الرئيسيةبحث

الاستشراق البريطاني

يعد أدلارد أوف باث (1070-1135) من أوائل الانجليز الذين تعلموا العربية وقد عني بها عناية كبيرة ودرس في صقلية والأندلس ومصر ولبنان وانطاكية واليونان وتثقف بثقافة العرب الي اقصي حد ممكن حتي فضل مذهبهم العلمي والبحثي علي المناهج الأخري جميعاً ويري البعض أن أبا الدراسات العربية في بريطانيا هو: وليم بدولWilliam Bedwell (1561م-1632م) خريج جامعة كمبريدج وأستاذ العربية فيها وكتب مقالة رائعة عن ضرورة دراسة العربية وأسهب في ذكر قيمتها العلمية والأدبية ومن الشخصيات الهامة دانيال أوف مورلي الذي ذكر عن نفسه " أنه غير راض عن الجامعات الفرنجية " فذهب الي أسبانيا ليبحث عمن هم أكثر حكمة من فلاسفة العالم . ومما يجدر ذكره أن أول كتاب طبع في إنجلترا هو كتاب "كلمات الفلاسفة وحكمهم " وكان مؤلفاً علي نسق كتاب عربي اسمه "كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم" الذي كان قد الفه الامير المصري مبشر بن فاتك 1053 .

ومن الشخصيات البارزة الأخري إدموند كاستل (1606-1685) وهو من أوائل أساتذة اللغة العربية في كمبردج ومن أشهر مؤلفاته "قاموس مجمل للغات السامية" قضي في جمعه ثمانية عشرة سنة ونشر للمرة الاولي عام 1669.

وقد بدأ الاهتمام بالدراسات الشرقية الأكاديمية في بريطانيا باكراً ، وذلك عندما أسس السير توماس آدمز كرسي الدراسات العربية في كمبريدج عام 1632م ، وعندما أسس كرسي أخر في أكسفورد عام 1636م . وهناك تربط واضح بين تزايد الاهتمام البريطاني بشبه الجزيرة الهندية بعد حرب السنوات السبع (1756-1763) وأفول النفوذ الفرنسي هناك وزيادة الاهتمام بالمنطقة العربية وبالتالي الدراسات العربية، فمع انجلاء موقع الهند كتاج المستعمرات البريطانية أصبح هدف لندن الإستراتيجي هو الحفاظ على خطوط الاتصالات مع ذلك "التاج" والطرق المؤدية إليه ساخنة وأمينة وغير متقطعة، وتحديدا طريقي البحر الأحمر والخليج. ومن هنا فإن بريطانيا انخرطت بشكل أكبر في المنطقة العربية وبكل المجالات، ذلك أن تلك المنطقة هي المعبر الطبيعي للهند. وكان أن سيطر الأسطول البريطاني على الخليج العربي وكذا عدن كمحطات له وتدخل في الشؤون الداخلية للمشيخات هناك على حساب النفوذ الفرنسي الآفل لضمان خطوط الاتصالات مع الهند. واحتلت بريطانيا عمليا مناطق من الخليج وعدن ثم لاحقا مصر (1881-1882) للسيطرة على قناة السويس والعراق أيضا تحت ذرائع الوصول الآمن إلى الهند. أثناء كل هذا النشاط العسكري والسياسي الذي لا يهدأ تطورت أجيال من المستشرقين البريطانيين الذين انخرطوا في جهد الإمبراطورية الاستعماري في المنطقة بشكل أو بآخر. وفي الحالات القصوى عمل بعض هؤلاء يدا بيد مع أجهزة الاستخبارات البريطانية لتحقيق مهمات سياسية وأمنية. ومن الأمثلة على ذلك بروفيسور اللغة العربية واللغات الآسيوية في كامبردج بالمر الذي أتقن العربية البدوية والفارسية والهندوسية وهو في العشرينيات من عمره. وقد أرسله رئيس الوزراء البريطاني آنذاك جلادستون في مهمة إلى بدو مصر من أجل قطع علاقاتهم مع العناصر الوطنية وحركة عرابي باشا. وكان يعمل مع قائد الجيش البريطاني في مصر، لكن كانت نهايته على يد البدو المصريين أنفسهم الذين قتلوه ومعه زمرة من العسكريين البريطانيين سنة 1882. .ثم ازدهرت الدراسات الاستشراقية لا سيما بعد حملة نابليون على مصر عام 1798م حيث تلا ذلك اهتمام الإنجليز بميدان الاستشراق نتيجة طابع المنافسة التي اتسم بها العصر بين الدولتين آنذاك. وقد تناول الاستشراق البريطانى سائر مناحي المعرفة الشرقية من لغات وآداب وعلوم وفنون وتاريخ وآثار وكان علي رأس المهتمين بالدراسات العربية سيمون أوكلى الذي تولي مهمة تدريس اللغة العربية في جامعة كمبريدج1711 وألف كتابه الشهير ( تاريخ المسلمين) الذي تناول التاريخ الثقافي والسياسي للأسلام. ويأتي من بعده جورج سال (1697م- 1736م) الذي ترجم القرآن الكريم ، وأصبحت ترجمته المرجع الأساسي للترجمات الوارده بعدها لسنين عديده ، كما خلفت هذه الترجمة حركة واسعة للتعرف إلي الثقافة الإسلامية وبيان خصائصها الإيجابية والتعرف بصورة موضوعية إلي نبي الإسلام والجدير بالذكر أن هذه الدراسات كانت مشوبه بالخيال والأسطورة حول شخصية الرسول (ص) . ومما ساعد علي نمو وازدهار الدراسات الاستشراقية في بريطانيا ، تكوين الجمعيات والمجلات المتخصصة وظهور عدد من المتخصصين في الدراسات الأستشراقية مثل إدوارد وليم لين (1801-1876) صاحب كتاب ( في اخلاق وعادات المصريين الحديثين ) وهو من أهم مستشرقي إنجلترا وأوروبا في القرن التاسع عشر وقد ترجم أيضا ألف ليلة وليلة إلي الأنجليزية بدقة .

