بكتيريا القولون للألياف المنحلة ووجود مضادات الأكسدة بوفرة في حبوب الشعير.

وفي النهاية نقول: إنه إذا كان كثير من الناس يتحولون اليوم من العلاج الدوائي إلى الطب الشعبي والتقليدي.. فإن من الناس أيضا من يتحول إلى الطب النبوي، وهم لا يرون فيه مجرد طريقة للحصول على الشفاء.. بل يرون فيه سبيلا للفوز بمحبة الله وفرصة لمغفرة الذنوب {قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.. وهكذا يصبح للتداوي مبررات أخرى أعظم من الشفاء ذاته.

بقلم الدكتورة : صهباء بندق

المصادر:

§ دراسات كيميائية حيوية وتكنولوجية على حبوب الشعير1997م.

§ رسالة ماجستير، م. سحر مصطفى كامل، كلية الزراعة، جامعة القاهرة.

§ كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم.

§ كتاب شمائل الرسول لابن كثير.

§ كتاب العلاج بالتلبينة، إعداد عبد الكريم التاجوري.

§ كتاب الطب البديل مداواة بلا أدوية للدكتور محمد المخزنجي.

§ كتاب الغذاء ودوره في تنمية الذكاء للدكتور نبيل سليم علي.

§ كتاب الطب البديل للدكتور هاريس مايلوين.

التلبينة: غـذاء ودواء

د. رامي عبدالحسيب

لاشك أن هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الطعام والشراب ذو فائدة جمّة لصحة الإنسان. ويُظهِر العلم يومًا بعد يوم هذه الفوائد من خلال الأبحاث المعملية والتجريبية الحديثة. وفي هذا المقال سنتناول هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تناول حبوب الشعير خبزًا وحساءً وشرابًا، وكيف أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصفه لمداواة المرضى وتخفيف الحزن والغم الذي يعتري النفس الإنسانية بين حين وآخر، وسنعرض نتائج البحوث الحديثة التي توضح بالدليل العلمي الفوائد الغذائية والدوائية لحبوب الشعير، مما يثبت ويؤكد أن حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الموضوع خارج من مشكاة النبوة.

أولاً: أهم الأحاديث الواردة في الموضوع:

1 ـ روى الترمذي بسنده عن سُلَيم بن عامر سمعه أبو أُمامة يقول: (ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خبز الشعير).

2 ـ روى الإمام أحمد عن عروة عن عائشة ـا ـ أنها قالت: (ولا أَكَلَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ خُبزًا منخولاً منذ بعثه الله إلى أن قُبِض).

3 ـ في الصحيحين من حديث عروة عن عائشة ـ ا ـ أنها كانت إذا مات الميت من أهلها واجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلى أهلهن أمرت بِبُرمَة من تلبينة فطُبخَت، وصنعت ثريدًا ثم صبت التلبينة عليه، ثم قالت: كلوا منها فإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (التلبينة مُجِمَّةٌ لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن).

4 ـ روى ابن ماجه من حديث عائشة ـ ا ـ قالت: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أخذ أحدًا من أهله الوعكُ أمر بالحساء من شعير فصُنع، ثم أمرهم فَحَسَوا منه ثم يقول: (إنه يرتو فؤاد الحزين، ويسرو فؤاد السقيم، كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها). أخرجه ابن ماجه في الطب باب التلبينة، والترمذي باب ما يطعم المريض، وقال: حسن صحيح.

5 ـ في السنة من حديث عائشة ـ ا ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالبغيض النافع التلبين)، قالت: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا اشتكى أحد من أهله لم تزل البُرمة على النار حتى ينتهي أحد طرفيه ـ يعني يبرأ أو يموت. أخرجه ابن ماجه وأحمد، وفي سنده جهالة، وله شواهد.

6 ـ وعن عائشة ـ ا ـ قالت: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا قيل له إن فلانًا وَجِعٌ لا يطعم الطعام قال:(عليكم بالتلبينة فحسوه إياها)، ويقول: (والذي نفسي بيده إنها تغسل بطن أحدكم كما تغسل إحداكن وجهها من الوسخ).

