الرئيسيةبحث

الاستشراق الروسي

نظراً لقرب روسيا النسبي من الشرق ، فقد تمكنت من ربط أواصر العلاقات مع هذه المنطقة منذ زمن مبكر من التاريخ و كان الاستشراق قوياً في روسيا منذ عهد بعيد حيث تعود الصلات بين روسيا والعالم الإسلامي إلى زمن الدولة العباسية، حيث تبادلت الدولة الإسلامية السفارات مع روسيا، ولمّا ضمت روسيا إليها بعض المناطق الإسلامية ازداد الاهتمام بالإسلام والعالم الإسلامي، وقد أفادت روسيا من الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا وبخاصة في فرنسا حيث أوفدت روسيا بعض الباحثين للدراسة في مدرسة اللغات الشرقية الحية في باريس. وازدادت عند تأسيس الإمبراطورية العثمانية التي تتاخم الحدود الروسية مباشرة ونتج عن ذلك وجود علاقة تراوحت بين المد والجزر والصداقة والعداوة وحقيقة الأمر أن الصراع بين روسيا وتركيا كان صراعاً سياسياً حول شبه جزيرة القرم وتوسيع النفوذ السياسي على البحر الأسود ولكن هذا الصراع لم يكن يوماً بدافع ديني أي من منطلق العداء بين المسيحية الشرقية والإسلام ولطالما اعتبر الروس أنفسهم شرقيين. وفي هذا نرى أن العالم العربي، الإسلامي، كان خارج دائرة هذا الصراع وبالتالي لم يكن هناك صدام بين روسيا والعرب المسلمين، ولم تتواجد الجيوش الروسية في أي زمان على أراضي العالم العربي الإسلامي، وإذا تواجدت فكان ذلك بدافع تقديم المعونة لبعض الحكومات القائمة ففي أيام محمد علي، عندما أرادت إنجلترا أن تحتل الشواطئ المصرية، أرسلت الحكومة القيصرية الأسطول البحري الروسي، الذي اعترض محاولة إنزال مشاة البحرية الإنجليزية في الإسكندرية ،ولذلك فإنه يمكننا القول بأن من أسباب تميُّز الاستشراق الروسي عن الاستشراق الأوروبي الغربي، إنه لم يصدر عن مثل أرضية العداء بين الغرب والشرق الإسلامي، وإنما كان هذا الاستشراق بدافع الفضول المعرفي الإنساني . وقد شجعت الحكومات الروسية في العهود المختلفة دراسة التراث العربي الإسلامي وخاصة ذلك الذي يتعلق بالأقاليم الإسلامية الواقعة تحت سيطرت روسيا وذلك لتوسيع المعرفة بالشعوب الإسلامية، وكانت المصادر الثقافية العربية تشكل ركناً أساسياً من مصادر معرفة شعوب القوقاز وآسيا الوسطى وحتى الروس، هذه المعرفة التي انعكست بشكل إيجابي لمصلحة روسيا كما يعترف بذلك المستشرقون أنفسهم كنا نعيش جنباً إلى جنب مع شعوب آسيا الوسطى لمدة طويلة الروس أنفسهم يرون أن التراث الشرقي الإسلامي هو جزء من تراثهم. فيقول المستشرق بلوندين نحن الروس، وجميع الذين في الساحة الروسية القيصرية السابقة، نحن شرقيون بأنفسنا، وجزء من أراضينا موجود في آسيا، وثلثي حدودنا مع دول آسيوية مثل تركيا والصين، وكذلك المناطق الإسلامية التي كانت قديماً ولايات للخلافة العربية وكانت أول مطبعةعربية قد اسست عام 1722 في مدينة سامارا علي الفولجا وكانت تقوم بطبع الكتب الدراسية وفي عام 1754 طرح لومونوسوف مسألة تأسيس كلية اللغات الشرقية وفي عام 1763 صدرت أول ترجمة روسية لكتاب الف ليلة وليلة وكان لأنشاء كراسي اللغات الشرقية في الجامعات الروسية أثره في نشأة وتطور المدرسة الأستشراقية فأنشأت جامعة خاركوف عام 1804 كرسياً لتدريس اللغات الشرقية وجامعة قازان لتدريس الألسنة 1811 م ويذكر المستشرق الروسي الشهير الروسي أغناطيوس كراتشكوفسكي Kratchkovski‏ أن تاريخ "الاستعراب" الروسي، يبدأ من المرسوم الجامعي سنة 1804 لأن هذا المرسوم أدخل تدريس اللغات الشرقية في برنامج المدارس العليا وأسس الأقسام الخاصة لهذه اللغات، وأما اللغات الشرقية في أوروبا الغربية في ذلك الزمان، فقد كانت المكانة الأولى بين اللغات السامية اللغة العبرية، أما في روسيا، فاللغات الشرقية في مفهوم الروس، كانت لغات الشرق الإسلامي، وشغلت اللغة العربية المكانة الأولى وقد أُنشأ قسم اللغة العربية في جامعة خاركوف بعد صدور المرسوم في عام 1804 م مباشرة . لقد كان للاستعراب الروسي منذ البداية مدرستان متمايزتان، ارتبطت إحداهما بوزارة الخارجية الروسية، وقد ساهمت هذه المدرسة في خدمة القرار السياسي والمصالح الروسية الخارجية وكان هناك أيضاً في روسيا اتجاه للدراسات الشرقية لأغراض سياسية، مع تعصب ديني، ولكن في نفس الوقت. كان هناك من هو ضد هذه التيارات المتعصبة وضد الدراسات الشرقية الكنيسية غير الممتدة إلى وقائع تاريخية ثابتة، ونحن لا نرى هذا في أي دراسات شرقية خارج روسيا والمدرسة الأخرى حملت الطابع المعرفي العلمي البحت، وحرص المستعربون فيها على استقلالية عملها وقد نشأت هذه المدرسة وما زالت في بطرسبورج، حيث بذلت جهود كبيرة من قبل العلماء في بطرسبورج لتحقيق درجة من الاستقلال المهني ونشر الدراسات بعيداً عن التوجه السياسي.في بداية الاستعراب الروسي، وتمت الاستعانة بعلماء من الغرب، كما كان الشأن بالنسبة للمجالات الأخرى المختلفة، فعندما بدأ القيصر بطرس الأول الإصلاحات في السياسة والعلوم والجيش ومختلف أوجه الحياة في روسيا، استعان بالخبرات الأوروبية من فرنسا وألمانيا وإنجلترا، ولكن "الاستعراب" الروسي مالبث أن أخذ بتكوين نفسه معتمداً على المصادر الشرقية الإسلامية مباشرة، بداية من خلال التبادل الثقافي الذي جرى والمعايشة المباشرة للموظفين والعسكريين الروس في مناطق الفولجا والبحر الأسود والقوقاز وآسيا الوسطى، ووصف هؤلاء هذه البلاد في الكتب والصحف شعراً ونثرا،ً إضافة إلى توافد أبناء هذه المناطق إلى بطرسبورج وموسكو وتعلمهم في جامعاتها ومعاهدها، وقد كان هؤلاء الوافدين يعكسون قوة تأثير الثقافة العربية الإسلامية فإن قوة تيار التراث العربي القديم في القوقاز استطاعت أن تحمل حتى أيامنا، اللغة العربية الفصحى التي لا تستخدم في التخاطب العام في موطنها في البلاد العربية، أما في شمال القوقاز فقد عاشت اللغة العربية حياة كاملة لا في الكتابة فحسب، بل وفي الحديث أيضاً . لقد كان للشعوب الإسلامية في وسط آسيا واحتكاكها المباشر مع الروس دوراً كبيراً في الاستعراب الروسي، إذ ساهمت في نقل الثقافة العربية الإسلامية مباشرة إلى الاستعراب الروسي دون المرور بالمصفاة الأوروبية الغربية ولقد صب التراث العربي الإسلامي مباشرة في مجرى الاستعراب الروسي دون تشويه أو إنشاء أو أسطرة صور وهمية عن الشرق العربي المسلم، وقد ساهم وجود المستعربين من العسكريين في القوقاز في ترجمة العديد من الآثار الأدبية العربية الإسلامية، إذ قام الجنرال بوجوسلافسكي بترجمة القرآن الكريم من العربية إلى الروسية مباشرة ومن المستشرقين الروس كاظم بك الذي دخل الإسلام وقام بتحقيق مخطوطة اليعقوبي وكذلك رازين الذي يعتبر متخصصا في اللغتين العربية والفارسية ونجد أيضا كريمسكي(1871م-1941م) الذي تعلم العربية والفارسية وأسس مكتبة كبري في جامعة موسكو