ومن بعده جاء ادوارد هنري بالمر (1840-1882) الذي عكف علي دراسة اللغة العربية وكان يقول عنها انها احب اللغات الي نفسه ،ومن العلماء البارزين في حقل الدراسات العربية هو وليم رايت (1830-1889) الذي درس اللغة العربية وعمل مدة في مدينة ليدن Leiden الهولندية مع المستشرق الهولندي الشهير دوزي وعين أستاذاً للغة العربية في جامعات لندن ودبلن وكمبردج وقام بتحقيق كتاب الكامل للمبرد ورحلة ابن جبير وخلف رايت في كرسي استاذ اللغة العربية بجامعة كمبردج روبرتسون سمث " 1846-1894"وهو مستشرق اسكتلندي درس العربية في جامعة أدنبره ، وانتخب رئيساً للجنة دائرة المعارف البريطانية ، ومن أهم اعماله : أديان الساميين ، أنساب العرب.

وريتشارد بيرتون(1821-1890) الذي درس العربية في جامعة اكسفورد وقد زار مناطق عديدة في الوطن العربي وخاصة الجزيرة العربية ، وقد عمل ضابطاً عسكرياً في الهند, ثم عمل في خدمة بلاده في مصر, وقام برحلات في الجزيرة ونشر وصفاً لها في كتابه (الحج إلى المدينة ومكة) ، ولورنس المعروف بإسم( لورانس العرب ) ومرجليوث الذي كان أستاذاً للغة العربية بجامعة أكسفورد .