أشارت هذه الأحاديث إلى استعمال حبوب الشعير غذاء ودواء فقد استعمله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأهل بيته خبزًا، وأمر به للمريض الذي لا يطعم الطعام، وأمر به للحزين، وإصلاح فؤاد المريض، وأمر به للمبطون فإن حساء الشعير يغسل بطن المريض، ويرتو فؤاد الحزين، ويسرو فؤاد السقيم.

والتلبين لغة:

هو الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن، ومنه اشتق اسمه، وقال الهروي ـ رحمه الله: سميت تلبينة لشبهها باللبن لبياضها ورقتها.

وقال ابن القيم ـ رحمه الله: وهذا الغذاء هو النافع للعليل وهو الرقيق الناضج، لا الغليظ النيئ، وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة فاعرف فضل ماء الشعير، بل هي ماء الشعير لهم. فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحًا والتلبينة تطبخ منه مطحونًا، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن.

ثم قال ـ رحمه الله: وقوله ـ صلى الله عليه وسلم: (مجمة لفؤاد المريض) يُروَى بوجهين بفتح الميم والجيم، وبضم الميم وكسر الجيم، والأول أشهر ومعناه مريحة له أي تريحه وتسكّنه، من الإجمام وهو الراحة. وقوله: (تذهب ببعض الحزن)، قد يقال ـ وهو الأقرب: إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية والله أعلم. ويقول ـ رحمه الله ـ في تفسير حديث عائشة ـ ا: (إنه ليرتو فؤاد الحزين، ويسرو فؤاد السقيم كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها) ومعنى يرتو أي يشد ويقوي، ويسرو يكشف ويزيل. ثم يقول ـ رحمه الله: وقد تقدم أن هذا ماء الشعير المغلي وهو أكثر غذاء من سويقه وهو نافع للسعال، وخشونة الحلق، صالح لقمع حدة الفضول، مدر للبول، جلاء لما في المعدة، قاطع للعطش، مطفئ للحرارة.

ثم قال ـ رحمه الله: وصفته (ماء الشعير) أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدارًا ومن الماء العذب الصافي خمسة أمثاله. انتهى كلامه ـ رحمه الله.

البحوث العلمية وبيان وجه الإعجاز في دلالة النصوص

توافقت البحوث الحديثة في مجال الغذاء والاستطباب بالشعير مع هدي سيد الأنام ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسأعرض نتائج هذه الأبحاث إثر بيان الدلالة في نص الأحاديث النبوية كالتالي:

أولاً: قوله ـ صلى الله عليه وسلم: (التلبينة مجمة لفؤاد المريض)

الشعير والكوليسترول

تعريف الشعير: هو نبات حولي من الفصيلة النجيلية ويشبه في شكله العام نبات الشوفان والقمح وهو أقدم غذاء للإنسان واسمه العلمي: Hordeum valgara

ويبين الجدول التالي التحليل الكيميائي لحبة الشعير وذلك نقلاً من كتاب (العلاج بالتلبينة للأستاذ عبد الكريم التاجوري) نقلاً عن بحث قام به معهد البحوث الزراعية بجامعة ألبرتا بكندا. وكان عنوان البحث: أهمية المنتجات المحتوية على منتجات الشعير على صحة مرضى السكر (النوع الثاتي غير الوراثي) وتحديد أهمية استخدام منتجات الشعير وتأثيرها على نسبة السكر والدهون في الدم، وكانت النتيجة النهائية لهذا البحث توضيح أهمية غذاء الشعير وخبز الشعير كوسيلة لزيادة كمية الألياف المطلوبة للجسم القابلة للذوبان وغير القابلة للذوبان، لخفض نسبة السكر والدهون في الدم.

والكولسترول: هو مركب دهني نتناوله في طعامنا، وتكونه أجسادنا ويجري في دمائنا وله حد طبيعي إن زاد عنه تترسب هذه الزيادة على جدران الأوعية الدموية وتضيقها، وتُعَدّ زيادته أحد الأسباب المؤدية إلى الإصابة بأمراض القلب والشرايين.