ومن أشهر المستشرقين الروس كراتشكوفيسكي Kratchkovski الذي شغف منذ صغره بدراسة آراء المستشرقين ودراسة اللغة العربية و ذهب إلي الشرق فزار مصر وسوريا وفلسطين ، فأطلع علي خزائن كتبها وتعرف إلي علمائها وأدبائها ، ثم عاد إلي بلاده وعين أستاذا للعربية وثمة رأي يقول أنه كان مكتشف الأدب العربي الجديد بالنسبة للغرب

ويمكن لنا إيجاز أهم خصائص هذه المدرسة في الأتي :

- الاهتمام بالأدب العربي بصفة خاصة. - التذبذب الواضح بين الموضوعية الجادة والعداء السافر . - الاستعانة بسكان آسيا الوسطى في مجال الاستشراق. - البعد عن الأغراض الدينية بل بث الأفكار الاشتراكية ومحاولة إيجاد قدم لها في الشرق. - تميزت بالاهتمتام بتصنيف المخطوطات وفهرستها.


راجع

إدوارد سعيد : الإستشراق : المعرفة ، السلطة ، الإنشاء ، نقله إلى العربية كمال أبو ديب ، الطبعة الأولى ، بيروت ، مؤسسة الأبحاث العربية ، 1981 ، 368 صفحة .

إدوارد سعيد : الثقافة والإمبريالية ، نقله إلى العربية وقدّم له كمال أبو ديب ، الطبعة الثانية ، بيروت دار الآداب، 1998.

إدوارد سعيد : تعقيبات على الإستشراق ، ترجمة وتحرير صبحي الحديدي ، الطبعة الأولى ، عمّان ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، 1996.

إرفن جميل شك : الاستشراق جنسياً ، ترجمة و تحقيق عدنان حسن ، الطبعة الأولى ، دمشق ، قدمس للنشر والتوزيع ، 2003 .

إسماعيل أحمد عماير ة : بحوث في الاستشراق ، الطبعة الأولى ، عمّان ، دار وائل للطباعة والنشر والتوزيع ، 2003 ، 543 صفحة .

إسماعيل أحمد عمايرة : المستشرقون وتاريخ صلتهم بالعربية : بحث في الجذور التاريخية ، عمان ، دار حنين ، 1992.

إسماعيل أحمد عمايرة : بحوث في الاستشراق واللغة ، القاهرة ، مؤسسة الرسالة ، 2000.

إسماعيل محمد : الاستشراق بين الحقيقة و التضليل : مدخل علمي لدراسة الاستشراق، الطبعة الثالثة ، القاهرة، دار الكلمة للنشر، 2000.

أكرم ضياء العمري : موقف الاستشراق من السيرة والسنّة النبوية، الرياض، مركز الدراسات والإعلام دار إشبيليا، 1417/1998.