ونيكلسون الذي يعتبر حجة في التصوف الإسلامي وكذلك توماس كارلايل صاحب كتاب ( الأبطال وعبادة الأبطال ) وقد وضع فيه النبي الكريم في قمة الأبطال الذين غيروا مجري التاريخ. وبلغت الدراسات العربية في السنوات الأولي من القرن العشرين مرحلة متقدمة وأنشأت في جامعة لندن كلية جديدة خصصت لدراسة اللغات الشرقية وتبوء السير توماس أرنولد Sir Thomas Walker Arnold (1864م-1930م) أول كرسي للأستاذية في قسم الدراسات العربية والإسلامية ،وبدأ أرنولد حياته العلمية في جامعة كامبردج حيث أظهر حبه للغات فتعلم العربية وانتقل للعمل باحثاً في جامعة على أكرا (عليكرا) في الهند حيث أمضى هناك عشر سنوات ألف خلالها كتابه المشهور(الدعوة إلى الإسلام)، ثم عمل أستاذاً للفلسفة في جامعة لاهور، وفي عام 1904م عاد إلى لندن ليصبح أميناً مساعداً لمكتبة إدارة الحكومة الهندية التابعة لوزارة الخارجية البريطانية، وعمل في الوقت نفسه أستاذاً غير متفرغ في جامعة لندن، واختير عام 1909م ليكون مشرفاً عاماً على الطلاب الهنود في بريطانيا، ومن المهام العلمية التي شارك فيها عضوية هيئة تحرير الموسوعة الإسلامية التي صدرت في ليدن Leiden بهولندا في طبعتها الأولى والتحق بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن بعد تأسيسها عام 1916م، وعمل أستاذاً زائراً في الجامعة المصرية عام 1930م. له عدة مؤلفات بجانب كتابه الدعوة إلى الإسلام ومنها (الخلافة) وكتاب حول العقيدة الإسلامية وشارك في تحرير كتاب تراث الإسلام في طبعته الأولى، بالإضافة إلى العديد من البحوث في الفنون الإسلامية. وتصاعدت أهمية المستعربين البريطانيين في الربع الأول من القرن العشرين توازياً مع زيادة أهمية النفوذ البريطاني الإستعماري في الشرق الأوسط، فقد احتاجت الإمبراطورية إلى التعرف إلى المنطقة التي صارت تنخرط في كل زواياها، فجندت خبراء في كل المجالات لدراسة المنطقة وتقديم المشورة الضرورية. لكن الجهد الرسمي لم يبدأ من الصفر. وبرز بعد الحرب العالمية الثانية مستشرقون لهم اليد الطولي في إستمرارية الدراسات الإسلامية في بريطانيا من أمثال : ألفريد جيوم ، وهاملتون جب Sir Hamilton R. A. Gibb الذي يعتبر أبرز مستشرق بريطاني في القرن العشرين ولد هاملتون جب في الإسكندرية في 2يناير 1895م، ثم انتقل إلى اسكتلندا وهو في الخامسة من عمره للدراسة هناك . التحق بجامعة أدنبرة لدارسة اللغات السامية، عمل محاضراً في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن عام 1921م وتدرج في المناصب الأكاديمية حتى أصبح أستاذً للغة العربية عام 1937م، وانتخب لشغل منصب كرسي اللغة العربية بجامعة أكسفورد، انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليعمل مديراً لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد بعد أن عمل أستاذاً للغة العربية في الجامعة. بالإضافة إلى اهتمامه اللغوي فقد أضاف إلى ذلك الاهتمام بتاريخ الإسلام وانتشاره وقد تأثر بمستشرقين كبار من أمثال توماس آرنولد وغيره. من أبزر إنتاج جب (الفتوحات الإسلامية في آسيا الوسطى) سنة 1933م ودراسات في الأدب العربي المعاصر وكتاب (الاتجاهات الحديثة في الإسلام) وشارك في تأليف (إلى أين يتجه الإسلام)، وقد انتقل جب من دراسة اللغة والآداب والتاريخ إلى دراسة العالم الإسلامي المعاصر وهو ما التفت إليه الاستشراق الأمريكي حينما أنشأ الدراسات الإقليمية أو دراسات المناطق، وله كتاب بعنوان (المحمدية) ثم أعاد نشره بعنوان (الإسلام) وله كتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم .

وكذلك مونتجمري وات Montgomery Watt ولد في كريس فايف في 14مارس 1909م، والده القسيس أندرو وات درس في كل من أكاديمية لارخ 1914-1919 وفي كلية جورج واتسون بإدنبرة وجامعة أدنبره 1927م-1930م وكلية باليول بأكسفورد 1930م-1933م وجامعة جينا بألمانيا 1933م وبجامعة أكسفورد وجامعة أدنبرة في الفترة من 1938م إلى1939م ومن 1940م إلى 1943م على التوالي، عمل راعياً لعدة كنائس في لندن وفي أدنبرة ، عمل وات رئيساً لقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة أدنبره في الفترة من 1947-1979. نال درجة الأستاذية عام 1964. دعي للعمل أستاذاً زائراً في كل من الجامعات الآتية: جامعة تورنتو 1963و1978 وكلية فرنسا في باريس عام 1970وجامعة جورج تاون بواشنطن عام 1978-1979.