أثبتت الدراسات العلمية فاعلية حبوب الشعير الفائقة في تقليل مستوى الكوليسترول في الدم من خلال عدة عمليات حيوية منها:

تحتوي حبوب الشعير على مركبات مشابهة لفيتامين E الذي يعد من أشهر مضادات الأكسدة التي لها القدرة على تثبيط إنزيمات التخليق الحيوي للكوليسترول.

تحتوي ألياف الشعير المنحلة على مادة هامة جدٌّا وهي البيتا جلوكان (Beta-glucan) التي تتحد مع الكوليسترول الزائد في الأطعمة والأحماض الصفراوية مما يقلل وصوله إلى تيار الدم.

وتشير نتائج البحوث إلى انخفاض نسبة الكوليسترول العام بنسبة 10%، وانخفاض نسبة الكوليسترول منخفض الكثافة ldl إلى 8%، وارتفاع نسبة الكوليسترول عالي الكثافة hdl إلى 16%.

ينتج عن تخمر الألياف المنحلة في القولون أحماض تمتص من القولون وتتداخل مع استقلاب الكوليسترول فتعيق ارتفاع نسبته في الدم.

الشعير يكبح جماح ضغط الدم لسببين:

أ. يحتوي على كمية وافرة من عنصر البوتاسيوم حيث يخلق هذا العنصر التوازن اللازم بين الملح والماء داخل الخلية.

ب. الشعير مدر للبول مما يقلل من ضغط الدم.

الشعير ينظم امتصاص السكر إلى الدم مما يحد من ارتفاع السكر المفاجئ لاحتواء أليافه المنحلة القابلة للذوبان على بكتينات تكون مع الماء هلامًا لزجًا يبطئ من هضم وامتصاص النشويات والسكريات، كما أنه قليل السعرات غني بالألياف المنحلة وغير المنحلة، مما يقلل من الرغبة في تناول الأطعمة السكرية وغيرها، وهذا يساعد على تنظيم نسبة السكر في الدم.

ثانيًا قوله ـ صلى الله عليه وسلم: (تذهب ببعض الحزن):

أثبت الباحثون أن الحزن والاكتئاب هو خلل كيميائي، كما أثبتوا أن هناك مواد لها تأثير في تخفيف الاكتئاب والحزن، مثل: عنصر البوتاسيوم والمغنيسيوم ومضادات الأكسدة والميلاتونين وبعض عناصر فيتامين (ب) المركب والسيراتونين، فما علاقة الشعير بذلك؟

ـ يحتوي الشعير على عنصري البوتاسيوم والمغنيسيوم اللذين يؤدي نقصهما إلى سرعة الغضب والانفعال والشعور بالاكتئاب والحزن، وضبط عنصر البوتاسيوم والمغنيسيوم له تأثير في تخفيف الاكتئاب عن طريق تأثير هذين العنصرين على بعض الموصلات العصبية، وانظر إلى قوله ـ صلى الله عليه وسلم: (يذهب ـ ببعض ـ الحزن)، وقول الباحثين يؤدي إلى تخفيف الاكتئاب.

يشعر الإنسان بالميل إلى الاكتئاب عند تأخر العمليات الفسيولوجية للموصلات العصبية وهذا من أهم أسبابه نقص فيتامين (ب) المركب، والشعير يحتوي على كمية طبيعية من بعض فيتامين (ب) المركب، وهذا مما يساعد على التخلص والتخفيف من الاكتئاب.

إن علاج نقص مضادات الأكسدة مثل فيتامين (هـ) له تأثير فعال في علاج حالات الاكتئاب والشيخوخة وخاصة لدى المسنين، والشعير يحوي كمية كبيرة من مشابهات فيتامين E المضادة للأكسدة وأيضا على فيتامين A المضاد للأكسدة.

يحتوي الشعير على الحمض الأميني تريبتوفان (tryptophan) الذي يسهم في تخليق أهم الناقلات العصبية وهـو السيروتونين (serotonin) والتي تؤثر بشكل واضح في الحالة النفسية والعصبية للمريض.

