الرئيسيةبحث

الاجتماع الدستورى


يسود الولايات المتحدة الأمريكية دستور يعتبر أقدم دستور ما زال نافذاً في دول عالمنا. هذا الدستور الذي وضع في 17 أيلول 1787، هو الدستور الثاني الذي عرفته البلاد. فقد خاضت المستعمرات الأمريكية، لأسباب اقتصادية، حرباً ضد بريطانيا، و أعلنت المستعمرات استقلالها عن التاج البريطاني في 4 تموز 1776.هذا الإعلان الذي صاغه توماس جيفرسون، ووافق عليه ممثلو المستعمرات الثائرة، يلحظ انتصار الأفكار الديمقراطية وروح الاستقلال الذاتي، وهو ذو دلالة بالغة على السيكولوجية الأمريكية : الفردية والليبرالية، الواقعية، والعزيمة. فقد أقامت المستعمرات السابقة بموجب معاهدة 14 تشرين الثاني 1777 اتحاداً دولياً فيما بينها مهمته النظر في السياسة الخارجية، و الدفاع المشترك، و بعض الشؤون المالية. أي أن هذه المعاهدة قد جاءت بنوع من التعاون بين أعضائه، دون إيجاد سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية لها سلطات محددة.ولكن الحاجة إلى إيجاد صيغة اتحادية أكثر تماسكاً عن طريق إنشاء سلطة مركزية قوية وقادرة، عقد ممثلو الولايات الثلاث عشرة في 14 أيار 1787، بناء على اقتراح جورج واشنطن، مؤتمراً في فيلادلفيا، حيث وضع ووقع هؤلاء الممثلون مشروع الدستور في 17 أيلول 1787. الذي صدقت عليه الدول الأعضاء خلال عام 1788، ووضع موضع التنفيذ في أول كانون الثاني 1789. هذا الدستور أقام دولة فيدرالية قوية أنيط بها تحضير وسن القوانين، وممارسة العدالة، و الضرائب و النقود، و السياسية الخارجية، و الحرب و السلم . وقد أناطت هذه الدولة الفيدرالية نفسها مزيداً من السلطات و القوة نتيجة التطبيق العملي.

نالت الولايات المتحدة الأمريكيةاستقلالها عن بريطانيا العظمى في الرابع من يوليو/ تموز عام 1776 . وفي العام التالي للاستقلال, وتحديداً في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1777, اجتمع مندوبو الولايات المتحدة الأمريكية ( البالغ عددها آنذاك ثلاث عشرة ولاية وهي : نيوهامشير ، خليج ماساشوستس ، رود آيلاند وبروفيدنس بلانتيشوتز ، كونكتيكوت ، نيويورك ، نيوجرسي ، بنسلفانيا ، ديلاوير ، ماريلاند ، فرجينيا ، نورث كارولينا ، ساوث كارولينا ، جورجيا ) بهيئة " مؤتمر " Congress واتفقوا على أن تعقد فيما بين هذه الولايات نوع من أنواع الاتحاد يطلق عليه اسم " الاتحاد التعاهدي أو الكونفدرالي " Confederation ( أي اتحاد مجموعة من الدول مع احتفاظ كل منها بسيادتها وحريتها واستقلالها ). وفي التاسع من يوليو/ تموز سنة 1778 ـ أي في السنة الثالثة بعد الاستقلال ـ تم التوقيع في فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا على " مواد النظام الكونفدرالي والاتحاد الدائم " بين هذه الولايات Articles of Confederation & Perpetual Union ، وظلت البلاد ولسنوات عدة بعد ذلك تُحكم بواسطة " مواد النظام الكونفدرالي والاتحاد الدائم " ( وكان عدد هذه المواد 13 مادة ) .وبمرور الوقت أخذت الصداقة تقل بين كل ولاية وأخرى, وسرعان ما بدأت الولايات تدخل في نزاع خطير فيما بينها, وبدلاً من أن تجمع الولايات قواها وتعمل كفريق واحد متحد, أخذت تتجه في اتجاهات مختلفة متفرقة, وظهر خطر انشقاق الولايات لتصبح بلداناً صغيرة منفصلة .ولما كان هناك نص في مواد التحالف ( المادة 13 ) على جواز إدخال تعديلات في هذه المواد بموافقة كونجرس الولايات المتحدة والهيئات التشريعية في سائر الولايات ، ولما كانت التجربة قد أسفرت عن وجود نقائص في التحالف المذكور ( فالولايات المتحدة الأمريكية ، بالرغم مما يدل عليه اسمها ، كانت أبعد ما تكون عن كونها " اتحاداً كاملاً ", لقد كانت بدلاً من ذلك ـ كما نصت على ذلك مواد الاتحاد ( المادة 3 ) ـ " رابطة صداقة " League of Friendshipبين الولايات في سبيل دفاعها المشترك والمحافظة على حرياتها ورخائها ), ومن أجل ذلك اقترحت عدة ولايات في مقدمتها ولاية نيويورك عقد مؤتمر فيدرالي يجتمع فيه عدد من المندوبين الذين يجري تعيينهم بواسطة الولايات المختلفة لمراجعة وتنقيح مواد التحالف, وإرسال تقرير بذلك إلى الكونجرس والهيئات التشريعية للولايات المختلفة, مرفقاً به التعديلات والاقتراحات التي تجعل الدستور الاتحادي متكافئاً مع مستلزمات الحكومة وصيانة الاتحاد. وبعد أن أوفدت الولايات المختلفة مندوبيها ( وبلغ عددهم 55 مندوباً ) إلى المؤتمر, بدأ هذا الأخير ـ الذي أطلق عليه فيما بعد اسم " المؤتمر الدستوري " ـ أولى جلساته الرسمية " برئاسة جورج واشنطن " في 25 أيار عام 1787 في دار الولاية في فيلادلفيا ـ التي يطلق عليها قاعة الاستقلال ـ وكان معظم الرجال الذين وفدوا إلى المؤتمر زعماء في ولاياتهم وممن وقعوا مواد التحالف, وكان من بينهم مواطنون مشهورون أمثال: جورج واشنطن( القائد العام لجيش الاستقلال ), وبنجامين فرانكلين, وجيمس ماديسون ( الذي سمي بـ " أبو الدستور " تقديراً لخطبه ومفاوضاته ومحاولات التسويات التي قام بها ), وألكسندر هاملتون, وروبرت موريس, وجيمس ويلسون, وروجر شيرمان, وإدموند راندولف ... الخ.وعلى الرغم من أن المؤتمر الدستوري قد انعقد بغرض مراجعة وتنقيح " بنود التحالف " واقتراح ما يكون أفضل ، إلا أن الأمر قد انتهى بتلك الدول ـ بدافع من الحرص على مصالحها المشتركة وبتأثير من جورج واشنطن ـ إلى أن توافق على تحويل نظام ( الاتحاد التعاهدي أو الكونفدرالي Confederation) الذي كان يربط بين الولايات المختلفة إلى نظام ( الاتحاد الفيدرالي Federation ) ، وتم وضع دستور جديد لهذه الدولة الوليدة ( وهو الدستور الحالي للولايات المتحدة الأمريكية ، وقد تمت الموافقة عليه في 17 سبتمبر/ أيلول عام 1787 بأغلبية بعيدة عن الإجماع ـ أغلبية 39 صوتاً ضد 13 صوتاً ، وامتناع ثلاث دول عن التصويت ) . صورة:دكتور حسن مصطفى البحري, أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق/ جامعة دمشق[[ميديا:Example.ogg]]