أصدر العديد من المؤلفات من أشهرها (محمد في مكة) و(محمد في المدينة) و (محمد نبي ورجل دولة) و(الفلسفة الإسلامية والعقيدة) و(الفكر السياسي الإسلامي) و(تأثير الإسلام في أوروبا القرون الوسطى) و(الأصولية الإسلامية والتحديث) و(العلاقات الإسلامية النصرانية) ومن أواخر كتبه (موجز تاريخ الإسلام) سنة 1995م ،و (حقيقة الدين في عصرنا) سنة 1996م وكتاب (الفترة التكوينية للفكر الإسلامي) سنة 1998م وقد تقاعد عن العمل وأصبح راعياً لإحدى الكنائس في منطقة إدنبرة . وهناك ديفيد صموئيل مرجوليوث Margoliouth (1858م-1940م) الذي بدأ حياته العلمية بدراسة اليونانية واللاتينية ثم اهتم بدراسة اللغات السامية فتعلم العربية ومن أشهر مؤلفاته ما كتبه في السيرة النبوية، وكتابه عن الإسلام، وكتابه عن العلاقات بين العرب واليهود. ولكن هذه الكتابات اتسمت بالتعصب والتحيز والبعد الشديد عن الموضوعية كما وصفها عبد الرحمن بدوي (في موسوعته عن الاستشراق) ولكن يحسب له اهتمامه بالتراث العربي كنشره لكتاب معجم الأدباء لياقوت الحموي، ورسائل أبي العلاء المعري وغير ذلك من الأبحاث .


ويمكن لنا إيجاز أهم خصائص هذه المدرسة في الأتي : - يمتاز الاستشراق البريطاني بارتباطه بالحركة الاستعمارية ومحاولة ترسيخ السياسات الاستعمارية الإنجليزية في الشرق. - الاهتمام باللغة العربية نظراً لمصالح بريطانيا الاقتصادية والسياسية التي تربطها بالعالم العربي. - تتميزهذه المدرسة بالتعدد والشمول في سائر الدراسات الشرقية " آداب – تاريخ – فلسفة – علوم – فنون وعمارة وآثار " . - تتميز أيضاً بالتخصصية الدقيقة ، فكل مستشرق له تخصصه الدقيق في أحد مجالات المعرفة الشرقية. - الاهتمام بدراسة المعارف الخاصة بالمنطقة الجغرافية التي تقع تحت قبضتها الاستعمارية " مصر وأفريقيا السوداء " ، مع الإهمال الواضح بشمال أفريقيا نظراً لوقوعه تحت قبضة الاستعمار الفرنسي.

راجع

إدوارد سعيد : الإستشراق : المعرفة ، السلطة ، الإنشاء ، نقله إلى العربية كمال أبو ديب ، الطبعة الأولى ، بيروت ، مؤسسة الأبحاث العربية ، 1981 ، 368 صفحة .

إدوارد سعيد : الثقافة والإمبريالية ، نقله إلى العربية وقدّم له كمال أبو ديب ، الطبعة الثانية ، بيروت دار الآداب، 1998.

إدوارد سعيد : تعقيبات على الإستشراق ، ترجمة وتحرير صبحي الحديدي ، الطبعة الأولى ، عمّان ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، 1996.

إرفن جميل شك : الاستشراق جنسياً ، ترجمة و تحقيق عدنان حسن ، الطبعة الأولى ، دمشق ، قدمس للنشر والتوزيع ، 2003 .

إسماعيل أحمد عماير ة : بحوث في الاستشراق ، الطبعة الأولى ، عمّان ، دار وائل للطباعة والنشر والتوزيع ، 2003 ، 543 صفحة .

إسماعيل أحمد عمايرة : المستشرقون وتاريخ صلتهم بالعربية : بحث في الجذور التاريخية ، عمان ، دار حنين ، 1992.

إسماعيل أحمد عمايرة : بحوث في الاستشراق واللغة ، القاهرة ، مؤسسة الرسالة ، 2000.

إسماعيل محمد : الاستشراق بين الحقيقة و التضليل : مدخل علمي لدراسة الاستشراق، الطبعة الثالثة ، القاهرة، دار الكلمة للنشر، 2000.

أكرم ضياء العمري : موقف الاستشراق من السيرة والسنّة النبوية، الرياض، مركز الدراسات والإعلام دار إشبيليا، 1417/1998.