الرئيسيةبحث

الاستشراق الأمريكي

يعتبر عمر الاستشراق الأمريكي قياساً بالاستشراق الفرنسي أو الهولاندي قصير ويعد امتداداً واستمراراً للاستشراق الأوروبي، وارثا مجمل تصوراته المسبقة عن العالم العربي والإسلامي، وترجع أولى اهتمامات أمريكا نحو الشرق إلى سنة 1810م عبر إرساليات التبشير التي تعد" الجمعية التبشيرية الأمريكية" أهم مؤسساتها .وفي البداية كان اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية منصباً علي علوم اللغة العربية ويرجع ذلك إلي محاولة فهم اللغة العبرية لما بينهما من ارتباط في الاشتقاق والبنية اللغوية لفهم التوراة، وانصب منذ البداية علي الحملات التبشيرية والتي كان بدايتها أول بعثة وصلت لبنان عام 1830م. وأنشئت أول مدرسة لتعليم البنات داخل الإمبراطورية العثمانية ، وتطورت للكلية السورية الإنجليلة 1866م ، واتخذت من بيروت مقراً لها ثم اتسعت وأطلق عليها اسم " الجامعة الأمريكية" التي لاتزال موجودة إلى يومنا هذا، ومن أهم المستشرقين :- إيلي سميث وهو الذي أدخل المطبعة الأمريكية العربية إلى لبنان وكذلك رودلف برونو وماكدونالد وصمويل زويمر وفيليب حتي"1886-1978" صاحب تاريخ العرب المطول وفرانز روزنثال الذي تناول العلاقات الثقافية اليهودية الإسلامية ومناهج العلماء المسلمين في البحث العملي وهو كتاب قيم أنصف فيه العرب وأشاد بمناهجهم العلمية . وهناك المؤرخ الأمريكي (واشنجتون إرفنج) فهو من أوائل المؤرخين الأمريكيين الذين اهتموا بالدراسات الإسلامية، ويعتبر كتابه (حياة محمد) من أفضل التراجم التي كتبها مؤرخون مستشرقون، فقد اهتم بجمع الحقائق التاريخية، وعرضها عرضا شائقا، في أسلوب جميل واضح، وابتعد عن القدح والتعريض والروح الصليبية. كما ناقش الحقائق التاريخية مناقشة هادئة منطقية بعيدة عن التعصب.


إلا أن الاستشراق الأمريكي بدأ عمليا بعد الحرب العالمية الثانية،وشهد نهضة شاملة حينما أخلت بريطانيا مواقعها للنفوذ الأمريكي كما ذكر ذلك مايلز كوبلاند ضابط المخابرات الأمريكي في كتابه (لعبة الأمم)، ووجد الأمريكيون أنهم بحاجة إلى عدد كبير من المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط، فأصدرت الحكومة الأمريكية مرسوما عام 1952م خصص بموجبة مبالغ كبيرة لتشجيع الجامعات على افتتاح أقسام الدراسات العربية الإسلامية، واستقدم لذلك خبراء في هذا المجال من الجامعات الأوروبية، وحضر من بريطانيا كل من جوستاف فون جرونباوم وهاملتون جب وبرنارد لويس وغيرهم، فأسس هاملتون جب مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد وجرونباوم أسس مركزاً في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس. وانتشرت مراكز الدراسات العربية الإسلامية وأقسام الشرق الأوسط في الجامعات والمعاهد العلمية الأمريكية حتى تجاوز عددها المئات ، وبدأت نشاطاً محموماً في دراسة العالم الإسلامي. وبعد مضي فترة من الزمن لم تطل كثيراً أصبحت هذه المراكز عصب السياسة الأمريكية تمد السياسيين بالمعلومات والمقترحات والآراء والخطط، وحدث تبادل في المراكز فكم من مستشرق أو متخصص في الدراسات العربية الإسلامية انتقل إلى العمل السياسي ، وكم من سياسي ترك السياسة إلى العمل الجامعي والبحث والدراسة.

وقد طوّرت الدراسات العربية الإسلامية في الولايات المتحدة لتأخذ مفهوماً جديداً وشكلاً جديداً فقد انتهى إلى حد كبير عهد المستشرق الذي يزعم لنفسه معرفة كل ما يخص العالم العربي الإسلامي في جميع المجالات، فأخذت الدراسات تصبح أكثر دقة وتخصصا في منطقة معينة وفي فرع من فروع المعرفة.

ويمكن لنا إيجاز أهم خصائص هذه المدرسة في الأتي :-

- كان الاستشراق الأمريكي على اتصال وثيق بالاستشراق البريطاني

- الاهتمام الملحوظ بأحوال الشرق الاقتصادية والسياسية علي حساب الجوانب اللغوية والادبية والحضارية - التركيز علي دراسات التاريخ الحديث والمعاصر أكثر من التراث في الفترة الاسلامية - استقطاب الطاقات البشرية لخدمة الأمن القومي عبر الاستشراق - العمل علي انجاز دراسات تخص جهود الدولة في تأمين الموارد الضرورية لكيانها الاقتصادي. - العناية بالدراسات الإقليمية - التركيز على العلوم الاجتماعية - الإهمال شبه الكلي لدراسة اللغة والآداب الشرقية - ليس هناك مستشرق أمريكي ذو قيمة علمية من أصل أمريكي.. وإن بعض خبراء الإسلاميات في أميركا كفيليب حتي (لبناني)، وجوستاف فون جرونباوم (نمساوي)، و جوزيف شاخت (ألماني)، وإدوارد سعيد (فلسطيني)، هم أساتذة في الجامعات الأميركية لكنهم غرباء المولد . - محاولة تحقيق توجيه الاستشراق لخدمة اهداف سياسية استعمارية ما زال الشرق يشهد اثارها الي اليوم . - العمل على خدمة الأهداف الصهيونية.


راجع

إدوارد سعيد : الإستشراق : المعرفة ، السلطة ، الإنشاء ، نقله إلى العربية كمال أبو ديب ، الطبعة الأولى ، بيروت ، مؤسسة الأبحاث العربية ، 1981 ، 368 صفحة .

إدوارد سعيد : الثقافة والإمبريالية ، نقله إلى العربية وقدّم له كمال أبو ديب ، الطبعة الثانية ، بيروت دار الآداب، 1998.

إدوارد سعيد : تعقيبات على الإستشراق ، ترجمة وتحرير صبحي الحديدي ، الطبعة الأولى ، عمّان ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، 1996.

إرفن جميل شك : الاستشراق جنسياً ، ترجمة و تحقيق عدنان حسن ، الطبعة الأولى ، دمشق ، قدمس للنشر والتوزيع ، 2003 .

إسماعيل أحمد عماير ة : بحوث في الاستشراق ، الطبعة الأولى ، عمّان ، دار وائل للطباعة والنشر والتوزيع ، 2003 ، 543 صفحة .

إسماعيل أحمد عمايرة : المستشرقون وتاريخ صلتهم بالعربية : بحث في الجذور التاريخية ، عمان ، دار حنين ، 1992.

إسماعيل أحمد عمايرة : بحوث في الاستشراق واللغة ، القاهرة ، مؤسسة الرسالة ، 2000.

إسماعيل محمد : الاستشراق بين الحقيقة و التضليل : مدخل علمي لدراسة الاستشراق، الطبعة الثالثة ، القاهرة، دار الكلمة للنشر، 2000.

أكرم ضياء العمري : موقف الاستشراق من السيرة والسنّة النبوية، الرياض، مركز الدراسات والإعلام دار إشبيليا، 1417/1998.