ثالثًا: قوله ـ صلى الله عليه وسلم: (التلبينة تغسل بطن أحدكم كما تغسل إحداكن وجهها من الوسخ بالماء)

فما ذاك؟

التلبينة مليّن للأمعاء، مهدّئ للقولون، مضاد لسرطان الأمعاء، يوصف حساء الشعير للمرضى كغذاء لطيف سهل الهضم، والشعير غني بالألياف المنحلة وغير المنحلة، وهذه الأخيرة تمتص كميات كبيرة من الماء وتحبسه داخلها، فتزيد من كتلة الفضلات مع الحفاظ على ليونتها مما يسهل ويسرع هذه الكتلة عبر القولون، وينشط الحركة الدودية للأمعاء مما يدعم عملية التخلص من الفضلات، وهناك أبحاث على أهمية الشعير في التقليل من الإصابة بسرطان القولون، حيث استقر الرأي على أن الشعير يقلل من بقاء الفضلات في الأمعاء؛ مما يقلل من بقاء المواد المسرطنة في الأمعاء؛ مما يقلل من الإصابة بالسرطان، كما أن الشعير يحوي من عناصر مضادات الأكسدة والفيتامينات ما يقاوم الشوارد الحرة (free radical) التي تدمر غشاء الخلية والحمض النووي، وقد تكون المتهم الرئيسي في حدوث أنواع معينة من السرطان.

الشعير لا يحتوي على مادة الجلوتين وهي مادة صمغية يحتوي عليها القمح بوفرة، والجلوتين باللاتينية يعني الصمغ. وقد اكتشف الباحثون أن سوء امتصاص الطعام الناتج عن مرض السلياك إنما هو بسبب مادة الجلوتين الموجودة في القمح، ووجد أن أعراض هذا المرض تختفي تمامًا باستبعاد مادة الجلوتين من وجبات المريض، ومرض السلياك مرض سوء التغذية نتيجة سوء الامتصاص للمواد الغذائية وعدم امتصاص المواد الدهنية، فانظر إلى الشعير وكيف أن (التلبينة تغسل بطن أحدكم).

يستخرج من الشعير مادة تستعمل حقنًا تحت الجلد أو شرابًا في حالات الإسهال والتيفوئيد والتهابات الأمعاء تسمى الهوردنين (L'Hordenine).

رابعًا قوله ـ صلى الله عليه وسلم: (إنه يرتو فؤاد الحزين ويسرو فؤاد السقيم):

ثبتت وفرة الميلاتونين الطبيعي غير الضار في الشعير فكل آثار الميلاتونين تظهر على مغتنم الشعير، فما هو الميلاتونين وما آثاره؟

الميلاتونين: هرمون تفرزه الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ خلف العينين ويحصل الجسم على أعلى معدل إفراز منها عند الليل ومع تقدم السن يقل إفراز هذه الغدة، وهرمون الميلاتونين له القدرة على الوقاية من أمراض القلب، وله القدرة على خفض الكوليسترول في الدم مما يؤدي إلى خفض ضغط الدم، وله علاقة بالشلل الرعاش عند المسنين، ويزيد الميلاتونين من وقاية الجسم ومناعته، ويقي الإنسان من الاضطراب في النوم ويعالج حالات الاكتئاب، ويعمل على تأخير ظهور أعراض الشيخوخة.

والشعير من أعلى الحبوب في نسبة احتوائه على الميلاتونين.

الشعير وتقوية جهاز المناعة

أظهرت الدّراسات التّجريبيّة على الحيوانات أن (بيتا جلوكان) ـ وهو أحد مكونات الشعير ـ ينشط كرات الدّم البيضاء؛ وهي أحد آليات جهاز المناعة الهام لحماية الجسم من أخطار الكائنات الدقيقة الممرضة والتخلص من السموم والخلايا المصابة.

كما وجد أن (البتا جلوكان) يسرع شفاء النسيج التالف, ويحفّز العناصر الأخرى لجهاز المناعة. وينصح الآن بهذه المادة كمكمّل غذائي لتحسين جهاز المناعة في جسم الإنسان. وهذا يتوافق مع هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وصف التلبينة للمرضى أثناء فترة مرضهم؛ مما يثبت يقينا أن كلامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الأمر خارج من مشكاة النبوة. وصدق الله القائل: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى) (النجم 3،4).